لا استثمار من دون استقرار. معادلة تحكم تلازم الاقتصاد والسياسة والأمن في أي بلد. وتشكّل الأخطار السياسية والاجتماعية ما نسبته 50 % من المؤشّر القياسي للأخطار المتعلّقة بالاستثمارات بحسب الخبراء.
أخطار سرعان ما انعكست على المناخ الاسثماري في البحرين. تدلّ على ذلك المؤشّرات السلبية التي بدأت تتوالى بعد انطلاق الانتفاضة الشعبية في 14 شباط / فبراير 2011.
لم يكد يمر عام على انطلاق الحراك الشعبي حتى صدر تقرير اللجنة المشتركة المُعدّ من قِبَل مجلسي النّواب والشورى، وغرفة تجارة وصناعة البحرين في يناير / كانون الثاني 2012.
حدّد التقرير خسائر الاقتصاد البحريني الفوريّة للنّاتج المحلّي الإجمالي جرّاء الأحداث السّياسيّة. وفقاً للتقرير بلغت هذه الخسائر أكثر من 200 مليون دولار (ما يعادل 4% من إجمالي الناتج المحلي حسب الأسعار الثابتة) نظراً لانخفاض الإنتاج خلال أشد أيام الاحتجاجات في عامها الأول
أما خسائرالقطاع السياحي فقدرت بنحو 600 مليون دولار عام 2011، ويُعدّ ذلك تراجعاً في إيرادات القطاع السياحي بنسبة 80٪.
انسحبت هذه الخسائر على القطاع العقاري نتيجة إلغاء أو وقف مشاريع كبيرة. كما تكبّدت البحرين خسائر أخرى من الصّعب قياسها، من أهمها تأثّر سمعة البحرين بوصفها مركزاً ماليّاً ومستقرّاً.
نتيجة ضعف الثقة بالمناخ الاستثماري انتقل عدد من الشركات إلى الدّول المجاورة، كما نقلت بعض البنوك مراكز عملياتها إلى الخارج نظراً لعدم استقرار الأوضاع في المملكة ما أثر بشكل كبير على سمعة البحرين كمركز مالي إقليمي يستقطب العديد من البنوك العالميّة والشركات الماليّة العالميّة.
وإذا كان هذا حجم الخسائر خلال العام الأول فمن دون شك أنه تفاقم خلال الأعوام التالية. أعوام شهدت انخفاضاً حاداً بأسعار النفط وتراجع مداخيل الدولة، كما تميّزت بغياب جزئي أو كلي للأرقام والبيانات الرسمية الصادرة عن أكثر من جهة رسمية منها البنك المركزي.
وحول تداعيات الأزمة السّياسيّة على الاقتصاد المحلي أصدر مركز الخليج لسياسات التنمية دراسة أشار فيها إلى أن المواطنين والحكومة باتوا يشعرون بضائقة مضاعفة مع دخول البلاد أزمة اقتصادية جرّاء هبوط أسعار النفط في عام 2015، خصوصاً وأن سعر معادلة الميزانية العامة للدولة وصل إلى ما فوق الـ 100 دولار للبرميل. وكان من المتوقّع أن يصل عجز الميزانية في عام 2016 إلى 90% من إيرادات الدولة حسب توقّعات صندوق النقد الدولي، ما دفع حكومة البحرين إثر ذلك إلى الإعلان عن سلسلة إجراءات تقشّفية متمثلة في تقليل الدعم الموجّه إلى المحروقات والطاقة والمياه.
يعاني الاقتصاد البحريني اليوم مشاكل مستعصية أدخلته في عنق الزجاجة. فعلى الرغم من كون التجارة الخارجية مهمة بالنسبة إلى البحرين إلا أن الاقتصاد يعتمد بصورة رئيسية على صادرات النفط بحسب مجلس التنمية الاقتصادية. كما أن الإيرادات من صادرات النفط تولّد الغالبية العظمى من إيرادات الحكومة والأموال اللازمة لتمويل الواردات.
ويلعب الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني دوراً مهماً في معادلة البحث عن أماكن للاستثمار حيث تتجّه رؤوس الأموال إلى المناطق التي تنخفض فيها مستويات الأخطار السياسية والأمنية والاقتصادية. فارتفاع أي من هذه الأخطار قد يدفع بثقة المستثمر إلى التقلّص ويقود إلى البحث عن أماكن أكثر أمناً.
وفي ظلّ عدم استجابة السلطة لمطالب الشعب وبقاء الأخير متمسكاً بحقوقه وحراكه، فإن السلطة تقود بذلك مناخ الاستثمار في البحرين إلى التراجع بما ينعكس بصورة مباشرة وسلبية على أداء الاقتصاد.
وخلال الربع الأخير من عام  2016 أظهرت نشرة إصدار سندات سيادية بحرينية أن الاحتياطيات الأجنبية للبحرين انخفضت بما يزيد على النصف منذ نهاية 2014 مع تراجع قيمة صادرات البلاد بفعل هبوط أسعار النفط.
وتتلقى البحرين دعماً مالياً من حليفتها السعودية وتتوقّع الأسواق أن تقدّم الرياض مزيداً من الدعم إذا اقتضت الضرورة لتفادي أية أزمة.
وتستفيد البحرين أيضاً من صندوق إقليمي للتنمية أطلقته السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. ويهدف الصندوق الذي تأسّس في 2011 إلى تقديم منح للبحرين بنحو 7.5 مليار دولار على مدى عشر سنوات.
وتقرّر تخصيص 6.2 مليار دولار من هذا المبلغ لمشروعات التنمية في البحرين لكن البلاد لم تتسلّم بالفعل سوى 500 مليون دولار فقط بحسب النشرة.
وتظهر النشرة أن ميزان المعاملات الجارية الذي يتضمن تجارة السلع والخدمات سجّل عجزاً بلغ 79 مليون دولار العام 2015 مقارنة مع فائض قدره 1.52 مليار دولار في 2014.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الخيارات أمام حكومة البحرين محدودة، فإما أن تضاعف حجم الاقتراض لتسديد الرواتب وسدّ عجز الموازنة، ومن ثم تضاعف حجم الدين العام على مصروفات متكرّرة غير منتجة تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، أو خيار فرض ضرائب، وهو صعب في الوقت الحاضر بسبب الوضع المعيشي للمواطنين إلى جانب الأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد، وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية.
ويقول خبراء إن البحرين تحتاج إلى سعر 120 دولاراً للبرميل لإحداث توازن بين المصروفات والإيرادات في الموازنة العامة، وإن هبوط السعر إلى ما دون 50 دولاراً يحدث فجوة هائلة، وعجزاً كبيراً في الموازنة، وخصوصاً أن موازنة الحكومة تعتمد بنسبة 85% على الإيرادات النفطية.
وتنتج مملكة البحرين نحو 200 ألف برميل يومياً من النفط الخام، منها 150 ألف برميل حصّة البحرين من حقل أبوسعفة المشترك مع السعودية، ونحو 50 ألف برميل من حقل البحرين.