استطاع المزج بين الإحساس والفكرة، إذ من الصعب في شعر عبدالرحمن جعدان أن تفصل الإحساس عن الفكرة، أو الفكرة عن الإحساس، فوراء كل إحساس مهما صغر ثمة فكرة، ووراء كل فكرة مهما عظمت ثمة إحساس.. عبدالرحمن جعدان نخلة يمنية مثمرة، لكنها تمتص ثمرها وتختزنه في ماء الطلع.
إنه شاعر يبحث عن ذكريات عاشت في خلده وتألقت في عيونه وازدهرت على ضفافه، لكن هذا الزمن غالباً ما ينكأ الجرح.. في قصائده وجع يخفي الآهات، وحنين يتوهج باتجاه أسراب الطيور التي ضاعت في فضاء الغيوم.. إنه شاعر جامح الخيال، فياض المشاعر، يغني قصائده ويعلم الطيور الغناء، ولكن في بعض الغناء بكاء، وبعض البكاء غناء، فمن خلال قصائده ينسج لنا صوراً لحياتنا اليومية التي اغتالها العدوان السعودي القبيح.. إنه شاعر متميز وأصيل تعرفه في أسلوبه الرشيق وبفكره الحيوي ولغة سلسة دفاقة.. كما تتميز قصائده بإيقاع جميل، وبما تبعثه من إحساس وطني. إنه شخصية إنسانية وإبداعية ووطنية بامتياز.
ـ من هو عبد الرحمن جعدان الإنسان؟ 
هو الإنسان اليمني البسيط المتواضع المحب لأبناء مجتمعه، والمثقل بالهموم اليومية والوطنية. 

حضور القصيدة الشعبية
ـ هل اكتملت للقصيدة الشعبية كل المقومات لكي تبقى وتستمر؟
لم تكتمل القصيدة الشعبية ومقوماتها، وبالنسبة لي مثلاً لست شاعراً مهنياً ولا محترفاً، ولكن تبقى القصيدة الشعبية حاضرة ومستمرة ما بقي الشعب حاضراً بالميدان مدافعاً عن عزته وكرامته وسيادة واستقلال بلده.

الزبد يذهب جفاء
ـ تلمع أحياناً بعض الأسماء في عالم الشعر بحكم ظروف ومراحل مختلفة، ثم تختفي، لماذا برأيك؟
رأيي أن بعض الأسماء تختفي عندما يكون الشاعر متكسباً ومتزلفاً ينتهي بانتهاء المرحلة، خصوصاً حين لا يجد من يأخذ بيده بالتوثيق والطباعة، ومع ذلك هناك شعراء لازال لهم لمعان وبريق ناصع، وهم الشعراء المرتبطون عضوياً بمجتمعهم، معبرين عن ضمير وطنهم وأمتهم، والمستشرفون للمستقبل، وهم كثر، وعلى سبيل المثال الشاعر الكبير عبدالله البردوني.

مشهد حيوي
ـ هل المشهد الشعري في بلادنا لا يزال على حيويته؟
هذه الأيام، وبعد غياب، عادت له حيويته نتيجة الظرف والمرحلة التي نعيشها تحت العدوان، وهناك أصوات أعادت للزامل الشعبي حيويته أمثال المنشد الشهيد لطف القحوم وعيسى الليث وعبد العظيم عز الدين، والشاعر عبدالمجيد الحاكم صاحب قصيدة (توكلنا على الله بالبلاجيك) والشاعر عباد أبو حاتم كاتب قصيدة (نقسم برب العرش خلاق السما) والشاعر محمد الجرف في قصيدته (صنعاء بعيدة قولوا له الرياض أقرب) والشاعر الحضرمي مصطفى المحضار القائل (على جزمتي شرعية الدنبوع). 

ـ عندما يفرح الشعراء تصبح الحياة استثنائية، هل أنت مع هذه المقولة؟
الشعراء غالباً لا يفرحون، وإذا فرحوا عادوا للتذمر والشكوى من جديد.

شعراء متكسبون
ـ كيف ترى الشهرة العابرة التي يحظى بها بعض الشعراء؟
هؤلاء هم المتكسبون الذين نزلت عليهم ليلة القدر. 

ـ الشعر هو سيد الفنون، ومهما تراجع لسبب من الأسباب، إلا أنه يعود قوياً.. صف لنا ذلك.
عندما يكون الشعر قضية وطنية ثورية قومية إنسانية، يحمل الهم العام المعبر عن أحاسيس ومشاعر ووجدان وضمير الأمة بكاملها.

فضاء ضيق
ـ كيف تنظر إلى الفضاء الشعري اليوم؟ وما الجميل فيه والسيئ منه؟
الفضاء الشعري ضيق نتيجة الكارثة التي نعاني منها، فقد غاب شعراء التفعيلة الذين ملأوا مسامعنا ضجيجاً وكتاباتنا ورقاً وحبراً دون جدوى، وعندما ناداهم الوطن غابوا واختفوا، باستثناء بعض الشعراء والكتاب، أما الجميل فيه فهو شعر البندقية والبارود والبركان والزلزال، وأما السيئ منه فهو شعر العملاء وزوامل الدواعش والمرتزقة.

ـ لنعد بالذاكرة إلى البداية، متى بدأ ولعك بكتابة القصيدة؟
بدأ ولعي بالقصيدة عندما تم غزو لبنان ودخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت.

ـ هل لك دواوين شعرية مطبوعة؟
لا يوجد.

الخلود مجد الشاعر
ـ ما هو المجد الذي يحظى به الشاعر من الشعر؟
المجد الذي يحظى به الشاعر هو ما تتذاكره الأجيال جيلاً بعد جيل، ويكفيه مجداً أن شعره يخلده.

رغبة ذاتية
ـ إلى متى ستظل الشكوى الدائمة من قبل الشعراء على الجهات المختصة بعدم الاهتمام بهم؟
بالنسبة لي أنا لا أشكو ولا أطالب الجهات المختصة، كوني أكتب الشعر متى كان المزاج صافياً، ولا أكتب لإرضاء فلان أو علان، وليس لغرض مادي أو للشهرة.

ما لا يصلح للغناء ليس شعراً
ـ عندما نستمع إلى قصائدك نحس أنك أدخلت فيها نبرة غنائية ونبرة درامية ونبرة ملحمية، هل توافقني الرأي؟
نعم أوافقك الرأي.. فالشعر إذا لم يصلح للغناء فليس شعراً، وأنوه إلى أن بدايتي الشعرية كانت بمعارضتي للشعر الغنائي والأناشيد الوطنية والدينية، مساجلة مع رفيق مسيرتي الأدبية الشاعر عبدالوهاب الشرفي، أما الدراما فالشعر القصصي أحد أنواع الشعر العربي القديم والحديث، وبالنسبة للملحمة فشعر الملاحم يجسد وقائع الحروب والأحداث الساخنة.

ـ من هو الشاعر الذي يشبهك؟
الشاعر الذي يشبهني زميلي وأخي ورفيق مسيرتي الأدبية الشاعر الوجيه عبد الوهاب أحمد الشرفي.

ـ ما الذي يزعجك؟
الذي يزعجني تشقق الوحدة الوطنية والتطاول على الرموز والأعلام.

ـ بماذا يحلم الشاعر عبد الرحمن جعدان؟
بوطن آمن مستقر مستقل.

تبت يدا صهيون
ـ عمل شعري تعتز به كثيراً..
أعتز بما قلت وبما أقول عن فلسطين والقومية العربية، ومنها قصيدتي التي هنأت فيها حزب الله بانتصاره على إسرائيل، ومطلعها: (تبت يدا صهيون يا وطني وتب)، وقصيدة عن الإمام علي، وقصيدة عن فوضى ٢٠١١ بعد أن تم الاعتداء على الزعيم علي عبدالله صالح في جامع النهدين، وغيرها.

روح الثورة وصمام الأمان
ـ ماذا يعني لك الرئيس الأسبق صالح والسيد عبد الملك؟
يعني لي الزعيم صمام أمان الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتسامح والعيش المشترك، فهو زعيم وطني عروبي وحدوي بكل ما تعنيه الكلمة، فقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه. أما السيد عبد الملك فيعني لي روح الثورة الوثابة الفتية الرافضة للارتهان والهيمنة الأجنبية، وهو المعتلي لعرش حركة المقاومة اليمنية ضد العدوان السعودي الصهيوأمريكي.

ـ أين تجد نفسك أكثـر في كتابة القصيدة الشعبية أم الفصحى؟
في كلتيهما.

أمنية النصر
ـ كلمة أخيرة..
أتمنى النصر المؤزر لليمن على حلف العدوان ومرتزقته ودواعشه شذاذ الآفاق، واندحار الغزاة والمحتلين من كل شبر في اليمن، وأشكرك وأنت شاعر غنائي رائع، وأشكر صحيفة (لا) الثورية بكل طاقمها المبدعين، وفي مقدمتهم الكاتب والشاعر الثوري القومي الأستاذ صلاح الدكاك، وأشكر أخي القاضي علي الكبسي. وأتمنى لكم التوفيق والنجاح.