الرئيس الراحل قال لي سنضحي بعشرات الشهداء فـي سبيل الانتصار لمظلوميتك

حاوره: شايف العين / لا ميديا -

اليوم الذي أعلن فيه الشعب ثورته في 21 أيلول، كان بالنسبة لعدنان المداني وكل الثوار، الغد والمستقبل، المصير والضوء الذي انتظروه طيلة عقود عاشوها وسط الظلام، لذلك اندفع بكل ما أوتي من قوة للانضمام إليها، بل ضحى في سبيل مبادئها تضحية يلاحقه ألمها إلى اليوم، بعد أن عاقبه المجرمون عقاباً شديداً. ذنبه الوحيد أنه أراد بلداً خالياً من الفاسدين.
بفعل مادة الأسيد الخام التي رشقه بها المجرمون في سبتمبر 2014، فقد بصره، لكنه لم يفقد بصيرته. تضرر وجهه بشكل كبير، إلا أن توجهه ووجهته الثورية لم يصبهما ضرر، غير أن الذي سيقتله ويحقق انتصاراً لكل فاسد هو إهمال القيادة الثورية له. أما الجهات المسؤولة في حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي فيبدو أنها متوجهة ضده، وتتعمد عدم إنقاذه، كونها بذلك ستخلق أيقونة لكل الأحرار ترعب الفاسدين الذين تمتلئ بهم كراسيها؛ ولم تمانع أن يظل على قيد الحياة، وقد وضعته في موضع ثامن شهداء ذلك اليوم المشؤوم الذي غادرنا فيه الصماد ورفاقه الستة.
لم تتخلَّ عنه الحكومة التي انبثقت من ثورة 21 أيلول، بعد تعرضه لجريمة قاسية ومؤلمة على أيدي مجرمين رئيسهم فار من وجه العدالة، ووقفت معه بكل جهدها، حتى أنها بدأت تحقق ما صبا إليه ثوارها، لتكون في نظر المداني وبقية الثوار الحلم الذي انتظروه عشرات السنين، قبل أن يُصعقوا بحقيقة أن تلك الدولة تجسدت فقط في الرئيس صالح الصماد، وتوفيت باستشهاده.
سلّم المداني أمره ومظلوميته للخالق قبل أي أحد. وأخذاً بالأسباب طرق أبواب مكاتب الوزراء والمسؤولين في حكومة الإنقاذ الوطني وأعضاء المجلس السياسي الأعلى؛ لكنه منذ استشهاد الرئيس صالح الصماد وجد على كراسيها أجساداً بلا أرواح، وكل ما بقي أمامه هو أمل واحد يتشبث به مصيره، وحلم واحد يطمح مع أبناء الشعب إلى تحقيقه لضمان مستقبلهم في وطن أثقل كاهله الفاسدون على مدى عقود، وكلاهما يؤمن عدنان بوجودهما خلف باب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وعلى يد صحيفة «لا» قرر المظلوم طرقه في هذا الحوار.

أخشى توقف القضية تماماً
 أين توقفت قضية الاعتداء على النقابي عدنان المداني؟
القضية محجوزة للحكم لدى القاضي أكرم العلفي، وموعده إذا صدق القضاء هو يومنا هذا السبت.
لقد ألقي القبض على عدد من منفذي الجريمة، وعددهم 5، فيما 4 آخرون لازالوا فارين من وجه العدالة، على رأسهم الآمر والداعم وصاحب المصلحة من جريمة استهدافي، وهو المجرم "أ. م. ل" الذي تم تهريبه من صنعاء إلى السعودية من وسط قاعة المحكمة أثناء جلسة المحاكمة، في فبراير 2015، عبر نافذين، وعدد من المحامين متواجدون إلى الآن، في العاصمة.
كما أن إصدار الحكم تتم المماطلة فيه باستمرار، في الوقت الذي ينعم فيه المجرمون بكل ما يشتهون سواء الذين هربوا إلى السعودية أو المتبقين هنا، وأخشى أن تتوقف القضية تماماً. 


حجز تحفظي لا تنفيذي لأملاك المجرمين 
 ما هي الإجراءات التي اتخذت بحق المجرمين حتى الآن؟
صدر من المحكمة أمر حجز تحفظي لأملاك 5 من المتهمين، أما المتهم الرئيسي فلم يصدر القاضي أمراً بحجز أملاكه، لذلك لم نستطع التعامل معها، ووصلتني أنباء عن أنهم يريدون بيع أرض تابعة له في وادي الأعناب، وبلغت الجهات المسؤولة، لكنهم ردوا عليّ بأنها ليست ضمن الأملاك المحجوزة، ولم أعلم ماذا حدث بعد ذلك.
كما أن العقارات التي صدرت أوامر بحجزها، لازال أصحابها يستلمون إيجاراتها حتى الآن، والقضاء يقول بأن هذا الإجراء طبيعي وقانوني بمبرر أنه لا يمكن إتمام الحجز التنفيذي قبل صدور الحكم.
 من أين لك هذا؟ كفيل بالتوفيق بين مكافحة الفساد ومواجهة العدوان
 أنت من ضمن الذين حولوا العمل النقابي إلى عمل ثوري مخيف للفاسدين، كيف يمكن التوفيق بين مكافحة الفساد ومواجهة العدوان في الوقت الحالي؟
أنا أعتبر الفاسدين في الداخل خطراً يماثل العدوان على الوطن، ولو تمت مكافحتهم ستكون البلاد في خير، وفي الوقت الراهن يجب أن يكون هناك قوانين، حتى ولو عرفية، تضع حداً لممارسة الفساد الذي يجري حالياً، فالناس بحاجة إلى التفات القيادة لهذا الأمر المهم جداً، فالموظفون بلا رواتب، وهذا بفعل الحرب الاقتصادية المندرجة ضمن العدوان، لكن الفاسدين مستمرون بنهب المال العام المتبقي، ولو كان بسيطاً، كون المرتزقة والاحتلال يسيطرون على الثروات الرئيسية للبلد. وعلى هذا فإن مواجهة الفاسدين أمر أساسي للصمود في وجه العدوان.

أتمنى اعتماد النقابيين الذين ضحوا بحياتهم كشهداء
 ماذا بشأن النقابيين الذين قتلوا، هل يتم اعتمادهم كشهداء؟
هناك النقابي في كهرباء تعز الزميل عبدالكريم رحمة الله عليه، قتل بعد جريمة استهدافي بفترة، وبسبب انشغالي بالقضية وحالتي الصحية المتدهورة لم أستطع متابعة قضيته بالشكل المطلوب، ومن المفروض أن يتم اعتماد النقابيين كشهداء، فهم يضحون بأنفسهم في سبيل حفظ مقدرات الشعب وحمايتها من الفاسدين.
وأنوه هنا إلى أنه تم قتل نقابي آخر يعمل في مكتب النائب العام، قبل فترة بسيطة لا تتجاوز الأربعة أشهر، على يد أحد المتهمين بجريمة استهدافي، حيث استدرج المجرم زميله وقام بقتله داخل حوش منزله.
وفي الخلاصة إذا أردنا أن نوفق بين مواجهة العدوان ومكافحة الفساد، علينا تفعيل جملة استفهامية خفيفة، لكنها ثقيلة على الفاسدين، مفادها: من أين لك هذا؟ ويتم توجيهها إلى كل مسؤول في حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي. 

العمل النقابي سينجح 
عندما يتم اختيار ممثليه عبر انتخابات حرة ونزيهة
 أين يمكن أن يتواجد الآن عدنان النقابي وبقية النقابيين؟ وما هي العراقيل التي يواجهها العمل النقابي؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
ابتعدت كثيراً عن العمل النقابي بفعل مرضي وانشغالي، لكنني أحضر كل وقفة في حال علمت بها، كما أنني شاركت في عدة وقفات احتجاجية في ألمانيا ضد تحالف العدوان الأمريكي السعودي، وتنديداً بالجرائم التي يرتكبها بحق أبناء الشعب.
العمل النقابي يحتاج أولاً إلى أناس يمثلونه عبر انتخابات حرة ونزيهة، وأملي أن يتم هذا في الوقت الحالي كونه قبل ثورة 21 أيلول كانت المناصب النقابية عبارة عن تقاسم بين حزب الإصلاح وحزب المؤتمر، ولا يمثلها مرشحون فازوا بجدارة، وعلى سبيل المثال هنا في الكهرباء صعد أشخاص فجأة في النقابة لا يعرفهم أحد، وجلبهم النافذون من التربية ليتولوا عمل النقابة هنا بما يضمن استمرار فسادهم.

القضاء أكثر مؤسسة يستشري فيها الفساد
 هناك من يقول إن الفساد مقنن، وأن القانون الحالي يمثل غطاء لممارسة الفساد، فهل يمكن إعادة فلسفة القانون بما يضمن مراقبة الوظيفة الإنتاجية لا الفواتير فقط؟
طبعاً يمكن ذلك، ونتمنى أن تتم إعادة صياغة القوانين، وفي بلدنا يمارس الفساد بشكل منظم، ويحدث هذا بشكل كبير، خصوصاً في المناقصات، وكذلك شركات التأمين.
لذلك فالقوانين هي أصل الفساد، ويتم تشريعها بحسب أهواء الفاسدين، لضمان مصالحهم، وهنا في الكهرباء أشرس أنواع الفساد تسبب في إيقاف عمل المؤسسة وتوقف تنفيذ المشاريع وإعطاء الامتيازات للشركات الخاصة.
وتجدر هنا الإشارة إلى أن القضاء من أكثر المؤسسات التي ينتشر فيها الفساد، وإذا لم تتم معالجة هذه الكارثة فسنقبع تحت الفساد لعقود قادمة. 


الجهاز المركزي موضع رهان إذا منح الصلاحيات الكاملة
 هل ترى أن آلية عمل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الحالية تجعله قادراً على أن يكون محل رهان لمكافحة الفساد بغض النظر عن قيادته؟
نعم، ومتأكد من قدرته على مكافحة الفساد بشكل كبير، ونحن لم نكن نحتاج إلى هيئة مكافحة الفساد بوجود الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، فقط نحتاج لأن يعطى الصلاحيات الكاملة، ويحظى بدعم من رأس السلطة يحميه ممن سيلحق الضرر بهم.
وللعلم يملك الجهاز كوادر شريفة ومؤهلة، ولو أعطيت الصلاحيات الكاملة والدعم المطلوب لما بقي فاسد إطلاقاً.

نجاح العمل الحكومي يتطلب تفعيل "يد تحمي ويد تبني"
 الجانب العسكري بمختلف وحداته ينجز ويبرهن على أن الدماغ اليمني قادر على اجتراح معجزات بأقل الإمكانات، بالتوازي هناك حكومة أشبه بسلحفاة لا تنجز شيئاً، بل أصبحت عبئاً كبيراً. أين يكمن الخلل من وجهة نظرك؟
الحكومة من ورق، والخلل يكمن في عدم تطبيق رؤية الرئيس الشهيد الصماد المتمثلة في "يد تبني ويد تحمي"، فالثانية موجودة، لكن الأولى مشلولة، كذلك هناك عدم إحساس ممن يتبوؤون المناصب المدنية بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم في هذا الوقت. وبالتالي عدم وجود رؤية وطنية داخل الحكومة والمجلس السياسي، فهم ينظرون إلى الوظيفة العامة كتجارة تدر عليهم الربح الوفير، أي ينظرون إليها كمغنم، وليس مغرم، على عكس الجانب العسكري الذي يفرض تفعيل قانون الطوارئ وتشكيل حكومة حرب من الوزارات السيادية، لأنه لا فائدة من كل الوزارات إطلاقاً، بل كما قلتم أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً قد يكون على الجانب العسكري. ونحتاج حالياً لتحرك ثوري يفضي إلى تعليق 3 إلى 4 من هوامير الفساد على باب اليمن، ليكونوا عبرة للبقية.

أنا من أوائل من انضموا للثورة والضحية الأولى
 تتعرض للإهمال رغم أنك كنت عنواناً بارزاً من عناوين ثورة الشعب في 21 أيلول 2014، ما تعليقك؟
لا أقول إن هناك إهمالاً بالمعنى الكامل، بل انشغالاً من الجهات المعنية في حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي وقيادات الثورة بسبب العدوان الذي يشنه التحالف الأمريكي السعودي، وإن وجد إهمال فأتمنى أن يكون غير مقصود، ثم أنني أخجل ولا أجرؤ على التحدث حول قضيتي «العلاج»، خصوصاً وأن تضحيتي لا تعتبر شيئاً أمام تضحيات المجاهدين من الجيش واللجان الشعبية في جبهات القتال، وتضحياتهم بأرواحهم في سبيل الوطن. كما أن الجرحى منهم بالمئات، وربما يكونون بالآلاف، لذلك فأنا وما حدث لي لا نمثل شيئاً أمامهم.
كذلك الرئيس المشاط منشغل عن متابعة القضية للسبب ذاته، وأنا أعذره، وكان قد وجه شركة كمران، الأسبوع الماضي، بصرف المنحة العلاجية، لكنها اعتذرت بسبب الظروف التي تمر بها بفعل العدوان والحصار، ومبلغ المنحة هو 88 ألف يورو، بحسب التقارير من ألمانيا، وما تم صرفه إلى الآن لا يتجاوز 4 ملايين ريال، وهذا لا يفي حتى بتكاليف المعيشة هناك. 
وأوضاع المؤسسة العامة للكهرباء التي نعمل فيها، متدهورة جداً بسبب استهداف العدوان لها، والضرر الكبير الذي لحق بها نتيجة ذلك، فهي شبه متوقفة عن العمل، وإلا لما كنا احتجنا توجيهات لمؤسسات وشركات أخرى، كونها ستقوم باللازم وتوفر تكاليف العلاج.
وبالنسبة للثورة فقد كنا أول جهة حكومية تنضم لثورة 21 أيلول، وكنا الأكبر حضوراً في ساحتها، وتم استهدافي بعد الانضمام للثورة بـ3 أيام، حتى إن هناك من لقبني بشرارة الثورة. فقد كنتُ من أوائل الثوار الذين ضحوا في ثورة 21 أيلول، وأنا أول ضحايا من حاولوا قتلها. 

كان لدي موعد للقاء الرئيس بعد عودته من الحديدة لكني التقيت بجثمانه فقط
 التقيت بالشهيد الرئيس صالح الصماد عدة مرات، من ضمنها لقاءات في الخارج، حدثنا عن هذا؟
الرئيس الصماد كان إنساناً قبل أن يكون رجل دولة، دائماً ما يعيش ألم الآخرين، ويسعى لتخفيفه عليهم حتى ولو تحمل هو ذلك الألم، فهو يفكر بالمواطنين ولا يفكر بنفسه.
زارني في ألمانيا، وأنا في حالة مزرية جداً بعد جريمة الاعتداء عليّ بفترة بسيطة، وكنت حينها فاقد البصر تماماً، وهذه أشد اللحظات ندماً في حياتي كوني لم أره.
دخل إلى غرفتي التي كنت أرقد فيها، وكنت أسمعه، وأتذكر الآن كل كلمة قالها لي، حيث حدثني قائلاً: لا تخف يا عدنان، والله إننا مستعدون نضحي بعشرات الشهداء في سبيل الانتصار لمظلوميتك، فقضيتك قضية وطن.
وفعلاً الشهيد الرئيس صالح الصماد هو الوحيد الذي لمست منه اهتماماً حقيقياً بمظلوميتي، وكان يوجه توجيهات صريحة بدفع مبلغ المنحة، ويتابع سير قضيتي في المحكمة أولاً بأول، لكن بعد استشهاده التقيت بمعظم القيادات، ورغم لمسي لأيديهم عند مصافحتهم، إلا أني حتى هذه اللحظة لم ألمس تجاوباً منهم مع ألمي. 
طبعاً كان الرئيس الشهيد دائماً ما يطلبني للقائه في منزله، وفي مقر عمله، وكنت أحرج جداً، وأعتقد أنني سأشغله عن مهامه الكبرى كرئيس للجمهورية، وكان لدي موعد لقاء معه عقب عودته من الحديدة، ولكن لم ألتقِ إلا بجثمانه الطاهر عندما شيعناه في ميدان السبعين، والألم الذي شعرت به في ذلك اليوم يفوق الألم الذي خلفه الاعتداء عليّ بآلاف المرات، فقضيتي ومظلوميتي استشهدتا معه رحمه الله. 

أملي الأخير خلف باب سيد الثورة وأتمنى طرقه عبر صحيفتكم
 سيد عدنان يبدو عليك التعب، وكي لا نطيل الأمر، بماذا تريد أن تختتم هذا اللقاء؟
أتمنى أن يصل كلامي هذا لسيدي القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي: سيدي كنتُ من أوائل الثوار الذين ضحوا في ثورة 21 أيلول، وأنا أول ضحية بعدها، وأتمنى منك الإنصاف من ناحية العلاج ومن ناحية القضية، فقد وصلت إلى مرحلة أصبت فيها بالفشل الكلوي نتيجة المهدئات التي أتعاطاها هنا، وطوال 3 سنوات انقطعت عن استئناف العلاج في ألمانيا.
والمشكلة هي أنني وصلت إلى كل مسؤول في هذه الدولة دون جدوى، حتى إن بعضهم رفض استقبالي، وجعلني أنتظر في باب مكتبه لساعات، وأنا في حالة صحية سيئة، ولم أستطع الوصول إليه، إلا بعد أن أتت إحدى الناشطات، وأدخلتني معها إلى مكتبه، ولم يبق لي غير السيد عبدالملك، وأمنيتي أن تصل رسالتي إليه عبر صحيفتكم الثورية، كونه آخر أمل لي ولهذا الشعب الصامد المظلوم.