صلاح العلي/ لا ميديا

في الشمال من مدينة عمران، وعلى بعد نحو 40 كيلومتراً من مركز المحافظة، تقع عزلة غولة عجيب - مديرية ريدة، وفيها قرية (بيت علي)، مسقط رأس فقيد الوطن الشيخ محمد يحيى الغولي، شيخ مشائخ قبيلة الغولة.
هناك، تجولت صحيفة (لا)، تبحث عن تفاصيل الحياة، ليس عن سيرة الفقيد وحسب، بل تتفحص ذاكرة المكان وما تخبئه من أحداث...
قبل ما يزيد عن 400 عام، وطأت أقدام الجد الأول للفقيد، وهو علي أحمد (سميت بيت علي نسبة له) القادم من حرف سفيان المحاددة لمحافظة صعدة، ليؤسس فيها مع إخوته قبيلة (الغولة) في جبل الغولة الذي يفصل مديريتي ريدة وخمر معقل الشيخ الأحمر. لاحقاً سيكون هذا الموقع الجغرافي من العوامل الهامة في ترجيح توازن الصراع مع مشيخة الأحمر وسلطة الارتهان، لاسيما خلال الحروب الست، حيث تمر فيها الطريق الرئيسية الإمدادية القادمة من صنعاء باتجاه صعدة.
تفرع عن الموطن الأصلي (بيت علي) عدد من الفروع التي صارت مع الوقت 10 قرى متجاورة تربط معظم ساكنيها قرابة الدم، مكونة عزلة الغولة أو غولة عجيب -اسمها التاريخي- بدءاً من سفح الجبل حيث قرية (بيت صائل) وانتهاءً بقرية (بيت أبو مريم)، وبينهما تتدرج على التوالي قرى: القصير – ذو رشيد – بيت مطر – بيت عزان – بيت عويدين – بيت علي – الدربين – بيت القحوم (مسقط رأس الشهيد البطل والمنشد الثائر لطف القحوم).
ولد الشيخ محمد بن يحيى محسن الغولي في مايو 1957م، بقرية (بيت علي)، ونشأ وتعلم فيها القرآن الكريم وتعاليم القراءة والكتابة في (معلامة) القرية على يد أعمامه الشيخ الحاج مبخوت بن مبخوت والشيخ الحاج أحمد مبخوت الغولي، رحمهما الله.
عملت أسرته في الزراعة –كحال معظم أبناء عمران- إضافة إلى النشاط التجاري الذي كونه أعمامه، حيث تولى معهم قيادة شاحنات نقل البضائع من وإلى السعودية وبعض دول الجوار.
في الأثناء، كان والده هو شيخ مشائخ الغولة وكبيرها (يذكره الأهالي بالطيبة والشجاعة والحكمة والكرم والعدل)، علاوة على كونه عضواً في مجلس الشعب التأسيسي المكون عقب الـ26 من سبتمبر 62م، حيث صعد إلى المجلس لتأييد قريته (الجمهورية)، بينما قرى أخرى ظلت (ملكية)، لاسيما وأن الشيخ الأحمر ادعى تأييد (الجمهورية)، غير أن ذلك الانقسام في الموقف لم يودِ بالقبيلة إلى النزاع، بل على العكس من ذلك.
لاحقاً، ومع صعود الشهيد إبراهيم الحمدي إلى سدة الرئاسة، كانت الغولة بأكملها مؤيدة له، الأمر الذي أدى لتصاعد حدة الاستهداف من قبل الشيخ الأحمر المناوئ للرئيس الحمدي، وأحد المتهمين الأساسيين في اغتياله وجمع من رجالاته.
حينها شهدت البلاد موجة قمع وتصفيات لنظام الحمدي والحركة الوطنية، واستعرت الأحداث، لاسيما بانفجار الأوضاع مع اليمن الديمقراطي جنوباً، إثر اغتيال الغشمي بحقيبة ملغمة.
كان لهذه الظروف مجتمعةً أن شكلت نقلة كاملة في حياة الشيخ الغولي ووعيه، الشاب الذي انطلق –مع آخرين- للانضمام إلى صفوف الحركة الوطنية في الحزب الاشتراكي والجبهة الوطنية الديمقراطية، أواخر السبعينيات، إذ وصل إلى عدن، والتقى هناك عدداً من أبناء منطقته مثل الشيخ أحمد عبد الرحمن الغولي والشيخ يحيى داحش العبدي، وكذا أحد أبناء عمومته وهو الشيخ عبد الرزاق مبخوت الغولي الذي شارك في انقلاب أكتوبر 78م، وغادر إلى عدن بعد إصدر حكم غيابي في حقه بالإعدام مع عدد من رفاقه، عقب فشل الانقلاب.
رفيقه منذ الصغر عبد الرزاق مبخوت الغولي في حديث خاص لـ(لا)، يقدم شهادته حول الفقيد من واقع معايشته له: (كان همه وطنياً وعروبياً شاملاً ووحدوياً، ويريد العدالة للناس والتطور، ولم يكن له طموح شخصي، بل خدمة الناس والانتصار لهم).
يقول: عقب اغتيال الرئيس الحمدي، طوردنا على خلفية أحداث 15 أكتوبر 78م وما تلاها من نشاط ثوري ضد سلطة التبعية، فغادرنا إلى عدن، وهناك تم استقبالنا، ومنحنا الدورات المختلفة. ومن ضمن 2000 يمني اختيروا للذهاب إلى لبنان وأخذ دورات عسكرية في معهد (الجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير فلسطين) أكتوبر 79م، اختير الشيخ الغولي للمشاركة فيها (ذهب بجواز سفر تحت اسم أنيس درويش أحمد)، وحارب إلى جوار اللبنانيين ضد الكيان الإسرائيلي خلال الاجتياح..
ويضيف رفيق آخر للفقيد، وهو محمد عامر الغولي، أنهم وتقريباً في العام 82م، ومع تصاعد الخلافات والصراع مع علي ناصر محمد في عدن، اضطروا لمغادرة عدن والعودة إلى الشمال، ليخوضوا نشاطاً ثورياً قوياً في صفوف الجبهة الوطنية، لاسيما في عمران والغولة.
ومع تعاظم حجم النشاط الوطني الثوري، اعتبرت الغولة معقلاً جبهوياً اشتراكياً، ومنطقة (مارقة) عن نفوذ الشيخ الأحمر وسلطة التبعية في صنعاء، ولذا ضيق الخناق عليها بالجملة. لقد حُرم أبناؤها بشكل خاص من مزاولة أي نشاط مع الدولة أو الانتساب لوظائفها، وحرضت عليها السلطة بالعداء، وشجعت تفجير الاحتراب القبلي معها.
وخلال تلك المرحلة، حدثت العديد من الصراعات المسلحة مع عدد من القبائل المجاورة لقبيلة الغولة، كانت السلطة خلالها طرفاً مسعراً لا مُصلحاً كما يفترض بدورها أن يكون.
بيد أن ذلك السعار العدواني ضد الغولة وأبنائها وشيخها الفقيد محمد يحيى الغولي، لم يجبرهم حتى على التفكير بالانخراط في حالة التطبيع التي أُجبرت عليها العديد من القرى والقبائل في عمران، تحت طائل البطش وشراء الذمم.
يفيد سليمان عويدين الغولي، الناشط السياسي الثوري: لقد جُبلنا على الصراع مع السلطة وأزلامها ورجالات التبعية والارتهان السعودي والأمريكي، وكنا تحت قيادة رجل شجاع ثوري لا يهاب الموت، هو الشيخ محمد الغولي.

مواقف لله وللتاريخ
خلال حرب صيف 94م وقف الشيخ الغولي بالضد لها، وقاتل في صفوف الحزب الاشتراكي في عدن ضد الاجتياح الوهابي الإخواني للمحافظات الجنوبية، وفي الوقت ذاته أدان دعوات الانفصال والعودة للتشطير. وبخسارة الحرب لم يستسلم أو يغادر خارج الوطن، بل تمكن من العودة إلى الغولة والاستمرار بالنشاط الاجتماعي والثوري الوطني، ومطالباً بالقضاء على آثار الحرب الظالمة وتصحيح مسار الوحدة.
تتالياً، ومع بدء البذور الأولى لظهور (اللقاء المشترك) الذي اتفق عليه الاشتراكي والإصلاح والقوى الأخرى من المعارضة، اعتبر الفقيد الغولي أن ذلك بمثابة تسليم لقرار الاشتراكي إلى حزب الإصلاح وبيت الأحمر، لاسيما بعد اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي جار الله عمر، في 2002م.
حينها، كان الشيخ الأب يحيى الغولي قد تمكن المرض منه وفارق الحياة، ليشكل ذلك عاملاً إضافياً لتخفف نجله الشيخ محمد من العمل الحزبي، وتغطية مكان والده الاجتماعي والقبلي في رعاية مصالح الناس وحل إشكالياتهم.. وبصعود ياسين سعيد نعمان إلى موقع الأمين العام في 2005م، عائداً من الإمارات، بدأت سياسة تهميش كاملة للفقيد الغولي على خلفية صلابة موقفه الثوري، ورفضه حالة التطبيع الكامل التي غرق بها الحزب وقيادته مع السلطة، الأمر الذي جعله يجمد نشاطه الحزبي بشكل أكبر، حد تأكيد رفاقه.
وفي 2004م، شُنت الحرب الأولى على محافظة صعدة. ووقف الشيخ الغولي مستنكراً ومُدِيناً لها.. وأكثر من ذلك.
يحكي يحيى القحوم، وهو أحد أقارب الشهيد لطف القحوم، كيف أن الفقيد أوقف مذبحة كاملة واقتلاع لقرية (بيت القحوم) في الغولة على خلفية موقفهم الرافض للحرب على صعدة.
كانت القرية هي الأولى على مستوى عمران كلها التي تعلن موقفاً من الحرب الإجرامية، بل رددت (الصرخة)، وذهب الكثيرون من أبنائها إلى صعدة للالتحاق بركب المسيرة وخوض معركة الدفاع المقدسة أمام ترسانة الموت الحكومية الموجهة سعودياً وأمريكياً.
حينها، استعرت حملات المداهمة والملاحقة الحكومية لأبناء (بيت القحوم) في طرق السفر وفي مدينتي عمران وصنعاء... وأينما وجدوا ومروا كانت الأجهزة الأمنية تلتقفهم، وتذهب بهم إلى أقبية السجون وغرف التحقيق.
وأثناء التحضير لمداهمة قرية بيت القحوم في عزلة غولة عجيب، ذهب الشيخ الغولي إلى مدينة عمران للقاء قيادة المحافظة لعدلهم عما يحضرون له، وإيضاح أن القرية يسكنها المدنيون أطفالاً ونساءً وكبار سن، وليس فيها أي نشاط عسكري.. وهناك لقي مدير جهاز (الأمن السياسي)، وأثناء النقاش تحدث الأخير –متغطرساً- بأن ما يجب عليهم القيام به هو (اجتثاث أبناء قرية بيت القحوم بالكامل وتطهير الأرض منهم). لقد كان جلياً أن الغرض من ذلك هو جعل (بيت القحوم) عبرة لمن يفكر أن يرفع صوته بالحق، ورسالة للقرى الأخرى التي يذهب العديد من أبنائها للمشاركة في الحرب إلى جانب أبناء صعدة.
يوضح يحيى القحوم، أن الشيخ الغولي اندهش لحجم الحقد والبشاعة التي تواجهها القرية، ولذا كان رده غاضباً وحاسماً: أنتم مجرمون متوحشون، القرية لا علاقة لها، ففيها المدنيون، والمعركة هي في صعدة إن كنتم رجالاً، واستهداف قرية القحوم هو اعتداء على قبيلة الغولة كلها، وجميعنا سنتصدى لكم إذا حاولتم شن حرب على القرية.. والنتيجة عدم حدوث ذلك.

رفاق.. وأكثر
من الواضح أن صفة (شيخ مشائخ) لم تكن تمايزاً اجتماعياً أو موقعاً طبقياً، بل جدارة استحقاق ناله الفقيد من خلال دوره الاجتماعي النبيل...
يجيب محمد حمزة القحوم، أحد رفاقه القدامى: (عرفناه شهماً مقداماً دائم الذود عن المستضعفين والمظلومين. وأنا خلال الحروب الست، كنت ملاحقاً من قبل السلطة، فدافع عني، وقال لي والله لو أدي العسيب عليك).
ويتذكر مبخوت الغولي، مواقف الفقيد: (كنا شيئاً واحداً، حين يكون هو في عدن أو غيرها أبقى أنا في البلاد، أو العكس، وأتذكر حين قبض عليَّ محمد خميس في عهد صالح، وقف الشيخ الغولي يرحمه الله موقفاً بطولياً، فجمع القبيلة وقطعوا الطريق وأوقفوا الحركة، وأجبروا السلطة أن تخرجني).

القلعة الأخيرة
يحب أبناء الغولة وصفها بـ(القلعة الأخيرة). إذ كانت المنطقة التي لم تهادن سلطة الارتهان والتبعية، بما فيها مشيخة الأحمر، ولم تغب يوماً خلال التاريخ السياسي الحديث لليمن، عن أن تكون حاضرة بفاعلية، ليس مشاركة في الأحداث، بل وصناعة لها.
ومطلع العام 2014م، كانت الغولة هي من كسرت جمود الرهبة التي فرضتها سلطة البطش ممثلة باللواء 310 وقائده القشيبي التابع للفرقة الأولى مدرع، إلى جوار فرق الإخوان الإجرامية والأحزمة الوهابية الناسفة وكواتم الصوت.
الرفيق الاشتراكي الغولي رأى في حركة أنصار الله حاملاً ثورياً واتفاقاً في هم التحرر الوطني من الوصاية والتبعية كصراع خاضه من وقت مبكر.
واستمراراً للعمل الثوري نظم الفقيد التظاهرات ضد ممارسات السلطات وحلفائها في عمران، بدءاً من غولة عجيب التي احتشد أبناؤها للخروج، وبمقدمتهم الشيخ الغولي. وتمكن كعادته من إخماد الكثير من الفتن التي حاول آنذاك حزب الإصلاح إشعالها في المحافظة.
وخلال العدوان على اليمن، استهدف الطيران –انتقاماً- عزلة الغولة بشكل متكرر، وعدداً من مزارع الشيخ الغولي، وألحق بها أضراراً فادحة. فقد (جند نفسه في التصدي للعدوان، فكان جندياً في الجبهات، سياسياً وصحفياً في المنابر، حكيماً في الأوساط الشعبية).
فارق الشيخ الغولي الحياة عقب 60 عاماً من العمر، إثر جلطة قلبية داهمته يوم الـ10 من رمضان الفائت الموافق 5 يوليو 2017م، مانعة إياه من الحضور والمشاركة في لقاء حكماء وعقلاء اليمن (الـ10 من رمضان) الذي كان أحد أبرز مؤسسيه.. وإزاء ذلك، همس لي صديقه عبد الرزاق متحسراً: (نصحته كثيراً بأن يذهب لتفقد صحته القلبية، لكنه كان عنيداً، ورفض التسليم بالخضوع للتطبيب وما سيتطلبه ذلك من راحة ولو مؤقتة).
رحل الرفيق الغولي، تاركاً خلفه تاريخاً مديداً من الكفاح الثوري والمواقف البطولية، وعطاء الأب والرفيق والصديق والقائد، لتزخر ذاكرة الأجيال بمدرسة تستقي من معينها كيف تكون المواقف وكيف تكون الرجال.. ولعل أهم الشواهد على حجمه لدى الشارع كانت في تشييع جثمانه، حيث خرج عشرات الآلاف من اليمنيين في موكبه الذي ضم تنوعاً قبلياً وشعبياً ورسمياً وسياسياً. ووحدها تلك الأيادي المرتعشة من قيادة الاشتراكي التي صفقت لتحالف العدوان على الوطن، هي التي تنكرت للفقيد وتاريخه الكفاحي المجيد، ورفضت أن تكتب بيان نعي في رحيله المفزع.


الشيخ المناضل محمد يحيى محسن الغولي 
ولد في تاريخ 3 مايو 1957.
اختير عضواً في هيئة التطوير التعاوني بمديرية ريدة كمسؤول مالي حتى عام 1985م، ثم تم نقله –بإيعاز من الشيخ الأحمر الرافض لأي مشاريع تطوير في الزراعة- وعين مديراً لأمن مديرية وصاب العالي بمحافظة ذمار، إلا أن السلطات وضعت العراقيل في طريقه، ولم تقم حتى بترتيب وضعه الوظيفي، وبقي هناك حتى نهاية عام 87م وقيام السلطة بفصله.
عقب الوحدة كُلف مع آخرين كسكرتارية لمنظمة الحزب في محافظة صنعاء الكبرى، حتى أصدر الحزب القرار بإنشاء فرع مستقل في محافظة عمران منفصلاً عن محافظة صنعاء، وكُلف سكرتيراً أول حتى إجراء الانتخابات التنظيمية عام 1992م، اختير بعدها أن يكون في لجنة عليا للعمل الجماهيري ترتبط مباشرة بنائب رئيس الجمهورية أمين عام الحزب الاشتراكي حينها علي سالم البيض.
ترشح في أول انتخابات للمجالس المحلية عن مديرية ريدة باسم الحزب الاشتراكي، عام 2001م.
عمل الفقيد لعقد العديد من المؤتمرات القبلية التلاحمية والقضاء على النزاعات، منها مؤتمر التلاحم القبلي لأبناء بكيل - مؤتمر التضامن لأبناء حاشد - مؤتمر سبأ لأبناء مأرب والجوف، ثم مؤتمر الصرارة لقبائل اليمن كاملة، واستطاع بذلك القضاء على كثير من الثارات والنزاعات القبلية.


الحنجرة الباليستية لطف القحوم 

ولد الشهيد لطف القحوم في قرية (بيت القحوم) - غولة عجيب، عام ١٩٨٨م. وانتقل مع أسرته إلى مدينة صعدة وهو في الـ5 من العمر.
يحكي أقاربه أنه كان شجاعاً يعشق المغامرات والتحدي، وتربى على سيرة أعلام آل البيت عليهم السلام.. ومنذ الصغر ظهر صوته شجياً، وكانت البداية بتقليد الموشحين والمنشدين البارزين، ثم برز صيته خلال الأعراس الشعبية والمناسبات، وحاز على المحبة والإعجاب لدى مستمعيه ورفاقه، لاسيما بطرافته النادرة وبساطته وتواضعه ومواقفه القوية.
انطلق في المسيرة القرآنية مشاركا في التصدي للحروب الست على صعدة، في الحرب الثانية 2005م، وهو في الـ17.
يعد الشهيد القحوم تلميذاً نجيباً للشهيد أبو حسن المداني (مشرف اللجان الأمنية مساعد وزير الداخلية عقب ثورة 21 أيلول)، حيث التقاه خلال الحرب الثانية، وتتلمذ على يديه اللتين سلمتا له بندقيته الأولى نوع (جرمل).
شارك في جميع المعارك منذ الحرب الثانية وصولاً إلى ثورة 21 أيلول 2014م، وخلال العدوان، تنقل في جبهات عدن ولحج وتعز والساحل والجوف ومأرب وغيرها ووضع في كل أرض بصمته، وشحذها بذكراه.. وخلال هذه الفترة تعرض للعديد من الإصابات، إحداها فقدانه السمع إلى حدٍّ كبير، وتمزق أوتار يده، وامتلاء جسده بالشظايا... لكنه كان يرفض العلاج إذا ما كان يتطلب توقفه عن المشاركة في الجبهات.
يقول لنا أحد المنشدين (من أبناء حريب مأرب)، إن أكثر ما تميز به الشهيد في أعماله أنه كان عقب كل زامل يقوم بإطلاقه يتجه مباشرة إلى الجبهة.. في دلالة على انسجام القول والفعل.
مثل القحوم عاملاً مهماً في الحرب والتعبئة المعنوية لدى المقاتل اليمني، من خلال صوته الصداح بالزوامل الحربية النارية والألحان التجديدية المدهشة، ليلعب دور (التوجيه المعنوي) للمقاتلين بصوته وحده. وكان أول زامل له هو (ما نبالي) –من ألحانه وكلمات الشهيد محسن النمري صديقه المقرب ورفيق مسيرته الإنشادية- الذي فجره عقب الحرب الثالثة، وحاول الرد عليه شاعر الملك السعودي عبد الله بن سعود، لكن حنجرة الشهيد كانت العليا.. لقد كان مؤنساً للمجاهدين في ليالي الحروب الطويلة، موجعاً للعدو وقت المقارعة والنزال، بندقيةً وصوتاً.يذكره رفاقه بالعديد من المواقف البطولية المؤثرة، فضلاً عن تلك اللحظات التي جرت في أوقات الضيق والحزن، وتلاشت بطرفات الشهيد التي يلقيها لتذهب عن زملائه الغم والقلق.
أحد المواقف كانت خلال الحرب الرابعة في منطقة (نشور) بصعدة، حيث وقع مع مجموعة من المجاهدين في حصار قوات السلطة وكثافة الهجمات والمدفعية.. في الأثناء كان هناك رجل طاعن في السن، لكنه مقاتل جسور، يدعى الشيخ مسفر الرزامي، رافق الشهيد القحوم، ورابط معه طويلاً، وخلال الحصار عانى الرزامي في تحركه من ضعف بصره الشديد، بينما يعاني الشهيد القحوم من ضعف سمعه. ولذلك قال الرزامي للقحوم: نمشي جمعه، أنت ابصر لي، وأنا أسمع لك.. الأمر الذي أطلق موجة ضحكات وسط المجاهدين، على الرغم من ضراوة المعركة وكثرة الجند.
أكمل لطف عامه الـ28، وعقب إطلاقه زامل (أشري يا هذه الدنيا جوازي)، غادر إلى جبهة مأرب – هيلان، الخط الأول للمواجهة, وهناك ارتقى شهيداً في الـ14 من فبراير 2016م.. وشيع جثمانه الشريف في محافظة صعدة، في موكب جنائزي من جماهير الشعب والمقاتلين، كان مد البصر، وكما يليق بلطف القحوم.
ولا عجب من سيرة هذا الخالد أبداً الشهيد القحوم، المنشد الحربي والحنجرة الباليستية، فهذا ما اعتادت قبيلة الغولة (غولة عجيب) التاريخية أن تقدمه من نماذج، تماماً كما عهد التاريخ الأرض اليمنية الولادة لأنبل بني البشر وأشجعهم.

سيرة ذاتية
لطف محمد زيد يحيى القحوم
المحافظة: عمران، مديرية ريدة، عزلة: غولة عجيب، قرية: بيت القحوم.
يحمل شهادة الثانوية العامة، ولم ينتقل للتعليم الجامعي بسبب الحروب الست.
متزوج وله 3 أولاد وبنت، وهم بالترتيب: جبريل وكميل وذو الفقار وسلسبيل. وله أخوان هما يحيى وعلي.