علي نعمان المقطري / لا ميديا

حرب الغوار خلف الخطوط فاجأت الألمان ولفتت انتباههم نحو تأجيل عدد من الهجومات الكبرى، نتيجة اضطرارهم إلى إبقاء قوات كبيرة داخل الخلفيات والمؤخرات وحراسة الطرق والمراكز والمحطات، وبهذا يتحقق واحد من أهم أهداف الإغارات، أي استنزاف القوات وتعطيل وشل حركتها وإضعاف التركيزات الهجومية الكبرى للعدو واضطراره لسحب العديد من القوات من الغرب نحو الشرق حتى وصل مجموع القوات الألمانية إلى سبعة ملايين جندي في روسيا والجمهوريات السوفييتية، وحصلت فرقة الغوار على أسلحة ثقيلة مدافع ورشاشات وذخائر تولت الطائرات الروسية العملاقة إنزالهما في الغابات بالمظلات وبعدها أقاموا مطارات خاصة سرية داخل السهوب الجليدية الريفية حيث تحط الطائرات وتقلع بعد إنزال المعدات والأسلحة ونقل الجرحى، وأصبحت بمستوى فرقة غوارية متمرسة في قتال العدو، فاستخدمت الطرق الالتفافية الداخلية للتقرب من العدو ومهاجمته مستخدمة عربات الخيل خير رفيق على الطرق الداخلية تحمل المعدات والمدافع والذخائر والمؤن والجرحى، وانتقلت إلى الهجوم على حاميات المدن الصغيرة ثم الأكبر منها.
وكان أدلاء الطرق الجانبية والمرشدون والخيالة والقناصة والنقابون والمدفعيون والإشاريون والمجارحون والموجهون والجياد والعربات أهم شخصيات الملحمة الشعبية البطولية، وهم البسطاء الفقراء الكادحون المحبون للوطن المستعدون دوما لتلبية نداء الواجب. 

الشعب المسالم المحارب
 أبو الغوار والحرب 
كان الشعب يكابد من انتقامات العدو دوماً، أما المقاتلون فهم أقدر على الحركة والتخفي تحت حماية الجماهير الشعبية الذين كانوا يوفرون الدعم الطوعي للأنصار ويرشدونهم ويهربونهم من مناطق سرية بعيدة عن أعين العدو وينفذون بهم إلى مؤخرات العدو ويبلغونهم بالمعلومات والأخبار ويحذرونهم. كان الشعب في القرى والضواحي قد صمد مرتبطاً بالأرض ومتابعة زراعة الحبوب والخبز والبطاطس والخضار لإطعام الجيش والمدن المقاومة والمحاصرة وتوفير الدعم الاقتصادي والسياسي السري للمقاومة، ولذلك ركز المحتل على قمع المواطنين والمواطنات العاملين في الأرض وأقام آلاف المشانق لإعدام المتعاونين مع الحركة المتعاطفين معها. لقد خسر الشعب ضعف خسائر الجيش الأحمر والمقاومة، ومن الثلاثين مليون شهيد كان للجيش منهم عشرة ملايين شهيد وللشعب عشرون مليونا، وكان هذا هو سر النجاح والصلابة والقوة الجبارة التي تصدت للفاشية المتوحشة القادمة من الغرب الاستعماري.

القتال المتحرك طابور القتال
 خلال المسيرة الحربية 
كانوا يفاجئون العدو بالاستعداد الدائم للقتال في أي وضع كان أو وقت وبالجاهزية الدائمة والتعبئة المستمرة والخطة المسبقة للطوارئ والاحتمالات المختلفة. أصبحت الفرقة كبيرة وتضم بضعة آلاف من المحاربين منظمين في كتائب وأفواج وسرايا ومفارز، وكانوا سعداء جداً بالإعلان عن أنهم جزء من الجيش الأحمر السوفييتي يعمل خلف الخطوط لخدمة المعركة الكبرى القادمة التي ستأتي حتما مع استمرار نزيف العدو. 

قطع خط العدو الاستراتيجي القادم 
من ألمانيا هدف كبير للغوار الشعبي 
أصبحت الفرقة الغوارية تعمل حول أهم الخطوط الاستراتيجية القادمة من قواعده الرئيسية في ألمانيا وحول عقدة واسعة من محطات السكك الحديدية وخطوطها الرابطة بين الحدود والداخل وتشكل عصب المعركة. كان العدو قد فرز عدداً من الفرق العسكرية والقوات لملاحقة الفرقة الأنصارية على مساحات واسعة من البلاد المحتلة التي تشمل عدداً من الجمهوريات السوفييتية بهدف تطويقها والفتك بها. وكان الشعب في المناطق والقرى يقدمون المساعدة والعون للفرقة، وكان الكشافون والمستطلعون من أهم عوامل النجاح، وكانت الفرقة تتحرك بكل قوتها مشكلة قوة نارية صدامية كبرى قادرة على المواجهة السريعة والالتفاف قبل أن تطوق، وأن تنسل من بين الفرجات عند التطويق الكامل وفقا لمنهجية حرب الحركة وتكتيكاتها. 

القتال والانسلال قبل التطويق 
 كانت القيادة تخطط معركتها مع العدو المطارد عبر انتخاب المكان الملائم للكمين والتموضع وانتظار تقدم العدو وتوغله بحيث يتم نشر قوات متخفية بين الأعشاب والغابات على جنبات العدو وتصبح بعد وصوله إلى الكمين في مؤخرته حيث تلتف عليه وتمنع انسحابه مهاجمة إياه من الخلف والأمام والأجناب ومن الكمين مكبدة إياه عشرات ومئات القتلى والجرحى حتى ينهار أو يتشتت، وتجد الفرقة المجال قد انفتح لتسللها تحت وطأة الهزيمة المرة للعدو الذي لا يستطيع مواصلة حملته خلفها إلا بعد وقت طويل تكون هي قد قطعت مسافات شاسعة عائدة إلى قواعدها الجديدة وتنصب له مجدداً كمائن وتستعد لملاقاته وهكذا تحضر المكان الملائم لقتله دون أن تخسر سوى القليل من المقاتلين. 

مهاجمة الحاميات الضعيفة 
كانت الفرقة الغوارية الكولباكية قوة ميدانية واستغلت نقاط ضعف العدو الذي كان يضع في حاميات المدن الصغيرة كتائب ضعيفة التسليح من قوات الدرجة الثانية. وكانت الفرق الغوارية لا تجد صعوبة في الانقضاض عليها بسرعة وسهولة وحسم، فتفتك بالمئات منها قبل أن تصل إليها نجدات جديدة ثم تنسل إلى الغابات المجاورة محملة بالغنائم والأسلحة والذخائر. 

الغابات الحصون 
كانت الغابات تشكل ساتراً أمنياً يخفي تحركات الأنصار عن الطائرات المعادية وعن الجواسيس والرصاد، وكانت هي الملجأ الذي تعود إليه وتتحرك داخله متنقلة من منطقة إلى أخرى في البلاد من شرقها إلى غربها متجاوزة أطواق الحصارات والتطويقات المعادية. كانت الفرقة الغوارية قد كلفت بالرحيل نحو الغرب للقيام بمهمة حاسمة هي تدمير آبار النفط الواقعة تحت سيطرة المحتل في مسيرة طويلة تقطع فيها مئات الأميال وعدداً من المحافظات والمقاطعات لتصل إلى جبال الكاربات حيث آبار النفط الأوكرانية الواقعة تحت سيطرة العدو ويستخدمها في الحرب ضد البلاد ويعتمد عليها في تدبير طاقته. وبعد مطاردات طويلة من جانب العدو ضد الغواريين أفلتت الفرقة ووصلت إلى أهدافها ودمرتها كاملة وأحرقتها وحولتها إلى كتلة من اللهب، فجن جنون العدو وحشد عشرات الآلاف من الجنود لمحاصرتها خلال عودتها، ولكنها تخلصت من المعدات الثقيلة التي نفدت ذخائرها ودمرت عرباتها بفعل قصف الطيران المعادي وتم تدمير المدافع حتى لا يستفيد منها العدو ثم انقسمت إلى مجموعات صغيرة انسلت عبر الغابات وعادت إلى مواقعها. 

التشكيلات القتالية الغوارية 
المفرزة الثقيلة والخفيفة للغوار.. أيها الأفضل؟ 
الجواب: هي التي تمكن من قتل العدو وهزيمته والحفاظ على القوى الأنصارية وتحميها من هجمات ومطاردات العدو، وهذا أمر يتوقف على ظروف البلاد والعصر. 
نوقشت هذه المسائل كثيراً بعد الحرب الكبرى وما بعدها في أكاديميات ومعاهد الحرب العليا ومراكزها الدولية أو عبر ما سمي بالمدرسة العسكرية الغربية والشرقية. وهناك نظريات عديدة حولها، وفي المقدمة الجنرالان البريطانيان جوفرو برمجنهام والكابتن ليدل هارت ويمثلان المدرسة الغربية وهما مجمعان تقريباً على فكرة أن السوفييت في مواجهة أحدث وأكبر الجيوش في العالم تمكنوا من هزيمته وسحقه قد فعلوا ذلك لأنهم تمكنوا من قطع خطوط العدو بواسطة قوات العصابات الشعبية ونخب الجيش السوفييتي العاملة خلف وجنبات خطوط العدو على طول الساحة الحربية الطويلة الممتدة آلاف الأميال. 

فريق الكوماندوز الصاروخي
 المركز التسليح 
 وفي ظروف الحرب الحالية قد يكون تطور الطيران الحربي في بلاد مكشوفة معيقاً لتشكيلات الغواريات الكبيرة، لكن حيث أمكن تحييد الطيران المعادي بالصواريخ والغابات كما في فيتنام والصين مثلاً فإن للفرقة الغوارية الكبيرة والثقيلة التسليح حسناتها ومميزاتها الحاسمة، وإلا أضحت أهدافا سهلة للتدمير من قبل الطيران المعادي، وأحيانا يمكن الجمع بين الشكلين في بلد واحد حسب مقتضيات الظروف ومتطلباتها وتحدياتها، كما يمكن الجمع بين محاسن الأساليب المختلفة وتجنب سيئاتها عبر مضاعفة تدريب الفرد المحارب وتزويد المجموعة الصغيرة بأسلحة نوعية كثيفة ومركزة تعوض عن التشكيل الكبير. كان الجنرال العربي الشهير سعد الدين الشاذلي قائد حرب أكتوبر 73م قد عالجها بما سماه فريق المشاة الصاروخية، استناداً إلى قواذف الصواريخ المضادة للدروع والطيران القريب ومدافع الاقتحام و(م د) و(بي 11.10) والهاونات والرشاشات الثقيلة والمتوسطة والقنابل المضادة للدروع، وفي موقع النواة الصلبة كانت تأتي فرق مشاة الصاعقة والكوماندوز والخاصة والضفادع البحرية والمغاوير والمظليين.
وفي معركة عبور قناة السويس 73م أغنت هذه التشكيلات الرهيبة عن سلاح الدبابات والمدرعات مؤقتاً في مواجهة القوات المدرعة الإسرائيلية والطيران القريب في اليوم الأول للعبور قبل فتح ثغرات الرمال لعبور القوات الثقيلة وإقامة الممرات والجسور الثقيلة لعبور الدبابات المصرية إلى شرق القناة، لأن الضفة الشرقية للقناة كانت محمية بساتر ترابي ارتفاعه 20 مترا بطول القناة، واستطاعت الفرق المصرية الخفيفة بقواذفها الفردية أن تصطاد مئات الدبابات والمدرعات في الساعات الأولى من المعركة وأن تدحر القوات الإسرائيلية عن الضفة الشرقية للقناة وتجليها بعيداً في سيناء، وقامت فرق مظلية وصاعقة أسقطت خلف خطوط العدو في سيناء عشية العبور وكمنت على جانبي الطرق الرئيسية القادمة من شرق المنطقة المحتلة وأنزلت بالعدو ضربات قاتلة من خلفه وقطعته عن قواته ومنعت عنها وصول الإمدادات، وتمكنت فرقة من صاعقة المشاة المصرية من أن تصد هجوم فرقة مدرعة إسرائيلية مدعومة خلال اختراق ثغرة الدفرا سوار دفاعاً عن الإسماعيلية وأن تهزمها وتدحرها بعيداً عن المدينة. 
وفي معارك موسكو، وفي مواجهة الدبابات الألمانية الضخمة التايجر، استخدم المدافعون الزجاجات الحارقة ضد الدبابات الألمانية الأقوى في العالم آنذاك، كما استخدموا بندقية طويلة مضادة للدروع ذات طلقات من عيار كبير أشبه بـ(7؛12) و(5؛14)، وكان هذا قبل صناعهة القاذف الصاروخي المضاد للدروع والصواريخ الموجهة الحالية التي جعلت الدبابات أهدافاً سهلة للمقاومين الشعبيين دون الحاجة إلى أعداد كبيرة من الأفراد مع توفر أعداد كافية من الصواريخ التي صار بإمكان الحركات الوطنية صناعتها محليا بأعداد كافية وهو ما يرعب الامبرياليين والاستعماريين وعملاءهم.