بمجرد رؤيته تشعر بأبوته. ونقاء سريرته، وإذا تحدث لمست صدقه وعمق إيمانه، فلا تملك إلَّا أن تحبه وتحترمه.
عبدالحفيظ شائع العريقي. عرفته عن قرب منذ أكثر من 12 عاماً. تتابعت الأيام ولم تنقطع رؤيتي له. دائماً يستقبلك بوجه بشوش وابتسامة، وبضع كلمات تختزل كرماً وشهامة لا حدود لمداهما.
قليل الحديث؛ لأنه ليس من هواة كثر الكلام. سألته ذات يوم: يا عم عبده، هل كنت معترضاً على ممارسة أولادك لكرة القدم؟ وهل ندمت على أشياء لم تحققها في حياتك أو ذهبت منك؟!
ابتسم، وقال بصوت هادئ، كعادته: "اعترضت أنا ووالدتهم في البداية، لكن بعدما شفناهم ماشيين صح تركناهم يلعبوا. وبالنسبة للندم، شوف يا ابني، عمري ما ندمت على شيء؛ لأني مؤمن بالله وقدره، خيره وشره، لذلك عملت ما يرضي ربي طيلة حياتي. اقتنعت بما رزقني الله ولم أطمع بما مع الناس، تعرضت للظلم فى بعض حقوقي وسامحت لإيماني بأن الله خير المنصفين. أطعمت أولادي حلالاً وعلمتهم طاعة الله ورسوله والوالدين، والإخاء واحترام الآخرين. والحمد لله عشت مع أسرتي مستوراً، ونجح أولادي في حياتهم العلمية والعملية والرياضية، وأنا فخور بهم والحمد لله.
ابني الأكبر "باسم" كل يوم عندي، لا يعود لمنزله إلَّا بعد الجلوس معنا. "بهاء" عندي في البيت، لا يقصر معي بشيء. مشكلتي معه السيجارة، يشتينا أبطلها حفاظاً على صحتي. "عمر" دائماً يزورنا ويجلس معنا. و"سليم"، ابني الأصغر، أحسن محاسب قانوني، لا يقل عن أشقائه طاعة وامتثالاً. وبناتي الثلاث متزوجات ورزقهن الله بأزواج محترمين. أيضا معي أحفاد أخلاقهم عالية، يسيرون على خطى آبائهم. شفت يا ابني، هذا هو رصيدي فى الحياة، وأحمد الله عليه".
انتهى كلام عمنا عبده، واليوم وبعد أكثر من عام على رحيله، تذكرته لأن زوجته الأم الفاضلة التي شاركته رحلة التربية والعطاء والتضحية تسير على نهج هذا الرجل العظيم الذي يستحق فعلاً لقب "أبو الكباتن". حفظها الله وربنا يتغمّد عمنا "عبدالحفيظ"، وجميع موتانا، برحمته، ويسكنهم فسيح جناته، إنه غفور رحيم مجيب الدعاء.