ظهر على السطح مؤخراً الطلاق عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، فالبعض استغل هذه الوسائل لخراب بيوتهم كما قالت المفتية سعاد صالح، في رسالةٍ تحذيرية وجهتها لمن يستهترون بالعلاقاتِ الزوجية عبر وسائل الاتصال: الأفضل لكم أن تبحثوا عن وسيلة أخرى غير كتابة رسائل الطلاق التي فيها خراب للبيوت. هنا تناقش (لا) هذه الظاهرة، وتعرض حالات عاشت التجربة عن طريق أشخاص عايشوا اللحظة، وهناك من الرجال من استغل وضع زوجته أسوأ استغلال، كالرجل الذي يطلق زوجته ويعيدها عبر الهاتف، ويطلقها ويعيدها مرات عديدة، مستغلاً حبها له، وهي قصة تنفرد بنشرها (لا) ضمن هذا الموضوع، فكونوا مع التفاصيل..
افتحي (مكبر الصوت)!
يلخص عبده القيسي (رب أسرة من حجة)، حادثة طلاق وقعت عبر الهاتف من زوجٍ مغترب خارج الوطن، حيث إنه عمل معه لمدة 5 سنين، وكان شاهداً على تلك الحادثة الغريبة، يقول: قررت أن أسافر، وطلبت منه أن يسافر معي، فرفض، وأرسل معي رسالة إلى أهله حيث تسكن زوجته في مدينة أخرى غير التي هو يعمل بها وتبعد عنه 5 ساعات بالسيارة، وعندما سلمتهم الرسالة سألوني عنه لأنه كان مغلّقاً جواله، فطلبت أم زوجته أن أتصل به، فاتصلت به وكلمه أهلها بأن يعود إلى زوجته لأن له سنة وهو غائب عنها.. وأنا كنت موجوداً أسمع المكالمة، فرد أنه سيعود بعد يومين، فاتصلت زوجته لتسأل عنه بعد يومين، وهي تبكي لأنه لم يفِ بالوعد، وبعد أيام لقيته في الجنادرية يشتغل وسألته: هل سافرت؟ قال: لا. قلت له: ليش؟ قال: أريد أن أطلقها. يضيف القيسي: وفعلاً اتصل لزوجته وردت عليه.. فقال لها: ناولي الجوال لأبوكِ وافتحي (مكبر الصوت).. وطلقها في تلك اللحظات، فقال له والدها: من عندك؟ فقال: صديقي الذي تعرفونه جيداً ووالدي ووالدتي.

مهزلة زوج!
ذكرى النقيب (ربة بيت من عدن) تحكي عن قصة طلاق امرأة عبر الهاتف تعرفت عليها بمؤسسة السرطان عندما كانت ترافق والدتها أثناء تلقيها العلاج، تسرد ذلك ذكرى: رأيتها تبكي بحرقة في الجانبِ الآخر من سريرِ أمي، فقالت إنها تزوجت ابن عمها وهو متزوج زوجة أولى لديها فشل كلوي، فتزوجها لأنها تحبه وتريد أن تربي أطفاله، كون والدتهم مريضة بالسرطان، ورضيت أن يأتي إليها بين فينةٍ وأخرى، وظلت سنة كاملة دون أن ينفق عليها، وعندما طلبت منه مصاريف لأنها أصيبت بالسرطان، اتصل بها وقال لها أنتِ طالق. خلاص طلقتكِ.
تضيف النقيب: ظلت المسكينة 8 أشهر تبكي حظها، وعندما استاءت حالة زوجته الأولى اتصل بها مرة أخرى، ونحن في سكن المؤسسة، وقال لها: رجعتكِ. ففرحت فرحاً عجيباً، فصايحتها ـ والكلام لذكرى ـ وقلت لها كيف طلاق بالهاتف، ورجوع بالهاتف، لابد من الشرع، وضروري تسألي وتشوفي ما لكِ وما عليكِ؟!
ثم رجعت هي من عدن، وحكم لها الشرع بـ100 ألف، ورجعت في بدايةِ رمضان الفائت، ماتت أم أولاده وهي من مرّضتها، وقبل أسبوع من وفاة زوجته الأولى اتصل بها وطلقها، فاتصلت بي تبكي وتحكي لي ما حدث لها، وقبل أسبوع أتت هي وبناتها عندي وقالت إنه اتصل يرجعها وكساها ورجعت.
تختم ذكرى: قمة المهزلة، فبعض الرجال يستغلون الحب، هي تحبه وتخلت عن كرامتها، واستخدم وسيلة الهاتف معها بطريقة دنيئة، بينما هي (ولا على بالها). 

بقوة القانون.. جائز 
وعبر الفضاء الإلكتروني طرحت (لا) تساؤلها حول مدى انتشار الظاهرة وتأثيرها على العلاقاتِ الزوجية، فتفاعلت سناء من دولةِ المغرب/ كلية العلوم القانونية جامعة الحسن الثاني، قالت: هذا موضوع واسع النطاق... تحليله يؤدي إلى ظهور كثير من التداخلات والمسببات، وخاصة منها النفسية، وسمعت الكثير عن هذا الطلاق، لكن لم أصادفه في مجتمعي. وتضيف: هذا النوع من الطلاق يكون لمن تزوج بمغترب، ولم يصطحب الزوجة معه، فطلب الطلاق يكون من كليهما، لكن بقوة من الرجل.. فيكون الطلاق عن طريق الوكالة لبعد الزوج... وقد يكون السبب تعب الزوجة من الغياب. فيوكل أخاً له أو أباً أو محامياً حتى تتم إجراءات الطلاق قانونياً... وهذا بقوة القانون جائز. وثلاث جدهن جد وهزلهن جد... الزواج والطلاق والرجعة. فالطلاق عبر الهاتف لبعد المسافة، وفي كامل قوى الزوج العقلية، بمجرد النطق به قد نفذ، ودخلت الزوجة من وقتها في عدة الطلاق. 

طلاق رجعي
وكون سناء متخصصة بالجانبِ القانوني تضيف: هذا الطلاق يكون رجعياً، إلى أن تنتهي العدة فيصير طلاقاً بائناً بينونة صغرى... في حالة تراجع الزوج في فترة العدة، وصدق قلبه داخلياً، يتصل ويقول: قد راجعتك، فلا يهم موافقتها. لكن الرجعة تتطلب منه المعاشرة لتثبيت الزوجية من جديد... لكن إذا طلقها بعد ذلك فإن الرجعة لم تعد موجودة، لأن الطلاق من أوله طلاق بائن. ويتطلب هنا العدة داخل بيته إلى أن تنتهي.. لكن استرجاعها يتطلب عقداً من جديد وحضور ولي الأمر وتحليل الزواج.

أسباب نفسية!
توضح سناء أيضاً أن لظاهرة الطلاق عبر الهاتف أسباباً نفسية ناتجة عن الغربة، وخصوصاً في وضع البلد الحربي، وبُعد الزوج بسنوات عن بيته. ويقع التعبير عن الطلاق باللفظ المفهم له وبالكتابة، ويقع من العاجز لهما بإشارته الدالة على قصده. وبناء على ذلك فإن الطلاق عبر الهاتف نافذ كسائر الطرق التي ينفذ بها الطلاق. وما دام الزوج قد طلق امرأته عبر الهاتف، فهذا الطلاق ماضٍ نافذ. إلا أنه لإثباته قانونياً وشرعياً عليه أن ينطقها بحضور عدل أو أحد من أهلها. إذا كانت هي الطلقة الأولى... فتحسب طلقة واحدة أي رجعية، وللزوج الحق أن يراجعها خلال فترة العدة بالقول (أن يقول راجعتك) والفعل (كل مذهب وما يقول في ذلك، فحسب المذهب المالكي الذي هو المذهب الذي نتبعه في المغرب، لابد من الفعل كالوطء، مع شرط النية في الإرجاع). أما إذا اكتملت العدة فإن الطلاق أصبح طلاقاً بائناً بينونة صغرى يتوجب فيها على الزوج عقد من جديد بشروطه ومهر للزوجة. وإذا صار الطلاق بائناً، فيتوجب على الزوج أن يدفع للزوجة حق المتعة وحق نفقة العدة وحق نفقة الأبناء.

طلاق sms يثير الجدل
يقول الدكتور محمد الشحات الجندي (الأزهر)، إن الطلاق بالإنترنت أو بالهاتف جائز بشرط اعتراف الزوج، والتأكد من أن الزوج هو المطلق فعلاً، وباعترافه أنه طلق ‏‏زوجته من خلال إحدى هذه الوسائل.. وأرجع فتواه إلى أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق ما دامت ‏‏الحياة الزوجية قد استحال دوامها بين الزوجين لسوء العشرة أو للنفور بين الزوجين، وأنه عندما تتأزم الأمور وتكثر الخلافات ويصعب حل المشاكل، هنا لا يوجد سبيل سوى‏ ‏الطلاق، ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك، لأن الأمر هنا يثبت بالإقرار، والإقرار ‏‏سيد الأدلة، أما إذا أنكر الزوج إيقاع الطلاق على زوجته، فإنه لا يقع، لأن الأصل عدم‏ ‏الطلاق.
يخالفه الرأي د. نصر فريد واصل (مفتي مصر السابق)، مؤكداً عدم صحته لعدم استكمال الشروط الرئيسية لوقوع الطلاق، فلابد من استبعاد هذه الوسائل في الطلاق لكي يظل للطلاق حرمته وللأسرة سلامتها.. يشير الدكتور نصر إلى أن الطلاق لا يقع إلا إقراراً مباشراً في المواجهة، وأكد على وجود آداب للطلاق يجب أن تتوافر لا يمكن التأكد من تحقيقها عن طريق الهاتف النقال أو الإنترنت، وهي أن تكون الزوجة في حالة طهر.
                  
حالات صحة الطلاق
ويستمر الجدل بين علماء الأزهر، حيث يخالف الرأي السابق د. زكي عثمان، أستاذ في جامعة الأزهر، الذي يرى أن الطلاق عبر الهاتف النقال أو الإنترنت صحيح، لأن الزوجة تعرف صوت زوجها جيداً فكأنها تقف أمامه، فليس شرطاً أن يذهب الزوج للمأذون لتوثيق ورقة الطلاق، لأنها تحسب طلقة فقط بدون توثيق، خاصة أن طلاق المشافهة يقع على الزوجة حتى لو كانت غير موجودة، ولكن يمكن أن تحدث الخديعة إذا حدث الطلاق عن طريق رسائل النقال، فغير معروف من كتبها ولمن، والكلام ينطبق أيضاً على الطلاق عبر الإنترنت.
وأكد عثمان أن الطلاق يكون صحيحاً في ثلاث حالات فقط، أولاها أن تتم مواجهة بين الزوج والزوجة ويخبرها الأول بمقولة (أنت طالق)، والثانية أن يكتب لها رسالة نصية، ولكن يشترط هنا أن تتأكد الزوجة من أن الرسالة صدرت منه.. وأخيراً أن يوكل الزوج شخصاً آخر لطلاق زوجته، ويجب أن تعلم الزوجة بهذا التوكيل.

خراب بيوت
 فيما وجهت الدكتورة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة (الأزهر) سعاد صالح، نصيحة إلى الأزواج الذين يطلقون زوجاتهم برسائل المحمول والإيميلات، قائلة: الأفضل لكم أن تبحثوا عن وسيلة أخرى غير كتابة رسائل الطلاق التي فيها خراب للبيوت، وإذا كانت المعيشة مستحيلة، فليكن الفراق بالمعروف بوسيلة كريمة تحدد الحقوق والواجبات، إلا إذا كانت هناك ضرورة فهي تقدر بقدرها، وليس على من تمنعه الظروف الصعبة، كالسفر الطويل، وزر أو ذنب، لقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة: آية 173)، وهذا يؤكد أن الإسلام دين يسر، وفي الوقت نفسه يرفض الاستهتار بحقوق الآخرين، وخاصة حق الزوجة والأولاد، حتى لو كان القرار النهائي هو الطلاق لأي سبب.
وختمت لبمفتية سعاد نصيحتها بأنها ترفض وقوع الطلاق في ظل الظروف العادية عبر رسائل المحمول أو الإيميلات، وما شابه ذلك من الوسائل التي يكون فيها تلاعب وعدم تيقن من أن هذا الشخص هو من أرسل هذه الرسالة، ولهذا قال (صلى الله عليه وسلم): (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

صيغة صريحة ولا تحتمل الشك!
وزاد تأكيد ذلك النوع من الطلاق الشيخ يوسف البدري (الأزهر) بقوله: إن علماء الأمة أجمعوا قديماً وحديثاً على أن لفظ الطلاق ما دام صدر من الزوج وحده، أو أمام جماعة، وأبلغ بها أحداً من الناس، زوجته كانت أو غيرها، بالصيغة الصريحة لفظاً أو كتابة أو إشارة، فإنه طلاق واقع، وعليه فإن رسائل المحمول المسماة بالـ sms هي وسيلة مكتوبة معتبرة شرعاً.

آخر الأوراق
إذن، اختلف العلماء في صحة الطلاق عبر الوسائل الحديثة، فمنهم من أيد ذلك، ومنهم من عارض، وكما لاحظنا البعض برر صحته بأدلة، وكذلك من خالفوا برروا لأسباب، ويبقى وسط هذا الجدل الكبير شيء واحد فقط، ما جاء في كتابه العزيز: (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسان). فإن العشرة الطويلة أو حتى القصيرة بين الزوجين، لها أن تُحترم، وألا تصل لدرجة الاستهتار بعلاقةٍ كانت يوماً ما من أهم العلاقات، وعلاقة لها قداستها، فحتى الفراق كما يُقال له أخلاق.