لا ميديا - طلال سفيان / رند الأديمي -

أنا من حدنان، والضحايا بعض أهلي. بيوتهم خالية في حدنان، محروقة ومنهوبة، وقد نزحوا في كل الاتجاهات. ما جرى ويجري في حدنان مأساة حقيقية. نحن في حالة صدمة. الأمر يختلف عمَّا يجري في بقية المناطق. عمليات انتقام لم يتصورها أحد. لم نكن نتصور أن إخواننا في بقية القرى سيتعاملون مع إخوانهم في حدنان بكل هذا الحقد والقسوة والكراهية. كنا نعتقد أن «داعش» والدواعش كائنات من عالم آخر، غير مرئية ولا معروفة. فجأة تكتشف أن جارك، صديقك، من تعرفهم بالقرية المجاورة، يتصرفون كدواعش! تخيل شخصاً يرى الأماكن التي عاش فيها صباه، وكان يعتبرها ملاذه وملجأه، حين تضيق عليه الحياة بعيداً عنها، فجأة يراها تحترق، تدمر اجتماعياً وأمنياً! الشعور بالعجز مهين، أمام هذا لا تجد رغبة في الكتابة، ولا تدري ماذا تفعل! كان خطأ الجيش واللجان فادحاً بالانسحاب الأخير، هذا للأمانة التاريخية، ويتحملون جزءاً كبيراً مما حدث، وخاصة الانسحاب من حدنان، وهم يعرفون القصة. أكثر القرى تحرراً ويسارية كما يدعون، كان شبابها الأكثر قسوة، ومارسوا أعمالاً إجرامية أمعنوا بها في إهانة خصومهم وإذلالهم، من خلال اقتحام البيوت التي كانت خالية إلَّا من النساء، وكانوا يقصدون ذلك، وكثيراً ما هددوا به من قبل: «سندخل لعاركم للبيوت»!


القرى كلها متداخلة. حدنان، الميهال، ذي عنقب، هذه 3 قرى متجاورة متداخلة، وهي أقرب للمدن الصغيرة منها للقرى، المدارس مشتركة، الطريق، الأرض. الإجرام مزاج اجتماعي أكثر منه بدافع عقائدي، قُتل ابن عمي بقذيفة لـ"المقاومة" في سوق صينة. لم نستطع حضور الدفن والعزاء، خوفاً من نقاط المخلافي التي تقتل بالبطاقة. هؤلاء المجرمون خليط من عيال السوق وعيال بن باز، ومغرر بهم وعاطلين شغلوهم وجلبوا آخرين من خارج المديرية للأعمال القذرة. الدكتور عفيف الرميمة، دكتوراه في التعليم عن بُعد من تونس، رموا به من الدور الثالث. لم يكن مسلحاً. ولم يتكلم أحد. البعض قتلوا أسرى. كان كثير من أبناء المديرية، رجالاً ونساء، يرون في جدهم محمد سعيد الرميمة كولي من أولياء الله، بورعه وتدينه وزهده وفضله على الجميع. قبة مسعود التي فجروها هي قبة في قمة تلة مواجهة لقرية حدنان. كانت مكان تعبد لمسعود بن علي الرميمة، المتوفى قبل 600 عام، عند هذه القبة كان أبناء المديرية يتضرعون بالدعاء، وخصوصاً الفتيات اللواتي يعانين من مشكال عاطفية. هكذا تحدث الكاتب عباس السيد، أحد أبناء حدنان.

نية مبيتة لتفجير الأوضاع 
البداية كانت حين قام الإخوان في منطقة "أدود" بقصف مواقع الجيش في "وادي الضباب" و"اللواء 35" و"المطار القديم" و"الكشار". عندها أحضر الجيش دبابة إلى قرية "ذي عنقب" وتمركزت باتجاه قرية "أدود" حيث تُعسكر مليشيات الإخوان وتعتدي على مواقع الجيش في المدينة، فيما وصل طقمان إلى حدنان، واستقر بعض الجنود في "أكمة مسعود". كان ذلك في يوم الثلاثاء 14 يوليو.
في نهار ذلك اليوم، خرج مجموعة من أبناء مديرية "مشرعة وحدنان"، بدفع من الإخوان والسلفيين، في مظاهرة أخذت شكل المظاهرات السلمية، انطلقت من جامع "الأجدل" التابع للسلفيين، ووصلت إلى مكان تواجد الدبابة في "ذي عنقب" وتحرشوا بالجنود، فأطلق الطقم أعيرة نارية، أصابت أحدهم ويُدعى "جمال سلطان مهيوب"، سقط على إثرها قتيلاً، كأول قتيل في هذه الأحداث. حينها تم الهجوم على الدبابة وإحراقها من قبل عناصر كانت متخفية بين المتظاهرين السلفيين، مما يشير إلى أن كل شيء كان مُعداً سلفاً لتتدحرج الأمور إلى الحرب، رغم أن عقلاء المديرية كانوا قد أوشكوا على الاتفاق مع الجيش على إنزالها دون عنف.
هذا وقد أتت عملية مهاجمة الدبابة وطاقمها وإحراقها بعد تهديد مسبق أطلقه القيادي الإصلاحي "الدكتور أحمد عبدالعزيز مهيوب"، وبعد هذه العملية انفجر الوضع الأمني، إذ طفق الإصلاحيون والسلفيون  يطلقون النار من "أكمة الصامت" في "المهيال" ومن "ذي عنقب" ومن "القبلة" بشكل عنيف باتجاه الجنود المتمركزين في "أكمة مسعود" في الوقت الذي كان الدخان يتصاعد من الدبابة، وقطعت مليشيات الإصلاح طريق "المحرس" بعد الاعتداء على الطقم العسكري وقتل أفراده في لحظة زمنية واحدة تشير إلى أن تحرك هذه المليشيات في هذه المناطق المختلفة والمتباعدة نسبياً كان فعلاً مخططاً ومدروساً لا مجرد رد فعل عادي على مقتل أحد المتظاهرين. كما تم قطع طريق "القبلة- حدنان"، وتم حصارها من الجهتين بشكل كامل واستحداث نقطة تفتيش منعت دخول أي مواد غذائية إلى حدنان، وبصيغة أدق تم محاصرة آل الرميمة، وفي ذلك اليوم أصيبت السيدة "نور علي عبداللطيف الرميمة" زوجة "عبدالله أحمد سعيد" بطلق ناري في يدها اليسرى وهي في غرفتها، إذ إن مليشيات الإصلاح والسلفيين ومختلف المرتزقة المجمعين من خارج القرية والبلد، لم يطلقوا النار باتجاه الجنود فقط، بل استهدفوا منازل المواطنين من آل الرميمة المحاصرين في بيوتهم، وبشكل أدق استهدفوا من آل الرميمة المنتمين إلى حركة أنصار الله.

حصار وقمع وإذلال ممنهج
فرض الإصلاح والسلفيون ومن معهم من المرتزقة شبه حصار على أنصار الله من آل الرميمة، وبدؤوا فعلاً يمارسون حقيقة هيمنتهم العسكرية، ولكن بدون قواعد اشتباك أخلاقية، ففي مغرب يوم الخميس آخر أيام شهر رمضان تم قنص "عبدالناصر عباس الرميمة" من "أكمة الصامت"، وهو يحمل عشاءً للجنود. بدورهم رد الجنود على مصادر النيران بشكل كثيف، فيما تم إسعاف المصاب إلى المستشفى العسكري في تعز، في تمام العاشرة مساءً، بعد وساطة وتواصل مع مسؤول في الإصلاح في القرية بمعرفة الدكتور عرفات الرميمة، سمح لهم بالمرور في الطرق التي قطعوها.
يقول الكاتب عباس السيد، أحد أهالي الرميمة: "نجح الإصلاح والسلفيون في جعل المعركة معركة كل أبناء المديرية ضد آل الرميمة، الذين استقدموا "الحوافيش" لاحتلال المديرية، هكذا ضحكوا على الجميع، وبعد كل هذه الجرائم لم يستفق أحد، مع أن كل الذين قتلوا من آل الرميمة قتلوا داخل قريتهم أو في محيطها وفي منازلهم، ومن قتل منهم خارج القرية كانوا إما أسرى أو مخطوفين. للأسف لا تزال "المقاومة" تفرض حالة من الغطرسة والقمع ضد كل من يعترض. حالة إرهاب جماعي لكل المجتمع، لا يجرؤ أي شخص في القرى المجاورة على تقديم حتى شربة ماء أو وجبة للفارين والنازحين. "المقاومة" وضعت نقاطاً أمنية في كل القرى لاصطياد الفارين أو النازحين. يطلقون النار على النساء لإجبارهن على الكشف عن وجوههن، والهدف مزدوج للإذلال وغيره، وإلا ما الداعي لإيقاف شخص نازح أو مهزوم في قرية أخرى وهو في طريقه إلى المدينة، لا يشكل ضرراً على أحد؟! ويتم اقتياد الرجال أو الشباب إلى ما يسمى المجلس العسكري بالمديرية. النساء في القرى المجاورة تبكي وتولول على ما يحدث للفارين والنازحين في الطرقات، ولكنهن هُن وأزواجهن عاجزون عن تقديم أي مساعدة".
في يوم الجمعة، أول أيام العيد، تم قنص جنديين من منطقة "أكمة الصامت"، تم بعدها تبادل إطلاق النار مع الجنود. وفي يوم السبت 25 يوليو أصيبت فائدة عبد الجليل عبد الله، زوجة عبد الجليل عبد القادر الرميمة، بطلق ناري في باطن رجلها من قرية "ذي عنقب" الساعة الواحدة ظُهرا، تم إخراج الرصاصة بعد يومين في المستشفى العسكري بتعز. وفي عصر ذلك اليوم وصلت تعزيزات عسكرية من المدينة للجيش واللجان، دخلت بأطقم إلى قرية "المجرين"، بعد أن وقعت اتفاقاً مع أعيانها وأعيان قرية "القبلة" وفُك الحصار بفتح طريق "حدنان"، ووصلت الأطقم إلى مقبرة "حدنان" صباح الأحد 26 يوليو. 
 في تلك الأثناء كان الجيش متوقفاً في مقبرة "حدنان". نزلت لجنة سلام من أنصار الله إلى "الإصلاح والسلفيين" في "الميهال" مكونة من الدكتور عرفات الرميمة مع الدكتور مطهر الرميمة، يحملان رسالة إلى الإصلاح والسلفيين فحواها أن يفتحوا الطريق للناس والمواطنين من آل الرميمة، وبالمقابل فإن الجيش واللجان لن يستهدفوهم بأي أعمال قتالية. من جانبهم قال أهالي "الميهال" إن الأمر ليس بيدهم، إنما بيد ما سُمي "المجلس العسكري" الذي يجمع الإصلاحيين والسلفيين ومرتزقة آخرين من خارج القرية ومن خارج البلد كأداة للعدوان السعودي الأمريكي. واتضح للوفد من بيت الرميمة أن المُرتزقة مُتجهزون للمعركة وقد حسموا الأمر. وأثناء خروج الوفد من منزل عبده أحمد سعيد بدأ إطلاق النار من "أكمة الصامت" إلى "مقبرة حدنان" التي كان يجتمع بها حينذاك أفراد الجيش واللجان الشعبية والعديد من المواطنين، باعتبار المقبرة طريقاً وسوقاً عامة، وتم محاصرة المجتمعين في الطريق الواصل بين "حدنان" و"الميهال" لمدة ساعة ونصف. كانت النيران تُطلق عليهم بشكل مُباشر، وبدأت المعركة بين المُرتزقة وقوات الجيش واللجان الشعبية واستمرت من العاشرة صباحاً حتى المغرب. وفي ذلك اليوم استشهد وائل عبد العزيز الرميمة وداود محمد أحمد سعيد الرميمة وشوقي عبد الجليل وعبد القادر، وجُرح عماد عرفات الرميمة بطلق ناري اخترق كتفه وخرج من الظهر، أُسعف على إثرها إلى المستشفى العسكري بتعز، وأصيبت كريمة عبد الجليل محمد أحمد سعيد وهي في غرفتها نتيجة القنص الموجه إلى البيوت، برصاصة أصابت فخذها الأيمن واستقرت فيه، وتم إسعافها اليوم الثاني إلى مستشفى اليمن الدولي بتعز. استمرت الاشتباكات يوم الاثنين بين المُرتزقة من قرية "ذي عنقب" و"الميهال" وبين أنصار الله في حدنان بكافة أنواع الأسلحة المتوسطة. وفي تمام الثانية ظهراً، فجر الجيش واللجان الشعبية منزل الإصلاحي محمد عبد الرقيب، وتفجر معه منزل أخيه صادق، الملاصق له، باعتبار أن هذا المنزل انطلق منه رصاص قناصة المُرتزقة. 

نقض الاتفاقات بعد ساعات
في يوم الثلاثاء 28 يوليو حاول بعض أنصار الله الاتصال ببعض قيادات الإصلاح عن طريق التلفون والرسائل النصية ورسائل عبر ناس لإيقاف القنص من أكمة الصامت، كي يوقف الجيش واللجان وأنصار الله النار. وكان أحد الرُسل عبد الجليل غالب حسان، من أهالي "الميهال" الساكنين في حدنان. 
وفي يوم الأربعاء 29 يوليو أرسل الإصلاحيون والسلفيون رسالة بأنهم يقبلون التفاوض، فسحب أنصار الله 3 أطقم عسكرية بمن عليها من الجنود و"اللجان" وعادوا بها إلى مدينة تعز، وتبقى في حدنان من الأفراد عددٌ لا يتعدى الـ15 فرداً من أفراد الجيش واللجان. 
في يوم الخميس 30 يوليو، الـ11 والنصف، أرسل عبد السلام سرحان مقبل، قائد المجلس العسكري للمرتزقة، وتوفيق أحمد عبده، رُسلاً عنهما للتفاوض إلى "حدنان"، لكنهم هجموا بنفس اليوم على المنطقة بأعداد فاقت 150 من عناصر المرتزقة، واستمر الهجوم حتى العصر على "أكمة مسعود" التي يعسكر فيها الجيش وأنصار الله من بيت الرُميمة من جميع الجهات وعلى مداخل قرية "حدنان"، من "الميهال" و"الصامت" و"ذي عنقب"، واستولوا على "أكمة مسعود" وعلى عدة منازل لآل الرميمة تم إحراقها ونهبها في مدخل القرية وهي 3 منازل لعلي عبد القوي الرميمة أحدها يطل على "ذي عنقب" و2 في "الصامت"، ومنزلي عبد الجليل عبد القادر الرميمة المُتلاصقين، ومنزل أحمد سعيد الرميمة، ومنزل عبد الغني عبد الله سلطان الرميمة، ومنزل عبد العزيز الصمدي الرميمة، وتم سرقة مخزن للبضائع المتنوعة تابع لفضل علي أحمد سعيد الرميمة مجاور للبيوت المسروقة، كما تم إحراق سيارة شوقي عبد الجليل الرميمة. وفي ذلك اليوم استشهد من بيت الرميمة 3، هم مجيب علي عبد القوي الرميمة أمام منزله وكان يُدافع عنه، ومحمد عبد الله محمد في مقبرة حدنان، وأبو بكر عبد الله عبد الرحمن داخل منزله وهو يدافع عنه، وأصيبت هدى عبد الله أحمد عبد العزيز بطلق ناري وهي داخل منزلها استقرت في بطنها وظلت تنزف حتى الموت، ومنع أبناء قرية "القبلة" إسعافها من الطريق الذي استولوا عليه بعد انقلابهم على الاتفاق الذي عقد مع الجيش واللجان الشعبية. واستشهد من الجيش واللجان 7 أو 8، وتم أسر العديد منهم. كما تم قتل 13 من المهاجمين المرتزقة وجرح 20 حسب ما تناقلتهُ مواقعهم الإلكترونية. والمُلاحظ أن كُل قتلى المُرتزقة قتلوا في مناطق بيت الرميمة، مما يعني أنهم كانوا بموقع المُعتدي، بينما آل الرميمة بموقع المُدافع عن نفسه. 
في يوم الأحد 2 أغسطس تم قنص محمد عبد العزيز الرميمة في "أكمة المصري" حال ذهابه لإبلاغ الجيش بإيقاف إطلاق النار بحسب الاتفاق مع الطرف الآخر، وتوفي فوراً. 
في يوم الأربعاء 5 أغسطس شنت مليشيات المُرتزقة هجوماً باكراً على "حدنان" من كل الجهات، بكثافة، استمر 4 ساعات، حاولوا الاستيلاء عليها، وأحرقوا عدة بيوت، منها بيت عبد الله عبد الرحمن الرميمة، وبيت سعيد عبد الحفيظ الرميمة ومنزل أحمد محمد عبد الرحمن الرميمة ومنزلا عبد القوى عبد الوارث الرميمة المتلاصقان، وسرقوا منزل الدكتور عبد الرحمن أحمد عبد الجليل الرميمة ومنزل عبد النور عبدالرقيب الرميمة ومنزل أحمد عبد الله الرميمة ومنزل عبد النور عبد الرقيب الرميمة ومنزل أحمد عبد الله الرميمة ومنزل صادق عبد الله سلطان الرميمة. 
في يوم الجمعة 7 أغسطس تم قنص أبو طالب عبد العزيز الرميمة ويوسف أحمد عبد الوارث الرميمة فسقطا شهيدين، وتم إصابة أمة الله بدر أمين أحمد عبد الجبار في كلتا رجليها برصاص قناص وهي في طريقها لبيت جدها. وتم إصابة وردة عبد الغني محمد عبد الجليل الرميمة في منزلها برصاصة اخترقت بطنها وخرجت من الظهر.
في يوم السبت تم قنص أحمد محمد عبد الجليل سلطان الرميمة في "أكمة شعيب" وهو يحاول فك الحصار المضروب على القرية مع أفراد الجيش واللجان. وفي يوم الأربعاء 12 أغسطس تم إصابة هاشم عبد الله سعيد الرميمة أمام منزله وهو يدافع عنه، وتوفي بعد عدة ساعات، وتم إصابة محمد علي عبد القادر الرميمة إصابة بالغة وتوفي بعد ساعتين. وقد دخلت في ذلك اليوم أول دفعة من الجيش واللجان قوامها 5 أفراد راجلة إلى حدنان المحاصرة من طريق القبلة.
 ومجدداً تحرك الجيش عصر يوم الخميس 13 أغسطس وسيطر على تبة "أكمة مسعود" التي تُطلق منها النيران، وفي نفس اليوم تم قنص شيماء عبده محمد عبد العزيز الرميمة برصاصة اخترقت عينها اليمنى وخرجت من العين اليسرى وهي في منزل خالها عبد الباري عبد الله أحمد سعيد فسقطت شهيدة على الفور. وفي يوم الجمعة 14 أغسطس وجدت الشهيدة جليلة محمد سعيد الرميمة وابنها المؤذن وضاح عبد الجليل عبد الله الرميمة الذي لا ذنب اقترفه غير أنه ردد "حيا على خير العمل"، قتيلين في منزلهما، ولم يكن بيد وضاح حين وجدوه غير قطعه قُماش (مقرمة) كان يُحاول أن يُوقف بها نزيف جرح والدته ليُفجر فيه المُجرمون ينبوع دم! وتم إصابة مطهر محمد عبد الجليل الرميمة برصاصة في رجله وعز الدين محمد عبد القوي الرميمة وهما يحاولان فتح بيت عبد الجليل محمد عبد الله الرميمة زوج الشهيدة جليلة، وتوفي عز الدين محمد عبد القوي عبد الله الرميمة يوم السبت 15 أغسطس إثر إصابته برصاصة مصدرها قناص من بيت عبد العزيز مقبل استقرت في العمود الفقري. وفي نفس اليوم انسحب أفراد الجيش واللجان الشعبية من قرية حدنان إلى تعز بعد الاتفاق بين مكون أنصار الله والمرتزقة على التهدئة ووقف إطلاق النار. لكن المرتزقة هجموا يوم الأحد 16 أغسطس على قرية حدنان من كل الجهات، ودخلوا بيوت آل الرميمة وأسروا الرجال الذين بقوا في القرية، وسطوا على كل الأسلحة الشخصية، وتم قتل 3 من الأسرى.

منع العودة إلى القرية
أحمد عفيف الرميمة، نجل الشهيد الدكتور عفيف، قال: "في يوم الخميس 13/8/2015م، أصيب ابن عمي عز الدين وهو يحاول أن يفتح باب منزل السيدة جليلة، فحملناه أنا ومجموعة من الشباب، لأن الطريق مقطوع إلى قرية الربحين ثم إلى الموادم، وأوصلناه إلى المستشفى العسكري، لكنه مات في اليوم الثاني، وعدت إلى الموادم وحاولت العودة إلى القرية، لكني لم أستطع، لأن القرية مغلقة، وأنا ضمن الملاحقين والمطلوبين، وبعد يومين من خروجي من القرية علمت أن والدي استشهد بتلك الطريقة البشعة التي ذكرتها والدتي" (ستأتي في السطور اللاحقة).

نبشوا قبور الشهداء
الطفل أحمد عبد الله عبد الرحمن أدلى بشهادته عن يوم الاقتحام واغتيال والده: "كنا جالسين في البيت ولم نتوقع أنهم سيقتحمون القرية، وفجأة سمعنا إطلاق رصاص فصعدنا إلى السقف ووجدنا ضرباً على منزلنا وشاهدتهم وهم يقنصون جارنا مجيب علي محمد عبد القوي عندما حاول أن يهرب من منزله إلى منزلنا، كما شاهدتهم وهم يقنصون منير. وفي يوم 16/8/2015م، اقتحموا منازل وقالوا إنهم يفتشون عن أنصار الله والأسلحة، وأنا كنت مطلوباً رغم أن عمري صغير ولم أحمل سلاحاً، لكنهم لم يجدوني لأني كنت مختبئاً في منزل خالي منذ 5 أيام وهو منهم، وعن استشهاد والدي فقد قال لي أناس كانوا حاضرين عندما وصل أبي المدرسة وجد أسرى مقيدين ومكبلين إلى الخلف وعرايا وليس عليهم سوى الملابس الداخلية التي تغطي العورة فقط، فقام والدي يتلو آيات قرآنية ويذكر أحاديث شريفة عن كيفية معاملة الأسرى، فغضبوا منه وقاموا بتكبيل يديه إلى الخلف والتحقيق معه وطلبوا منه أن يدلهم على مكان ابنه أبو بكر، فقال لهم إنه قد استشهد وقد تم دفنه وحدد لهم مكان قبره فذهبوا ينبشون قبر أبو بكر وقبر مجيب للتأكد من جثتيهما. ومما شاهدته أيضاً من جرائم أنهم كانوا يقيدون الأسرى ويقودونهم في الساحة والقرية حتى يرعبوا أسرهم".

تمثيل بالجثث وسحل وتنكيل بالأسرى
 في ذلك اليوم تم اقتياد 3 أسرى من بيوتهم بطريقة مذلة، وهم: الشهيد الدكتور عفيف عبدالله محمد الرميمة أخذوه من منزله في الساعة الثامنة صباحا للتحقيق بعد أن حلفوا له بعدم إيذائه، خصوصاً أنه لم يحمل السلاح قط، لكنهم قتلوه في الساعة التاسعة في "مجمع السعيد بحدنان" ورموا بجثته من الدور الثالث، فتولت زوجته مع بعض النساء دفنه بعد أن منعوا الرجال من ذلك، وتم قتل عباس عبدالله محمد سعيد الرميمة والتمثيل بجثته في قرية ذي عنقب بطريقة غير إنسانية ولم تسلم جثته حتّى كتابه التقرير، وتم قتل محمد عبد القوي الرميمة بعد أخذه من منزله للتحقيق بحسب قولهم وتم قتله وهو يمشي في الطريق ويداه مكبلتان إلى الخلف وإطلاق النار عليه في الكلية اليسرى فنزف حتى توفي يوم الثلاثاء 16 أغسطس ولم تسلم جثته ولا نعلم عنها شيئاً بحسب إفاده زوجته. 
الشاب عباس عبد الله محمد سعيد الرميمة في قرية ذي عنقب سلم نفسه بعد الاتفاق على وقف القتال وانسحاب الجيش، لكن المسلحين قاموا باقتياده إلى قرية ذي عنقب بتاريخ 16/8/2015 وهناك قيدوه وربطوه إلى ظهر حمار، وكانوا يضربون الحمار كي يسرع في الجري ويسحبه خلفه إمعاناً في التعذيب والتنكيل، وظلوا يمثلون به بهذه الطريقة السادية أمام أبناء القرية ثم قاموا بإطلاق النار على جسده ورأسه والحمار يسحبه وهم يضحكون ويصفقون وكأنهم في نزهة.

رموا بجثته من الدور الثالث
السيدة هنود أحمد عبدالرحمن الرميمة، زوجة الشهيد الدكتور عفيف الرميمة، تروي مَشهداً واحداً من مآس مرت على بيوت آل الرُميمة بيتاً بيتاً: "الدكتور عفيف يعمل بجامعة صنعاء وقد جاء في عيد الفطر لزيارتنا في القرية كي ينقلنا إلى صنعاء بعيداً عن الحرب، لكننا لم نستطع الخروج من القرية، لأن الطريق كانت مغلقة، وقد كان أصحاب القرية يقولون: أيش جاب الدكتور في هذا الوقت وهو دكتور لا يعرف يستخدم السلاح؟! وفي يوم 16/8 الساعة الثامنة صباحاً حضر 3 أشخاص إلى منزلنا، وهم محمد عبده العوبلي وعبدالله العر وشخص ثالث، وقالوا له سلم نفسك وسلم السلاح، وأخذوه إلى مدرسة السعيد، وهناك قالوا جاء واحد إلى عند الأسرى وقال لهم: من منكم من بيت الأمين؟ فقال الدكتور عفيف أنا من بيت الأمين، فقالوا له أين سلاحك؟ قال لهم أنا لا يوجد معي سلاح، فقالوا له أنت معك سلاح أو ما معك سلاح، أنت من بيت الأمين، فسحبوه وقيدوا يديه إلى الخلف واقتادوه إلى الدور الثالث وهناك أفرغوا في رأسه مخزن رصاص ورموا به من الدور الثالث إلى الخارج، وقد كلمني بهذا أشخاص كانوا موجودين في المدرسة، وقد عرفت بالجريمة بعد ساعة من خروج عفيف من المنزل، حيث انتشر خبر بأن المسلحين رموا بواحد من فوق المدرسة، وبعد ذلك جاء واحد اسمه عمر النهاري وقال أقول لكم من هو الذي رموا به؟! قلنا له من؟ فقال الدكتور عفيف، فأسرعت إلى جوار المدرسة وعندما شاهدت زوجي مرمياً في الأرض ومخه قد تطاير ويداه مكسرتان صدمت ولم أعرف ماذا أعمل! فجلست في جوار الجثة أبكي لوحدي، وكان المسلحون يسبونني ويتمسخرون بي ويقولون هذا حوثي، وكنت أطلب من المارة أن يحملوا معي الجثة لكن كلهم كانوا خائفين ورفضوا أن يتعاونوا معي في حمل جثته، وبقيت في جوار الجثة من الساعة الـ9 صباحاً وكنت أبكي وأحاول جمع مخه إلى داخل كيس وهم يمرون يستهزئون بي ويخرجون ألسنتهم نحوي ويقولون لي اتركيه للكلاب تأكله... حاولت أستعطف رحمتهم، وقلت لواحد من القرية لقبه الفياضي: اعتبره أخوك، فقال اقبريه عندك أو خليه للكلاب! وبعد ذلك جاءت أختي نبيلة الساعة الـ11 ظهراً كانت تبحث عن زوجها فانصدمت من منظر زوجي ورجعت إلى القرية وجمعت أكثر من 20 امرأة، وفي تمام الساعة الواحدة بعد الظهر استطاعت النساء الوصول إلى عندي وقمنا بلفه وحمله، وكان المسلحون يضحكون علينا ويطلقون الرصاص، فأخذناه إلى المقبرة وقبرناه نحن النساء، ولم يحضر معنا سوى رجل واحد، هو صهيرنا من الإصلاحيين، وأطلقوا علينا الرصاص ونحن في المقبرة وظلوا يلاحقوننا ويسبوننا ويشتموننا ويشتمون السيدة فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون: روحين مران، عند عبدالملك". 


لا ميديا - طلال سفيان / رند الأديمي

بمشاركة فاعلة 
ومشكورة من الدكتور عرفات الرميمة