مثلما تورق الكروم وتزهر في الروابي؛ تورق أغنياته فينا وتخضرُّ حباً، وتزهر عشقاً.
ومثلما تتبرعم عناقيدها في قلوب محبيه وتثمر، تتعنقد فينا إبداعاته الفنية أشواقاً ومحبة.. حنيناً ولقاءً.. أنيناً وصفاءً.. ترانيم وجد، وألحاناً آسرة.
تغسل الأرواح، وتنقي القلوب، وتشفي أوجاعها.
تشجي النفوس الحائرة، وتطهر أحزانها.
مع كل نغمة حب، هفت أرواحنا، سفراً ورحيلاً، وفي كل ترنيمة شجن، هامت قلوبنا فرحاً وحزناً، تحملها تقاسيم لحونه الماطرة، نحو مدارب فيوضها، حين يشدو بجمال الكلمة وعذوبتها، ويزيدها عذب صوته الآسر رقة وانسياباً، وتمنحها رخامته رونقاً وبهاءً، ليسافر بنا نحو فضاءات الكلمة وعوالم رحابه، وصلاً وانكساراً، بوحاً وجرحاً، بلسماً وهياماً، تباريح عشق، وتسابيح محبة..!
في الجزء الثاني من أسفار أيوب الجميلة، تواصل (لا) نشر تفاصيل محطات هذه الأسفار .

جميلة هي رحلة الإبحار مع أغاني الفنان أيوب طارش، ومع أنغام ألحانه الخالدة.
وشيقة هي دروب هذا السفر اللامتناهي حين نتتبع محطات أسفاره الفنية المتعددة مع شعراء القصيدة الغنائية الذين توقف أيوب في أسفاره عند كل محطة من محطات إبداعاتهم الشعرية، وتغنى بها؛ والشاعر الراحل عبدالولي محمد الحاج يعد واحداً منهم؛ وممن سنقف عنده في طي هذه الأسفار الأيوبية.
في مقدمة ديوانه (همس الروح.. أحبك يا غُصين البان)، الصادر عن مركز عبادي للدراسات والنشر في صنعاء، والذي حوى بين دفتيه 26 قصيدة غنائية التي غنيت والتي لم تغنَّ أيضاً، جاء: (إننا إزاء منتج جمالي يشكل تجربة شاعر مرهف الإحساس، تركه ورحل عن عالمنا الموغل بالقسوة.. وإن شعرية هذه المجموعة تأتي من بساطة اللغة المستخدمة، ودلالة المعنى القريب من الذوق العام، الملتصق بوجدانية الناس وحاجتهم إلى الحب والحياة، فجاءت متسقة البناء، متعددة الصور، ما دل على أنامل رشيقة لفنان جميل. ولا يمكن لنا قراءة هذا الديوان الجميل دونما إلمام بالثقافة اللغوية ودلالات محاميلها، رغم أنها تندرج ضمن (العامية الفصيحة) بحسب الدكتور عبد العزيز المقالح، كحامل دلالي تتجلى فيها لعبة التصوير والأبنية، التي لابد أن تلقى في المستقبل - كغيرها من المجاميع - حقها في الدراسة والبحث؛ كون الشعر وحده لايموت، ولأنه أكثر فلسفة من التاريخ).
ومن أهم القصائد الغنائية التي حواها ديوان الشاعر عبدالولي الحاج وتغنى بها الفنان أيوب، تأتي أغنية (أهلاً بعيد اليمن سبتمبر الوضاح) كفاتحة لتعاونهما الفني أولاً، وكنشيد يمضي فينا كلما هل هلال سبتمبر وطل علينا خالداً بخلود إشراقات صباحاته في عذوبة الكلمة واللحن، وزخم هذا الامتلاء الوطني: 
(أهلاً بعيد اليمن سبتمبر الوضاح 
يا خالداً كالزمن نفديك بالأرواح 
شد الرحيل الحزن وعمت الأفراح 
من صعدة حتى عدن لما صباحك لاح
وغنى قمري تبن والبلبل الصداح 
يهناك يا ذي يزن يهناك يا وضاح 
من بعد طول الحزن صنعاء مضت تجتاح 
عهد الأسى والمحن والحاكم السفاح
دمت يا أيلول صرحاً شُيدَا
بدم الثوار في أرض الفدا 
لأجل أن نحيا المدى
في ظلالك سعدا
للمعالي روّدا
ومثالاً يقتدى
في سبيل الذود عن حقٍّ بدا 
لا نبالي إن سقطنا شهدا 
من حين طويت الغروب بانت لنا الآفاق
وأصبحت نور الدروب والنهج والميثاق
لكل سائر دؤوب في موكب الإشراق 
عشت يا أيلول رمزاً خالدا 
للإخاء والحب في أرض الفدا 
أنت ظلٌّ وندى وضياءٌ وهدى 
وستبقى مورداً للرخاءِ أبدا 
ودليلاً لجنود الحق دوماً مرشدا 
وجحيماً للأعادي فاسقهم كأس الردى
أيلول عهد البنا والعز والأمجاد 
والخير منا دنا يا روعة الأعياد 
من حين حررتنا وانهيت الاستبداد 
على قمم أرضنا والسهل والأنجاد 
إرحب ولك عهدنا يا قمة الأعياد 
بأن نصون الحمى ونصنع الأمجاد)
هكذا تمضي فينا كلمات هذا الشاعر وألحان أيوب الخالدة.. وفي تصديره لديوان والده كتب ابن الشاعر د. خالد عبد الولي: (لأنك وقفت في زمن الخضوع، وتحدثت في زمن الصمت، وأعطيت في زمن الشحة، فحقاً لك التاريخ.. ها هو ذا طيف ذكراك مرسوماً فوق ما أنجزته للبلد.. رحمك الله وطيّب الله ثراك).
ومن الأغاني المبكرة التي تغنى بها الفنان أيوب للشاعر الراحل عبدالولي الحاج، إلى جانب هذا النشيد الوطني الخالد لحناً وكلمات محبة، تأتي أغنية (ساعي البريد) التي تحمل في طي كلماتها جمال الطبيعة وزهو ألوانها، ممزوجة بصور شتى من العواطف، رصدت لحظاتها المختلفة ريشة هذا الشاعر بكل براعة، حيث تقول كلماتها: 
(ساعي البريد يا فاعل الجمائل 
في كل من طالت به المراحل 
بشرتني أن الحبيب واصل 
من بعد ما تغرَّب زمان طائل 
من فرحتي قد سالت الجداول
واخضرت الوديان والسوائل
وغردت من أجلنا البلابل
وتعانق المحجان والسنابل
طرب الغصن ومال يحضن الماء الزلال
والمزارع والتلال لبست حلي الجمال 
وهتف قلبي وقال عاد شمسي والظلال
يا ذي السحائب أمطري وشني 
وباركي اللُّقيا بعد التمني 
طير الروابي جاءنا يهني
يحمل بمنقاره غصين بني
والراعي يرقص والبتول يغني 
والبن قاني والعنب مُدنّي 
لما حبيب القلب قد وصلني 
السعد حل والهم زال عني 
لا الحزن والاحتراق وصل نور المآق 
والحمام عند السواق عزفن لحن التلاق 
والذرة والدخن ذاق ندى كاس العناق
أهلاً بوصلك يا سرج دربي
يا وقع أنغامي ولحن حبي 
في غربتك شربت كاس غلبي 
وذبت من شوقي ونار كربي
ليلي نهاري أبتهل لربي 
أنك تعود تنعم معي بقربي 
فأنت إلهامي وغالي كسبي 
ونور أعياني ونبض قلبي)
وكذلك هي أغنية (أحبك يا غصين البان) التي كتبها هذا الشاعر الجميل وتغني بها أيوب بلحن أجمل؛ فهي من الأغاني العاطفية التي يمتزج فيها الحب وجمال المحبوب بجمال صور الطبيعة إلى حد الانغماس الإنساني والتماهي معها في إيقاع جميل وبقالب شعري أجمل، حيث تقول كلماتها: 
(أحبك يا غصين البان 
وأعيش العمر بك هيمان 
مع شبابة الرعيان 
وعزف الجدول الشنان 
نهاري أزرع الوديان 
أغازل غصنك الريان 
وأجني الفل والريحان 
لأجلك وأسجعك ألحان 
وأعطي من بهاءك ألوان 
لكل الزهر والأغصان
وإن شفتك مرح مسرور 
وطرفك حالم النظرة 
أرى الدنيا تشع بالنور 
وحولي الماء والخضرة 
وأظمأ بالهناء مغمور 
أضم الغصن والزهرة 
وإن شفتك حزين مقهور 
أرى عز النهار غدرة 
وأمشي خاطري مكسور 
وقلبي مثلما الجمرة 
وخدي بالدموع (مغمور)
يسير في الدارية جرة)
وفي أغنية أو بالأصح (أوبريت تعز) الذي تم تصوير مشاهده في محافظات (تعز وصنعاء وعدن)، وقام بإخراجه حسام الشرماني, يأتي اسم الشاعر عبدالولي الحاج ضمن الشعراء الذين كتبوا هذا العمل الإبداعي، إلى جانب الشاعر عبد الحميد الشائف، والشاعر محمد يحيى الجنيد, والشاعر عقيل الصريمي, كمشاركين في كتابة هذا النص الغنائي لمدينة عشقتها أرواحهم شعراً وألحان محبة. وقد أراد أيوب أن يكون هذا العمل الغنائي بمثابة وفاء منه لتعز في وقت تعيش فيه المدينة وناسها أصعب الظروف، وجميعهم في أمس الحاجة لهذا الوفاء، وتقول كلمات هذه الأغنية أو هذا الأوبريت:
(يا نور يا مسك يا حسَّان يا خولة 
هاتوا الورود والرياحين واشعلوا الشمعة
وزينوا بالقناديل هامة القلعة
اليوم يوم الهناء هيا اهتفوا جَمْعَا
عاشت تعز للثقافة موئل الرفعة
تعز مدينتي نعم المدينة
سقاها الصبح نسمته ولينه
زهت بجمالها شرقاً وغربا
فليس لها من الدنيا طبينة
حماها الله من كيد الأعادي
وحصنها من العين اللعينة
اسمك تعز وشهرتك عدينة
وفي فم التاريخ أحلى مدينة
تشقري بالورد والرياحين
ورددي الأنغام والتلاحين
ياسين عليك في كل حين ياسين
يا حضن أيلول في النضال وتشرين
ضمني يا حب لملمني وواسيني وعاتب
نير لي دربي وضوي لي الجوانب
لم يعد قرصان في الساحل
ولا في الباب حاجب
فابتسم يا ثغر حقات 
وارتشف من عين مأرب
واسكب الأفراح كاسات
وأدرها للحبائب
صنعاء سمعي وعدن 
في عيوني بصري
وفؤادي نذرته 
لاتحادي الأكبرِ)
(أحبك والدموع تشهد)، أغنية تغنى بها الفنان أيوب طارش في مطلع حياته الفنية، وسجلها لتلفزيون عدن، وأعاد تجديدها وتسجيلها في مطلع الألفية الثانية في ألبومه (من يوم عشقنا)، وفي التسجيلين نسبت كلمات هذا الأغنية لشاعرين كبيرين هما من أبناء مدينة واحدة هي (حوطة لحج)، بل ومن عمالقة شعراء القصيدة الغنائية فيها، ورواد لونها الغنائي اللحجي.
الأول هو الشاعر المبدع الراحل صالح نصيب، كما وثق ذلك تسجيل الأغنية الأول في تلفزيون عدن، والشاعر صالح سعيد نصيب - كما جاء في مدونة الباحث الأكاديمي جمال السيد - (شاعر معروف ولد بحوطة لحج مديرية (تُبَن) عام 1930م، ودرس في مدرستها (المحسنية)، واشتغل معلماً في مدرسة جعار بمحافظة أبين، ثم في مدرسة بلقيس الأهلية في الشيخ عثمان بعدن، وقضى حياته بسلك التربية والتعليم. عاش نصيب رجلاً بسيطاً وشاعراً متمرداً. هو شاعر غنائي مُجيد، جلّ قصائده غناها كبار مطربي لحج أمثال عبدالكريم توفيق وحمدون وفيصل علوي ومحمد سعد صنعاني ومهدي درويش. من غنائياته: (منيتي يا سلام)، (أخاف منك عليك)، (قضيت العمر يا قلبي معذب)، (ياللي تركت الدمع يشوي مقلتي)، (طريقي شوك مليانه) وغيرها. خلّف ثلاثة أبناء وديواناً عنوانه: (الحب مش عيب). توفي في حوطة لحج عام 1995م، وفيها قبره).. وكلمات هذه الأغنية الجميلة تقول:
(أحبك والدموع تشهد ودمع العين ما يكذب
ولا حبيت غيرك حد وبك وحدك عرفت الحب
عرفته يوم ما شفتك وشفت الطرف ذي يأسر
وذقته يوم حرّمتك وقلت من شاهــدك يكفر
وناجيتك بأنغامي وكل الناس غنت لك
وقلبي لك يعيش ظامي بجنبك عاش يحلم بك
وكم حرمت نوم العين لأنّ الطيــف يشغلني
وكم قـد ذبت بيني بين شجن وأنت قريب مني
وذقت المر من كاسك عسل يطفي لهيب النار
وكــل الأمر في راسك وانا مملوك بلا أقدار
وكم قالوا لي العذال كفاية بس لا تجنن
وكم من ليل بيّ طال وأنا ماسك بحسن الظن
وناجيتك بأنغامي وكل الناس غنت لك
وقلبي لك يعيش ظامي بجنبك عاش يحلم بك 
وكم أنّة وكـم آهات وحبي قـط ما له حد 
حبيبي ما اتركك هيهات أحبك والدموع تشهد)

أما الشاعر الثاني الذي نسبت إليه كلمات هذه الأغنية؛ فهو الشاعر والأديب الكبير الراحل عبدالله هادي سبيت، كما هو في توثيق التسجيل الثاني عند تجديدها.
وفي كلا الحالتين يعد الفنان أيوب طارش صادقاً في توثيقه لذلك، فهما فعلاً من كتب هذه الأغنية، حيث بدأها الشاعر نصيب وأكملها الشاعر سبيت كعادة بعض الأغاني في لحج التي تحمل نفس هذا الطابع، ويعرفها الجميع من أبنائها؛ إنها وليدة لحظات تجلٍّ لشاعرين كتب الأول مطلعها أو جزءاً منها، وأكملها الآخر، بغض النظر عن تباعد أو تقارب زمان ومكان تجليهما لاسترجاع لحظات الولادة أو الإلهام.
والراحل عبدالله هادي سبيت (1918ـ2007) يعد شاعراً غنائياً وملحناً بارعاً وعازفاً ومغنياً متميزاً، ولد بحوطة لحج، ودرس فيها، وبدأ حياته العملية مدرساً ثم وكيلاًً للمعارف في السلطنة اللحجية سنة 1947م. ويعتبره الكثير من رواد النهضة الفنية في لحج التي أسسها الأديب والشاعر والأمير الفنان أحمد فضل القمندان. كتب ولحن القصيدة الغنائية والوطنية، والنشيد الديني والثوري، ويجنح بعض شعره الغزلي نحو الصوفية. من أغانيه المشهورة: (يا باهي الجبين)، التي تغنّت بها كل اليمن عام 1957م، (القمر كم با يذكرني جبينك يا حبيبي)، (سألتني عن هوايا فتناثرت شظايا)، و(هويته وحبيته) التي بثتها إذاعة صوت العرب بصوت إسكندر ثابت، (لما متى يبعد وهو مني قريب) التي غناها ابن حمدون وطلال مداح.
له عدة دواوين منها: (الدموع الضاحكة)، (مع الفجر)، عام 1963م، (الفلاح والأرض) ملحمة شعرية بالعامية نشرت عام 1964م، (الصامتون) عام 1964م، (أناشيد الحياة) 1974م، و(رجوع إلى الله) بالفصحى عام 1974م.
وبعد استقلال الجنوب غادر عدن، واستقر به المقام في مدينة تعز، وفيها وافاه الأجل في 22 أبريل 2007م، وفيها دفن.
ومن ضمن تعاونه الفني أيضاً مع الفنان أيوب طارش، نشيد (الوحدة الكبرى)، كتب كلماته هذا الشاعر الكبير، وتغنت به حنجرة أيوب. ورغم أنه لم يلاقِ شهرة أغنية (أحبك والدموع تشهد)، إلا أنه مازال نشيداً خالداً يواكب اللحظات الثورية بكل ما تحمله كلمات هذا النشيد من معانٍ، وحقيقة خالدة على مر الزمن والحقب التاريخية والأجيال المتعاقبة فيها: 
(سبتمبر صدر القرار من رب أمري والخيار
الوحدة الكبرى مصير بل مدار للمسار 
يا عصبة الأمم أرجعي 
نحو الشعوب لتسمعي 
الرأي رأي الأغلبية 
لا الغشوم المدعي 
كم ذا قرار في قرار 
ضد من لم يخضع 
فإذا رنين الفلس يفحم
رائعات الأصمعي
سبتمبر بذرة النواة 
من أمر ربي لا سواه 
فالحق يعلو قط 
لا يعلى عليه 
فيا غزاة يا من أتيتم
بالأساطيل التي تنهي الحياة 
الموت حظكم 
وحظ التابعي المولى رضاه 
الطفل في أرض الغضب 
خفاقة كم ذا قطب 
كم ألفت الدنيا الى
تأثيره لما اشرأب 
قد أسكت الصاروخ بالحجر 
الذي يحوي اللهب 
كم حاصروه 
وها همو يروا
الحصار به وثب 
سبتمبر أكتوبر من أفنوا لن يقهروا 
أنا بغير الله لن نقوى كمن قد أدبروا
وكذا لغير الله لن نلجأ فربي أقدرُ 
هزمت أساطيل البغاة الله أكبرُ)