ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

جوليان جيجر
في الوقت الذي يسخر فيه الديمقراطيون الأمريكيون من سلسلة من الصفقات الخضراء المليئة بالتريليونات دولار، تملك السعودية صفقة خضراء خاصة بها ذات أبعاد هائلة. إلا أن رؤية 2030 لا تخلو من تحدياتها. هل يمكن لتلك الخطة الشاملة من أكبر مصدر للنفط أن تحقق بالفعل نجاحاً داخل الإطارات الزمنية الموعود بها؟
                
ركل العادة القديمة للنفط
رؤية 2030 هي الخطة الطموحة لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، والتي هي ظاهرياً من أجل تحديث السعودية وتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. وهذا طلب كبير نظراً إلى أن النفط والجاز يشكلان 50% من إجمالي إنتاج المملكة المحلي و70% من عائد صادراتها. وتمتلك السعودية 18% من مخزون نفط العالم المؤكد وفقاً لمنظمة أوبك. وهذا ما نسميه اقتصاداً وحيد المصدر. وفي حين أن النفط يتم تداوله حيث كل برميل قيمته 100 دولار فإن هذا أمر جيد. لكن السعودية استغلت مراراً وتكراراً طفرات النفط هذه لتصب الأموال نحو سلسلة من خطط التنمية الاقتصادية المعدة لركل عادة النفط القديمة، إذا جاز التعبير. هل هذا شيء مختلف؟

رؤية 1970 تعود من جديد
كان لدى السعودية ما لا يقل عن تسع خطط تنموية متتالية تستمر لخمسة أعوام تعود إلى عام 1970، صممت كل واحدة من هذه الخطط للهدف ذاته: تنويع اقتصادها ذي المسار الواحد بعيداً عن النفط. وبإمكاننا اليوم رؤية كيف تم تنفيذ هذه الخطة. 
بالإضافة إلى ترك العادة القديمة للنفط، تدعو أغلب الخطط إلى زيادة دور القطاع الخاص وتنمية رأس المال البشري. لذا، ليس غريباً على السعودية الخطط الكبرى التي حققت نجاحاً معتدلاً. 
إذا كان هذا سينجح، فإن الهدف الأول في رؤية 2030 لمحمد بن سلمان هو إبعاد السعودية عن الاعتماد الكلي على صناعة نفطها. لكن ذلك سيكون له تأثير يمضي إلى حد بعيد في صناعة النفط في السعودية. 
يدعو جزء من الرؤية 2030 إلى رفع فاعلية الطاقة، حيث يأتي استهلاك كبير للطاقة من قطاع البناء. ولكن حتى إذا بدا أن الرؤية سترفع الفاعلية المحيطة باستخدام أجهزة تكييف الهواء الثقيلة من المتوقع أن تتضاعف حاجة السعودية للكهرباء في العام 2030. وهذه الحاجة الجديدة للكهرباء سترفع الطلب على الطاقة المتجددة. ومع نمو الطاقة المتجددة للسعودية، ينبغي تحسين التكنولوجيا والتكاليف في قطاع الطاقة المتجدد. 
هنالك جانب آخر من رؤية 2030 يمكن أن يشهد تضاؤل نفوذ السعودية في أوبك بما أنها قد أصبحت أقل من مصدر للنفط. بالنسبة لأوبك، التي كان عليها بالفعل أن تجلب روسيا بغرض الاستمرار في التأثير على أسواق النفط العالمية، فإن خسارة السعودية باعتبارها أكبر مصدر لها سوف تضعف قدرتها على التلاعب بالأسعار. وبدون اتحاد نفطي قوي للقيام بذلك، يمكن أن يترك سوق النفط ينحسر ويضخ بشكل طبيعي. 

نسبة نجاح الرؤية
إن النجاح الحقيقي لا يمكن أن يقاس بمجرد وعود. تشير الأدلة إلى تحديات عديدة ستواجهها السعودية في طريقها إلى تحقيق رؤية 2030. 
لا تزال السعودية تقوم باستثمارات ضخمة في قطاع البترول. ففي أغسطس 2019، أخبرت أرامكو الهند بأنها ستشتري حصة 20% من أعمال التكرير والبتروكيماويات في الهند من "ريلاينس إندستريز" على حساب أرامكو بنحو 15 مليار دولار تقريباً. كما ستقوم "ريلاينس" بشراء 500 ألف برميل من نفط أرامكو الخام. تضع رؤية 2030 خطة لدمج الهند كشريك استراتيجي، لكن رغبتها في فعل ذلك في مجال البتروكيماويات يبعدها عن هدفها. 
لدى السعودية خطط كبيرة لتمويل رؤيتها في جزء كبير منها عن طريق إدراج 5% من أرامكو السعودية. لكن هذه الخطة، التي ستكون أكبر طرح عام أولي للنفط في العالم على الإطلاق، قد شهدت عدة تأجيلات. إن حواجز الاكتتاب العام الضخم هي القضايا الشفافة، والتحديات القائمة والأهم من ذلك هي تقييم 2 ترليون دولار الذي يتمسك به محمد بن سلمان بإصرار والذي رفضته أكثر البنوك. وتستمر أسعار النفط المنخفضة والخلافات مع إيران في الشرق الأوسط في خفض هذه التقييم. كان أحدث تأجيل قد تم الإعلان عنه في هذا الأسبوع مع موعد نهائي جديد في 7 نوفمبر، لكن هذه مجرد قائمة محلية على تداول ويمكن أن تجمع ما يصل إلى 40 مليار دولار، لكن هذا ليس كافياً. وعلى الرغم من أن تاريخ إدراج الاكتتاب العام في إحدى العملات الأجنبية لا يزال مجهولاً، إلا أن هذا الموعد مؤكد، فبدون الاكتتاب لن تكون هناك رؤية 2030. إن دفع السعودية بالمواطنين العرب إلى ضخ أموالهم في أكبر شركة نفطية فيها هو أمر غير بديهي حقاً كي تبعد مجتمعها عن صناعة النفط ويترك دولارات أقل سيتم استثمارها في الشركات السعودية غير النفطية. لذا في حين أن المملكة تقول نعم للتحديات بشفاهها فإن أفعالها تقول لا. 
تستمر قضايا حقوق الإنسان في مضايقة السعودية، والتطور في هذا المجال أساسي إذا كانت القطاعات الأخرى ستبدأ وتحل محل الصناعة النفطية. والسياحة -التي هي إحدى الصناعات التي تراكمها السعودية كي تساعد في تحقيق الإيرادات من شيء آخر غير النفط- تستطيع بصعوبة أن تبدأ كما خطط لها، نظراً للمناخ الاجتماعي الحالي في المملكة. بالنسبة للوقت الحالي، تهدف خطط السعودية إلى رفع مستوى السياحة من 3% من إيرادات السعودية إلى 10% في العام 2030. لكن منظمة "هيومن رايتس ووتش" أوضحت أنه "نفذت السعودية اعتقالاتها التعسفية ومحاكمات وإدانات لمعارضين وناشطين سلميين في 2018، بما في ذلك حملة قمع واسعة ضد حركة حقوقية نسائية بدأت في مايو. تشمل انتهاكات الحقوق عقوبة الإعدام لما تعتبره حقوق الإنسان معارضة ونشاطاً سلمياً. ومن قد ينسى حادث ريتز كارلتون؟ عززت السعودية أيضاً قانون الشريعة الذي لا يدعو كل السياح الأجانب، وعزمها على فرض غرامات على أشياء مثل عدم الاحتشام العام الذي يتضمن ارتداء الملابس المعتدلة والإظهار العلني للحب يظهر انفصالاً صارخاً وعدم رغبة في فعل ما يحتاج أن يتم إنجازه لتحقيق 10% من الهدف. 
لا يبدو أن المستثمرين الأجانب مؤيدون للسعودية إلى هذه الدرجة. في الحقيقة، كان الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية في السنة الماضية هو الثاني عشر لما كان عليه قبل عشر سنوات فقط، مع تأخر الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات عن الاستثمارات المخطط لها"، بسبب ما يرونه كعدم استقرار لمحمد بن سلمان والسعودية. 
رؤية 2030 هي خطة طموحة مع بطاقة سعر طموحة، ونجاح خطط أرامكو سوف يحدد فقط مقدار الأهداف التي ستحققها السعودية في 2030. إذا كان بإمكانها أن تحقق ذلك، لا شك أن هذا سيعني استقراراً أكثر للسعودية ومواطنيها وسوق طاقة قد لا يكون رد فعل كما هو اليوم على كل كلمة صدرت عن السعودية أو عن أوبك. 


أويل برايس دوت كوم
30 أكتوبر 2019