غازي المفلحي/ لا ميديا

بات اليمنيون اليوم يصنعون سلاح المستقبل المتطور: الطائرات بدون طيار، السلاح الذي حرّمت شريعة الطغيان الأمريكية صناعته وحيازته على من أراد أن يحافظ على كرسيه من الحكام العرب، والذي غيّر مفاهيم الحرب التقليدية بشكل كبير في العالم منذ عام 2000، وسعت كثير من الدول لامتلاكه وتطويره بعد إدراك أهميته الكبيرة كأخطر بيادق المواجهة في معارك الحاضر والمستقبل المعقدة.
وظلت صناعة الطائرات بدون طيار (الدرونز) حكراً على دول قليلة على رأسها أمريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا الرائدات في هذه الصناعة والتي دشنت استخدامها في السبعينيات، واليوم تمكن اليمنيون من كسر «تابو» التحريم والاحتكار الصهيوأمريكي لهذه الصناعة، وأصبحوا ينتجون طائرات بدون طيار متعددة المهام وبقدرات قتالية عالية مكنتهم من قصف مطار أبوظبي الذي يبعد عن اليمن مسافة تزيد عن 1500 كم بطائرة «صماد3»، في إنجاز يثبت أن التقنيات والتصنيع وامتلاك القوة ليست حكرا على أمريكا والغرب.

دخول ساحة الدرونز
كان قسم الهندسة والتصنيع الحربي والصاروخي في الجيش اليمني قد كشف، في 26 فبراير 2017، عن طائرات مسيرة يمنية الصنع في معرض افتتحه الشهيد صالح الصماد. ودخلت الطائرات المسيرة خط الاشتباك بقوة كبيرة وقصفت أهدافاً في عدة جبهات داخل اليمن وخارجها، محدثة فوارق جوهرية في المعركة، وكانت آخرها المفاجأة الكبيرة بقصف مطار أبوظبي الدولي في 26 يوليو الماضي، في حدث كشف عن المسار الجديد كلياً الذي تتجه إليه المعركة والدولة اليمنية التي تولد في هذه الحرب.

سلاح المستقبل
بحسب الخبراء العسكريين والاستراتيجيين فإن الطائرات بدون طيار المسيرة تمثل السلاح العسكري المستقبلي الذي غير قواعد الاشتباك، نظراً لما تقوم به من مهام واسعة تفوق الطائرات الحربية التقليدية مقيدة القدرات، وبتكلفة مالية أقل، مع ميزة الحفاظ على أرواح من يستخدمونها الذين يبعدون عن مسرح عملياتها القتالية آلاف الأميال والتي تجنب الطيارين الموت أو الاعتقال بيد الأعداء. وتعمل الطائرات بدون طيار بعدة طرق، فيمكن برمجتها مُسبقًا بإحداثيات ومواقع وتكون بذلك ذاتية التوجيه وتقوم بمهامها دون الحاجة الى اتصال مباشر معها، وهذه حسب خبراء ربما هي التقنية المستخدمة في طائرات سلاح الجو اليمني المسير، نظراً لعدم امتلاك اليمن أقماراً صناعية، وقصف شبكات الرادار والتحكم من قبل العدوان، أو يتم توجيهها لاسلكيًّا أثناء تحليقها عبر الأقمار الصناعية، فيما الأنواع الأحدث منها تتمتع باستقلالية نسبية وتحكم ذاتي عالٍ بفضل الذكاء الاصطناعي واعتمادها على برامج حاسوبيّة تلقائيَّة تتيح لها جمع المعلومات والرصد واتخاذ القرارات المناسبة من تلقاء نفسها في ضوء تلك المعلومات، ولديها مقدرة على معالجة البيانات وتحديد الأهداف وتمييزها بدقة، وحتى معرفة معالم وجوه الأشخاص الذين يتم تزويدها بصورهم لتقوم باغتيالهم، ونظام الإطلاق فيها يكون إما عربة أو قاذف هوائي أو صاروخي أو تقلع في مدارج أو بشكل عمودي أو بالقذف اليدوي عقب تشغيلها في الأنواع الصغيرة منها، وتعتمد طرق طيران ودفع مختلفة، منها ما هو نفاث ومنها ما يدفع بالمراوح ومنها ما يطير بأسلوب المنطاد، وتعمل بالوقود السائل ولكن بكميات أقل بكثير من الكميات الكبيرة التي تستهلكها الطائرات الحربية التقليدية.

أفضل النتائج بأقل الخسائر
وتقوم الطائرات المسيرة بعدة مهام وتمثل منصات عسكرية طائرة وقواعد استعلام جوية طوافة، فهي تقوم بالعمليات الهجومية مثل رصد وشن الغارات على الأهداف المعادية البعيدة وتستطيع حمل آلاف الكيلوجرامات من الصواريخ والقذائف شديدة الانفجار. كما تتميز بقدرتها على التحليق لساعات عديدة لضرب أهداف بعيدة، وحملها صواريخ ذكيّة تُطلق من ارتفاعات شاهقة. ولأن تكاليف عملياتها قليلة وحجم الخسارة في حال تم إسقاطها ليست كبيرة، فقيمة الطائرة نفسها زهيد ولا يوجد طيار بداخلها، ولصعوبة التصدي لها بوسائل الدفاع الجوية العادية واستطاعتها التحوّل إلى صاروخ مُوجَّه عند فشل المهمة أو وجود هدف حيوي يجب تدميره، أصبحت الطائرة بدون طيار الوسيلة المفضلة في أداء كثير من المهام في الحروب الحديثة لتحقيقها أفضل النتائج بأقل الخسائر والمخاطرات.

غرفة عمليات في الجو
أما في الجانب الاستخباراتي وجمع المعلومات وإسناد الجيوش، فالطائرات المسيرة تقوم بإرسال تقارير متواصلة عن مسرح العمليّات العسكريّة، وتتنصَّت على الاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة، وتُسجِّل تطوّرات الأحوال الجويّة، وتجمع المعلومات عن الأهداف المُحتملة، وتقوم بالتشويش على منصّات إطلاق الصواريخ وبطاريات الدفاع الجوي، بنشر رقائق معدنية مثلاً، والتحكم الجوي الأمامي الذي يُمكِّن الطائرة بلا طيّار من القيام بثلاث مهمّات أساسيّة (العزل الجوي، والدعم الجوي القريب، والبحث والإنقاذ خلال القتال)، إضافة إلى تعقُّب الأهداف وتحديدها للقوة الصاروخية والمدفعية وللطائرات الهجوميّة في حال وجدت وتعديل ضربات المدفعية، وكشف الأهداف المُعادية، واكتشاف الأهداف الجوية على مُختلف الارتفاعات، وإنذار القوات العسكريّة بشكل مُسبق بأي جديد أو تحرك معادٍ، وكذلك قيادة عمليات المقاتلات الاعتراضيّة وتوجيهها، وتوفير المعلومات اللازمة لتوجيه الصواريخ أرض/ جو، وعمليات الهجوم والاستطلاع البحري، وتوفير المعلومات اللازمة لمراكز العمليات العسكريّة والقوات البريّة، ورصد أفراد الحركات أو التنظيمات المُعادية وعناصرها وتعقُّبهم، كما أن من أهم ميزاتها أنها تستطيع البقاء في الأجواء لفترات طويلة، لأنها خفيفة الوزن واستهلاكها للوقود منخفض والبعض منها يعمل بتقنية الخلايا الشمسية.

إنجاز يمني غير مسبوق عربياً
سعت دول العالم لكسر الاحتكار والتحريم الأمريكي الإسرائيلي البريطاني المفروض على هذه الصناعة المهمة في حاضر ومستقبل كل الدول وبدأت تظهر النتائج الناجحة لمساعيهم من عام 2000، وأصبح عدد الدول التي تنتج الطائرات المسيرة 41 دولة في عام 2005 ثم 76 دولة في عام 2012. ولكن لم تتجرأ أي دولة عربية حتى على التفكير في هذه الصناعة، حتى أعلن اليمنيون وفي أحلك الظروف وأصعبها وفي ظل عام رابع من عدوان أجدب الموارد والإمكانات وجعل كل شيء شحيحا ومستحيلاً، أعلنوا تحرير عقولهم وأيديهم من أغلال التجهيل التي فرضتها الأنظمة العربية على أنفسها وشعوبها تلبية لأوامر الآمر الأمريكي.
يقول العميد عبدالله الجفري، المحلل العسكري والاستراتيجي والناطق الرسمي للقوات الجوية اليمنية في حديثه لـ(لا): "إن ما حققه الجيش اليمني ولجانه في جانب الطيران المسير إنجاز تاريخي غير مسبوق لأي دولة عربية، والنجاح في تبني استراتيجية الطائرات بدون طيار المسيرة من قبل القيادة السياسية والعسكرية خاصة بعد تدمير سلاح ودفاع الجو اليمني وشبكة الرادار حدث سيغير ملامح اليمن والمعركة التي تخوضها على المدى القريب والبعيد".
وقال ناطق القوات الجوية العميد عبدالله الجفري مؤكداً: "يمن اليوم ليس يمن الأمس، فقد كسر الهوان والفشل العربي وكان أول من صنع صواريخ باليستية يزيد مداها عن 1000 كيلومتر، وها هو اليوم يصنع طائرات بدون طيار يمنية مداها يزيد عن 1500 كيلومتر، في إنجاز يمني خالص حصري وتاريخي، ينهي التآمر على العقول العربية وتجهيلها وتعجيزها من قبل أنظمة تخدم الصهيونية العالمية، واليمن اليوم تقود صراعاً جديداً قديماً يعني كل أحرار العرب والعالم ضد من يحاولون السيطرة على كل مقدراتهم حتى القدرات العقلية".
ويستطرد العميد عبدالله الجفري قائلاً: "تحقق هذا الإنجاز التقني العسكري من خلال إيقاظ الكفاءات والكوادر والعقول اليمنية المنتجة الفذة، وهذا هو العقل اليمني الذي سيرفع الوصاية عن اليمن والذي حاول أعداء اليمن على مر أجيال تكبيله وتجهيله ونزع الثقة منه ولا تزال المحاولات مستمرة حتى الآن بقيادة السعودية والإمارات الوجه الآخر لأمريكا وإسرائيل".
ويضيف العميد الجفري: "لن يكون هناك أي احتكار لأي صناعة عسكرية أو غير عسكرية أمام العقول اليمنية، والأيام ستثبت ذلك، ونبشركم أن هناك خططاً وبرامج وتطلعات وأفكاراً وإمكانيات لبناء قاعدة تقنية عسكرية يمنية قوية الآن وبعد العدوان سوف تصل إن شاء الله إلى عمليات إطلاق أقمار صناعية يمنية مضياً في النهج الثوري التحرري وتحت شعار يد تبني ويد تحمي، الذي أطلقه الشهيد الرئيس صالح الصماد".

تكاليف أقل
ويؤكد خبراء أنّ العمل على تصنيع أو تجميع الطائرات بلا طيّار لا يُكلِّف كثيرًا من المال، ففي الوقت الذي يُكلِّف شراء طائرة حربيّة تقليديّة عشرات الملايين من الدولارات، فإنّ الدولة تحتاج لإنفاق القليل لتصنيعها أو تجميعها، ويُعادل ثمن مئات الطائرات بدون طيّار ثمن طائرة واحدة من نوع (إيغل?إف?–?15) المعروفة، وتستهلك 200 رحلة من رحلات طائرة بدون طيّار وقود رحلة واحدة لطائرة (فانتوم إف?–?4) لتحقيق المهمة ذاتها، على طول المسافة عينها، وتفوق كلفة تدريب طيّار واحد على طائرة (تورنادو Tornado)أربعة ملايين دولار، بينما يحتاج المتحكمون بالطائرة بدون طيار عدة أسابيع حتى يحترفوا استخدامها وبتكلفة تدريب تكاد لا تذكر، ويمكن تدعيم هذه الصناعة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، المعاهد الفنيّة المُتخصِّصة وكليات الهندسة، في مجالات الأبحاث والتصنيع والتطوير.
إنّ قدرة الجيش اليمني على إنتاج الطائرات بلا طيّار يفرض «توازن رعب جديد»، أو على أقلّ تقدير، خلق «توازن ردع نسبي» يؤدّي إلى كبح جماح العدوان الصهيوأمريكي وأزلامه الخليجيين الذين يشنون عدواناً عليه لأكثر من ثلاثة أعوام، وهذا ما اتضح من الهروب الإماراتي نحو فرنسا طلباً لوسائل دفاع جوي خاصة بالتصدي للطائرات المسيرة بدون طيار، فقد أدى دخول سلاح الجو اليمني المسير المفاجئ والقوي إلى أرض المعركة وعدم التدرج في إعلان مدياته التي بلغت 1500 كيلومتر وشن غارات على مطار أبوظبي إلى خلق عنصر المفاجأة والمباغتة في هجمات لم يحسب لها العدوان حسباناً وهناك توقعات بمفاجآت أكبر.
مما لا شك فيه أن النظام الدولي والإقليمي يتغير باستمرار، وأهم عوامل التغيير هو التطور التكنولوجي العسكري الذي تمتلكه الدول وتطوره أو تبتدعه، فقوة وتطور القدرات العسكرية كانت دائمًا العامل الأهم في تغيير مواقع الدول في سلَّم القوى في فترات السلم والحرب، والعامل الذي يرسم حدود الاشتباك ويرسي قواعد السلام والاحترام بفرض فكرة "السلام بواسطة الردع". وصناعة اليمن للطائرة بدون طيار أحد أهم أسلحة المستقبل المتطور، وتدرجها السريع في تطويرها ينبئ بتشكل دولة يمنية قوية لها مكانتها البارزة على الساحة الدولية والإقليمية.