لا أحد طبق المثل الذي يقول (مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ) على أرض الواقع بكل مهارة وحرفية إلا مُنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها ومبعوثوها وموظفوها، فما إن يتلقوا خبر نشوب صراع أو أزمة في مكانٍ ما في العالم، حتى تغمرهم السعادة وتستبشر جيوبهم بملايين الدولارات القادمة كنفقات ورواتب لهم، والشواهد التاريخية والحاضرة اليوم تثبت أن مبعوثي السلام التابعين للأمم المتحدة لم يخدموا الإنسانية أو يحقنوا دمها أو يفضوا لها نزاعاً أو يصنعوا لها سلاماً حقيقياً، وليس لهم مهمة حقيقية غير إطالة أمد النزاعات والحروب، والتكسب من ورائها. 
حمامات سلام تعمل بالدولارات فقط
عندما تندلع أزمة سياسية أو نزاع عسكري في أي بلد أو قُطر في العالم، تسارع الأمم المتحدة الى إرسال مبعوثيها من أجل نزع فتيل الأزمة وصناعة السلام وتقريب وجهات النظر كما تدعي، إلا أن حمامات السلام التي ترسلها لا تملك أي ضمير إنساني، ولا تعير أي اعتبار للسلام الذي تحلم به الشعوب المنهكة من الحروب، وتأتي وقد تمت برمجتها مسبقاً لاتخاذ مواقف متحيزة وتقديم مبادرات لا تلبي إلا رغبات قوى الاستعمار والتسلط الإمبريالية التي تفتعل الأزمات في العالم من أجل تحقيق أهدافها والوصول الى مصالحها، وفوق هذا كله فهذه الحمامات أو بالأصح الغربان السوداء لا تستطيع الطيران أو التحرك إلا بأجنحة مليئة بالدولارات بدلاً من الريش، فكل مبعوث أممي يحصل على راتب كبير جداً يصل الى أكثر من 85 ألف دولار شهرياً، إضافة الى مبلغ مليون دولار مُكافأة عند انتهاء مهمته التي تنتهي غالباً كما بدأت دون تحقيق شيء، فضلاً عن مبالغ طائلة تصرف على فريقه الفني والإعلامي، وتنقلاته وحراسته الشخصية، خلال أدائه هذه المهمة التي يتمنى كثير من المبعوثين ألا تنتهي، وأن يستمر تدفق المال الى جيبه وأرصدته حتى وإن كان على حساب أن تقتل الشعوب أو تشرد في أصقاع الأرض أو تبقى تحت وطأة الحصار وتموت جوعاً أو تسلم رقابها للتنظيمات الإرهابية، والأمثلة عليهم كثيرة، وفي اليمن يعتبر المبعوث الأممي (إسماعيل ولد الشيخ أحمد) من بين كل المبعوثين الذين أُرسلوا الى اليمن قياساً بسابقيه في المنعطفات المتأزمة، أسوأ مثال للمبعوث غير النزيه الذي تحول بسبب الأموال والضغوط السعودية والأمريكية من وسيط الى طرف مساند للعدوان والحصار الظالم الذي تسبب بكل أنواع المعاناة للشعب اليمني. 

المبعوثون والنجاح المفقود 
لم تحقق الأمم المتحدة ومبعوثو السلام التابعون لها أي إنجاز في فض نزاع أو إنهاء حرب على مدى تاريخ المنظمة، ومن يقرأ تاريخ كثير من الحروب والنزاعات التي اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية في منطقتنا العربية وآسيا وأفريقيا، وكيف انتهت، مثل حرب فيتنام بين عام 1955 وعام 1975، والحرب الأهلية في الصومال عام 1988، والمستمرة حتى الآن، وحرب الخليج الأولى (1980ـ 1988) والثانية عام 1990، وحرب صيف 1994 في اليمن، وحرب أمريكا والعراق عام 2003، وربما كان أكبر مثال هو احتلال فلسطين المستمر لأكثر من 70 عاماً.. من يستعرض بالتقييم الموقف الأممي في الحروب والنزاعات الآنفة يلاحظ أن لا دور حقيقي للأمم المتحدة ومبعوثيها في إنهائها، حيث خمدت نيران بعضها عندما أُنهكت الدول المتحاربة وجنحت للسلم، وبعضها توقفت برفع يد قوى الظلم والاستعمار عن الدول والشعوب، أو العكس السيطرة التامة عليها، وبعضها انتهى برضوخ بعض الشعوب أو بصمودها وانتصار إرادتها، وبعضها مازال مستمراً حتى الآن.
واليوم في خضم ما يسمى أزمة الربيع العربي المستمرة منذ 7 أعوام، يقف مبعوثو الأمم المتحدة موقف المستثمر في الحريق بالإنابة، دون تحقيق أي إنجاز في عدة دول مثل اليمن وسوريا وليبيا، وجل ما يفعلونه الى جانب جني الأموال الطائلة التي يضبونها في حقائبهم وحساباتهم البنكية، هو إعلان وتقديم الخطط والمبادرات الجاهزة التي صاغها اللاعبون الدوليون، ومحاولة إغراء وإقناع الأطراف الداخلية بقبولها والانصياع للإملاءات والتوجيهات الخارجية التي تعد بواقع أفضل، ولكن ليس لتلك الدول المطحونة من الأزمات، بل لمراكز القوى في العالم، التي ستقضي على مستقبل تلك الدول والشعوب، وتنهب ثرواتها، وتجعل منها قواعد عسكرية، وتقسمها الى مناطق نفوذ.

أكثر من وجه سيئ للأمم المتحدة 
من المؤكد أن الأمم المتحدة لم تعد تحظى بسمعة حسنة على أي صعيد من الأصعدة التي تعمل عليها وتنادي بها، فقد تأكد واتضح تحيزها وتحكم مركز الهيمنة الامبريالية بها وبعملها، وأصبحت شركة تجني أرباحها من استغلال الأزمات المنتشرة حول العالم، كما بانت إخفاقاتها وكثرت فضائحها في التعامل مع الحروب والنزاعات والانتهاكات لحقوق الإنسان وحقوق الأطفال، مثل فضيحة السكوت عن العدوان الأمريكي السعودي على اليمن الذي قتل على مدى أزيد من عامين، أكثر من 34 ألف مدني، بينهم ما يزيد عن 2900 طفل، وحاصر أكثر من 22 مليون إنسان، وقرار إزالة تحالف العدوان من القائمة السوداء المتعلقة بقتل الأطفال، بعد أن استخدمت السعودية سلاح المال مجدداً، وهددت بوقف المساعدات المالية للأمم المتحدة ومنظماتها، وكذلك التغطية والتغافل عن الدول والأنظمة التي تمول الجماعات الإرهابية التي شردت وقتلت الشعب السوري، وغيرها من الفضائح التي ظهرت خلال أزمات الربيع العربي الكثيرة. 
في المتابعات التالية نستعرض شيئاً بسيطاً من جوانب الفشل الكثيرة للأمم المتحدة، وطريقة عمل منظماتها ومبعوثيها في استثمار الصراعات وإطالة مدتها في المنطقة العربية وأفريقيا.

قوانين الأمم المتحدة حبر على ورق
 تأسست الأمم المتحدة في العام 1945، بهدف التعاون العالمي بين الدول لصناعة السلام في العالم والحفاظ عليه، وسنت القوانين والتشريعات لحماية الشعوب التي لم يطبق منها شيء حسب ما نرى اليوم، فمثلاً الحصار المفروض على اليمن من قبل دول العدوان يعتبر انتهاكاً مباشراً لاتفاقية لاهاي وأنظمة عام 1907 ,واتفاقية جنيف 1949 التي تنص على أنه (لن ينزل بالسكان عقاب عام أو عقاب مالي أو خلاف ذلك بسبب أفعال أفراد، لا يمكن اعتبار السكان مسؤولين عنها، جماعات أو فرادى).  

الأمم المتحدة تتسول باسم اليمن 
تسولت الأمم المتحدة ومنظماتها باسم اليمن وشعبها منذ بداية العدوان، من كثير من الدول المانحة، بحجة المساعدات الإنسانية لليمنيين، كانت إحداها مطالبتها المجتمع الدولي بتقديم أكثر من ملياري دولار لتفادي مجاعة وشيكة في اليمن، إلا أن الجميع أصبح يعرف أن أكثر من 80% من هذا المبلغ سوف يصرف لمنظمات الأمم المتحدة والعاملين فيها كنفقات ورواتب وبدلات وغيرها، ولن يصل لبعض المواطنين اليمنيين منه إلا سلة غذائية لا تكفي حتى لـ10 أيام.

المبعوث الأممي 
الى اليمن في حرب 94 
في 1994 أرسلت الأمم المتحدة (الأخضر الإبراهيمي) كمبعوث سلام خلال الحرب التي نشبت بين شمال اليمن الذي يريد الوحدة وجنوبه الرافض لها، ولم تضع الحرب أوزارها بفضل جهود المبعوث الأممي ومساعيه، ولكنها حسمت بانتصار طرف واندحار الآخر وفراره. 

المبعوث الأممي بداية الأزمة 
مع بداية الأزمة اليمنية عام 2011، أرسلت الأمم المتحدة المبعوث الأممي (جمال بن عمر) الذي أظهر مستوى من الحياد والحرفية بخلاف ما عُرف عن كثير من المبعوثين، ولكن العدوان الأمريكي السعودي في 26 مارس دمر كل الجهود التي بُنيت لإنهاء الصراع، وتسبب بأزمة إنسانية جديدة هي الأكبر في العالم، وقال بن عمر في تقرير له عقب العدوان على اليمن، إن الفرقاء السياسيين كانوا قد توصلوا إلى تسوية لخلافاتهم لولا أن الحرب اعترضت طريق الحل الممكن.

مبعوث سلام مع الفئة الباغية
مطلع عام 2015، ومع بداية العدوان تحديداً، خلف جمال بن عمر، (إسماعيل ولد الشيخ أحمد) الذي يعتبر المبعوث الأسوأ في تاريخ الأزمات في اليمن، فهو الأجير الذي يحركه المال السعودي كيفما شاء، والمبعوث الذي حرصت السعودية على اختياره بعناية ليكون في صفها ليتستر على كل جرائمها وانتهاكها لكل حقوق الإنسان في اليمن.

دستة مبعوثين
تناوبت 3 شخصيات كبيرة على وظيفة المبعوث الأممي المربحة الى سوريا منذ بداية الأزمة فيها عام 2011، هم كوفي عنان، الأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا الذي لا يزال المبعوث الحالي حتى الآن، وفي ليبيا كان هناك 4 مبعوثين منذ بداية أزمتها في 2011 أيضاً، وهم عبدالإله الخطيب، إيان مارتن، طارق متري، وبرناردينو ليون الذي لايزال المبعوث الحالي، ولكن أحداً منهم لم يحقق شيئاً في سبيل حل الأزمة، وجميع الحلول بيد اللاعبين الدوليين.

قوات أممية تغتصب وتتحرش
بين عامي 2001 و2007، سُجلت ضد قوات حفظ السلام الأممية في أفريقيا أكثر من 11 فضيحة، كانت أغلبها حالات اغتصاب وتحرش بالأطفال، إضافة الى حالات تهريبهم والاتجار بهم. كما عمل بعض جنود حفظ السلام على تهريب بعض المعادن الثمينة مثل الذهب، ومقايضتها بالغذاء والأسلحة لأهل بعض المناطق والمتمردين في أفريقيا.

سقوط قناع الحياد والإنسانية 
خلال 900 يوم، دمر العدوان في اليمن أكثر من 296 مستشفى ومرفقاً صحياً، وتسبب في انتشار كثير من الأوبئة أسوأها الكوليرا، وهدد اليمن بأكبر مجاعة في العالم، ودمر آلاف المنشآت والبنى التحتية، وجعل الشعب اليمني ما بين قتيل أو جريح أو مريض أو جائع أو عارٍ بلا مأوى، وغيرها من الجرائم التي ارتكبها، وهذا كله حسب ما تقول الأمم المتحدة وتعترف به، ولكنها في المقابل لا تدين العدوان الذي ارتكب كل هذه الكوارث والانتهاكات بحق الشعب اليمني، وهذا يعتبر سبباً كافياً لنفي صفة الحياد والإنسانية عنها.