غازي المفلحي/ لا ميديا -

أعتقــد أن لدــى أمانــة العاصمة وصندوق صيانة الطرق عمولة من أصحاب محلات قطع غيار السيارات!، هكذا يتذمر أحد المواطنين معلقاً على الكم الكبير من الحفر التي تنخل معظم شــــوارع العاصمــــة صنعــاء وتنخل معها سيارات ومركبات المواطنين التي تتضرر كثيراً بسبب السقوط في هذه الحفر التي تحدث لها أضراراً وتلفاً في أجزاء مهمة، وبذلك تضاف معاناة أخرى إلى متوالية المعاناة اليمنية التي لا تنتهي.

متوالية الهم
سائق السيارة اليمني الذي هو في الغالب محدود الدخل سابقاً وشبه معدوم الدخل حالياً، يتورط بمشاكل جديدة هي توفير مبالغ مالية إضافية إلى المبالغ الأساسية للعيش التي لا يكاد يجدها أساساً، وذلك لصيانة سيارته وشراء قطع غيارها التي لم تتلف نتيجة الاستهلاك ونهاية عمرها الافتراضي، وإنما تلفت في ريعان شبابها نتيجة غدر حفرة لم ينتبه لها السائق لتفكيره من أين سيحصل على مال لتسديد الإيجار المتراكم لعدة أشهر، أو لأنها كانت تختبئ منه تحت هدوء مياه الأمطار الراكدة.
بعض هذه الحفر كبيرة وعميقة إلى حد يثير القلق من السير في شوارع العاصمة ويقضي على أي أمل لدى السائق بأن تخرج سيارته سليمة بعد أن يزل إطارها في تلك القبور المفتوحة. المواطن طارق الحرازي يشتكي ويقول إنه حتى وإن كانت سيارتك مرتفعة ومتانتها جيدة فهي لن تصمد أمام تلك الحفر الكبيرة، فإذا كنت تسير بسرعة 40 فقط وسقطت في حفرة فعليك التوجه إلى أقرب "ورشة" أو "ميزان سيارات" لتفحص سيارتك، هذا إذا لم تسمع صوتاً غريباً وجديداً ينذر بتلف بعد السقوط مباشرة.
هذه الحفر قد تبقى مفتوحة لشهور طويلة وتتوسع دون أن تجرى لها صيانة، ويبادر الخيرون من المواطنين من أهل الأحياء والشوارع أو أصحاب المحلات لردمها بالحجارة والرمال رحمة بالسائقين وبأنفسهم، ومن باب عمل الخير ودفع شر تلك الحفر التي تفتك بالضحايا واحداً تلو الآخر. يقول إبراهيم الشرعبي إنه اشترى سيارة صغيرة ذات الـ3 سلندر ليوفر مبالغ استهلاك الوقود وحتى يتمكن من تدبر أمور حياته وعمله بمشاكل وضغوط أقل، لكن خطته فشلت بسبب طرق وشوارع العاصمة المتهتكة والمزروعة بالحفر، وما وفره من قيمة الوقود يصرف ضعفه في إجراء صيانة لسيارته التي قال إنها لا تتحمل السير في هكذا نوع من الشوارع.
الحفر الكبيرة وفي الشوارع الرئيسية السريعة نسبياً كشارع "الستين" و"الخمسين" أو خطوط السفر بين المحافظات والمديريات، تصبح خطراً أكبر تدخل في حساباته خسارة وتضرر الأرواح وليس قطع غيار السيارة وحسب، فقد يؤدي السقوط في إحداها والسيارة تسير بسرعة مرتفعة إلى عطل يؤدي إلى خروج السيارة عن مسارها كانفجار "الإطار" أو انكسار "المقص" أو "علبة وأعمدة المقود" وقطع كثيرة أخرى، وهذا يؤدي إلى حادث خطير للسيارة المتضررة أو السيارات والمركبات والأشخاص بالقرب منها.
يحكي لنا مجاهد محمد عن حادث مشابه، حيث يقول إنه قبل أقل من شهر تعرض جارهم لحادث في شارع "الستين الغربي"، فبينما كان يحاول عبور الشارع في حذر من السيارات أتت إليه السيارة بنفسها من الطرف الآخر بعد أن سقطت في حفرة كبيرة وانفجر إطارها وخرجت عن مسارها متجهة نحوه لتصدمه، ليتم نقله إلى المستشفى وهو في حالة خطيرة.
بزيارة محلات قطع غيار السيارات و"التشليح" تجد أن نسبة كبيرة من الناس يشترون قطع غيار بديلة لتلك التي تلفت جراء الطرق السيئة والمطبات والحفر، بينما لو كانت الطرق سليمة ومعبدة لاقتصرت عمليات الشراء على القطع الاستهلاكية فقط التي تمر شهور وأحياناً سنوات قبل أن يتطلب تغييرها.
كما تحصل كثير من الحوادث بين السيارات بسبب محاولة السائقين الهروب من الحفر.

الجميع يسقط والقليل من ينهضون!
الجميع يسقط في هذه الحفر، ولكن ليس الجميع قادراً على إجراء أعمال الصيانة، وهم الأغلبية، وأكثر شريحة تعاني من حفر الشوارع هم أولئك الذين يمتهنون قيادة السيارة لطلب العيش على سيارات الأجرة أو النقل، فهم ليسوا كأصحاب السيارات "الخصوصي" الذين بإمكانهم تقليل تحركهم بالسيارة في الشوارع المخربة واستخدام المواصلات العامة بين الحين والآخر أو ركن سيارتهم عند هطول الأمطار وتحول الشوارع إلى حقول ألغام، وليسوا سائقين لصالح شركات ومؤسسات حكومية لا تقلقهم أعطال السيارات، كما أنهم ليسوا من أصحاب الثروات المشروعة وغير المشروعة من ذوي السيارات الفارهة والغالية التي لا يمتلكها مسؤولون أوروبيون يناهز سعرها الـ100 ألف دولار، والذين يتفاخرون بعدم مبالاتهم بالسير بسرعة فوق الحفر والطرق الوعرة لأن سيارتهم قوية ويمكنهم بسهولة شراء ما يتعطل فيها بل شراء سيارات جديدة دون عناء. فسائق السيارة الأجرة ملزم بالخروج كل يوم وقضاء ساعات طويلة في الشوارع للبحث عن الرزق، وهو ما يعد استهلاكاً للسيارة في حالة كانت الشوارع سليمة، بينما يكون إهلاكاً تاماً للسيارة في شوارعنا المدمرة، وما يجنيه السائق في اليوم الأول من مال يصرف أضعافه في اليوم التالي كصيانة، وأصبح سائق الأجرة "شاقي لمحلات قطع الغيار بسبب الشوارع المحفرة"، حد وصف الكثيرين، وصارت مهنة سائق الأجرة أو النقل مدعاه للنكد والقنوط من الحياة. معاناة من اتخذ السيارة مصدراً لتحصيل الرزق طويلة ولخصها الزميل إبراهيم الحكيم في مقال باسم "ألغام صنعاء"، حيث أورد أن حفر الطريق كلفته شراء محرك جديد لسيارة استأجرها ليعمل عليها، فجاءت له محاولة الحل بمشكلة جديدة كبيرة بسبب الشوارع المدمرة.

رد الجهات المعنية
أحلنا شكاوى المواطنين إلى الجهات المختصة في أمانة العاصمة، وأدلى المهندس حسن الديلمي، مدير الوحدة التنفيذية للصيانة والترميم بأمانة العاصمة، بدلوه في الحديث عن هذه المشكلة، وقال في حديثه لـ"لا": "إن الطرق الإسفلتية تتطلب صيانة دورية كل 6 أشهر، ولعل أغلب ما يستهلك موازنات الدول هي البنية التحتية وصيانتها، وعليها يقاس تقدم الدول، وأعمال الصيانة تجري على قدم وساق في العاصمة، ومن المعروف أن الوضع الاقتصادي للدولة منهار في ظل العدوان، وهذا السبب الرئيسي في ضعف أعمال الصيانة، لكنها موجودة، وقد تحصلنا على بعض المبالغ، ونحن نبذل جهداً كبيراً للتخفيف من معاناة الناس، وهم يلمسونه في أكثر من شارع وحي، في هائل والدائري والخمسين والزبيري وشوارع أخرى، ونعمل على الوصول لترميم جميع الطرق، ونحن نأسى من حال الطرق ونتضرر منها كغيرنا".
وأضاف المهندس الديلمي أن الطرق الإسفلتية في العاصمة وبقية المحافظات تحتاج لصيانة دورية مستمرة لأنها تتضرر بسرعة أكبر نتيجة الحركة المرورية الكبيرة والحمولات الكبيرة للشاحنات حالياً بفعل الكثافة السكانية وبسبب الأمطار التي ينعم الله بها على بلادنا في عدة شهور من السنة، فمن المعروف أن المياه تؤدي إلى فقدان قوة الالتصاق بين المادة الإسفلتية، كما أن طرق وشوارع صنعاء هي في الأساس مجاري سيول، وقد عانوا في ترميمها وأُعيد العمل لثلاث مرات في بعض الشوارع لأن الأمطار كانت تفاجئهم وتفسد العمل في منتصفه.
وأشار الديلمي إلى أن شوارع العاصمة كثيرة، وأعمال الترميم تجري حسب الأولوية للشوارع الحيوية الرابطة والمهمة، وأن مشروع الأشغال العامة والصندوق الاجتماعي للتنمية، وبدعم من الأمم المتحدة، قاموا ويقومون برصف وترميم كثير من الشوارع والحارات التي كانت في أمس الحاجة للتعبيد، منها حارات عشوائية كانت أحياؤها وممراتها مزرية، ولم يكن ليصلها الرصف حتى بعد 100 عام، لكنه تم تقديمها كمد يد العون والتخفيف من حال أهلها الذين فاقم العدوان فقرهم.
ويختم المهندس الديلمي: "فقط المواطنون سريعي التذمُّر، والحفر وما تسببه لهم ولنا من متاعب تجعلهم لا يركزون أن هناك شوارع تُرمم وحفراً تُغلق وطرقاً تُعبَّد، ونحن نعمل وفق ما لدينا من إمكانيات، وحريصون على ترميم وتعبيد كل شارع وممر في العاصمة".