مارش الحسام / لا ميديا -

رغم تطور مستوى صناعة الأدوية اليمنية، وبالذات خلال السنوات العشر الأخيرة، ووصول هذه الأدوية  
إلى عدد من الأسواق العربية والأفريقية، إلا أنها لم تنل ثقة المواطن اليمني الذي مازال مترددا في الإقبال عليها ويجعلها بمثابة خياره الأخير، بل إن شريحة كبيرة من الأطباء اليمنيين يتحاشون صرف الأدوية المحلية
 لمرضاهم مفضلين عليها الأدوية الخارجية. 

انطباع سلبي
الدكتور صيدلي جعفر النهمي، مدير عام التسويق في الشركة الدولية للصناعات الدوائية (فارما كير) اليمنية، تحدث لصحيفة "لا" قائلا: "النظرة السلبية تجاه الدواء اليمني خفت نوعا ما، ولم تعد بالحدة ذاتها التي كانت عليها قبل عشر أو خمس عشرة سنة، وذلك بعد التطور الكبير الذي شهدته صناعة الأدوية في اليمن مؤخرا، وصارت الأدوية اليمنية تنافس مثيلاتها عربيا من حيث الجودة والسعر، وتصدر إلى عدد من الدول العربية والأفريقية، وهذه شهادة للدواء اليمني بأنه ذو جودة وفاعلية وفق المواصفات والمعايير الصيدلانية".
وأضاف: "مع ذلك وللأسف مازال هناك انطباع سائد وسلبي عند بعض اليمنيين تجاه الدواء المصنع محليا، وهم يحكمون عليه مسبقا بعدم الفاعلية دون حتى أن يجربوه، لأنهم يعتقدون أن مصانع الدواء في اليمن تصنع أصنافاً رديئة وهذه فكرة خاطئة".
وأكد أن الأوان قد آن لتغيير تلك الصورة النمطية السلبية عن الدواء اليمني، وهو ما يستلزم جهود كل الجهات ذات العلاقة، من وزارة الصحة والأطباء والإعلام...

تعزيز الثقة
مواطن التقيناه في إحدى الصيدليات ونحن بصدد جمع مادة هذا التقرير، يرى أن من الواجب الوطني دعم المنتج الوطني، بما فيه الأدوية، حتى وإن كانت أقل جودة نسبيا من الأدوية المستوردة، ولكنها تبقى خطوة في المسار الصحيح، مطالبا الشركات ومصانع الأدوية في اليمن بتعزيز الثقة بينها وبين المستهلك اليمني.

قلب مش لعبة
الحاج أحمد الأحمر (55 سنة، من مديرية الحيمة محافظة صنعاء)، يعاني من عدة أمراضه منها السكري وارتفاع ضغط الدم، وحالته الصحية تستلزم تناول خمسة أقراص من أصناف دوائية مختلفة يومياً.
حالته المادية أيضاً ليست أحسن حالا من حالته الصحية. ولأن علاجاته باهضة الثمن، وتكلفه شهريا ما يقارب 18 ألف ريال، صار يشتري أدوية بديلة ذات سعر مقبول وفاعلية جيدة. يقول إنه جرب أدوية أردنية وأخرى مصرية وسورية، ولم يجرب قط استخدام الأدوية اليمنية، ولا يجد الشجاعة لاستخدامها.

"ما اشتيش دواء يمني"
عامل في إحدى الصيدليات تحدث لصحيفة "لا" قائلا: "صحيح أنه لا يوجد مجال للمقارنة بين الأدوية المصنعة في اليمن وبين الأدوية المصنعة في أوروبا كسويسرا أو ألمانيا وغيرهما من الدول الغربية، ولكن على الأقل يمكن مقارنتها بالأدوية العربية والآسيوية.
وأضاف: "حدث أكثر من مرة أن قمت بصرف دواء لمريض، ثم أفاجأ به يعود لاحقا لإرجاعه، لأنه دواء يمني. أما إذا كان المشتري طفلا، فهناك من يتهمني أحيانا بالغش، وقد تحدث مشكلة، كأن يعود أحد أقارب الطفل ساخطا: ليش تخدع الجاهل وتعطيه دواء يمني؟ بل إن البعض بمجرد دخوله الصيدلية يشترط: ما اشتيش دواء يمني... قبل أن يطرح طلبه أو يشكو علته". 

عقدة الخارجي
صيدلي آخر يقول إن المواطن أصبح لا يشتري الدواء اليمني إلا إذا لم يجد الدواء الخارجي، لأنه باعتقاده يمتاز بالجودة والفاعلية بعكس الدواء اليمني.
وأكد أن أغلب المواطنين يفضلون شراء الأدوية المصنعة في جنوب وشرق آسيا، فقط لأنها صناعة خارجية وليست يمنية، وثانيا لرخص ثمنها، بينما هي في الحقيقة أدوية رديئة جدا وأغلبها صنعت في مصانع مشبوهة بدول كالهند وبنجلادش وتايلاند والصين وما جاورها، بل إنها ممنوعة من دخول معظم الدول العربية، باستثناء اليمن والصومال، بسبب رداءتها وعدم مطابقتها للمواصفات، بينما الدواء اليمني الذي يصول ويجول في عدد من الدول العربية والأفريقية، غير مرغوب عند المواطن اليمني. 
وأضاف أن عقدة الدواء الخارجي لا تسيطر على المواطنين فقط، بل إن شريحة كبيرة جدا من الأطباء لا يثقون بالعلاج اليمني، وينصحون مرضاهم بعدم استخدامه.
وأشار إلى أن غالبية الأطباء يرفضون الدواء اليمني إذا صرف بديلا عن دواء آخر بالتركيبة نفسها.
وتابع: "أحيانا يكون الدواء الذي وصفه الطبيب غير متوفر في الصيدليات، وهنا يضطر الطبيب إلى قبول العلاج البديل ما لم يكن صناعة يمنية أو من بنجلادش وتايلاند وغيرهما من تلك الدول".

الوطنية ليست على حساب المرضى
الدكتور صلاح ريشان، أخصائي طوارئ عامة وعناية مركزة، تحدث لصحيفة "لا" قائلا: "الطب من أشرف وأقدس المهن الإنسانية السامية، والطبيب يتعامل مع الجميع بمختلف مذاهبهم ومعتقداتهم وفق أساس واحد فقط هو كون أحدهم مريضاً، ودون أية اعتبارات أخرى. وبالمثل يجب على الطبيب أن يتعامل مع الدواء بصفته دواء ناجعاً، لا بصفته دواء يمنياً أو غير يمني".
وتابع بالقول: "من واجبي كطبيب أن أختار أنسب وأنجع دواء للمريض. وإذا كان هناك دواء أفضل من اليمني وبسعر مناسب سأختاره للمريض، مفضلا إياه على الدواء اليمني".
وأضاف: "قد يقول البعض إن من واجب الطبيب أن يساهم في دعم الاقتصاد الوطني وتشجيع الدواء المحلي. أقول لهم: الوطنية ليست على حساب المرضى، لأن الوطنية الحقيقية للطبيب هي استشعار المسؤولية الأخلاقية التي تقتضي اختيار العلاج الأفضل والأنجع وبالسعر الأنسب للمريض".

مقبولة نوعا ما
عامل في إحدى الصيدليات يقول إن كثيراً من الأدوية اليمنية أثبتت فاعليتها، خصوصاً أدوية القلب والسكري، واستطاعت أن تكسب ثقة المواطن اليمني بعد أن قام بتجربتها. 
وأكد أن أعداداً كبيرة من مرضى القلب والضغط والسكري وبالذات من لا يجيدون القراءة والكتابة يستخدمون أدوية يمنية باستمرار دون أن يعرفوا أنها صناعة يمنية. 
وأضاف أن البعض يفاجأ حين يعرف أن الدواء الذي يستخدمه منذ شهور هو صناعة يمنية، وهناك من يعلق ساخرا: "هذا الدواء الوحيد الذي أفلح اليمنيون في صناعته".

الصراحة راحة
الدكتور أكرم الشرعبي، أخصائي طوارئ عامة وعناية مركزة، يقول: "إذا كان المريض يعاني من وعكة بسيطة لا أجد حرجا في أن أكتب له دواء يمنياً أو أقبل بالدواء اليمني إذا صرف بديلا للدواء الذي كتبته. أما إذا كانت حالة المريض حرجة بين الحياة والموت، فهنا لا أقبل الدواء اليمني ولا الأدوية المصنعة في دول العالم الثالث، والصراحة راحة".
وأضاف: "أنا لا أتجنى على الدواء اليمني، وإنما أتكلم عن دراية وبصفتي طبيباً ولدي عدة تجارب مع المرضى وتجارب شخصية".
وتابع بالقول: "أنا شخصيا حين أستخدم شريط مضاد حيوي يمني فإنني لا أحصل على النتيجة المطلوبة إلا إذا ضاعفت الجرعة بشريط آخر، بينما شريط واحد خارجي يفي بالغرض. ومن تجاربي الشخصية يحدث أحياناً أن يصاب أحد أطفالي بالحمى وبمجرد أن أعطيه ملعقة من دواء بريطاني أو حتى أردني تزول الحمى. أما حين أعطيه ملعقة من دواء يمني لا تزول الحمي إلا إذا ضاعفت الكمية وأعطيته ملعقة أخرى".

تطور ملحوظ
الدكتور صيدلي عبدالناصر التبعي، مندوب علمي للشركة اليمنية المصرية للصناعات الدوائية والواقعة في أحد ضواحي العاصمة صنعاء، تحدث لصحيفة "لا" عن النظرة السلبية تجاه الدواء اليمني، مؤكداً أنها تتقلص تدريجياً، وتتعزز الثقة به يوما بعد آخر، بسبب القفزة الكبيرة التي شهدتها صناعة الدواء في اليمن خلال السنوات العشر الأخيرة. 
وأضاف: "في السابق كان هناك تقوقع لمصانع الدواء في اليمن، وكانت تقتصر على تصنيع الأدوية الشعبية كعلاج الحمى والسعال، وكان العلاج اليمني محل سخرية. أما اليوم فهو محل ثقة، وكل دواء يصنع في سويسرا أو ألمانيا صار يُصنع في اليمن، وبمواصفات عالية، وبشهادة كبار الأطباء في اليمن، الذين صاروا يثقون تماما بالدواء اليمني وعلى قناعة تامة بأنه أفضل من الدواء الهندي والآسيوي".
وأكد أنه مازال هناك أطباء غير مقتنعين بالدواء اليمني حتى اللحظة، "ولكني أعتقد أنهم في القريب سيضعون كامل ثقتهم بالدواء اليمني".