بشرى الغيلي/ لا ميديا

تحاول كل مساء أن تجبر نفسها على متابعة ما يشاهده زوجها من مباريات المونديال بنسخته الحالية، بعد أن توقفت عن متابعة مسلسلها إجبارياً، ويوماً بعد آخر اكتشفت (إشراق) - ربة بيت - أنها تتنافس هي وزوجها في تشجيع الفريق الأفضل.. الثقافة الرياضية في اليمن تكاد تكون متدنية إلى حد ما، رغم أنها في فترة من الفترات بدأت تزدهر، وشرعت المرأة اليمنية تنافس على مستوى العالم، ووصلت إلى النجومية، وحصدت الكثير من الميداليات والألقاب.. ما هو واقع الرياضة النسوية حالياً مع استمرار العدوان لعامه الرابع على التوالي، وتوقف معظم أنشطتها ومشاركاتها؟ وما هي أسباب إحجام البعض عن الرياضة؟ هذه المحاور تفاعلت معها مختصات بالجانب الرياضي، التقتهن صحيفة (لا)، وكذلك عرضت خلال السياق نموذجاً مشرفاً للفتاة الرياضية اليمنية في المحافل الدولية والعالمية، وهي بطلة الشطرنج وطبيبة الأسنان أمل جميل..

بدايات
حظيت الرياضة النسوية في اليمن خلال السنوات الـ19 الماضية، بدعم كبير أسهم في تطور ملحوظ لهذا المجال، وشكل إضافة جديدة للمرأة اليمنية بانخراطها في شتى مجالات الحياة .
ورغم كل المحاذير والقيود التي وقفت أمامها، استطاعت المرأة اليمنية أن تقتحم عالم الرياضة بعد أن ظلت حكراً على الرجال لفترة طويلة مع تواجد خجول لرياضة المرأة .
وتعددت المهام والنشاطات الرياضية التي نظمتها الإدارة العامة للمرأة بوزارة الشباب والرياضة منذ نشأتها عام 2003م بموجب قرار وزاري لسنة 1999م بإنشاء إدارات عامة للمرأة في جميع الوزارات، لكنها تراجعت خلال السنوات الأربع الماضية بسبب العدوان الذي تشهده اليمن، ومحاولة عزلها عالمياً عن كل الأنشطة الإقليمية والدولية، فالحصار، والحظر الجوي، وكذلك الأوضاع التي تعانيها اليمن نتيجة العدوان الأمريكي السعودي، أثّرت بشكل كبير على انتعاش هذا المجال الذي خرجتْ من معطفه لاعبات ماهرات مثّلن اليمن خير تمثيل، والتي سنسرد قصة إحدى من تميزن ضمن السياق.

التأسيس
 تأسس الاتحاد المحلي لكرة القدم في اليمن عام 1962م، وانضم إلى الاتحاد الدولي في 1980م، وكان الاتحاد المحلي يضم 4 عاملين لصالح الرياضة النسوية، في سنة 2009م تبين أن 26% من ميزانية الاتحاد تذهب لرياضة كرة القدم الرجالية، بينما تذهب 4% فقط إلى التطوير التقني الذي من ضمنه كرة القدم النسوية، التحكيم، كرة القدم للصالات، والعلاج الطبي، ومثّل منتخب اليمن لكرة القدم للسيدات في بطولات كرة القدم النسوية، ويديره الاتحاد اليمني لكرة القدم. ويعترف الاتحاد الدولي لكرة القدم بمنتخب اليمن للسيدات، ولكنه لم يلعب أية مباراة دولية رسمية.

مراحل تطورها 
لم يبدأ التطور الحقيقي في دول الشرق الأوسط ووسط آسيا إلا قبل 10 سنوات، وتحديداً في بداية الألفية الثالثة، في سنة 2005م، تم وضع برنامج لرياضة كرة القدم النسائية، وفي 2006م، تم تسجيل 160 امرأة لكرة القدم، من ضمنهن 50 لاعبة ناشئة، مقابل 15 لاعبة ناشئة في السنة السابقة، وفي السنة ذاتها، تواجد 360 نادياً في اليمن لم يكن أي منها متاحاً للسيدات، وبحلول سنة 2009 تم تأسيس 6 فرق للسيدات و3 فرق للناشئات.

اعتراف الاتحاد الدولي
لم يلعب منتخب اليمن للسيدات أية مباراة دولية رسمية، كما لم يشارك في تصفيات كأس أمم آسيا أو تصفيات كأس العالم. اعترف الاتحاد الدولي بوجود منتخب نسائي في سنة 2006م. منتخب السيدات كان يتدرب 4 مرات في الأسبوع، نفس الشيء ينطبق على منتخب الناشئات، ولم يملك منتخب السيدات أي تصنيف ترتيبي.

بطلة الشطرنج... وطبيبة تحملُ المشرط
ابتسامتها بحد ذاتها تخفف من آلام زوار عيادتها، فأول ما تقابل به زوارها هو ابتسامة تفتر عن ثغر محب لتقديم أرقى تعامل مع من يعانون من أوجاعهم، وما يدرون أن تلك الطبيبة الجميلة، وصاحبة الابتسامة الرائعة، إلى جانب ممارستها وتفوقها في طب الأسنان، أنها بطلة العرب للشطرنج تحت فئة 14 سنة، عام 2007، وبطلة العرب تحت فئة 18 لعام 2012م، وحصدت باسم اليمن العديد من الميداليات البرونزية والفضية، ورفعت اسم اليمن عالياً في مختلف المحافل الدولية... أمل جميل التي بدأت حديثها أن من العوامل التي تحدد التحاق المرأة في المجال الرياضي، الدعم المعنوي، والتشجيع من قبل الأهل، كذلك تقبل مجتمعنا حالياً للرياضة بكل أنواعها، وليس فقط الشطرنج، لأن الشطرنج رياضة ذهنية وليست جسدية، وأضافت: كذلك الدعم الذي نتلقاه من صندوق النشء في وزارة الشباب والرياضة، له دور كبير في استمرار الرياضة النسوية، ومن ضمن هذا الدعم، الحافز الشهري لكل من أنجز لهذا الوطن ميداليات ذهبية وغيرها، ورفع اسم اليمن عالياً في الخارج.

ليس صحيحاً أن الرياضيات هن من الأغنياء!
ويلاحظ بعض المتابعين أن الرياضيات من النساء في اليمن هن من بنات الطبقة الغنية، بينما أمل لها رأي آخر، حيث تقول: ليس صحيحاً أن كل الرياضيات من الغنيات، وإنما أغلبهن من الطبقة المثقفة، والمتقبلة للرياضة النسوية، وليس هناك علاقة للغنى أو الفقر بالرياضة.
وتوضح أمل أن من ضمن العوامل التي تشجع المرأة على الالتحاق بالرياضة هي المشاركات الخارجية، والسفر خارج الوطن للاحتكاك والمنافسة بين لاعبي وفرق ومنتخبات الدول العربية والأجنبية، ورفع اسم اليمن، وأيضاً التعرف على العالم المحيط ولو بدرجة بسيطة، وتمنت خلال النقاش معها في هذا المحور، من وزارة الشباب والرياضة عدم إهمال الرياضة النسوية، وأن تستكمل الموافقة وإجراءات المشاركة في بطولة العالم للشطرنج التي ستقام في جورجيا في سبتمبر القادم، وعدم تفضيل منتخب الرجال على منتخب السيدات، حسب كلامها. 

مشاركات أمل محلياً وإقليمياً ودولياً 
مشاركات أمل التي مثلت فيها اليمن خير تمثيل، وعادت بالألقاب في كل مشاركة منها، حققت خلالها: المركز الأول في بطولة العرب صنعاء فندق موفنبيك، المركز الأول في بطولة الجامعات بصنعاء، المركز الأول في بطولة مدارس الجمهورية، المركز الثاني في بطولة الجمهورية للسيدات، المركز الأول في بطولة الأندية للسيدات، أيضاً نادي كمران الرياضي.
وأما بالنسبة للمشاركات الدولية فكانت أغلبها مع المنتخب الوطني للسيدات: بطولة الأندية للسيدات في تونس، بطولة الأندية للسيدات في سوريا، بطولة العالم في روسيا، بطولة العالم في تركيا، ومنها على المستوى الفردي: المركز الأول في بطولة العرب في أبوظبي، المركز الرابع مكرر في بطولة السيدات في الشارقة، ومشاركة في بطولة العالم الفردية في تركيا.

شغف المتابعة لكأس العالم
وعن متابعة المرأة اليمنية لنهائيات كأس العالم تختم جميل: نادي الاتحاد العام لرياضة المرأة، مخصص للمرأة فقط لدعم الرياضة النسوية بشكل كبير في كل الألعاب الرياضية، يأتي من باب الشغف وحب الرياضة، وأيضاً لتشجيع الدول العربية، إضافة لتشجيع اللاعبين المميزين في بعض الأندية كميسي، وكريستيانو، وأيضاً كمتابعة عادية مؤازرة للفريق الذي يشجعه الأهل أو الأصدقاء، وأماكن متابعتها، بعد احتكار القنوات الرياضية لكأس العالم، وهناك من يشترك في قنوات البث المخصصة لكأس العالم، ويشاهد جميع المباريات في البيت، وهناك من يشاهد من الكافيهات الموجودة، وهناك من سهل له النت الكثير والكثير ليشاهد كأس العالم من الفيديوهات المباشرة على (فيسبوك)، ومنهم من يكتفي بتلقي نتائج المباريات فقط من غير مشاهدة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. أما بالنسبة للتشجيع والتعصب بين السيدات قد يكون لسبب معرفتهن بلاعب معين مشهور مثلاً، أو تشجيع الأهل لمنتخب معين، أو تشجع المنتخبات القوية التي عودتنا على فوزها وتألقها، لذلك في الغالب يكون التشجيع للأقوى والأفضل.

فهم مغلوط..!
(إذا حددت اهتمام المرأة الغنية فهو أولاً لعدم انشغالها كالمرأة العادية، ولكن المعيار الأول أن الرياضة في مفهوم الكثيرات هي للأولاد فقط)، ذلك ما قالته تقية عبدالله ـ مذيعة بإذاعة (إيرام FM)، وتضيف: الذي يجعل المرأة لا تهتم بالرياضة هو عدم توفر المشاهدة المتاحة للجميع، فالشباب يجتمعون في أماكن تتوفر فيها المشاهدة بكروت أو قنوات مدفوعة، أما النوادي المتوفرة لممارسة الرياضة فهي نادرة جداً، وإن وجدت نوادٍ فهي فقط لممارسة رياضة معينة للتخسيس فقط، أما الرياضة المتنوعة ككرة السلة أو التنس، أو غيرها، فهي غير متاحة، وإن أتيحت فهي فقط موسمية، ومن أجل مشاركات إقليمية، ثم نسيانها بمجرد الانتهاء من اللعبة.

انعكاس التنشئة على متابعة الفتاة للرياضة
الباحثة الاجتماعية مروى العريقي تعدد عوامل كثيرة تجعل المرأة تتابع الرياضة، منها التنشئة داخل البيت، إذا أتيحت للمرأة الفرصة لمتابعة الأحداث الرياضية مع أخيها في البيت منذ صغرها، فتكبر وهي تتابع الرياضة وتنظر للأمر بشكل طبيعي، بل تستغرب من الأشخاص الذين يتعجبون من متابعتها ويصفونها بالرياضية. أيضاً أحد أهم العوامل هو الحالة المادية للمرأة، حيث تستطيع الاشتراك بالقنوات التي تبث مباريات كأس العالم حالياً أو الاشتراك في الأندية.

نوادٍ خاصة بالنساء
وعن وجود نوادٍ خاصة برياضة المرأة تضيف العريقي: نعم هناك نوادٍ خاصة بالنساء هنا في صنعاء، وأيضاً في محافظات أخرى مثل عدن، والحديدة، وتعز.. بالنسبة للمشاهدة أو التشجيع توجد النوادي باختلاف أنواع الرياضة، مثلاً نادي الفروسية يوجد أماكن لممارسة هذه الرياضة ومشاهدتها أيضاً. كذلك الحال مع رياضة كرة القدم، فلا يوجد قانون يمنع النساء من مشاهدة المباريات أو دخول الملاعب لغرض المشاهدة والتشجيع، ولعل خير مثال على ذلك هي بطولة الخليج العربي بنسختها الـ20، والتي أبهرت دول الجوار بجمهورها الكبير بمن فيهم النساء المشجعات، رغم خروج المنتخب الوطني من البطولة.

مونديال 2018
وحالياً تبث مباريات كأس العالم، في أكثر من مقهى، تستطيع المرأة مشاهدة المباريات، إلا أن مسألة التشجيع وما يصحبها من حماس وهتافات واختيار ملابس الفرق المشاركة في المونديال أو رفع الأعلام أو حتى إضافة طلاء الوجه بأعلام تلك الفرق، لا تتم، ويعود ذلك لطبيعة المجتمع المحافظ.. مشاهدة اليمنيات لمونديال 2018 المقام في روسيا، شيء رائع، فالرياضة للجميع، المشكلة فقط في التعصب للمنتخبات. الرياضة بعيدة كل البعد عن دهاليز السياسة، وقانون الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) يشدد على عدم إقحام السياسة في الرياضة، ويفرض عقوبات كبيرة على المخالفين.