التقتها: بشرى الغيلي

حملتْ بين ثنايا فكرها العبقري ما يخلصُ الإنسانية من أوجاعها، فتبلورت فكرة مخترَعها الذي جاء نتيجة معاناة أبناء وطنها، خاصة النازحين، والمتعبين مادياً، ومن شرّدهم العدوان الغاشم على اليمن والمستمر للعامِ الخامس، ومن قُصفت مشافيهم في قراهم ومحافظاتهم، من ذلك كله انبثقت فكرة ريهام 
المختاري، ابنة الجعفريةِ (بني مختار) بمحافظةِ ريمة، 
جهاز غسيل الكُلى المنزلي الذي يخفف المعاناة الكبيرة التي يعانيها المرضى. وإذا ما تم تبني فكرتها الفريدة من نوعها واستكمال ما تبقى من إنجاز الجهاز وتطبيقه على مريض بالفشلِ الكلوي، فإن مشروعها سيكون سابقة عالمية لأبناء وطنها أولاً، وللإنسانية ثانياً، حيث قالت أثناء محاورتها: «المهم أن نعمل مشروعاً يفيد مجتمعنا وليس كمشروع للمناقشة فقط».

بدايةُ الفكرة
 بدأت الفكرة من خلال التخصص الذي درسته ريهام المختاري (هندسة معداتْ طبية حيوية) الذي يتطلب أن يصنّع الطالب جهازاً نهاية الدراسة كمشروع تخرج. تقول ريهام: "من سنة ثانية كنّا نتدرّب بالمستشفى ويمر بنا المهندسون على جميع الأقسام، ومن ضمنها قسم غسيل الكُلى بمستشفى الثورة، ونقطع بطاقات لتدريبنا ونقوم بشراء المستلزمات اللازمة للتدريب، وفي قسم غسيل الكلى كان يشرح لنا المهندس طريقة عمل الجهاز ومكوناته، فكنتُ أرى معاناة كبيرة للمرضى، وأنه قد لا يستطيع المريض عمل الغسيل، وإذا غسل لا توجد الحماية الكافية من الفيروسات وانتقالها. ثانياً: المريض ينتظر طويلاً حتى يأتي دوره لإجراء جلسة الغسيل في المستشفى، وعندما كنتُ أجلس مع المرضى كانوا يقولون: نحن نأتي من محافظاتٍ بعيدة وتفتقر لمراكز غسيل كلى، وإن وجدت تكون إما مهدمة ومدمرة بسبب القصف، أو خارجة عن الخدمة لنقص المستلزمات الطبية، فتمنوا أن يكون لديهم أجهزة منزلية تخفف من معاناتهم ويعملوا جلسات الغسيل بالمنزل. من هنا بدأتُ أفكر بما أنني درست تخصص هندسة أجهزة طبية، لماذا لا أفكر بصنعِ هذا الجهاز الذي يساعد الكثير من المرضى؟ لأننا في تخصصنا مطلوب منا أن نقدم مشروع تخرج يتمحور حول فكرة صناعة جهاز طبي. وبدأتُ فعلا أفكر بجهاز محمول، يحتوي نسبة عالية من الأمان والتعقيم، حساس الوزن، سهل الحمل وهي أهم ميزة، كذلك يتضمن جهازMP3 ، أيضاً يفيد النازحين ومناطق القرى البعيدة والنائية، فمعاناة مرضى الكلى كبيرة، كنت أشاهدها بالذات في مستشفى الثورة الذي كان تعاني من الازدحام الشديد".

لا للاستسلام
عندما بدأت ريهام فكرة مشروعها بالكلية واجهت الكثير من الصعوبات والمثبطين لمشروعها، لكنها لم تستسلم، وأصرّت على تنفيذ مشروعها. تقول: "الكثير كانوا يقولون لي إن هذه الفكرة صعبة التنفيذ، لم يقدر عليها غيركِ فكيف تقدرين على تنفيذها؟! فقلت: سأجرّب وأنا مصرّة على فكرتي. ورغم كل الإحباطات التي واجهتها والصعوبات من الجامعة ومن المحيطين بي، الكل كان رافضاً أن أشتغل هذا المشروع". وتضيف ريهام أن أكثر من دعمها مادياً هو والدها، وأنها اضطرت لعمل جهاز الحساس الذي يتم احتكاره خارجياً. تقول: "نحن كيمنيين نعمل عليه مائة دائرة ونجرب الحساس فلن تظهر نتيجته ونضطر لعزل تلك القطع، ونشتري قطعاً ثانية ونجرب الدائرة، وهكذا حتى حصلت على نتيجة لفكرتي والحمد لله، وهنا أوجه امتناني لمستشفى الثورة وخاصة العاملين في قسم الغسيل الكلوي الذين وقفوا معي ولهم أكثر من عشرين سنة في قسم غسيل الكلى ويمتلكون معرفة كبيرة في ذلك، فقد وفروا لي بعض القطع، وكذلك المهندس خليل البنّاء رئيس قسم هندسة معدات طبية وقف معي ودعمني، في حين سمعت من الجميع كلمات الإحباط".

الجهاز يعمل بميزة الـMP3
من ضمن المواقف التي واجهتها ريهام أثناء التدريب أن أحد المرضى كان ينتظر دوره في قسم غسيل الكلى، سألته: "أيش تحب أن يتضمن الجهاز الذي سأصنّعه كمشروع؟"، فقال لها: "إحنا يا بنتي نجلس (مطننين) منتظرين طول فترة الغسيل، ملل!". تضيف ريهام: "ففكرت بعمل نظام MP3 يستطيع المريض أن يدخل فيه ذاكرة قرآناً مسجلاً جاهزاً، أو أي شيء آخر، وبالتالي فخلال فترة الغسيل الطويلة بإمكانه أن يسمع قرآناً ومحاضرات أو ما يريده. كذلك جهاز وزن حساس للمريض الذي لا أن بد يزن نسبة السموم في الجسم قبل الغسيل، فضمن مشروعي جهاز وزن الحساس يستخدمه المريض بنفسه ليقيس نسبة السموم في جسمه قبل وبعد الغسيل". 

اهتمامها وإصرارها جعلني أتقبّل فكرتها
بما أن مشروع ريهام قوبل بالكثير من الرفض فإن شخصاً وحيداً ساندها لتنفيذه، وهو مشرف مشروع تخرجها، رئيس قسم هندسة معدات طبية، المهندس خليل البنّاء، الذي قال: "في البداية رأينا أن الفكرة صعبة، لعدم توفر القطع المطلوبة، لكن بسبب عزيمتها قبلنا الفكرة وبدأنا نشتغل المشروع، والحمد لله وصلت لنتيجة، وقمنا بتوفير البدائل لإنجاز فكرة المشروع، وهذه القطع تم تصنيعها هنا في معمل القسم". وعن إمكانية تنفيذ الفكرة مستقبلاً إذا ما تم تبنيها هل تصبح بمتناول جميع المرضى أضاف البنَّاء: "هو عبارة عن جهاز بحساسات دقيقة، والبدائل التي عملناها تقوم بنفس العمل ولكنها غير حساسة، وإذا أردنا أن نجربه على مريض لا بد أن نستخدم الحساسات الدقيقة، لأنه مرتبط بجسم الإنسان، وأي خطأ يؤدي إلى وفاةِ المريض، وهو ما يعني أننا نحتاج إلى القطع الناقصة والتي تصل تكلفتها إلى 1000$، ونحن الآن نطبق فكرة، وإذا اشتغلت تنتظر الحساسات الدقيقة الموجودة بالسوق". ويضيف المهندس البنّاء أن "الطالبة ريهام مثابرة ومعظم الطلاب يعملون في ظروف صعبة نعيشها، فأقل شيء نقوم به نحوهم الوقوف معهم حتى يصلوا للحلم الذي تمنوا تحقيقه". وختم بكلماتٍ عبر صحيفة "لا": "رسالتي أن الجهات المختصة إذا كانت ستدعم مشاريع الطلاب أن تقف معهم في اختراعاتهم، ونحن كيمنيين نستطيع أن نكون دولة مصنّعة في حال وجدنا الجهات التي تتبنّى مثل هذه المشاريع".