محمد أبو الكرم / لا ميديا -

تفتقر دول العدوان على اليمن إلى التاريخ، فهي وإن بدت للعامة أكثر تحضرًا ورقياً إلا أنها لا تملك تاريخًا وحضارة تستند إليها، ومن هنا تحرك الحقد الدفين في إنهاء كل مظاهر الحضارة والتاريخ في اليمن، إما بالقصف المباشر للمتاحف والمواقع الأثرية أو بالسرقة والنهب لها بواسطة أدواتها في اليمن. سقطرى انموذج للسرقة الإماراتية. عملت الإمارات فيها منذ الوهلة الأولى على نقل التراث السقطري الحيوي والطبيعي إلى أرضها في حوادث كثيرة، ظهرت إحداها عند نقل شجرة دم الأخوين الى الإمارات، والشجرة أيقونة سقطرية خاصة ونادرة.
تعز هي الأخرى تعاني من محاولات لطمس هويتها التاريخية والحضارية، وهذه المرة بأيدي يمنيين غرتهم المادة لبيع تاريخهم وماضيهم وحضارتهم، متناسين أنهم يبيعون بذلك مستقبلهم. عشرات القطع الأثرية تم إخفاؤها في المحافظة، وقطع أثبتت التصريحات والشهادات قيام جماعة أبو العباس وقيادات في حكومة عدن ببيعها في مزادات وعمليات مشبوهة، وبهذا كشفت وعرت الصور والأحداث محاولة دول العدوان في إنهاء مظاهر التواجد الحضاري والحيوي في اليمن، في صورة أخرى أكثر شناعة من صور العدوان على اليمن. في هذا التقرير نكشف كيف عملت دول العدوان وأدواتها على نهب وسرقة الآثار اليمنية ومحاولة طمسها. 

نهب متحف تعز
في محافظة تعز قامت جماعة أبو العباس المدعومة إماراتيًا بسرقة ونهب أكثر من 128 قطعة أثرية كانت موجودة في المتحف الوطني بالمحافظة طوال الفترة (2015 ـ 2018). وتحدث علي محمد (اسم مستعار) لـ"لا" بأن جماعة أبو العباس امتهنت إلى جانب الاغتيالات وسرقة المحلات وإقامة ما يسمى بالدولة الإسلامية في محافظة تعز، سرقة الآثار اليمنية من محافظة تعز وبيعها إلى دول العدوان. وقال الموظف في المجلس المحلي لمحافظة تعز إن هناك عشرات القطع الأثرية لمحافظة تعز وجدت في مزادات عالمية وفي معارض مفتوحة. وأضاف أن جماعة أبو العباس ركزت خلال الفترة (2016 ـ 2018) على تهريب الآثار الإسلامية والمخطوطات وبيعها لرجال أعمال سعوديين وإماراتيين، ومن جنسيات أخرى. وأضاف أن جماعة أبو العباس السلفية كانت تحرم زيارة هذه الآثار معتبرةً إياها أصناماً، غير أنها اليوم تتاجر بها وتقتات منها.

تورط مسؤولين في حكومة العميل هادي
على الصعيد ذاته تحدث مصدر خاص في وزارة الثقافة التابعة لحكومة فنادق الرياض ليومية "لا" عن تورط مسؤولين في حكومة العميل هادي في عمليات السرقة وبيع الآثار اليمنية. وقال: "لم تكن سرقة الآثار اليمنية مقتصرة على فترة زمنية محددة، فخلال حكم الرئيس السابق كان هناك أفراد من عائلته ومن القادة العسكريين التابعين للنظام يعملون في تهريب آثار اليمن وبيعها لمزادات ومتاحف وشخصيات عالمية، إلا أن فترة الحرب شهدت توجهاً خطيراً نحو تقننين مقنع من قبل حكومة العميل هادي لتهريب الآثار". وأضاف أن هناك توجهاً غير مسؤول لدى الوزارة والحكومة فيما يخص الحفاظ على الآثار، "فخلال فترات المواجهات المسلحة مع جماعة أبو العباس حاولنا التواصل مع قيادات جماعة أبو العباس لغرض استرجاع ما يزيد عن 150 قطعة أثرية تم سرقتها من مساجد أثرية ومن مواقع اثرية والمتحف الوطني، إلا أن هذه القيادات أبلغتنا بضرورة دفع الأموال لاسترجاع الآثار المسروقة والتي بلغت حينها 3 ملايين ريال سعودي لعدد 100 قطعة أثرية".
واستعرض المصدر عدداً من الأسماء لمواقع أثرية واقعة في محافظات تعز وعدن والجوف استغلها هؤلاء المسؤولون في الاتجار بالآثار اليمنية وبيعها لدول العدوان. 
حاولنا التواصل مع ما يسمى وزير الثقافة في حكومة العميل هادي، مروان دماج، للرد حول حقيقة امتلاك جماعة أبو العباس لمجموعة من القطع الأثرية وعريضة رده حول تورط مجموعة من المسؤولين الدبلوماسيين في تهريب الآثار إلى دولتي السعودية والإمارات أو دول أوروبية وعرضها للبيع لشخصيات ومتاحف ومزادات علنية، إلا أنه رفض الرد على الأسئلة. 

العدوان دمر عدداً من المواقع الأثرية
صحيفة "واشنطن بوست" عرضت منتصف العام 2016 قائمة بالآثار والمواقع الأثرية اليمنية التي تعرضت لقصف مباشر من قبل طائرات العدوان مستهدفة واحداً من أهم المواقع الأثرية في العالم. وقالت "واشنطن بوست" إن اليمنيين يدركون أن بلادهم تعد واحدة من أقدم مستودعات الحضارة في العالم والتي يمتد تاريخها إلى حقبة ما قبل الميلاد، مشيرة إلى وجود أصوات تطالب بالحفاظ على تراث اليمن الحضاري الذي يتعرض للدمار. وأوردت الصحيفة حوادث سرقة وقصف متاحف ومواقع أثرية تم تصنيفها من قبل منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة من قبل طائرات العدوان. وقالت الصحيفة إن القصف السعودي لأماكن تمثل اليمن وتاريخه يعد إهانة بالغة لليمنيين.

آثار تعز في قبضة "القاعدة"
لا يستبعد الصحفي الأمريكي مايل ليبين أن دولاً كالسعودية والإمارات تعمل على تمويل الحرب في اليمن من خلال استغلال ثرواتها، وأن الدول المشاركة في الحرب هي ورجالها وأدواتها في اليمن استغلوا كثيرا الجانب الحضاري والأثري في تمويل جوانب كثيرة للحرب في اليمن. وقال ليبين ضمن ورقة بحثية إن جماعات تتبع القاعدة متواجدة في مدينة تعز تحوز قطعاً أثرية تعود إلى 2000 سنة، ومن ضمن تلك القطع مجموعة من المخطوطات والعملات العائدة إلى حقبة الحضارة الإسلامية. وأضاف: "لا يوجد لدينا قائمة دقيقة بهذه القطع أو ما تم بيعه أو استرجاعه، إلا أن هذه الآثار تتعرض للخطر، وإن دولاً كاليمن وليبيا وسوريا اليوم أصبحت عرضة للنهب والسرقة بسبب الحروب التي تشهدها". 

آثار اليمن القديمة تباع في المزاد
محمود البيومي، مدير المكتب الأوروبي بمصر وخبير الآثار العربية والإسلامية، تحدث عن تعرض الآثار اليمنية للسرقة والتدمير وأن هذه الآثار أصبحت تباع في مزادات علنية، وقال: ''الكثير من الآثار اليمنية القديمة يتعرض للتهريب ويباع في مزادات علنية حول العالم، بل وعلى شبكة الإنترنت. كثير من المواقع الأثرية لا تشرف عليها حراسة، بل إن البعثات الأثرية نفسها لا تستطيع أن تقوم بعملها بسبب الاضطرابات وعدم إدراك اليمنيين بشكل عام لأهمية وقيمة هذه الآثار. بالكاد يجازف لصوص الآثار للحصول على مطامعهم. القبور السبئية المنحوتة على الجبال والتي تحوي آثارا بالغة الأهمية، معرضة للسرقة والإهمال وسط غياب تام لأجهزة الأمن للحفاظ على هذه الآثار وتوفير بيئة آمنة لدراستها. اليمن يمر بظروف صعبة مما يجعل مسألة حماية الآثار تبدو وكأنها ثانوية ولكن المحافظة على هذه الآثار يساعد على رسم صورة واضحة للمستقبل، والأهم أنه يحفظ التاريخ من محاولات التزوير والتشويه التي قد تصيبه''.
تظل عقدة النقص تلاحق دول العدوان على اليمن، ساعية في كل جهودها إلى الإيقاع بالوطن ومقدراته والتحايل على حضارته وتاريخه. يعلق أحدهم على سبب سرقة السعودية لآثار اليمن، يقول: هل ستعود قريش لعبادة الأصنام؟!
ليس غريباً عليها (أي دول العدوان) ما يجري من سرقة للمقدرات الحضارية والتاريخية في محافظة تعز. الأمر تماما يجري في عدة محافظات يمنية ودول عربية وكلها تحت رعاية دولتي السعودية والإمارات، حيث كشفت تقارير لمواقع سورية وأخرى ليبية تورط رجال أعمال خليجيين في عمليات بيع الآثار، ناهيك عن حوادث قصف المدن الأثرية والمتاحف من قبل الجماعات المسلحة التي تتبع السعودية والإمارات. خطر العدوان اليوم على اليمن ينهش في ماضيه وتاريخه، ليقتل المستقبل.