علي نعمان المقطري / لا ميديا -

لقد خسر العدوان جميع معاركه الأساسية، حربيا وسياسيا وأخلاقيا، نعم، لكن قد يقول أحمق ما: «هؤلاء الذين يدعون أن العدوان قد هزم، فإذا كان قد هزم فلماذا لم يرحل عن البلاد إذن؟ وكيف يستقيم القول بأن العدو قد هزم ومازال يحضر لحروب من نوع جديد للمرحلة الجديدة؟ وكيف يكون قد هزم وهو مازال ليل نهار يحوم بطائراته وبوارجه ودباباته في سماء البلاد وبحارها وأراضيها، ومازالت البلاد محاصرة بحرا وبرا وجوا؟».

 انسحاب الإمارات هزيمة وإعادة تنظيم
إن خروج الإمارات من الحرب المباشرة في الساحل الغربي والضالع منكسرة، بعد أن تكبدت تلك الخسائر التي لم تعد قادرة على تحمل المزيد منها، وقد رمت إلى معارك الساحل الغربي أكثر من 150 ألف مرتزق انتظموا في 50 لواء، والنتيجة هي تدمير أكثر من ثلث هذه القوات، فقد سقط أكثر من 50 ألف قتيل وجريح على الساحل الغربي خلال السنوات الماضية، وكذلك تم تدمير أكثر من 3000 عربة قتال ودبابات ومدرعات وغيرها من البوارج والزوارق والطائرات الحربية مختلفة الأنواع، ووصلت خسائرها المالية ما بين نصف تريليون إلى تريليون دولار خلال السنوات الخمس، وهو ما يوازي دخلها العام لعدة سنوات، حيث إن تكلفة المرتزق أكثر من 5000 دولار في الشهر، من رواتب ومعدات وتغذية وإدارة ومهام وغيرها، وبالتالي فإن تكاليف الـ 150 ألف مرتزق ستصل إلى مليارات الدولارات، هذا فقط مرتبات ومهام الأفراد، بينما تصل تكاليف المعدات المدمرات المستهلكة إلى أرقام خيالية، أي ما يعادل الدخل القومي للإمارات لثلاث سنوات.

 الرعب من مخاطر انتقال الحرب إلى أرضها
الإمارات وصلت إلى حالة من المأزقية العسكرية والسياسية والاستراتيجية والوجودية نتيجة استغراقها في المستنقع اليمني واشتباكها في الحرب الاستراتيجية الدائرة بين ترامب الأمريكي ومحور المقاومة، فقد أدت الهزائم والتكاليف الحربية على الإمارات إلى استنفار الإمارات الست الأخرى التي تشعر أنها تدفع تكاليف حرب لا تستفيد منها بل تعرضها للخطر الوجودي، وخاصة بعد ردعها بالصواريخ والمسيرات اليمنية التي وصلت إلى مطار أبوظبي والدمام والرياض.
كما تفجرت وتفاقمت أزمتها جراء التوتر في الخليج بين إيران والعدوان الأمريكي الغربي ونتائج المواجهات التي جاءت لصالح إيران وخسارة الغرب الأمريكي البريطاني، وانكشاف الغطاء الأمني الأجنبي عن السعودية والإمارات وغيرها. وهي في مقدمة الواجهات الجبهية لأي مواجهة قادمة، وستكون أول من يدفع ثمن الانفجار الحربي في المنطقة ويكتوي بنيرانه. فمصيرها مرهون بصاروخ يمني واحد يصل إلى أي من مدن وأبراج الزجاج الإماراتية، مما يضع مصير ومستقبل الإمارات، ككيان يجمع عدة كيانات صغيرة. على كف عفريت وفي مهب الريح. وكان على بن زايد وإخوته أن يختاروا إما أن يواصلوا منفردين الحرب المباشرة والالتصاق بسياسات ومغامرات ترامب المجنون، وإما أن يغيروا السياسة القائمة حاليا باتباع نهج آخر؛ وهو دعم حرب غير مباشرة عبر المرتزقة والوكلاء الذين وظفوهم خلال السنوات السابقة وعددهم قرابة الـ 100 ألف من المرتزقة الانفصاليين السلفيين الوهابيين. فالإمارات لن تخرج نهائيا من الحرب العدوانية على اليمن، لكنها ستختفي خلف وكلائها المحليين مرحليا وتدفع بهم إلى المواجهة مع الجيش واللجان باسم شرعية الانسلاخ والانفصال للجنوب ومحاولة فرضه عبر تسوية سياسية باسم ضرورة وجود يمنين ودولتين واحترابين دائمين وأبديين، ما يسمح للاحتلال بإبقاء سيطرته على الموارد الوطنية والثروات والمواقع ويمنع الشعب اليمني عن الاستقلال والكرامة والوحدة والحرية والازدهار والسلام، وفرض الخراب الأبدي عليه.
وفي هذا الخيار تتفق السعودية والإمارات، بعد أن عانت كلتاهما من الهزائم والنكسات والاستنزاف، لكن السعودية تحتفظ بسرية مواقفها وتشجع الإمارات على البدء بسياسة جديدة بعد أن أعلن لهما ترامب صراحة عجز أمريكا عن حمايتهما وعجزه عن كسر إرادة إيران بالقوة العسكرية، وأن عليهما السير في مسار المفاوضات حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، لأنه لم يعد يملك سوى القليل من أوراق الضغط العسكري، والتي لا يمكنه وحده اتخاذ القرارات بشأنها في ظل المعارضة الراهنة للكونغرس. ولذلك رأينا كيف غيرت الإمارات والسعودية من خطابهما السياسي تجاه إيران وتجاه الحرب في اليمن.
  
 الجميع يهربون من الجحيم
تدهور التحالفات والخروج المتوالي للمشاركين في الغزو العدواني على اليمن يقضي على مشروع العدوان كله ويكشف الحقيقة التي حاول العدوان إخفاءها خلف التجمع الدولي وهي أنه عدوان استعماري أمريكي ـ سعودي ـ إماراتي ـ بريطاني رباعي، كما يصف نفسه واجتماعاته اللندنية المتوالية التي ترسم استراتيجياتها ومناوراتها الجماعية للعدوان. 

تأكل القوة الأمريكية
نتائج الصراع الأمريكي ـ الأمريكي الداخلي على الحرب العدوانية على اليمن، وعلى وكلاء العدوان وحلفائه، كانت مؤلمة ومهينة للعدوان ومرتزقته وقواه؛ فقد هشمت الصراعات داخل البيت الأبيض والكونغرس حلف الشيطان بشكل عنيف، ومازالت المسيرة التدميرية مستمرة وسوف تتصاعد مفاعيلها كلما اقتربت المعارك الانتخابية الحادة خلال الأشهر القادمة. 

الرهان المستحيل
يعرف بن زايد الآن، من خلال ارتباطاته واتصالاته العميقة بدوائر القرار في المؤسسات الأمريكية، أن الرهان على استمرار ترامب في البيت الأبيض لفترة جديدة قادمة من أربع سنوات أمر مستحيل بعد كل ما جرى ويجري من حرب سياسية داخلية وحملات مضادة لسياسة ترامب في الكونغرس والإدارة والصحافة والرأي العام ومراكز التخطيط الاستراتيجي وفي الأحزاب المنافسة، بل وفي حزب ترامب الجمهوري نفسه الذي عقد العزم على إيقافه عند حده وحرمانه الثقة السياسية التي يحتاجها للترشح مرة أخرى إلى منصب الرئيس، فالجميع يعلم أن ترامب أصبح فرساً أعرج كسيحاً، ومكروهاً من قبل أغلبية الشعب الأمريكي الممثل بالكونغرس، الذي يطالب بإيقاف الحرب والعدوان ووقف تسليح دول العدوان بأغلبية الأصوات. ومن ثم فإن ملفات التمرد على الكونغرس والقوانين التشريعية سوف تفتح الآن وتجعل مسيرته القادمة صعبة ومستحيلة، ومعنى هذا أن بن سلمان سيجد نفسه وحيدا في الميدان، وعليه تلقي الضربات أو السير في الانسحاب من اليمن جنوبه وشماله، وتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الغزو والتدمير والعدوان والإبادة البشرية الفاشية لآلاف المدنيين اليمنيين جراء الرصاص والصواريخ والحصار والجوع والمرض. 
فالسعودية صارت في ورطة عسكرية واستراتيجية أكثر من أي وقت مضى، بعد أن تكبدت ولا تزال الكثير والكثير وستنزف طويلا، حيث تجاوزت خسائرها حاجز التريليون دولار سنويا، أي ما يصل إلى ستة أو سبعة تريليونات دولار كخسائر مباشرة. وكل هذا ولم تحقق سوى الأوهام والانكسارات والنكسات التي ستدمر مستقبلها ككيان وكيلي بالنسبة للغرب و»إسرائيل»، بعد أن ظهرت بكل هذا الضعف والتراخي والتهافت والضياع والتوحش والخيانة للأمة.

سلخ الجنوب الملاذ الأخير للعدوان
ما يجري في الجنوب الآن ومن قبل يأتي في سياق تنفيذ مشاريع العدوان الاستراتيجية الأخيرة والحاسمة كخط دفاعي أخير لاحتلالها وعدوانها وأهدافها الاستعمارية وأطماعها.
لقد تحدثنا كثيراً عن هذا الخيار الأخير للعدوان عندما يصاب بالانهيار الاستراتيجي واليأس والقنوط والشعور بالعجز، وهو علامة صحية وطنية وعسكرية تشير إلى قرب الاستقلال والتحرر. فالعدو بات يقطع شوطا بعيدا في تراجعه واستراتيجياته من السيطرة على العاصمة في شهر إلى السيطرة على الجنوب في خمس سنوات، وها هو يتراجع عن الجنوب نفسه، والثورة تتفجر في أقصى الجنوب الشرقي في المهرة وفي عدن ولحج، وستتسع لتعم الجنوب كله ضده وضد مرتزقته، وحين اعتقد أن الوقت قد حان للسيطرة على قصر الحكم في معاشيق عدن وانتزاعه من عملائه الآخرين (الشرعية)، أي من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى ليدعي قيام حكومة جديدة تحررت فيها ومن خلالها إرادة الجنوبيين الانفصاليين من سيطرة المرتزقة الوهابيين. وما الطرفان إلا فردتا حذاء للعدوان بشقيه السعودي والإماراتي، والمهم هو إثارة الاحتراب الأهلي شطريا وجهويا وفئويا ومذهبيا وقبليا.
المرتزقة في عدن، وبعد أن كسرتهم الضربات الصاروخية في معسكر الجلاء، طار صوابهم ولم يجدوا جوابا على ما أصابهم من أوجاع وجروح أثخنت جسد الاحتلال ومعنوياته وأحبطت هجوماتهم في مهدها.
ولم يجد الزبيدي وشلال وبن بريك سوى التحريض الشعبوي العامي المضلل ضد أبناء المحافظات اليمنية الأخرى العاملين هناك من الفقراء والكادحين والغلابى سكان الصفيح والأسفلت، يطاردونهم ويقتلونهم انتقاماً لمن أصابهم الصاروخ اليماني، حيث قاموا بقتل البوساء المسالمين وطرد من بقي منهم إلى الشمال خارج الحدود الشطرية الاحتلالية التي يراد لها أن تبقى أبدية كما يحلم بن بريك وأسياده.
ليس هناك أية قوة سياسية وعسكرية لها قضية تثق بها تُقدم على ارتكاب مثل هذه الأعمال الفاشية الإرهابية إلا لأنها تكون قد وصلت إلى ذروة اليأس من تحقيق أي نصر على الأرض.
لقد أرادوا أن تندفع المحافظات الشمالية إلى رد الفعل الإرهابي ذاته بحق الجنوبيين في مناطقها، وقبلها أرادوا إثارة ردة فعل مضادة ضد أبناء تعز في صنعاء وبقية اليمن، وهو نفس المخطط الصهيوني البريطاني في الأربعينيات لإجبار اليهود على الخروج من بلدانهم، عمدوا إلى ذلك ليصاب اليهود بالرعب والخوف ويتخلوا عن البقاء في البلدان التي كانوا فيها والرحيل إلى فلسطين أرض الميعاد وتشريد أهلها وإرهابهم لإفساح المجال أمام المستوطنين المنقولين إليها من أنحاء العالم خدمة للمشروعات الاستعارية الكولونيالية والعمل لها كحارس ليل.
هذا المخطط الذي أراد تحالف العدوان تنفيذه من خلال تلك الأعمال الوحشية بحق أبناء الشمال في الجنوب، على أمل إثارة ردة فعل مضادة بحق الجنوبيين في مناطق الشمال، استطاعت القيادة الوطنية إدارة ما نتج عنه من تحديات بثبات وحكمة وتسامح فوت على تحالف العدوان الفرصة لتمرير مخططاته الخبيثة، حيث دعت لعدم الانجرار إلى أية ردود أفعال سلبية، وجعلها فرصة للمزيد من التآخي والوحدة والتسامح والسمو الروحي الأخلاقي والوطني بين أبناء كل المحافظات.