أخـذ الخيـر
كان يرجع مساء من التعب.
أقبّل يده، ويقبّل رأسي.
أراقبه يتهندم بثياب النعاس بعد اغتساله من التعب، قبل أن يتعشّى، ويشرب كأساً من العرق، ويختم احتفاليّة المساء
 بسيغارة.
تصبحون على خير.
مرّةً، مرّ الصباح، وأخذ الخير معه، قبل أن أقبّل يده، وقبل أن يقبّل رأسي.
بقي رأسي مكشوفاً.
وبقي النعاس في ثيابه من دون نوم.
وأما الكأس، فحافظت على مسام أصابعه فوقها، على طعم شفتيه، قبل أن يمسحها بمنديل أبيض، مثل لون الصورة الباقية ظلاً من نوره في عينيّ.

جـــــــــــذور
التقطت العجوز غصناً قُطع من شجرة، تأمّلته وغرسته في التراب.
صرخ بها زوجها: لا فائدة منه. كان يابساً فقطعته. اتركيه للمدخنة.
لم تُجب.
مرّ كاهن الرعيّة، وكان سَمع ما قيل. فأضاف:
كل يابس يُقطع ويُرمى. ما بالك تخالفين الطبيعة.
ابتسمت، ولم تجب.
مرّ فلاح، وكان سمع، فشكَّك في الرأيين، ولم يقل صواباً في عَمَلِ العجوز.
لم تَهتمّ، حملت دلو ماء وسقت الغصن، وفي نفسها دعاءً لم تخرجه.
بعد أيام قليلة، ماتت العجوز، حملوها لتوارى في التراب، قرب ما زرعت، وإذ بالغصن اخضرَّ، وبان البرعم، فتحوا يدها الزارعة فوجدوا عروقها جذوراً لشجرة أم.

أمير الحكاية
كانت تروي لحفيدتها، كل ليلة، حكاية من حكاياتها المتشابهة.
في الجوهر عن أمير جميل التقى حلوة مثل حفيدتها وتزوّجها.
وفي التفاصيل تكثر المشاهد والمواقع والناس والطيور التي تشارك، وكذلك الحيوانات.
.. وتختم الجدّة الحكاية بالطلب من صغيرتها، أن تصلّي قبل إغماضة العينين الجميلتين، ليأتي الحلم إليها مع أمير أجمل من أمير الحكاية لتُزف إليه… حين تكبر.
تهزّ الحفيدة رأسها طاعة… وتخرج عنها:
لن تعرف الجدّة، لن تغضب.
تصلّي، وتطلب من الحلم أن يأتي إليها بطفلٍ كان يلعب في حديقةٍ قبالة بيتها.
ثيابه ملوّنة، سيفه من خشب، وقبعته من قش تطاير نصفه. ليس لديه حاشية وأحصنة، ولا يُخيف من حوله.
.. وتُختم الحكاية على ليلٍ وحلمٍ وصبحٍ وشبّاك تقف الصغيرة فيه لطفل من عمرها صار يدعوها لتشاركه لعبة «عريس وعروس».
.. وباكتمال العمر للأفراح.
* شاعر وقاص ورسام وصحفي لبناني