علي نعمان المقطري / لا ميديا

النوايا الطيبة في الحرب هي طريق جهنم المفروش وروداً وطيباً، ومهما أرادت القوى اليمنية الوطنية الخيرة أن تفتح قلوبها للمصالحة والوئام؛ فإنها لا تجد إلا عقوقاً وختالاً ونفاقاً يزداد كلما زادت مشاعر الأخوة والمحبة، فيوظفها على أروقة التحديات الجديدة حتى تمتلئ الساحات بالأوهام والظنون والاعتقادات الباطلة، ويختلط الحق بالباطل، وتضطرب النفوس، وتغيم الآفاق، وتغيب الحقائق خلف ركام من الزيف، فلا تدري تمايزاً بين الصدق والكذب؟ 
وفي هذه الحالة، لا يتخذ القرار ولا تعطى التوجيهات ولا تحدد المهام ولا تتحرك القوى نحو أهدافها الرئيسية الحقيقية المبنية على الموضوعيات، بل على العواطف والتمنيات والمثاليات، فتشل العقول عن التقدير والتدبير، وتذهل القلوب عن الاحساس، ليغدو كل شيء في التباس.
وهذا هدف استراتيجي من أهداف كل عدوان على المستوى النفسي الاستراتيجي الذي هو أول هدف في كل حرب مهما كانت. إن العدو يهدف هنا لإبعادك عن الحقائق والوقائع، والعجز عن التقدير الصحيح لتحديات عدوك، فتلهو ويلهيك هو عن متابعة تحركاته ومؤامراته وحجب المعاني الحقيقية لأنشطته وأعماله، وأهم ما يستغله لذلك هو النوايا الحسنة والأجواء التي تفتحها هذه المشاعر الطيبة!
ويجب أن نعترف صراحة بثغراتنا القائمة لنسارع لإغلاقها فوراً وبحزم، حيث مازال العدو مشلولاً عن الحركة ذُعراً من رد الفعل اليمني المنتظر. ولن يطول هذا الوضع إذا مرت الأيام بدون توظيف واستغلال ومبادرة للحركة والعمل الحازم الذي يجعل العدو ينسى اسمه ويفقد اتزانه تماماً.

أزلية الصراع وواحدية الجوهر
مثلما أن قوى الظلم واحدة في العالم وفي التاريخ –عابرة الفروقات القومية والزمنية– فإن حكمتها واحدة ودروسها وقواعدها واحدة مشتركة ومملوكة لجميع الثورات وللقيادات الإنسانية.
إن الصراع أزلي، بين قوى الخير وقوى الشر، بين إبليس وآدم، بين المسيح واليهود الجاحدين والمرابين الماليين، بين الأرستقراطية القرشية العربية ومحمد النبي راعي الغنم البسيط، بين معاوية والإمام علي، بين يزيد والحسين.
وفي كل عصر هي ثورة دائمة بين يزيد العصر وبين حسين العصر. وهي اليوم كذلك.
وأهم درس في جميع الثورات الإنسانية منذ الأزل، هو ما ذكره القرآن الكريم نفسه، مخاطباً رسوله، وكل الثورات القادمة، أنه: لن يزيدوكم إلا خبالاً وخسارة وتثبيطاً إن تحالفوا معكم وتحالفتم معهم، لأنكم بذلك إنما تمكنونهم منكم ومن أعناقكم ومن أخباركم وشؤونكم ونواياكم وأنتم أحوج إلى الحيطة والحزم.
ويجب الاعتراف وانتقاد الذات، أن الشهيد الرئيس صالح الصماد، دفع حياته ثمناً لمثاليته الوطنية وحسن نواياه وسعة سماحته مع عدو الداخل المتربص المندس داخل الجهاز الأمني الإداري العسكري والسياسي للدولة الوطنية من بقايا النظام القديم العفاشي الوهابي، المتفشي في مؤسسات الدولة حكومة وبرلماناً وبنوك... إلخ. والرجل كان يريد توحيد الداخل وإشراك القوى السياسية في الإدارة والمواجهة، وحرصاً على قوة الصف الوطني.

المؤامرة الجديدة وأهدافها وغاياتها وقواها وعناصرها واتجاهاتها 
انطلقت المؤامرة الجديدة من النقاط والمنطلقات الأساسية والمخرجات والنتائج التي انتهت إليها المؤامرة السابقة في ديسمبر وامتداداتها الجديدة، وهذه المخرجات والاستنتاجات للعدو باعتقادنا هي:
أن السيطرة المطلقة للعدو على المجال الجوي تمنحه أفضلية استطلاعية مخابراتية تجسسية على الجيش والقيادة اليمنية الوطنية لا يمكن التصدي لها.
أن وجود قوى داخلية قديمة من النظام السابق مشاركة في النظام الحالي وهي على علاقات صداقة ومصالح مع العدوان وقواه، وبعيدة عن رقابة الوطن وأجهزته، وإسباغ الحماية البرلمانية عليها يجعلها في مأمن يجعل العدوان قادراً عل توظيفها حتماً في خدمته، سياسياً وأمنياً واستراتيجياً، لاسيما كلما اشتدت هزائم العدو في الجبهات العسكرية واحتاج إلى مخارج من نكساته.
لأن العدو في الواقع قد شبك مع هذه القوى التي تتطابق مصالحها معه وتمثل ماضي هيمنته على اليمن من وقت مبكر، لتخدمه من داخل القوى اليمنية الوطنية التحررية، ولتؤدي أدواراً أخطر وأهم من القتال في الجبهات العسكرية، بل خُطط لها للقيام بانقلابات ومؤامرات من الداخل بما يزعزع الوضع القيادي وينسفه من داخله أملاً بهزيمة الجيش المقاتل في الجبهات العسكرية والأمنية والسياسية وتقويض الدفاع الوطني والصمود. وهذا هو هدف العدوان الكبير الآن.
إن ما يعجز عنه العدو في المواجهات المكشوفة يريد الوصول إليه عبر أساليب المكر والخداع والمناورات السلمية والاعتبارات الفضفاضة.

الجبهة الجديدة للحرب العدوانية السرية
مع استمرار الحرب على الجبهات التقليدية القديمة يقوم العدو بفتح جبهة حرب رديفة جديدة بأسلوبها وإمكاناتها وتقنياتها وقواعدها وتكتيكاتها، وهي حرب رديفة تجري في مسار مستقل خاص بها، لها قياداتها وأهدافها وأدواتها وقواها ومجالاتها وميادينها الافتراضية.
كشفت مؤامرة أغسطس -ديسمبر 2017 وما سبقها من تخريب وحرب نفسية ومضاربات اقتصادية وأزمات تموينية ومالية ودعم معلوماتي جاسوسي للعدو...، أن قوى النفاق الداخلي قد قطعت شوطاً لا عودة عنه في خدمة العدوان، منطلقة ومستفيدة من مواقعها في جهاز الدولة اليمنية ومواقع القرار السياسي اليمني والعسكري التي تشغلها في إطار الشراكة السياسية – ويبدو غير المشروطة– التي تحولت إلى ثغرة استراتيجية عبرت خلالها القوى الإمبريالية إلى الداخل. وصحيح أن القوى الثورية قد سيطرت على تحركاتها، لكنها لا يمكنها السيطرة على نواياها ومعلوماتها ومناوراتها مع العدو سراً!

الثغرة السياسية الداخلية
قوى الشراكة منقسمة بين موقفين، بين الوطن والعدوان، وقوى الوطن محل الاحترام، ولكنها في الجهاز الإداري والسلطة أقلية في الحقيقة يحيطها حيتان الفساد والخيانة، ولذلك فالأغلبية المسيطرة لا تزال هي قوى الفساد والخيانة والمؤامرة والطغيان، واستمرار نشاطها وتآمرها مع العدوان واضح كالشمس، ولا يحتاج إلى المزيد من الأدلة والإثباتات.
وقد ازدادت شراسة وتوحشاً وجراءة بعد هزيمتها العسكرية في ديسمبر، ثم إصدار قرارات العفو والمصالحة معها ضمن السياسات الوطنية الكريمة التي اتبعها رئيسنا المغدور الشهيد الصماد.
إن هذا التسامح والحرص الوطني، تم تفسيره من قبل هذه الشبكات بكونه ضعفاً وسذاجة سياسية وخيالية، وأنها من موقع القوة الاجتماعية والمالية والتشريعية والسياسية والإدارية التي تشغلها تبقى محصنة محمية من بطش الثورة والشعب الجائع، تحميها من بطش الثورة والشعب، وها هي تفتح الخطوط مجدداً مع العدوان، ولم تكن قد أغلقتها أصلاً.

المؤامرة المستمرة الخطر الحقيقي
جريمة الاغتيال كانت بداية طور جديد من المؤامرة الجارية، وأدواتها الداخلية هي قوى النفاق السياسي المخترقة. وكانت هذه العملية مقدمة لمؤامرة جديدة أكبر وأخطر من السابق، وليست نهاية أو خاتمة فصل، بل بداية دورة جديدة من الحرب القذرة الجارية ضد اليمنيين.
لقد كانت بداية لمؤامرة أكبر تشمل اغتيال الوطن كله وقياداته، وإسقاط النظام الوطني التحرري الثوري المستقل، والسيطرة عليه لعودة الكولونيالية والاحتلال والهيمنة... تسير على حلقات وجولات ومحطات، سياسية وأمنية وتخريبية وانقسامية وعسكرية، تترابط وتجري ضمن مخطط شامل تديره القوى المركزية العليا للعدوان الأمريكي السعوإماراتي الصهيوني.
وفعلياً، الصراع الرئيسي الوطني يحتدم الآن متجسداً في صراع قوى المؤامرة والخيانة وقوى الثورة الوطنية الشعبية، وإن أخذت شكلاً بارداً، واختبأت في الكواليس أكثر الأمر، لكن ذلك تماماً ما جرى قبل أحداث ديسمبر.
إن أزمتنا الحالية، أزمة الوطن والثورة، لا تكمن في الجبهات القتالية ومصاعبها، فأين كان خطرها فهي واضحة ومفهومة، أما الخطر الحقيقي فيأتي من قوى المؤامرة الداخلية الذين اختبروا واتضح موقعهم الفعلي.

التلاعب بالحقائق
إن ثغرة النفاق الداخلي قد شكلت دوماً قناة الاستطلاع والاستعلام للعدو عن كل ما يهمه في الداخل الأمني والعسكري والسياسي والاستراتيجي، وعلى أساس هذا الاستطلاع والاستعلام يرسم العدو خططه ويتخذ قراراته ويحدد اتجاهاته وخياراته ومواعيده.
والعدو بعد عملية الاغتيال، تعمد إظهار الجريمة كأنها تمت عشوائياً! وهذه الدعاية هي جزء أساسي من المؤامرة، بهدف حماية قواها الداخلية من الانكشاف والاتهام، وكذا لتسهيل عمل شائعات العدو عن كون اغتيال الصماد تم بأيدي رفاقه! وعلى الرغم من انكشاف المعلومات والاعترافات بإعداد وتخطيط الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني، ولا يزال إعلاميوهم بغباء يرددون الكذبة.
إن الدافع لعدم الإقرار بالجريمة باكراً ليس لأنها جريمة مخالفة للقانون الدولي المحترم –كما (يخبص) بعض المحترمين والخبثاء معاً في إعلامنا- وإنما الخوف من انكشاف شبكاته الداخلية اللوجستية الجاسوسية الموجودة في مستويات عالية للجهاز الإداري، وانكشاف خلاياه الميدانية الضابطة للاتصالات والربط والاتصال بالخارج...