إشهار الأسعار.. مصلحة التاجر والمستهلك
وكيل وزارة الصناعة والتجارة: هدفنا تحقيق الاستقرار في السوق ولسنا خصماً لطرف

لفترة قاربت العامين منذ بدء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، والمواطنون يمرون بأوضاع معيشية سيئة، حيث نسبة كبيرة منهم في مناطق مختلفة من محافظات الجمهورية أصبحوا بلا مأوى، إما بسبب استهداف غارات الطيران المعادي لمنازلهم، أو قيام مرتزقة العدوان الذين يسمونهم (مقاومة شعبية) بمضايقتهم، ما جعلهم ينزحون منها إلى مناطق آمنة من رصاص من يقاتلون في صف المعتدين وأعمالهم ومستهدفة من قبل طيران أربابهم.
العدوان يحارب المواطن في لقمة عيشه
رأى القائمون على العدوان أن ذلك ليس كافياً لجعل اليمانيين يخضعون لمشاريعهم, ففرضوا الحصار البري والبحري والجوي على أرضهم، ومنعوا دخول المواد الغذائية الأساسية اللازمة إليهم بدعوى أنهم ضبطوا أسلحة متوجهة إلى الجيش واللجان الشعبية على متن تلك السفن والطائرات المخولة بنقل الأغذية، كي يحققوا هدفهم من الحصار, وهذا جعل موجة من غلاء الأسعار تجتاح الأسواق اليمنية، ما ضاعف معاناة المواطنين, وكذلك منعوا السفن التي تحمل المشتقات النفطية من دخول ميناء الحديدة، وهو المنفذ الوحيد الذي تملكه القوى الوطنية، بسبب أن تلك الحمولات تابعة لشركة النفط والغاز اليمنية، التي لم يستطع العدوان وعملاء الرياض إخضاعها لأوامرهم بعد أن نجحوا عن طريق مرتزقتهم في السيطرة على موارد دخل البلاد في مأرب والمناطق الجنوبية، ومنعوا تدفق أي أموال إلى خزانة البنك المركزي في صنعاء, دافعين في الوقت نفسه تجار السوق السوداء لغمر السوق المحلية بتلك المشتقات، ولكن بأسعار مرتفعة جداً، ما زاد كلفة النقل على تجار المواد الغذائية التي معظمها مستوردة من الخارج، وبالتالي زيادة كبيرة في أسعارها.
 غير أن أبناء الشعب اليمني أظهروا صموداً أسطورياً أمام الحرب العسكرية، وكذلك الاقتصادية التي شنها العدو بعد فشله في الأولى، ولم يستجيبوا للعدو الطامح إلى إعادة فرض الوصاية عليهم، لهذا صعّد من عدوانه الاقتصادي، وقام بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن المحتلة، واحتجاز الأموال الخاصة به ومنعها من الوصول إليه لمحاربة لقمة عيش المواطن، خصوصاً بعد توجيه القوى الوطنية صفعة قوية للعدوان وأذنابه بعد تشكيلها مجلساً سياسياً يعنى بإدارة البلاد، وتشكيل حكومة إنقاذ لسد فراغ السلطة, وهذا جعل البنك يلاقي صعوبة في دفع رواتب الموظفين التي تعد مصدر الدخل الوحيد لغالبيتهم، مما فاقم معاناة المواطن في حصوله على مواد الغذاء الضرورية كونه فقد المصدر الذي كان يمكنه من ذلك.

تدهور الوضع المعيشي
يتفق المواطنون على أن السعودية وحلفاءها في العدوان هم من يتحملون في الدرجة الأولى مسؤولية تردي أوضاعهم المعيشية التي ستصل في حال استمرت إلى حصول مجاعة كارثية, لأن العدوان مستمر، وكذلك الحصار الشامل الذي يعرقل دخول المواد الأساسية كالغذاء والدواء إلى البلاد, وتتباين آراؤهم حول ضلوع تجار السوق المحلية في تلك الجريمة، حيث يرى بعضهم أن التجار متضررون بفعل العدوان مثل المستهلك، ويرى آخرون أنهم مشتركون مع العدوان ويعملون على زيادة معاناة أبناء الشعب حتى يتسنى تحقيق المشروع الذي يهدف إليه العدوان منذ قرابة عامين.
حسين أحمد العنسي (38 عاماً)، موظف وسائق باص في خط جولة تعز ـ الجامعة، يقول: منذ بداية العدوان وأنا ألاقي صعوبة كبيرة في توفير النقود التي أستطيع من خلالها شراء المواد الغذائية الأساسية لأسرتي، بسبب ارتفاع أسعارها, فقمت باستئجار باص علّه يساعدني في ذلك، إلا أن المعاناة تستمر، ولا أتمكن من توفير احتياجاتنا اللازمة طوال الشهر, وزادت الصعوبة والمعاناة بعد انقطاع الرواتب الذي واكب قيام العدوان و(الدنبوع) بنقل البنك المركزي إلى عدن، لتصعيد حربه الاقتصادية ضدنا, فالركاب يدفعون 50 ريالاً بدلاً عن 100، ويتعذرون بالرواتب وتردي الوضع الاقتصادي, بينما نشتري البترول بسعر مرتفع، ولا نستطيع شراءه بسعر أقل.

البعض يخدمون العدو
المواطن عبدالرحمن البراشي (29 عاماً) يقول: من بداية العدوان وأكثر تجار المواد الغذائية يتلاعبون بالأسعار حسب كيفهم، مع غياب الرقابة, وهذا يشكل عبئاً كبيراً علينا في شرائها, ودليل انتهازيتهم يقومون بالتنافس في رفع الأسعار، غير مراعين ظروفنا الصعبة التي تستوجب تنافسهم في خفض قيمتها.
ويضيف البراشي: يجب على حكومة الإنقاذ الوطني التي شكلها المجلس السياسي الأعلى، أن تتحرك لمعالجة هذه المشكلة وفرض رقابة على التجار الذين يخدمون بأفعالهم تلك مشروع العدوان الذي يسعى إلى تنفيذه في الوطن.
أما المواطن عبدالمجيد الزبيدي (45 عاماً) فيرى أن التجار لا يتحملون المسؤولية الكاملة تجاه غلاء أسعار السلع، كونهم متضررين من العدوان والحصار الذي يفرضه، لأنهم يقومون باستيراد بضائعهم من خارج البلد، وبالتالي فإن غلاء أسعار المحروقات يزيد كلفة النقل، والصعوبات التي يواجهونها في إيصال ما يستوردونه من خارج البلد إلى محلاتهم، ربما تكلفهم مبالغ مالية كبيرة كرسوم وضرائب يدفعونها لدول العدوان وسط البحر قبل وصول بضائعهم إلى ميناء الحديدة, ويجب على وزارة التجارة إيجاد حلول منصفة للتاجر والمستهلك.

تبريرات منطقية
بالنسبة للتجار في السوق المحلية وكذلك التجار المستوردين، فإن ردودهم على الاتهامات الموجهة إليهم من قبل بعض المستهلكين، كثيرة ومتنوعة, حيث يبرر البعض ارتفاع الأسعار بأن العراقيل المندرجة تحت وسيلة الحصار التي تستخدمها دول العدوان في الحرب الاقتصادية، تتطلب منهم دفع مبالغ كبيرة لتجاوزها، ما لم فإنه لن يتم السماح لهم بإدخال حاوياتهم إلى ميناء الحديدة, والبعض الآخر يرد بأن غلاء مادتي البترول والديزل في السوق السوداء وشبه انعدامها في المحطات الحكومية عمل على رفع تكلفة النقل من الميناء إلى المخازن ومن ثم إلى الأسواق في مختلف المحافظات, وكذلك استهداف الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية من قبل طائرات العدوان عمل على بث الخوف في أوساط السائقين، وبالتالي جعلهم يطلبون رواتب كبيرة مقابل قيادتهم لها لأنهم يعرضون حياتهم للخطر، وذلك ينعكس على سعر البضائع التي يقومون بنقلها.
الحاج الحبيشي (أحد تجار الجملة للمواد الغذائية) يقول: نحن لسنا مستفيدين من ارتفاع الأسعار كما يظن المواطنون، بل على العكس من ذلك انخفضت أرباحنا كثيراً منذ بداية العدوان، مقابل ما كانت عليه قبله، حتى مع رفعنا لأسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، لأن الوضع الاقتصادي للبلد سيئ للغاية، ما أبطأ حركة البيع والشراء في السوق المحلية, ومع هذا نحن نحاول قدر الإمكان عدم الإضرار بالمواطن، فنحن قللنا نسبة الربح الذي كنا نطمح إليه لنقوم بتصريف بضائعنا، وفي نفس الوقت نتيح للمستهلك فرصة الحصول على المواد الأساسية.
وأكمل الحبيشي كلامه: أرجو من وزارة الصناعة والتجارة أن تجد حلولاً لمعالجة المشاكل التي تسبب بها العدوان، وألا تتخذ خطوات من شأنها الإضرار بنا نحن التجار ولا بالمواطنين المستهلكين, مثل أن تفرض أسعاراً محددة من عندها مقابل المواد الغذائية لا نحصل من ورائها على أي أرباح, لأنني قلق جداً من الحملة التي أشهرتها الوزارة قبل أيام، والتي تلزمنا بإشهار الأسعار والالتزام بما قمنا بإشهاره، لأن الأسعار تتضارب بين فترة وأخرى.

تفاؤل بالحملة
أما محمد الشخصي (تاجر جملة) فيقول: أنا متفائل بالحملة التي أعلنتها وزارة الصناعة والتجارة في الأيام الماضية، والتي تهدف حسب إعلانها إلى تحديث قاعدة بيانات ومعلومات شاملة عن النشاط التجاري والاقتصادي، إضافة إلى إشهار الأسعار للمواد الغذائية والمشتقات النفطية والغاز، والتأكد من توفرها وبالأسعار المشهرة من قبل المستوردين والمنتجين وتجار الجملة، وإذا تم هذا بالفعل فسوف يتحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، لأن التجار سيظهرون أفضل ما عندهم.
وتتمثل محددات رفع الأسعار وانخفاضها كما أفاد التجار في ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء وانعدامه بسعره الرسمي عدا في البنك المركزي الذي يعاني منذ قرار نقله من ذات المشكلة, وكذلك انعدام السيولة التي أثرت بشكل كبير على السوق التجارية ونشاطها، فضلاً عن بطء حركة البيع والشراء بفعل العدوان والحصار.

تحرك وزاري
لم تظهر وزارة الصناعة والتجارة في السوق المحلية بشكل فعلي منذ بداية العدوان، بسبب الفراغ الذي أوجده عملاء الرياض في السلطة، مع أن الجهات التي تدير شؤون الدولة ممثلة باللجنة الثورية بذلت ما بوسعها لتسيير أعمال الوزارة حتى تم إعلان الاتفاق السياسي بين الأطراف الوطنية المناهضة للعدوان، والذي أفضى إلى تشكيل مجلس سياسي أعلى يعنى بإدارة البلد, والذي بدوره شكل حكومة إنقاذ وطني لسد الفراغ، حيث بدأت بوادر نجاحها في الظهور في محتلف الوزارات، ومن بينها وزارة الصناعة والتجارة.
التفتت وزارة الصناعة في حكومة الإنقاذ الوطني للمشاكل الاقتصادية للسوق المحلية التي أثرت بشكل كبير على الوضع المعيشي للمواطنين منذ بداية العدوان والحصار، وشرعت في أداء مهامها، حيث أعلنت قبل أيام أنها ستقوم بتنفيذ الحملة الوطنية للرقابة على أسواق ومنتجات السلع والخدمات والمشتقات النفطية والغاز، وإلزام التجار بإشهار أسعارها في لوحات، حتى يتسنى للمواطنين معرفتها والالتزام بما تم إشهاره.
وصرّح وكيل وزارة الصناعة والتجارة لشؤون التجارة الداخلية الأستاذ عبدالله عبدالولي نعمان لـ(لا) بأن الحملة التي تقوم بها الوزارة في هذه الأسابيع أتت استناداً لمرجعيات إنشائها واللوائح والقوانين المنظمة لمسؤولياتها وحدودها من أين تبدأ وأين تنتهي.
وأضاف عبدالله نعمان أن الوزارة تمثل شوكة الميزان بين كفتيه، ومعادلة المصلحة العامة بين التاجر والمواطن المستهلك (التاجر يمثل مستهلكاً)، ولهذا يجب على الوزارة أن تعمل على تحقيق العدالة في هذا الجانب لتضمن عملية تطوير وتحديث المجتمع في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والتي تعد قضية في صلب اختصاصاتها تأخذ صفة الديمومة والاستمرارية وأحد أعمدتها الرئيسية والأساسية هو النشاط التجاري، لهذا أتى إعلان الحملة.
وأكد الوكيل نعمان على أن إشهار الأسعار يعتبر إحدى أدوات تحقيق التوازن والاستقرار في السوق التي هي ملك للتاجر والمستهلك, بحيث تمنح المستهلك حرية أكبـر في الحركة واختيار الأسعار المناسبة عندما يعلم أن السعر غير خاضع للمزايدة وإنما للمنافسة بين تاجر وآخر على خفض الأسعار قدر الإمكان. ولم تكن الوزارة خصماً لطرف ضد آخر، وإنما كما سبقت الإشارة إليه هي شوكة الميزان، ولديها استعداد تام للاستماع إلى التاجر كي تحافظ على المصلحة العامة والقيم العليا التي تمثل هذا البلد.
إذن، فالمخاوف التي اعترت بعض التجار من إعلان الوزارة إلزامهم بإشهار أسعار السلع، والذي يأتي في إطار حملة على السوق لمتابعة النشاط التجاري ومراقبته، قد تبددت بتصريحات وكيل الوزارة، والتي تدل على أنهم يسعون من خلال الحملة الى تحقيق عدالة، وإن لم تكن بالشكل الكامل، كون البلد يمر بظروف صعبة نتيجة العدوان والحصار، وبالتالي فإن على التجار أن يطمئنوا لما ستقوم به الوزارة من خطوات في طريق إصلاح الوضع الاقتصادي، والتعاون معها قدر المستطاع.