بشرى الغيلي/ لا ميديا-

سُلبوا لذة الاستمتاع بالعيد بعيداً عن المنغصات واللعبة الدخيلة على مجتمعنا تحت مسمى مسدسات الخرز، وتحولت معظم الحارات إلى حرب شوارع بين الأطفال الصغار تقليداً لأفلام الأكشن التي يتأثرون بها، وانتهت لحظات العيد بالمشافي، وأقسام الشرطة إثر مشادات كلامية بين أهالي الأطفال، مما جعل أمانة العاصمة تقوم بحملةٍ أثناء إجازة العيد، وأغلقت المحال التجارية التي تبيع مسدسات الخرز، وحين طلبوا من التجار وثائق بلد المنشأ لم يحصلوا عليها، ما أثبت أنها دخلت عن طريق التهريب، حسب المصدر الذي صرّح لصحيفة "لا" أثناء تغطيتها ونزولها الميداني للعديد من طوارئ المستشفيات، وتفاصيل أخرى تجدونها ضمن السياق..

أنا حر...!
أثناء نزولي الميداني لبعض مشافي أمانة العاصمة ومعرفة حقيقة الإحصائية التي تم نشرها في وسائل الإعلام، والحالات التي تم استقبالها خلال فترة العيد، وجدتُ مجموعة من الأطفال يلعبون بالقرب من مشفى الكويت، ولفت انتباهي أن أحدهم ينظم الأطفال على شكل كتيبة عسكرية، ثم يقول لكل واحدٍ منهم أن يُشهر مسدسه في وجه صديقه المقابل له، فتوقفت لأسأل "طه" (14 عاماً): ما الذي يجعلك تجمع أصدقاءك بهذه الطريقة؟ ألا تخشى من أن تفقدوا عيونكم بسبب هذه اللعبة؟ قال: إحنا بنفرح بالعيد ونسلي على أنفسنا، ثانياً: أنا حر... وعند عبارة "أنا حر" وضعت لنفسي خطاً أحمر، وواصلتُ طريقي لمشفى الكويت والتأكد من إحصائية الحالات التي تم استقبالها، فقال موظفو الطوارئ إنهم لم يستقبلوا أية حالات، لأن العيد كان بالنسبة لهم إجازة، فأشارت لي إحداهن أن قسم الجراحة قد يكون على علمٍ بذلك، وهناك قالوا إنهم استقبلوا حالات جراحية لكنها لم تقيّد أنها بسبب مسدساتِ الخرز.

إصابات جزئية
في طوارئ المستشفى الجمهوري كان الوضع مختلفاً جداً، حيثُ أكد للصحيفة إبراهيم راجح، إحصاء بقسم الطوارئ، قائلاً: لشدة ازدحام الحالات في قسمِ الجراحة لم نستطع توثيق عدد حالات مسدسات الخرز، ولكن منذُ بدء إجازةِ العيد استقبلنا الكثير من تلك الحالات، أي ما يعادل 4-5 حالات يومياً، وأغلب الحالات أصيبت إصابة جزئية في العين.
بينما موظفة طوارئ أخرى قالت: هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة أخف بكثير عما كان عليه الوضع لتلك اللعبة الخطيرة.
وبحسب مصادر طبية في العاصمة فإن عدد الأطفال الذين أسعفوا خلال إجازة عيد الفطر فقط إثر إصابات بمسدسات الحرز بلغ 31 حالة, والعدد يتزايد.

تنمية العنف!
من جانبٍ آخر، حذر أخصائيون في علم الاجتماع من آثار هذه الألعاب على مستقبل الأطفال، كونها تنمي العنف، فالأطفال أصبحوا يتفاخرون بحمل الأسلحة ومحاولة استخدامها وإن كانت مجرد ألعاب، إلا أنها تلحق الأذى في كل الأحوال، والأخطر أن هذه الثقافة تتعزز، فيحمل الأطفال أسلحة آبائهم وأقاربهم كنوع من المفاخرة، وتنتشر الظاهرة بشكل كبير في مجتمعنا دون التفات إلى عواقبها من قبل المعنيين.
ويرى أخصائيو الاجتماع ضرورة العمل على عدم استيراد هذه الألعاب لما تسببه من أضرار وعاهات ليس في العيون فقط، وإنما في سائر الجسد، لذا يجب توعية الأطفال بمخاطر مثل هذه الألعاب، وهنا يقع الدور الأساسي على عاتق أولياء الأمور بمقاطعة مثل هذه المنتجات الخطرة.

مكتب الصناعة بالأمانة يغلق المحال التجارية
تزامن تحرير هذه المادة مع إغلاق 4 متاجر ألعاب جراء بيعها مسدسات الخرز التي تشكل خطورة على الأطفال، من قبل مكتب الصناعة والتجارة بالأمانة، خاصة بعد نشر إحصائية الحالات من قبل وزارة الصحة، فيما أكد مدير عام مكتب الصناعة بالأمانة خالد الخولاني أنه تم التعميم لكافة مكاتب الصناعة بالمديريات بضبط ومصادرة ألعاب مسدسات الخرز البلاستيكية أو المعدنية من المحلات التجارية، وأشار إلى أن الألعاب التي تستخدم الخرز البلاستيكي أو المعدني والمفرقعات ممنوع استيرادها استناداً إلى قرار مجلس الوزراء رقم 63 لسنة 2018م، لخطورتها على السلامة العامة خصوصاً الأطفال.
وحسب الخبر المنشور في موقع وكالة "سبأ"، فإنه تمت مصادرة المئات من هذه الألعاب في إطار حملة التفتيش بمشاركة رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالأمانة حمود النقيب، ووكيل الأمانة المهندس عبدالفتاح الشرفي، ووكلاء الأمانة المساعدين عبدالوهاب شرف الدين والمهندس عبدالكريم الحوثي ومحمد سريع. 
يذكر أن مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل ناصر الكاهلي أشار إلى أن إدارة الدفاع الاجتماعي وبرنامج حماية الطفل التابعة للمكتب تلقت بلاغات وشكاوى بحوادث وإصابات مختلفة للأطفال بسبب مسدسات وآليات الخرز.

أزمة حقيقية
لأهمية الحالات التي انتشرت خلال فترة إجازة العيد التقت صحيفة "لا" محمد عبدالرحمن شرف الدين، المدير التنفيذي لصندوق النظافة والتحسين بأمانة العاصمة، حيث قال: انتشار الألعاب النارية ومسدسات الخرز ظاهرة سيئة جداً، وقد تتطور هذه الظاهرة إلى مشكلة وأزمة حقيقية، وأضاف: أمانة العاصمة تحركت فور وصول بلاغات من العمليات بإصابة عدد من الأطفال إصابات مباشرة في العين، وكان النزول بقيادة حمود محمد عباد أمين العاصمة صنعاء، لإغلاق محلات كبار الموردين وتجار الألعاب، وتكليف مكتب الصناعة والتجارة باستمرار الحملة.
ولأن تلك اللعبة لها مخاطر قال شرف الدين: من أهم المخاطر أولاً على الفرد أنها تصيب الطفل بعاهة دائمة عند الإصابة في العين وتلازمه طول حياته، وأيضاً تشكل هذه الألعاب خطراً على نفسية وسلوك الأطفال، حيث شاهدنا نوعاً من حرب شوارع بين فرق في الحارات، وتساعد على العنف وخلق مشاكل اجتماعية بين الكبار تصل إلى حد الاختلاف والاشتباك بالسلاح الناري نتيجة لإصابة ابن هذه الأسرة أو تلك في العين، ومن المخاطر على المجتمع ككل أنه يتم استيراد هذه الألعاب بالعملة الصعبة، وتكلف البلد جهداً اقتصادياً في وقت البلاد بحاجة إلى الدولار الواحد في ظل العدوان الغاشم على اليمن، لاستقرار سعر الصرف واستغلال النقد الأجنبي في استيراد الحاجيات الأساسية الضرورية، وشكلت أيضاً الألعاب النارية هاجس قلق للسكان لاستخدام الأطفال بعض القنابل الصوتية في ألعابهم، وأصيب بعض الأطفال بحروق في أيديهم وفقدان بعض الأصابع، بينما أكثر من 31 طفلاً أصيبوا إصابة مباشرة في العين، وفقد معظمهم إحدى عينيه، وهناك حالات كثيرة دخلت بعض مستشفيات أمانة العاصمة دون إبلاغ عمليات أمانة العاصمة، وخاصة مستشفيات القطاع الخاص.
عند هذه الجزئية يتضح أن الإحصائية لم تكن دقيقة جداً، بسبب أن مستشفيات القطاع الخاص لم تبلغ غرفة العمليات.

معظمها مهرّبة
ختم شرف الدين لصحيفة "لا" قائلاً: بتوجيهات أمين العاصمة أغلقت محلات كبار موردي ألعاب الأطفال، وكلف مكتب الصناعة والتجارة بإغلاق محلات التجزئة. وللعلم أنه أثناء حملة التفتيش والنزول كنا نطلب من التجار الوثائق وشهادات منشأ وصناعة هذه الألعاب، لكن للأسف معظمها مهرّبة ولم تمر عبر القنوات الرسمية لا في الجمارك أو الضرائب أو وزارة الصناعة، مضيفاً: هذه الألعاب تؤذي البلاد اقتصادياً واجتماعياً، ويستفيد منها أشخاص ويجنون أرباحاً خيالية، ويجب أن تتخذ وزارتا الداخلية والمالية ممثلة بمصلحة الجمارك تدابير صارمة لمنع استيراد هذه الألعاب، كونها جهات ذات صلة وعلاقة، مع ضرورة مكافحة التهريب.