لأن الأنظمة التي حكمت اليمن سابقاً نجحت في إبقائها في صدارة الدول المتأخرة والمتعثرة، فمن المعروف أن اليمن من أوائل الدول في الفقر والبطالة والأمية وغيرها، فإنها كذلك حجزت لها مقعداً هو الأول حسب مراقبين في قائمة الدول المهربة للآثار والمتاجرة بتاريخها، حيث تتم المتاجرة بالآثار اليمنية التي لا تقدر بثمن من قبل شبكة عصابات رفيعة المستوى، ذات نفوذ قبلي وحكومي، ولديها علاقات دولية، جعلت من اليمن سوقاً حرة لبيع معالم واحدة من أعرق وأقدم الحضارات الإنسانية. 
البلد الأول في بيع تاريخه
في الفترة السابقة تحول عدد من أهم المدن الأثرية والعواصم التاريخية في اليمن الى مناطق مغلقة تسرح وتمرح فيها عصابات التهريب المنضوية في شبكات منظمة وغير منظمة، بسبب منع البعثات العلمية الأجنبية والمحلية من دخولها لإقامة حفرياتها العلمية، من قبل مسلحي القبائل التي تقع المدن التاريخية والأثرية في مناطقهم، ثم تفاقمت أزمة الآثار خلال فترة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وما تسبب به من تدمير للآثار سواء بالقصف المباشر أو بتوقف أعمال التنقيب والبحث والصيانة.
ما جعل إرث واحدة من أعظم الحضارات الإنسانية الضاربة في عمق التاريخ، التي تمتد حتى أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، فريسة سهلة لعصابات تهريب الآثار، التي تضم تجاراً وسياحاً ومسؤولين كباراً في الدولة ودبلوماسيين.
وشهدت فترة حكم نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تزايداً كبيراً في عمليات التخريب والاتجار وتهريب الآثار والمخطوطات اليمنية التي تعود الى حقبة ما قبل الإسلام وبعده، ولعل أشهرهم توفيق صالح عبدالله صالح,  ووفقاً لباحث بلجيكي مهتم بحضارات اليمن القديم، في تقرير تم نشره عام 2008، فإن عمليات تخريب وتهريب الآثار والمخطوطات في اليمن بالفعل تحولت الى تجارة ومهنة مربحة، وقال الباحث البلجيكي (من أصل سوري) منير عربش إن (الآثار اليمنية تباع في السوق المحلية كما يباع القات)، وإن (اليمن هو المصدِّر الأول للآثار المهرّبة في العالم)، ولكن تلك لم تكن البداية لتصنيف اليمن في صدارة البلدان (المصدِّرة) للآثار، ففي مطلع التسعينيات، قبل 24 عاماً، قال المؤرخ الفرنسي كريستيان روبان، خلال اجتماع لمنظمة اليونسكو بباريس، ما مفاده أن اليمن يستطيع أن يفتخر بكونه من أوائل البلدان المصدِّرة للقطع الأثرية في العالم، وبحسب مصادر فإن معظم الآثار ذات الأهمية الاستثنائية يتم تهريبها بمساندة موظفين في شركات أجنبية تعمل في اليمن، أو من قبل موظفين أمميين أو ديبلوماسيين ومسؤولين حكوميين يستفيدون من ميزات تسهيلية واسعة، وهم على صلة بالمتاحف والمزادات العلنية والأسواق السوداء وصالات العرض الدولية في دبي وبيروت وعمان ونيويورك وواشنطن ولندن وباريس وسويسرا. إلى ذلك فهناك بعض القطع الأثرية تباع في الأسواق اليمنية المحلية، وسوق الملح في صنعاء القديمة واحد منها، حيث توجد هناك أعمدة معابد يمنية قديمة معروضة للبيع في السوق، أما القطع الأثرية الثمينة والقيمة فتتم عملية البيع بسرية أكبر، حيث يأتي المواطن اليمني ويعرض على السواح أو من يعتقد أنهم مهتمون بهذه الآثار صوراً فوتوغرافية مختلفة لقطع أثرية نادرة، ما جعل أجمل وأندر القطع الأثرية اليمنية اليوم موزعة على متاحف ومزادات العالم.

ازدهار تهريب الحضارة
بدأت تجارة الآثار تستشري في اليمن منذ نحو ثلاثة عقود، لكن من عام 2000 حتى 2005، خلال فترة حكم نظام صالح، وصلت عمليات التخريب والاتجار والتهريب الى حد غير مسبوق، وتورط في ذلك كبار مسؤولي الدولة، وهذا ما ظهر جلياً مع عثور الأجهزة الأمنية خلال هذا الشهر على عشرات القطع الأثرية القيمة في منزل أحد أركان نظام صالح، وهو اللواء مهدي مقولة، وكانت عمليات التهريب في البداية (في مطلع التسعينيات)، مقتصرة على تخريب يطال الآثار البارزة على سطح الأرض فقط، حيث كان أهالي المناطق الأثرية يبحثون عن الحلي والذهب قريباً من سطح الأرض، وغالباً يستخدمون  الصخور والأعمدة الأثرية المغطاة بالنقوش والرسوم القديمة في بناء منازلهم، وبعد ذلك انتقلوا الى عمليات الحفر المنظمة والعشوائية، ودخلت على الخط مافيا الفساد اللامحدود من مسؤولي الدولة بعد أن فتحت عيونها على واحدة من أكثر عمليات الاتجار إدراراً للربح.

المناطق الغنية بالتاريخ في اليمن 
يتفق علماء الآثار على أن محافظتي مأرب والجوف هما أغنى المحافظات اليمنية بالآثار، حيث توجد أقدم الآثار السبئية وأقدم المدن في شبه جزيرة العرب، من بينها 6 مدن رئيسة، بعضها كانت عواصم تاريخية في حضارات الألف الأول قبل الميلاد، ولكن في نفس الوقت كانت أصعب المحافظات في الوصول لهذه الآثار بسبب وجود فجوة كبيرة بين أجهزة الدولة الرسمية وتلك المحافظات الناقمة عليها بسبب إهمال التنمية فيها، ما جعلهم يرفضون أي تواجد لبعثات التنقيب المحلية أو الدولية، لتصبح تلك الآثار تحت تصرف شبكات التهريب الواسعة التي تستخدم الأهالي والمسلحين من أبناء تلك المحافظات، لممارسة تجارتها في هذه المحافظات وغيرها، وكان يتم ذلك تحت أعين الدولة وبعلم الجميع رغم أنف القوانين اليمنية المتعلقة بعقوبات تخريب وتجارة وتهريب الآثار، غير الرادعة أصلاً.
قوانين واهتمام ضعيف  
ما يدعو للغرابة أن المتاجرة بالآثار أمر مسموح به في القانون اليمني بعد أخذ الإذن من سلطة الآثار كما ينص القانون، ولكن هناك عقوبة لتهريب الآثار! والفرق بين التهريب والبيع في موضوع الآثار يبدو مبهماً، ولا يوجد تباين كبير بين هذين المصطلحين في العمليات التي تتم بحق الآثار اليمنية، وهذا ما جعل هذه الظاهرة منتشرة بصورة كبيرة خلال الفترة السابقة وحتى الآن، ودفع ضعاف النفوس من البسطاء والمسؤولين لبيع إرث وطنهم، خاصة في ظل الإهمال الحكومي لهذا الجانب، وهناك الكثير من الشهادات على ذلك.
ففي 2004، بعثت أكاديمية العلوم في باريس رسالة الى مكتب رئاسة الجمهورية في صنعاء، اقترحت على الرئيس صالح إنشاء حفرية كبيرة في الجوف تحمل اسمه، مقابل الحصول على إذنه لإنشاء الحفرية وتقديم الحماية لها، وبتمويل من البعثات الأجنبية، ولكن العرض السخي الذي قدمته الأكاديمية الفرنسية للرئيس صالح لم يحصل حتى على جواب.
وكانت لجنة برلمانية معنية بقضية الآثار ذهبت الى محافظة مأرب عام 2007، وعادت بتقرير وصف بـ(الكارثي) يكشف عمليات النهب والتهريب والاتجار الواسعة التي يرافقها تخريب وتدمير للمواقع الأثرية، ونوقش التقرير في حضور وزير الثقافة حينها، وخرج النواب بتوصيات عديدة للحكومة حول ضرورة حماية الآثار، إلا أن تلك التوصيات لم تغادر الأوراق التي كتبت عليها.
وفي 2009 وجّه 150 باحثاً يمنياً وأجنبياً شاركوا في مؤتمر الدراسات السبئية بباريس، نداء حاداً يطالبون فيه بالتدخل الفوري لإنقاذ ما تبقى من الإرث الحضاري اليمني.. وخلال الأعوام الماضية تم ضبط حالات كثيرة لتهريب الآثار من قبل اشخاص يمنيين وعرب، إلا أن عمليات التهريب الخفية والمحمية بنفوذ بعض الشخصيات في الدولة، وهي الأكبر، مرت مرور الكرام، وتم نقل معالم اليمن التاريخية القيمة الى الخارج، لتضاعف ثرواتها من بيع ما تعتبره آثاراً لا فائدة منه سوى جني المال.

الحلول 
يرى مختصون أنه يجب على الجهات المعنية أن تضرب بيد من حديد على كل من يقوم بالعبث بهذا الإرث الحضاري اليمني الذي لايقدر بثمن، وضرورة العناية بالمناطق الأثرية وتحويلها إلى محميات محروسة حتى لا يستمر نهبها من قبل لصوص الحضارات، الى جانب وضع استراتيجية جادة لشراء الآثار من المواطنين، وتشجيعهم على تسليمها الى الحكومة مقابل مكافآت مُرضية، ما يمنحهم الثقة للتعاون، ورصد موازنة كافية لذلك، ما يجعل حائزي الآثار يفضّلون البيع للحكومة وليس لتجّار التهريب، وتوعية المواطنين وتنويرهم بقيمة هذه الآثار، قبل أن تمتد أياديهم للنبش والسرقات، وصولاً إلى التنكيل والتفريط بتاريخ وذاكرة وطنهم.