بعد سقوط الفتنة التي امتطت حصان المؤتمر.. دبلوماسية الكرملين تجر أذيال الخيبة من عاصمة الصمود إلى حضن النفط السعودي
 صنعــاء ليســت طــروادة


ما إن أطاحت ثورة الشعب في 21 أيلول 2014م، التي قادها أنصار الله، بوكلاء الوصاية الخارجية داخل اليمن، حتى بدأت دول الظلم والاستبداد بالامتعاض منها، وحاولت جاهدة كبح جماحها الثوري.. وحين تأكدت أن لا جدوى من مساومة القيادة الثورية على سيادة واستقلال اليمن، أجلت رعاياها الدبلوماسيين والمقيمين، وأغلقت سفاراتها في صنعاء تمهيداً لشن عدوان همجي على الشعب، وهو ما حصل في 26 مارس 2015، إلا أن هناك من بقي طيلة فترة العدوان وغادر فجأة بعد تحولات طرأت على الوضع الداخلي للبلد، كالبعثة الروسية التي حملت حقائبها وغادرت صنعاء بعد وأد الفتنة وسقوط مخططها بمقتل زعيم مليشياته، بمبرر الوضع الأمني، ومعها بعثتان أحدهما عربية، تاركة تساؤلات عديدة حول مسار الصراع في هذا المنعطف.
بداية الرحيل بعد نجاح ثورة 21 أيلول
أدركت قوى الوصاية أنها لن تتمكن من إعادة أياديها إلى اليمن بعد أن قطعتها ثورة 21 أيلول، وأن قادتها لن يقبلوا بأن تلعب مجدداً دوراً داخل البلد يتعدى على سيادته واستقلاله.
فبعد الإعلان الدستوري مطلع فبراير 2015م، والذي كان من نتائج الثورة الشعبية ومحاولات تلك القوى وعملائها الالتفاف عليها، تأكدت من استحالة عودة نفوذها في اليمن في ظل تولي الشعب إدارة شؤون بلده بنفسه، فقررت سحب رعاياها منه وإغلاق سفاراتها فيه لعزله والحيلولة دون الاعتراف به دولياً.
وبما أن أمريكا كانت أول دولة تعلن إغلاق سفارتها في اليمن، قررت دول الخليج ومصر إلى جانب فرنسا وبريطانيا ترحيل بعثاتها الدبلوماسية من صنعاء تمهيداً لشن العدوان.
 
بقية الدول تسحب رعاياها 
بعد إعلان العدوان
من لم تغادر من البعثات الدبلوماسية صنعاء قبل إعلان العدوان في مارس 2015م، غادرت اليمن بعده , ففي اليوم السابع على بداية العدوان الأمريكي السعودي غادرت بعثات دول بريطانيا، إندونيسيا، تركيا والسودان وغيرها صنعاء متجهة إلى الرياض لتمارس أعمالها من هناك، فهي مقر الوصاية التي طردها الشعب وتريد إعادتها إليه.
واصل كل من ابتاعه النفط السعودي إجلاء رعاياه من اليمن، وظنت أمريكا ومن معها أن ذلك سيثني أبناء الشعب عن مواجهتها أو سيخفف من عزمهم في ذلك, وكان آخر المغادرين هي البعثة الروسية التي حزمت أمتعتها، الثلاثاء الماضي، وغادرت صنعاء، تحت مبرر الوضع الأمني، بعد أن سيطرت أجهزة الأمن على الوضع، ووأدت الفتنة ومليشياتها التي تزعمها الرئيس والحليف السابق للقوى الوطنية علي عبدالله صالح، وانتهت بمقتله، وأكدت مصادر خاصة لـ(لا) أن الطائرة الروسية التي أجلت البعثة لم تقل الرعايا الروس فقط، بل غادرت على متنها البعثتان الإيرانية والسورية, في سيناريو شبيه بمغادرة البعثة الأمريكية وأذنابها من بعثات دول الخليج.
وتركت مغادرة تلك البعثات تساؤلات كثيرة عن دواعي مغادرتها مع موظفين تابعين للأمم المتحدة والصليب الأحمر تحدثت الأنباء عنهم ولم يثبت ذلك بعد، لا سيما وأنها مارست عملها طيلة الفترة الماضية تحت القصف والحصار. ونتجت عنها موجة من الهلع في أوساط بعض المرجفين من سكان العاصمة بأن شيئاً ما سيحدث لها بعد وأد الفتنة وفشل المخطط الذي كان لروسيا علاقة به.
 
العلاقة مع زعيم المليشيا
أثبتت روسيا بمغادرتها بعد مقتل صالح أنها كانت على علاقة معه، ويجمعهم مشروع واحد فشل بمقتله، فقد كانت له زيارات كثيرة إلى مقر سفارتها في العاصمة صنعاء، التقى فيها القائم بالأعمال الذي ينوب السفير الروسي المقيم في الرياض، ودائماً ما كان يشكرها في خطاباته، ويؤكد على موقفها الإيجابي من العدوان على الوطن.
فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الثلاثاء الماضي، أن الوزارة علقت أعمال بعثتها في اليمن، وستواصلها من الرياض، بدوافع أمنية، بحسب تصريحاتها لوكالة (آر آي إيه).
إلا أن بعض المراقبين والمحللين يرون أن سبب مغادرة بعثتها ليس الوضع الأمني، فهي لم تعلن ذلك بداية الاشتباكات مطلع الشهر الجاري، وإنما قررت المغادرة بعد مقتل زعيم المليشيا صالح، وفشل مخطط فتنة صنعاء.
وهناك مؤشرات كثيرة على اتصاله بروسيا؛ منها الحديث المستمر في وسائل إعلامه عن دور روسي إيجابي لوقف العدوان، كذلك مبادرة مجلس النواب الذي يملك المؤتمر العدد الأكثر من مقاعده، والمقدمة للقائم بأعمال سفارتها في صنعاء، والتي تنازلت عن ميناء الحديدة لصالح الأمم المتحدة المنضوية تحت إبط تحالف العدوان, كذلك الوفد الروسي الذي قيل إنه طبي وقام بإجراء عملية جراحية لعينه، فوصوله مطار صنعاء كان بعد زيارة ملك الزهايمر سلمان لروسيا، والتي تعد الأولى لملك سعودي، وتحدثت وسائل إعلام تحالف العدوان عن أن السعودية أنقذت صالح للمرة الثانية. كل ذلك أثار شكوك الحليف الوطني للحزب الذي يتزعمه (أنصار الله) حول وجود علاقة بينه وبين دول العدوان.
وتحدثت أسبوعية (لا) مع عدد من المحللين السياسيين والمراقبين للوضع عن دلالة مغادرة البعثة الروسية صنعاء على مسار الصراع في هذا المنعطف الذي اختفى فيه صالح من المشهد اليمني بعد مقتله متزعماً مليشيات الخيانة.
 
مقايضة سوريا باليمن
عملت روسيا على عدم ترك المسرح في اليمن خالياً لتحالف العدوان الأمريكي السعودي, ويبدو ان مواقفها في مجلس الأمن كانت بهدف عرقلة واشنطن والرياض في اليمن من أجل تخفيف ضغوطهم عليها في سوريا.
وكان تواصلها مع حزب المؤتمر الشعبي العام عن طريق رئيسه الذي قتل في الرابع من ديسمبر الجاري، وفشل مخططه في إسقاط العاصمة بيد تحالف العدوان, أما مكون أنصار الله فلم يكن هنالك تواصل معهم من قبلها لإدراكها أن من قادوا ثورة الشعب لن يتنازلوا عن سيادته واستقلاله، ويتحولوا إلى بيادق بيد القوى العالمية.
يقول الدكتور في جامعة عدن سامي عطا، في حديثه لـ(لا): (يبدو أن الروس التزموا باتفاقات مع أمريكا وبريطانيا على منحهم سوريا كمنطقة نفوذ كونهم اللاعب الرئيسي فيها على أن يدعوا أو يساعدوا في حلحلة الوضع في اليمن بما يعني مقايضة).
ويرى الدكتور سامي أن القصد وراء قدوم ما سمي وفداً طبياً روسياً أجرى عملية جراحية لعين صالح، وتسريبه أخباراً عن حاجته للسفر لموسكو، كان يُراد منه إخراجه من صنعاء لينضم إلى تحالف العدوان الأمريكي السعودي ومرتزقته، ويقاتل في صفه, وفشل هذه الخطة استدعى تنفيذ الخطة البديلة، والتي بدورها فشلت وانتهت بمقتله, أي أنهم كانوا يمثلون حلقة وصل، ويريدون مقايضة سوريا باليمن.
 
رهان على حصان خاسر
يرتبط الروس بعلاقة وثيقة مع مخطط الفتنة الذي استهدف العاصمة صنعاء واليمن عموماً، بمحاولة إشعال فتيل الاقتتال بين أبناء الشعب تنفيذاً لأجندة تحالف العدوان، وبرأي الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أحمد المؤيد، فإنهم كانوا جزءاً من المخطط الذي انبرى فيه صالح (زعيم مليشيا الفتنة) كونه يملك ثقلاً في البرلمان، وبالتالي راهنوا عليه, لأنهم دائماً ما يراهنون على الحصان الذي يضنونه رابحا لضمان مصالحهم.. لكنه كان حصاناً خاسراً.
ولا يستبعد المؤيد صدمة الروس من حالة الخواء التي ظهر بها صالح بعد أن كان الجميع يتوقع أن لديه من القوة الخفية والحرس الجمهوري ودعم القبائل الشيء الكثير, ثم ظهر كل ذلك أشبه بالفقاعة. متسائلاً: هل كان في الوثائق التي اكتشفتها أجهزة الأمن في أوكار الفتنة بعد مداهمتها شيء خشيت منه روسيا، وبالتالي سحبت بعثتها الدبلوماسية من صنعاء إلى الرياض؟
 
دور روسيا كان طبياً 
ولا ينبغي استعداؤها
هناك من له رأي مختلف وقراءة أخرى لمغادرة البعثة الروسية صنعاء باتجاه الرياض، حيث يرى أنه إيجابي ومؤشر على ولادة حراك دولي لتعامل نوعي مع الأزمة اليمنية والعدوان والحصار. فروسيا ليست مع اليمن 100%، وليست ضده أيضاً، وبالتالي لا يجوز استعداؤها إطلاقاً، ولها حساباتها ومصالحها الخاصة، وبها انتصرت لسوريا.
القيادي في حزب المؤتمر أحمد الحبيشي يقول: (بعد وفاة صالح انتهت الرعاية الطبية، وآن لروسيا أن تعود لتلعب دورها كدولة عظمى معنية بالحل السياسي في اليمن)، فباعتقاده لم تكن تلعب سفارتها في صنعاء سوى دور المحلق الطبي لرعاية الرئيس السابق صالح منذ 2012، رغم وجودها ضمن ما كانت تسمى سفارات الدول الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية. وأحياناً لعبت دوراً إغاثياً لتزويد اليمن بالمواد الغذائية والطبية.
ويرى الحبيشي أن خروج السفارة من عزلتها في صنعاء مؤشر على إمكانية ولادة حراك دولي يتعامل مع الأزمة اليمنية بشكل نوعي, وربما تشهد الأيام القادمة تعاوناً روسياً غربياً أممياً لتحريك الجمود والشلل على غرار سوتشي وأستانا. مستدلاً بتصريحات السفير الروسي في مجلس الأمن، الخميس الماضي، التي وصفها بالقوية وتؤشر على أن العام القادم سيشهد دوراً روسياً إيجابياً من الرياض ومن وسط الدول الـ5 دائمة العضوية في المجلس.
وبحسب حديث القيادي في المؤتمر الشعبي العام، فإن اليمن تحتاج في الفترة القادمة إلى مفاوضين مبدعين للتعامل مع المتغيرات الحالية والمستقبلية. مؤكداً على أهمية استمرار القوى الوطنية في مواقفها القوية وعدم التراخي، كون المجتمع الدولي يحترم دائماً الأقوياء الذين يحركون الشارع ويتواجدون في الجبهات ويرفضون الاستسلام.
ويبدو أن الحبيشي يريد القول بأن مغادرة بقية البعثات الدبلوماسية تنبئ بأن اليمن قادمة على مفاوضات. أما بالنسبة للقوى الوطنية الثابتة والصامدة فإن بقاء السفارة الروسية وعدمه سواء، كون الشعب اليمني لا يطمح إلى اعتراف دولي به طالما وهو المتسيد على أرضه. ولو كانت روسيا وغيرها تستطيع فعل شيء لليمن، لفعلت من قبل 3 أعوام.