ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا: محمد زبيبة

قبل أربع سنوات من الآن، كان أيمن عسكر سجينا في جنوب اليمن يقضي عقوبة السجن المؤبد بتهمة القتل. أما الآن فقد أصبح رجلاً ثرياً ذا أهمية كبيرة، حيث أصبح لديه علاقات واسعة تصل إلى مناطق عدة في هذا البلد الذي فككته الحرب الأهلية ودمرته. . أيمن تم تعيينه مؤخراً قائدا للأمن في مديرية كبيرة في الميناء الجنوبي في مدينة عدن، عينته الحكومة اليمنية، التي عن طريقها تقوم السعودية بقصف اليمن منذ حوالى ثلاث سنوات ونصف. لكن أيمن هو صديق للإماراتيين أيضاً، وهم الشريك الأكثـر عنفا في التحالف السعودي الذي يقاتل من أجل استعادة حكومة عبد ربه منصور هادي، الذي تمت إزاحته من منصبه من قبل تمرد الحوثيين عام 2015.

غيث عبدالأحد 
 صحيفة: الجارديان

لقد اجتذب السعوديون الجزء الأكبر من استياء العالم لتدخلهم الدموي في اليمن، لكن الإمارات تلعب دورًا أكثر عنفاً على الأرض، هي وحلفاؤها في الجنوب، بما فيهم المليشيات المحلية والمقاتلون السلفيون والانفصاليون الجنوبيون الذين يريدون الانفصال عن حكومة هادي، وعُرف عنهم قتالهم لصالح وكلاء السعوديين في البلاد.
أيمن اليوم هو حليف لحكومة هادي وللإماراتيين، لكنه قبل مدة كان أحد عناصر القاعدة (عدو الطرفين). أيمن، بهيئته العدائية والقاسية ورأسه الشبيه برأس الثور المثبت على أكتاف عريضة، شق طريقه إلى أعلى هرم القوة في داخل السجن. لقد أدار محل بيع مواد غذائية في ساحة السجن، وصالة بلايستيشن في إحدى الزنزانات، وقام بمصادقة أقوى عصابة في السجن (مجموعة من نزلاء القاعدة) صلى معهم وحضر دروسهم وقام بتربية لحيته وبدأ بارتداء ملابس مثلهم، إلا أن أصدقاءه قالوا إنه لم ينضم للتنظيم فعليا، كونه انتهازياً لدرجة لا تسمح له بالتعهد بالولاء لقضية واحدة.
عندما قام المقاتلون الحوثيون من شمال اليمن، والمدعومون من إيران باكتساح الجنوب وإسقاط الحكومة في العاصمة صنعاء، مجبرين (هادي) على الهروب جنوباً إلى عدن ثم إلى السعودية. كان أيمن لا يزال يقبع في السجن. لكن القاعدة في خضم الكارثة التي تبعت ذلك قامت باقتحام السجن وتحرير أفرادها. انضم أيمن للمقاومة وقاتل بجانب أصدقائه الجهاديين ضد مقاتلي الحوثي، مظهرا نفسه كقائد ميداني لا يرحم، ومقسما وقته بالتساوي بين القتال والنهب.
وبعد أشهر قليلة، تم إخراج الحوثيين من عدن من قبل خليط من الميليشيات المحلية والانفصاليين الجنوبيين وقوات حكومية وقوات سعودية وإماراتية. وسع أيمن اهتماماته بعدها إلى أبعد من الجهاد بفرضه الحماية بشكل ابتزازي في الميناء، مستقطعاً إتاوة من كل شحنة تمُر. وقامت الحكومة بإصدار أكثر من مذكرة اعتقال بحقه، إلا أنه تملص منها جميعاً. بعدها قام بمصادقة الضباط الإماراتيين، الذين كانوا قد وصلوا المدينة كجزء من القوى التي سيطرت عليها، وكون علاقات بقضائه فترات طويلة في دبي وأبو ظبي. وقد كوفئ بعقد يمكنه من العبور من وإلى الإمارات، وانتقل منذ ذلك الحين إلى مجال عمل أكثر ربحاً، بنهب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية حول عدن.
قابلت أيمن في الصيف، عندما كان يتنزه هو وأصدقاؤه في مزرعته شمال عدن. كانت المزرعة خصبة وخضراء وهادئة، وبعيدة جدا عن الشوارع المزدحمة والخانقة في عدن. وبين مجموعة من اللصوص كان ينكّت ويحكي قصصاً عن رحلته الأخيرة في الخارج. لقد قام هو وصديق له باستئجار ثلاث سيارات مرسيدس مع سائقيها لنقلهم وزوجاتهم وأطفالهم حول منتجعات شرم الشيخ في مصر ونقلهم إلى الحدائق المائية والشواطئ ومطاعم المأكولات البحرية. وعلّق عنها لأصحابه المجتمعين حوله: (كان أسبوعا من الجنة. كان الأطفال سعيدين جداً.. يمكن للمرء فيها أن ينسى كل متاعب الحرب).
أيمن عسكر ليس سوى واحد فقط من الناس الذين استفادوا جيدا من الحرب في اليمن، الصراع الذي تدعوه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بوجود ما يقارب 14 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة. في الأسبوع الماضي رعت الأمم المتحدة محادثات سلام في السويد قدمت فيه وقف إطلاق نار مؤقتاً بين الحوثيين والقوات التابعة للحكومة في الحديدة، والتي تعتبر أحد الممرات الهامة للمساعدات الإنسانية للبلد. يسيطر الحوثيون على المدينة منذ عام 2015، لكن قوات التحالف السعودي الإماراتي تشن هجمات، منذ شهور، أدت إلى تصاعد تحذيرات من كارثة إنسانية أسوأ.
إذا استمر وقف إطلاق النار الهش، وهو أمر غير مؤكد، سيُطلب من الجانبين سحب قواتهما من الميناء. فهدنة ناجحة في الحديدة يمكن أن تمهد الطريق للتقدم في الجولة القادمة من المحادثات المقرر عقدها في أواخر يناير. لكن الحرب لم تنته بعد.
ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا: محمد زبيبة
في الواقع، هذه لم تعد حتى حرباً واحدة. فقد بدأ الصراع مع خصمين واضحين: التحالف الذي تقوده السعودية متحالفاً مع الحكومة، مقابل ميليشيا الحوثي التي تدعمها إيران. لكن قوة وتمويل التدخل الخارجي، خاصة من الإمارات، ساعدا على تجزئة الحرب إلى صراعات متعددة ومناوشات محلية لن تنتهي بالضرورة بأي اتفاق سلام. لقد أصبح اليمن الآن خليطا من إقطاعات مدججة بالسلاح ومناطق فوضوية، حيث يزدهر القادة والمستفيدون من الحرب والآلاف من زعماء العصابات أمثال أيمن عسكر.
هناك صراع محلي بين الشمال والجنوب (كانا دولتين منفصلتين ومتحاربتين في كثير من الأحيان قبل عام 1990). وهناك صراع طائفي بين الزيود الشيعة، كالحوثيين، وبين السلفيين السنة. وإلى جانب هذا توجد العديد من الصراعات الأصغر، والتي اشتعلت وتأججت بسبب المال والأسلحة التي توفرها قوى خارجية لأي شخص يساعدها على تنفيذ أجندتها.
تعاني الحكومة اليمنية، بوزرائها ونواب الوزراء، من خلل وظيفي وفساد، وهي منفية منذ 2015 في مجمع فندقي سعودي. وتمتلك هذه الحكومة أكثر من 200 ألف جندي، لم يتم دفع رواتب العديد منهم، أو موجودين كأشباح، أي مجرد أسماء في قائمة يتم استلام رواتبهم من قبل قاداتهم.
إن التحالف السعودي نفسه مليء بالنزاعات والمنافسات، فكل عضو من أعضائه الرئيسيين يمتلك أجندة منفصلة خاصة به ويتآمر ضد الآخر. في تعز، وهي مدينة في وسط اليمن تعرضت للحصار والقصف من قبل الحوثيين منذ أكثر من ثلاث سنوات، انقسم المقاتلون الموالون للتحالف إلى أكثر من عشرين فصيلاً عسكرياً منفصلاً، من ضمنهم ميليشيات محلية مدعومة من الإمارات، والقاعدة وغيرهم من الجهاديين. وبعض المقاتلين يبدلون ولاءاتهم لمن يدفع أكثر.
قبل سنتين، ذهب شيخ قبيلة سنية من البيضاء إلى الإماراتيين طلباً لمساعدتهم له في معركته ضد الحوثيين، ورد عليه أحد الجنرالات الإماراتيين وقال له: (المتمردون الحوثيون لم يعودوا من أولوياتنا ولا من أكبر أعدائنا). تم إخبار الشيخ أنه إذا كان يريد الحصول على أسلحة من الإمارات فإن عليه أيضاً أن يقاتل داعش والقاعدة والإصلاح (الحزب الإسلامي الذي يلعب دوراً مهيمناً في الحكومة نفسها التي تقوم الإمارات ظاهرياً بإرسال قواتها لحمايتها).
الآن هناك ثلاث قوى مختلفة تقاتل على مدى منطقة الشيخ، كل واحدة منها مدعومة بطرف واحد أو أكثر من الأطراف الأساسية في التحالف (الإمارات، والسعودية، والحكومة اليمنية). حصل كل جيش في هذه المنطقة، ذات التلال غير المترابطة والصخور البركانية السوداء، على الملايين من الدولارات على شكل معدات عسكرية وشاحنات ورواتب للمقاتلين. ولم يعد، في نفس الوقت، بإمكان المزارعين في هذه الأراضي ذاتها شراء الوقود لحراثاتهم، حيث وقد أصبحوا يكدحون خلف حمار هزيل يدفعوا به المحاريث الخشبية في حين يصبح أطفالهم مقاتلين وميليشيات.
ويبدو أن الإماراتيين هم الوحيدون، من ضمن دول التحالف، الذين يمتلكون استراتيجية واضحة. فهم يستخدمون جيوشاً خاصة قاموا بتكوينها وتدريبها وتمويلها في محاولة للقضاء على كل من الجماعات المسلحة الجهادية والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح. وفي الساحل الجنوبي، الذي تتحالف فيه الإمارات مع الحركة الجنوبية الانفصالية المعارضة لكل من الحوثيين وحكومة هادي، بنى الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأسسوا ما تعتبر دولة موازية، لا تخضع خدماتها الأمنية الخاصة للمساءلة أمام الحكومة اليمنية. وقد كشفت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش (حقوق الإنسان)، عن وجود شبكة من السجون السرية تديرها الإمارات ووكلاؤها، المتهمون باختفاء وتعذيب أعضاء الإصلاح ومقاتلين من عدة فصائل معادية للحوثي، وحتى نشطاء وناقدين للتحالف السعودي الإماراتي. ويصف الوزراء اليمنيون الإمارات بأنها (قوة احتلال).
أما السعوديون فيتّبعون استراتيجية عسكرية متعثرة تشتمل وبشكل كبير على قصف المدنيين دون هوادة. ودفعوا بحصارهم لموانئ اليمن ملايين الناس إلى حافة المجاعة. وتم، في السنتين الأخيرتين، تقليص دورهم في لعب دور الوسيط بين حلفائهم، الإمارات والحكومة اليمنية.
قال لي أحد القادة العسكريين في عدن في الصيف الماضي: (كنا نأمل أن يتدخل السعوديون لإيقاف حماقة الإماراتيين، لكنهم تائهون، فالحرب لا تسير على ما يرام بالنسبة لهم، ولا يمكن أن يتم إزعاجهم بما يحصل في الجنوب. لهذا قاموا بتسليم ملفه للإماراتيين).
إن ما حققه الإماراتيون في اليمن، من إنشاء جيوش خاصة، ودعم للانفصاليين في الجنوب، والتآمر لتدمير النظام السياسي، مع السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية في البحر العربي والبحر الأحمر، يظهر كيف توجه دولة صغيرة ذات طموح كبير قوتها إلى خارج حدودها، في المنطقة وفي العالم.
بدأت هذه الحرب الأهلية المدمرة في عام 2015، ولكن الشرارة الأكبر كانت في عام 2011، في ظل الربيع العربي، عندما أطاحت حركة احتجاجية شعبية بالرئيس السابق علي عبدالله صالح من السلطة. كان صالح قد حكم لمدة ثلاثة عقود بمنظومة فساد معقدة، ولكن خلافا لغيره من الطغاة العرب المخلوعين، لم يذهب إلى السجن ولم يفر من البلاد. وبدلاً من ذلك، سمحت له تسوية، أتت نتيجة لتفاوض توسطت فيه الأمم المتحدة وجيران اليمن في الخليج، بالتنحي وتجنب الملاحقة القضائية، في حين تسلم نائبه هادي منصب الرئيس. لكن، وفي الوقت الذي كانت فيه مختلف الفصائل في البلاد تتحاور على عملية انتقال سياسي في العاصمة وفي الشمال والجنوب، كانت بعض هذه القبائل والأحزاب نفسها تتصارع من أجل فرض إرادتها على الأرض، وتمزيق البلاد بعضها عن بعض ودفعها نحو حرب أهلية أخرى.
ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا: محمد زبيبة
ومن بين هذه القوى المتناحرة الكثيرة كان الحوثيون، أو أنصار الله، كما يطلقون على أنفسهم، هم الأكثر تنظيماً وعقائدياً، ويؤمنون بأن عليهم واجباً دينياً. كان حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة، زعيماً دينياً زيدياً وقف ضد فساد نظام صالح، وأعلن تشكيل حركة عقائدية معادية للغرب تحيي التاريخ الإسلامي (الطائفة الزيدية، وهي طائفة شيعية في اليمن، تمثل نحو ثلث سكان البلد، لكنها تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك الطوائف الموجودة في إيران والعراق).
زحف الحوثيون في أواخر عام 2014 من الشمال نحو صنعاء وسيطروا عليها بمساعدة وحدات الجيش التابعة لصالح. وبعد هروب هادي إلى عدن عام 2015، قام الحوثيون باكتساح المدينة ودفعوه إلى المنفى. وفي أحد الأيام وهو في الرياض بدأ التحالف السعودي، الذي كان من ضمنه جيوش من الإمارات وقطر والبحرين والسودان ومصر، وبدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بقصف صنعاء بالنيابة عن الحكومة اليمنية المنفية. 
لقد تمكن الحوثيون من طرد هادي إلا أنهم لم يتمكنوا أبداً من السيطرة على عدن بشكل كامل. ففي ليلة وضحاها تقريباً، امتلأت المدينة بالرجال المحليين المحملين بالأسلحة مع قادتهم، وتجمعوا في المدارس والمباني الحكومية والساحات. لكن لم يكن لديهم شكل تنظيمي، فكل مجموعة من الأصدقاء والناشطين والجيران أو الأقارب تجمعت حول زعيم حي بارز أو مموّل أو بلطجي. بعضهم كانوا سلفيين، والبعض انفصاليين، وآخرون من القاعدة، وبعضهم لم يكونوا سوى شبان عاطلين عن العمل. ولم تكن هناك، في كثير من الأحيان، خطوط تفصل بين هذه المجموعات. فالقائد يمكن أن يكون انفصالياً وسلفياً في نفس الوقت، وكثير من الشباب الذين انضموا إلى الجهاديين لم تكن دوافعهم عقائدية، بل كراهية للحوثيين وإعجاباً بانضباط الجهاديين، وطمعاً بالإمدادات الوفيرة من الأسلحة. لقد كانت تفرقهم الكثير من الخلافات، لكنهم اتحدوا لسبب واحد، وهو كرههم للحوثيين.
لم تكن جميع فصائل المقاومة غير منظمة. كان السلفيون، الذين أسسوا قاعدتهم في ملعب لكرة القدم، متفانين ومتحمسين ومنضبطين، وسرعان ما برزوا كأقوى عنصر في المقاومة ضد الحوثيين. 
قال لي شيخ سلفي كان يقود جماعته: (كان السلفيون قد اتخذوا قراراً بمحاربة الحوثيين حتى قبل دخولهم إلى عدن.. بالنسبة لنا كانت حرباً دفاعية عن طبيعة المجتمع السني. لقد حاربنا الحوثيين كقوة دينية.. الجميع قاتل تحت قيادتنا: الفصائل الدينية، الجنوبيون، بلاطجة الشوارع، وحتى القاعدة. في بعض الأحيان كان الأولاد يمتنعون عن القتال بمجرد عدم قدرتهم على الوصول إلى الانترنت وتفقد حساباتهم في الفيسبوك). 
لقد أصبح السلفيون، لأسباب طائفية وأيديولوجية، قناة للأسلحة والأموال التي يرسلها التحالف العربي، مما زاد من شوكتهم.
جمعت الحرب بين الانفصاليين المتحمسين لاستقلال جنوب اليمن وبين الطائفة السلفية الجهادية الكارهة للشيعة. لقد كان خليطاً متفجراً، وقد اجتاح المدينة. كان يعتبر أي شخص شمالي مشتبهاً به، حيث تم القبض على المئات واحتجزوهم في الملعب بتهمة الحوثية. وتم العثور في ديسمبر 2015 على مقبرتين جماعيتين في مكان قرب الملعب.
لم تدم سيطرة الحوثيين على عدن أكثر من أربعة أشهر. وبعد إخراجهم تملكت الانفصاليين الجنوبيين آمال كبيرة. فللمرة الأولى منذ عام 1994، عندما سحق الشمال الجيش الجنوبي بسهولة لينهي محاولة انفصال، كانت المدينة خالية من أي سيطرة للشمال. لقد كانت جميع القوى الأمنية بيد الجنوبيين. وامتلكوا أسلحة وحليفاً قوياً (الإمارات)، والذي سيطر على الجبهة الجنوبية.
وبوجود الإماراتيين كداعمين لهم، اعتقد سكان عدن أن مدينتهم سوف تصبح دُبي أخرى، بكهرباء ومياه ووظائف. لقد أخبرني المحافظ المتحمس، وهو جنرال سابق كان قد عاد من لندن للمساعدة في إعادة إعمار عدن، إن الشركات ستنهال على عدن، وأن عدن ستعيد مجدها السابق، وأن الميناء الذي كان متوقفا قبل الحرب سيستعيد مكانته، وأن السفارات سيتم إعادة فتحها. وفي الأشهر التي تلت رحيل الحوثيين عام 2015، تم الاحتفاء بالإماراتيين كمحررين، وبيعت أعلامهم في الأكشاك، وزينت صور حكام الإمارات زوايا الشوارع والأسلحة. 
لكن الواقع في الشوارع كان مختلفاً. فلم تختلف (عدن المحررة) عن المدن الأخرى التي دمرتها الحروب الأهلية التي أعقبت الربيع العربي. كانت الدبابات والمدرعات المحروقة منتشرة على التلال المطلة على مدينة ملئت شوارعها بالشوائب والمباني المدمرة المتراكمة فوق بعضها كالويفر، والفقراء الذين تُركوا بلا مأوى وتحولوا إلى لاجئين في مدينتهم. وتم استبدال الميليشيات الحوثية بعشرات غيرهم في مدينة تنعدم فيها المياه والكهرباء والصرف الصحي. وأصبحت الحرب المصدر الرئيسي للوظائف، فالشوارع مليئة بالمقاتلين الذين يركبون في مؤخرات شاحنات صغيرة محملة ببنادق رشاشة ثقيلة، وقادة من جماعات المقاومة المشتتة المطالبين بنصيبهم من الغنائم في مدينة محطمة فقيرة.
وقد قام أكثر هؤلاء القادة نفوذا، أمثال أيمن عسكر، بتأمين السيطرة على الموانئ والمصانع وكل المؤسسات الإيرادية، فارضين رسوماً مقابل الحماية. واكتفى القادة الصغار بنهب الممتلكات العامة والخاصة، خاصة إذا كانت تلك الممتلكات الخاصة ملكاً لشماليين.