كان الشهيد المجاهد لطف القحوم في مقــــــدمة الصفوف وكان يذهلنا بحماسه وشجاعته
كانت تحركاتنا سلمية ومطالبنا مشروعـــــــــة لكن الإرهاب ارتدى زي الدولة وقتلنا

غازي المفلحي/ لا ميديا -
لم تواجه ثورة 21 أيلول 2014، كغيرها من الثورات، بالهروات والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، بل جوبهت بالرصاص الحي الذي سفك الكثير من الدماء البريئة. ولم ترسل السلطات الحاكمة، التي ضاق بها الوطن ذرعاً آنذاك، عناصر أمن بدعوى احتوائها، بل أرسلت لها عناصر تكفيرية مارست جرائم القتل بلا رحمة واستخدمت وسائل وحشية كثيرة، كالتفجيرات والاغتيالات والاختطافات والقتل بدم بارد بلا أسباب، كما هو معروف عنها عبر تاريخها الدموي والوحشي.
هؤلاء الإرهابيون بلباس الجيش والأمن كانت نواياهم واضحة في أنهم جاؤوا المتظاهرين بالذبح، وهو ما تترجمه تلك اللقطة الشهيرة لأحد الجنود أمام مبنى وزارة الداخلية، والتي يتوعد فيها المتظاهرين بالذبح عبر تمرير يده على عنقه. 
أيمن الكبسي أحد الشباب المشاركين في ثورة أيلول، وأحد الناجين من الجرائم التي ارتكبتها العناصر التكفيرية في حق المتظاهرين السلميين أمام رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية، استضفناه كشاهد عيان ليروي بعض تفاصيل ما حدث.

جاؤوا المتظاهرين بالذبح
يبدأ أيمن الكبسي حديثه بالقول: كنا معتصمين بجانب وزارة الداخلية، أو بمعنى أصح على بعد مسافة كافية منها، وتحديداً عند الدوار الذي يقع بعد الوزارة باتجاه المطار، حسب توجيهات لجان تنظيم الاعتصامات يوم 7 سبتمبر/ أيلول 2014.
كنت في الصفوف الأمامية، وأحيانا أتولى مهمة الهتافات بواسطة ميكرفون يدوي كان معنا، وكان في مقدمة الصفوف الشهيد المجاهد المنشد لطف القحوم، وكان يذهلنا بحماسه وشجاعته وبجواره كثير من رواد ثورة 21 أيلول لستشهد عدد كبير منهم.
علمنا من خلال ما رأينا من سلوك لقوات أمن النظام تجاهنا، أن هناك أوامر بفض الاعتصام حيث قدم إلينا جنود من قوات مكافحة الشغب والأمن المركزي مصحوبين بعربات مدافع الماء الحار وجرافات لإزالة الخيام. وكنا حينها نواجههم كمتظاهرين سلميين، فقد اعتدنا على هذا الأمر منذ مظاهرات عام 2011.

تكفيريون ضمن قوات الأمن
ويستطرد الكبسي: لفت انتباهي أنه كان هناك ضمن قوات مكافحة الشغب عناصر متعطشة للدم وذات نزوع إرهابي واضح، فبينما كنا نهتف بالمطالب كان هناك شخص يرتدي زي رجال الأمن يشير لنا بيده بحركة "الذبح"، وكأنه يقول لنا: سنواجهكم بالذبح، وهو ما يؤكد أن هكذا تصرفات لا يمكن أن تصدر من قبل عناصر شرطة أو قوات أمن عادية مكلفة باحتواء اعتصام أو تفريقه.
فمن المعروف أن عناصر مكافحة الشغب تشتبك مع المتظاهرين عندما يحاول المتظاهرون التقدم نحو مؤسسات حكومية أو شوارع ومناطق معينة، لكن في حالتنا هوجمنا، بينما كنا جالسين في ساحة الاعتصام، ولم نكن بصدد التحرك إلى أي مكان.
كانت تحركاتنا سلمية، ومطالبنا تعني الجميع حتى رجال الأمن والجيش أمامنا الذين ضاق بهم الحال مثلنا، كمطالب إسقاط الجرعة ووضع حد للفساد والعبث بمقدرات هذا الشعب المنهوب، وعندما كنا نكلم بعض رجال الأمن كانوا يتعاطفون معنا وكان من "يخزن" منا يقتسم "القات" معهم، فتكونت للوهلة الأولى بيننا صداقات، لكن العناصر التكفيرية التي جاءت ضمن قوات الأمن كانت تبيت لنا الشر، فبعد أن هددتنا بالذبح سابقاً، كانت تقوم بسلوكيات مريبة تفصح عن نواياها تجاهنا، فقد كان الواحد منهم يرمي "القات" الذي يقدم له من أحد المتظاهرين على الأرض ويدوس عليه باحتقار وغل.

الغرباني أول شهيد في ثورة أيلول
ويواصل الكبسي: كنا في المقدمة، وفجأة في نفس اليوم بدأت القنابل المسيلة للدموع تنهال نحو وسط المظاهرة، وقد لاحظنا حينها أن هذه القنابل لم تكن تطلق من قبل جنود الأمن الواقفين أمامنا في المقدمة والذين تعارفنا معهم، بل كانت تأتي من الخلف. وكان المتظاهرون، وكردة فعل معتادة للتخلص من القنابل المسيلة للدموع، يعيدون رميها باتجاه عناصر الأمن، دون القدرة على التمييز بين عناصر الأمن أو العناصر التكفيرية الموجودين ضمنهم، وبذلك تمكن التكفيريون من جر الجميع إلى مواجهة كاملة كنا نعتقد أنها لن تحصل.
بعدها باشرت قوات الأمن الاعتداء على المتظاهرين بالضرب واستخدام القنابل المسيلة للدموع بشكل كثيف جداً، وقد أغمي علي مرتين. كما حصل إطلاق نار حي بالكلاشنكوف والرشاشات، إلا أنها لم تكن نحو المتظاهرين، وقد سقط حينها شهيد واحد وهو جبريل يحيى محمد الغرباني من محافظة إب، وهو أول شهيد في ثورة 21 أيلول، وجرح 40 متظاهراً حسب الإحصائيات التي أعلنت، وذلك بسبب الاختناق بالغازات. ومن ذلك اليوم بدأ السلوك العدواني ضدنا من قوات مكافحة الشغب وكأنهم كانوا يريدون دفعنا لأي رد فعل غير سلمي ليبدؤوا بهجوم صريح علينا. وبالرغم من أن مبادرتهم بالهجوم علينا جعلتنا نزحف حتى باب وزارة الداخلية والتي كادت تصبح خالية بعد انسحاب كثير من الجنود، إلا أننا لم نقتحمها وعدنا إلى الخلف وانتهى ذلك اليوم.

"الفرقة" في مواجهة مظاهرة مدنية سلمية
ويستمر حديث الكبسي: اليوم الدامي كان أمام رئاسة الوزراء في التاسع من سبتمبر/أيلول 2014، حيث كنا نضع الشارات الصفراء في خطوة تصعيدية متقدمة أمام مبنى رئاسة الوزراء كحق مشروع ومطالبة سلمية في تظاهرات سلمية.
ذهبنا من ساحة الجامعة باتجاه رئاسة الوزراء، وكنا بأعداد كبيرة، ولم يكن المتظاهرون حينها من مكون أنصار الله فقط، بل كانوا من مختلف أطياف المجتمع، حيث كنا نرى أنصار المؤتمر الشعبي العام وهم يحملون أعلام الحزب.
كنا في شارع العدل عند الشارع المؤدي إلى مبنى رئاسة الوزراء، ووصلنا أمام وزارة العدل، وكان هناك عدد من أفراد قوات الأمن العام، ضباط وأفراد يمسكون أيدي بعضهم البعض ويصنعون حاجزاً على الشارع بأكمله. تفاهمنا مع عناصر الأمن العام وأخبرناهم كالعادة أن هذه المظاهرة سلمية وتطالب بحقوق لنا ولهم، وعندما لم يروا أي سبب لمنعنا سمحوا لنا بالمضي، فسرنا باتجاه رئاسة الوزراء من ذلك الشارع الفرعي.
كنت حينها مع خالي في المقدمة، وعندما لم أر جنود مكافحة الشغب ولا عربات رش الماء، توجست خيفة، وشعرت بأن هناك شيئاً ما سيحدث، متوقعاً بأن المواجهة قد تكون مختلفة وخطيرة هذه المرة، فقلت لخالي أشعر أن اليوم لن يمضي بسلام، ولم أكد أكمل حديثي حتى بدت من بعيد قوات تابعة للفرقة الأولى مدرع، فتفاجأنا بوجود قوات جيش لمواجهة مظاهرة مدنية سلمية.
تحركنا باتجاههم، وكنت في الحقيقة قلقاً للغاية من الاصطدام بهم، لأنهم كانوا مدججين بالبنادق الآلية والرشاشات وقد أقاموا مترساً، تقدمنا إلى قبل نهاية الشارع وتوقفنا وبدأنا بالهتافات حسب ما جاءتنا التعليمات من اللجان المنظمة، ولكي لا نصطدم مع جنود الفرقة الذين يبدو أنهم أتوا لقمعنا بالرصاص وليس بالغاز والعصي، حيث لم يكونوا مجهزين بالعتاد الخاص بمكافحة الشغب، كما أنهم ليسوا متدربين على مواجهة المظاهرات، بل كانوا مدججين بأسلحة القتل.

7 شهداء و219 جريحاً و50 مفقوداً
ويواصل أيمن الكبسي سرد التفاصيل: حينها تراجعت إلى الصف الخامس من المسيرة وحاولت أن أقف على درج أحد البيوت لأحصل على زاوية رؤية مرتفعة لكامل المسيرة من الأمام والخلف. وبينما كنا نهتف فجأة ودون مقدمات سمعت أزيز الرصاص قبل أن أسمع أصوات إطلاقه. ورأيت جنود الفرقة الذين كانوا أمامنا يطلقون النار بشكل مباشر نحو المتظاهرين ويقتلونهم بدون رحمة، كانوا يطلقون نيران رشاشاتهم نحو صدور المتظاهرين، في مشهد صادم عجزت عن استيعابه ولكنه كان حقيقياً بقدر الدماء التي سالت، حيث سقط كثير من المتظاهرين. واستمر الجنود بإطلاق النار بالرغم من انسحاب المتظاهرين. وحصل تدافع كبير أسفر عن تعرض البعض للدهس، بينهم أطفال، وقد أنقذت طفلاً كاد أن يموت دهسا خلال التدافع، أما حصيلة الضحايا حينها فقد بلغت 7 شهداء و50 مفقوداً. إضافة إلى إصابة نحو 219 متظاهراً، 75 منهم أصيبوا بطلقات نارية و144 بالغازات السامة والدهس والتدافع.
كانت مظاهرة سلمية لم يتأذ منها أحد، كان فيها الشيوخ والأطفال، ويمكن مراجعة تسجيلات تلك المسيرة وسترون كثيراً من الآباء يشاركون فيها مع أطفالهم باعتبارها مسيرة سلمية لها مطالب مشروعة، ومن شارك فيها من ضباط وجنود كانوا يأتون بالزي العسكري دون أن يحملوا أي سلاح حتى المسدس. ولو كانت تلك المسيرة غير سلمية لكان قد سقط فيها جندي واحد على الأقل، من جنود الفرقة الأولى مدرع، برصاص المتظاهرين الذين قد يدفعهم وجودهم في ساحة حرب وموت إلى الرد.
ما حدث أمام رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ليس سوى حلقة واحدة في دائرة الجرائم البشعة التي ارتكبتها العناصر التكفيرية الإرهابية في حق أبناء الشعب اليمني، فقد سقط 47 شهيداً و100 جريح، بينهم أطفال، في التفجير الإرهابي بميدان التحرير بعد نحو شهر من قيام الثورة الشعبية 21 أيلول. كما ارتكبت العناصر التكفيرية جرائم قتل كثيرة بحق مواطنين، فقط لأنهم كانوا يرفعون شعار "الصرخة" أو تصوروا معه، حيث قتلت العناصر الإرهابية التابعة لحسين الأحمر وحزب الإصلاح مواطناً أمام زوجته وأطفاله في عمران لأن على سيارته شعار الصرخة، كما أقدمت على قتل طفل لأنه كان يحمل شعار الصرخة أيضا. ثم التفجيران الإرهابيان في جامعي بدر والحشوش والذي راح ضحيتهما اكثر من 142 شهيد وأكثر من 350 جريح،  واغتيال الشخصيات اليمنية الوطنية من دكاترة وضباط ورجال الدولة منهم عبدالكريم الخيواني قبيل العدوان بأيام، وقصص أخرى كثيرة أخفيت وغيبت.
غير أن ثورة 21 أيلول تصدت لهذه العناصر التكفيرية الإرهابية وطهرت البلاد من رجسها ودنسها إلى غير رجعة.


السفير نايف القانص يروي تفاصيل جريمة اختطـاف وقتل قريبه على أيدي التكفيريين في خمر عمران:
عصابة حسين الأحمر هي التي اختطفت سمير وقتلته ورمت بجثته في أحد الشعاب
أم سمــير توفيت قهراً وهي تنتظر عودة ابنها وعمرها لم يتجاوز الـ40 عاماً
كانت العناصر التكفيرية الإرهابية في مقدمة الصفوف للتصدي لثورة 21 أيلول 2014، معلنة الحرب ضد كل من له صلة بالثورة الشعبية، أو مؤيد ومناصر لها، حيث مارست هذه العناصر تكتيكها الإرهابي الدموي ضد المدنيين الأبرياء قبل الثورة وخلالها وبعدها.
الشهداء الذين قضوا نحبهم على أيدي العناصر التكفيرية لا ذنب لهم سوى أنهم وقفوا يهتفون كمتظاهرين سلميين بمطالب مشروعة وطبيعية أو كانوا معتصمين في مكان ما، حتى وإن كان أحدهم عابر سبيل ويرتدي قميصاً عليه شعار الصرخة، فقد كان مصيره القتل على أيدي هؤلاء العناصر الإجرامية.

بشاعة الحقد الإرهابي
سمير غالب القانص، شاب التحق بالمسيرة بعد انطلاقتها وكان من المخلصين لها واستشهد على يد العناصر الإجرامية التي اعتقلته في منطقة خمر بعمران، وقصة استشهاده هي واحدة من القصص المؤلمة التي تظهر بشاعة الحقد الإرهابي المتلبس بعيال الأحمر ومتطرفي دماج وحزب الإصلاح.
السفير اليمني في سورية، الأستاذ نايف القانص، يروي لـ(لا) تفاصيل قصة استشهاد قريبه سمير، ويعيد للأذهان تلك القصة الحزينة لشاب غُدر به ورميت جثته لأشهر في الشعاب، بينما والدته كانت لا تزال تتمسك بآمال عودته، تمزق فؤادها الضنون بشأن مصيره ولم تتحمل ذلك كثيراً فتوفيت قبل العثور على جثته بالرغم   من أنها لم تتجاوز الـ 40 عاماً. 

اختطفته عصابة الأحمر
يبدأ سعادة السفير نايف القانص رواية ما حدث بالقول: كان سمير يعمل في محافظة صعدة، وأثناء سفره إلى هناك مرة من المرات في شهر أكتوبر من عام 2013، اختطفته عناصر الإرهابي حسين الأحمر التي كانت تقيم نقاط تقطع في منطقة خمر بعمران، حيث أوقفت السيارة التي كان على متنها وأنزلت سمير وفتشته واعتقلته. ومن حسن الحظ أن ابن أخي الآخر كان خلفه بالسيارة الأخرى، وهو فتح القانص، والذي شاهد ذلك، ومر من عند العناصر المتقطعة بعد إخفاء وثائقه فأبلغنا أنه تم اعتقال سمير.
ويواصل القانص: بدأنا في التواصل مع عقال ومشائخ حاشد من ضمنهم حسين الأحمر. ومن الذين تابعوا الأمر معنا بشكل حثيث الشيخ كهلان مجاهد ومبخوت المشرقي وعلي حمود جليدان وعدد كبير من مشائخ حاشد.
أنكر حسين الأحمر بشكل قاطع أن سمير محتجز لديه، مؤكداً أنه قد تم إطلاقه في ذلك الوقت. فقام أبناء القانص قبلياً بالضغط على أهالي حاشد لكي "يصفوا ساحتهم" كما يسمى في العرف القبلي، ليعطوا تفاصيل كاملة عن سمير القانص الذي غيب في منطقتهم وتحديداً في نقطة تقطع عناصر حسين الأحمر الإرهابية، بعد ذلك جاء حسين الأحمر وقدم 4 "بنادق" تصفية لساحتهم، ملتزماً أنه إذا ثبت أنه قد قام باختطاف سمير القانص أو وجد في ساحتهم فهو يتحمل المسؤولية.

راعية أغنام وجدت الجثة
ويستطرد القانص: مرت الأيام ونحن نتابع ونبحث. وبعد مرور عام، وبعد أن دخل الإخوة أنصار الله وسيطروا على محافظة عمران، ظهرت جثة سمير القانص، فبينما كانت راعية أغنام في أحد الوديان لاحظت طرف بطانية فسحبتها فإذا بداخلها جثة، أبلغت عن الأمر وأبلغنا عن ذلك بدورنا، فذهبنا وشاهدنا الجثة ووجدنا على الجثة الملابس التي كان يرتديها سمير ثم نقلناها إلى صنعاء لإجراء فحص الـDNA، وتأكد الجميع بأن المغدور به هو سمير القانص، ولم يكن جرم سمير القانص سوى أنه كان يرتدي كنزة داخلية "قميصاً" عليه شعار أنصار الله، فكان ذلك الشعار على قميصه بمثابة حكم الإعدام على ذلك الشاب رحمة الله تغشاه.
يضيف السفير: كان الكثير قد اختفوا أثناءها في تلك القطاعات على خط عمران وصعدة، والتي نصبتها العناصر الإرهابية التابعة لحسين الأحمر وإرهابيي دماج وحزب الإصلاح، وبدعم ورعاية سعودية، وكانت الأبواق الإرهابية في تلك الفترة قد بدأت تطلق على حسين الأحمر "بطل السنة" وغيرها من المسميات الطائفية الفتنوية.