حين تصبح ملحمة الدفاع الوطني الكبرى عن الأرض والعرض والعقيدة والذات الحرة؛ جزءاً من الحبال الصوتية لحناجر مؤمنة مجاهدة، تنتفي المسافة الفاصلة بين المعركة والنشيد والزامل، ويتشاطر المنشد والمقاتل مستوى واحداً من رفعة القدر وعلو المكانة وشرف المصير شهادة أو نصراً، فالمعركة على الأرض تغدو - حينها - نشيداً وزاملاً على الشفاه وفي الحناجر، كما يغدو الزامل والنشيد معركة مفتوحة يخوض غمارها الوجدان الشعبي العام، مجازاً من خلال اتقاد جذوة الصمود والمناصرة للمقاتلين، في أوساط الجماهير، وحقيقةً من خلال حفز قوافل التعبئة وتسخين الدورة الدموية الشعبية الرافدة لجبهات البطولة..
ينظر الشارع اليمني الشريف اليوم إلى منشدينا وفنانينا الوطنيين، على النحو الذي ينظر إلى مقاتلينا، بمهابة وإجلال، اتساقاً مع حقيقة تلاشي الحدود بين صوت المعركة وصوت الحنجرة؛ وفي هذا السياق يبرز عبدالسلام القحوم بوصفه أحد القامات الفنية الإنشادية الفارقة الذين حازوا بجدارة على مساحات أثيرة معشبة في الوجدان العام، سواء عبر أدائه الانفرادي كمنشد للزامل الشعبي والقصيدة الفصحى، أو كحنجرة ضمن كورال حناجر فرقة (أنصار الله) الإنشادية، التي يعود بنا القحوم في هذا اللقاء إلى جذور نشأتها بوصفه أحد مؤسسيها الأوائل ومسؤولها حالياً.. يتحدث عبدالسلام القحوم في معظم الحوار، متجاوزاً ذاته، ومشيداً بجهود وإسهامات سواه في الوصول بفرقة الأنصار إلى ما هي عليه من مكانة وحضور، بمنأى عن النرجسية التي يتسم بها غالبية الفنانين والمنشدين ممن بمستواه.. في هذه المساحة الدافئة من صحيفتنا، يروي لنا تفاصيل رحلته من منشد تقليدي فرائحي في أبهاء صنعاء القديمة، إلى مجاهد بالسلاح في الحرب الرابعة بصعدة، إلى معتقل في سجون السلطة، إلى منشد مجاهد في طليعة فرقة الأنصار.. وتفاصيل أخرى مثيرة شتى نتركها للقارئ لينهلها من قمر (أنصار الله) المنشد المائز عبدالسلام القحوم.
 لنتحدث عن فرقة (أنصار الله) وعن دورها ونشأتها..
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. ونعمه كبيرة أن يعرف الناس هذه المسيرة التي ستؤلف بين الناس وتوحدهم على موقف واحد، ولو أن هناك من يشوه هذه المسيرة العظيمة، إلا أنهم لن يستطيعوا.
بالنسبة لفرقة (أنصار الله)، بدأت بمجموعة من المجاهدين الذين انطلقوا في الحرب الرابعة، وقد كانت فرقة (الرسالة) هي أول فرقة التي فيها ضيف الله سلمان، وفيها العديد من الشهداء، وعندما بدأت فرقة (الرسالة) نحن كنا منشدين في صنعاء، قبل أن نجاهد كنا منشدين في الأعراس، وعندما انطلقنا قررنا أن يكون هناك نشيد من نوع آخر حماسي أو ثوري للمرحلة، فبدأنا التجربة أنا والأخ أبو مالك الأحمر، أحد المجاهدين، وهو أحمر من المستضعفين، فبدأنا بعمل (نمضي جنوداً نمضي أسوداً)، وهي أنشودة تقليدية، فأخرجنا إصدار (دروب النصر)، طبعاً هذا الإصدار خرج بعد الحرب الرابعة، وكان هذا الإصدار بالإيقاع، وكان له صدى، فكان البعض يقول هذه أناشيد إيرانية، فنسخنا منها نسخة للسيد عبدالملك، طبعاً السيد عبدالملك يراعي كل الوضعيات، فقال لنا خففوا من الموسيقى حتى لا ينصدم المجتمع، وحاولوا أن تختاروا الكلمات، بعد ذلك ترك السيد القائد الملاحظات، وقال استمروا، طبعاً ألفنا كلمات من رؤوسنا، وهذا هو أعظم موقف حدث لي من يوم ولدت أنني التقيت بالسيد عبدالملك أنا واثنان من الفرقة هما إبراهيم الجلال وعبدالملك الطبيب، وأُسعد بنا وشجعنا. بعد ذلك بدأت الحرب الخامسة، فلم يكن هناك فرصة لكي نعمل بعض الأعمال، كان أكثر تعاملنا عسكرياً، ثم جاءت الحرب السادسة، وأنا كنت في صنعاء، ولم أستطع أن أتابع الإنشاد بسبب الحروب.
 صورتم بعض أعمالكم الشهيرة في أماكن تعرضكم للخطر.. ما الذي يدفعكم لذلك؟
نعم، صورنا أنشودة (بين يدي الحسين) بجانب ضريح السيد حسين بدر الدين بعد استهدافه من قبل العدوان بعدة غارات، والذي يدفعنا لذلك أننا مجاهدون، وكان يجب علينا أن نصور هذا العمل هناك، ولو أنه يعتبر مكاناً خطيراً، وإلا فكيف نكون مجاهدين، ومن خلال هذا العمل ارتفعت معنويات المجاهدين في الجبهات، ومعنويات الناس ومعنوياتنا أيضاً.

 عندما كنتم في صنعاء في بعض أماكن الإنشاد، هل كنتم تتصرفون بشكل طبيعي؟
كنت أحد المجاهدين، لكن لم أذهب إلى صعدة وأجلس فيها بشكل دائم، بل كنت أذهب إلى صعدة لأقضي بعض الأعمال، ثم أعود إلى صنعاء، وعندما أتت الحرب السادسة كان عملي في صنعاء مشتريات، كنت أشتري لهم بعض الأشياء لأبو محفوظ، ثم بعد ذلك سجنت. طبعاً شاركت في الحرب الرابعة في مران، والحرب الخامسة في بني حشيش، وسجنت في الأمن السياسي.

 كم الفترة التي قضيتها في السجن؟
سنة و4 أشهر، وبعد ذلك خرجت مع الكوكبة التي كانت في السجن عندما أطلقوا سراح المساجين بشكل عام، وعندما خرجنا من السجن كان الشباب يقولون بأن السيد لديه اطلاع أنه تم سجني بسبب أناشيد (دروب النصر)، وانتشر هذا عند المجاهدين، ولم يكونوا عارفين أنه عندما كانوا يحققون معي ليس على أناشيد (دروب النصر)، في البداية أنا بدأت ارتباطي بفرقة (حبيب الله) مع المنشد عبدالعظيم عز الدين، ثم بعد ذلك تفعَّل دور المساجين، وقد كنا في السجن نطمح عندما نخرج أن نؤسس فرقة حماسية أنا والأخ عبدالملك الطبيب ومحمد الأخفش، وأول ما خرجنا كان أبو محفوظ معه إشعار من السيد عبدالملك أن ينتبهوا لي كون عندي خبرة في الهندسة الصوتية، وبعد ذلك ذهبنا إلى صعدة وجلسنا أسبوعين، وعدت زيارة إلى البيت، وجلست أسبوعاً، ورجعنا إلى صعدة لنجاهد بأية وسيلة، وقد احتوانا الأخ أبو محفوظ فترة من الفترات، ثم واكبنا الثورة بالأناشيد الحماسية الثورية، وواكبنا الأحداث القتالية في كتاف والجوف.

 هل كانت أناشيدكم كلها بالفصحى؟
كانت أناشيدنا كلها بالفصحى، ما عدا (يا قبيله) كانت شعبية، وهي من كلمات الشهيد عبدالمحسن النمري.

 نلاحظ عدم تعدد المقامات في الأنشودة، برأيك لماذا؟
أول ما بدأنا الإنشاد لم يكن لدينا فكرة عن المقامات والسلم الموسيقي، كنا نصدر أنشودة بعد أنشودة، وكانت متشابهة، فالشهيد معاذ المتوكل، وهو من مؤسسي الفرقة، والذي استشهد في حوث أثناء حادثة مقتل المرأة مع ابنها أمام المطعم، وقد كان معنا في السجن، وكان إنساناً عظيماً في كل المجالات، وقد كان السيد عبدالملك يعتمد عليه في أشياء كثيرة، وهو شاعر ولديه قصائد كثيرة، منها (عهد الوفاء منا) و(سبحانك الرحمن ويح قصائدي)، وعندما كان عمره 11 سنة يكتب قصيدة أكثر من 100 بيت، منها قصيدة طفل صعدة (دعني أعبر عن شعوري)، وكانت هذه القصيدة رسالة كبيرة آنذاك، ثم بعد ذلك أخذنا دورة في المقامات، مثلاً هذا مقام العجم، هذا السيكا، هذا البياتي، كنا نعرف هذا المقام حماسي وهذا حزين وهذا المقام روحاني، ثم أخذت دورة عند الأخ نجيب الموادم، وهو مبدع في المقامات، وقد أتى إلى صعدة هو والفنان هشام النعمان، عندما استدعاهما أبو محفوظ لعمل دورة للمنشدين أنا ولطف وعيسى وعبدالعظيم، طبعاً أتوا قبل العدوان، وعملوا لنا دورات في المقامات، واستفدنا منها.

 عندما انفرد عبدالسلام القحوم في بعض الأناشيد الوجدانية، وكذلك في زامل (التوشكا ما راح)، ذاع صيته أكثـر.
طبعاً لطف القحوم هو الذي بدأ بالزوامل، وانفرد بها بالشكل الفردي كانت الزوامل شلة جماعية، لكن لطف خرج بها من الشكل الجماعي إلى الفردي، نحن كنا نستطيع أن ننشد زوامل، لكن رأينا في الساحة من يقوم بهذا الدور كعيسى الليث وعبدالخالق النبهان، ليس من الضروري أن نزاحم في هذا المجال، يفترض أن يكون هناك تنوع، وعيسى الليث هو أحد أعضاء فرقة (أنصار الله)، وأصبح له رصيد كبير، وله وجود بشكل غير عادي.

 هل وجود لطف القحوم في الأنساق الأولى للجبهات كان باختياره أم اختيار الحركة؟
طبعاً السيد عبدالملك شجع لطف ودعمه، والتقى به، وقال له نحن بحاجة إلى أناشيد إسلامية بحجم العالم، وبدأ لطف على هذا الأساس، لكن لطف بحكم أنه منطلق من الحرب الثالثة، ويعشق الجبهات، كان من الصعب أن يتوقف عن الجبهة، وقلت له في يوم من الأيام أنت جبهة، وعليك أن تغذي المجاهدين بزواملك، فقال لي ألحاني تأتي من الجبهات.

 هناك شيء من التأثر الواضح في طريقة أداء فرقة (أنصار الله) بفرقة (حزب الله)، بينما هناك تراث يمني يكفل لكم التميز..
نحن في مرحلة من المراحل استمررنا فترة طويلة والناس في هدوء وفي جمود وفي سكون، ولم يدخل هذا الجو الحماسي في التراث اليمني. فرقة حزب الله لفتت فينا الجانب الحماسي في الإنشاد بشكل غير عادي، وتأثرنا بهم من حيث الأداء، وليس من ناحية اللحن. نحن شققنا طريقنا في التلحين بألحاننا، مثلاً أناشيدهم في حرب تموز أفضل من الأناشيد التي ينتجونها اليوم، فأصبحت أناشيدهم اليوم طربية وغنائية، ومالوا إلى الغناء أكثر من الحماسي، لأنه لا يوجد لديهم حرب أو حدث.

 لماذا لا تتركون مساحة للموسيقى في أناشيد فرقة (أنصار الله)؟
بالعكس لدينا أناشيد بالموسيقى، وبانفتاح غير عادي، يبدو أنك لم تستمع إليها!

 مثلاً أنشودة (ثراك ثريا) لم تعط مساحة للموسيقى، وكانت رتماً واحداً.
الذي مكسج هذا العمل هضم الموسيقى، وبالذات هذا العمل كان توزيعها رائعاً جداً، لكن عندما قام بالمكساج رفع الإيقاع وركز على الأصوات بأن تكون هي البارزة. ونحن نحرص أن تكون الموسيقى بشكل (حوائج)، لأننا نركز على الكلمة والرسالة التي تؤديها.

  يلاحظ المراقب أن هناك قصائد جيدة شعبية وفصحى لا تنشد، بينما هناك قصائد ركيكة ورديئة يحتفى بها.. أين يكمن الخلل؟
الخلل في من يحمل الرسالة، مثلاً أنا كمنشد مجاهد ولدي قضية وأرى أناشيدي جهادية، وإذا لم أقدم رسالتي من خلال الكلمات، فأعتبر أنني لم أقدم شيئاً. يجب أن نحرص على الكلمة أولاً، وبعد ذلك على اللحن والأداء، وإذا وجدت في فرقة (أنصار الله) أناشيد ركيكة، فاعلم أننا لم نجد القصيدة المناسبة، وعندئذ نسجل الحاصل، ونحن حريصون في هذه المرحلة على أن تكون الكلمات راقية بكل معاني البلاغة والمعاني والألفاظ.

 ارتبط ظهور فرقة (أنصار الله) بالمناسبات، ما الذي يمنعها من الحضور خارج قيد المناسبات؟
بسبب الدعوة من قبل الأطراف الأخرى، مثلاً أنا أريد أن أحيي فعالية، فأطلب فرقة (أنصار الله)، والاسم هذا أطرنا كثيراً رغم أن السيد عبدالملك يحرص أنه ليس هناك أنصار الله، وإنما جيش ولجان.

 التلحين في فرقة (أنصار الله) هل هو محصور ببعض المنشدين؟
الفرقة متميزة بعملها الجماعي، نجتمع ونستعين بالله، ولا يوجد عندنا الاحتكار لشخص معين، ولا نُقِر أي لحن إلا إذا كان جماعياً.

 من هو المنشد الذي ترى أن صوته شبيه بصوتك؟
هناك أصوات أفضل من صوتي، وكل صوت له تميزه، ربما يكون صوتي قريباً لبعض الأصوات، مثلاً أنا معجب بأصوات بعض المنشدين، منهم الأستاذ عبدالرحمن العمري والأستاذ عبدالعظيم عز الدين.

 لماذا لا يكون لكم أعمال بمشاركة المنشد عبدالرحمن العمري؟
إن شاء الله سيكون لنا أعمال معه، فالأستاذ عبدالرحمن العمري جمال صوته أظهر الإبداع في المنشدين، وأكثر المنشدين متأثرون بالعمري، ونحن نعتز أن نكون مكورسين بعده.

  هناك قصائد حماسية لكن تم تلحينها ألحاناً وجدانية، لماذا؟
مثل ماذا؟
 مثل (سل يثـرباً واستفت نجدا.. هل أخلف الأنصار وعدا). 
السبب أولاً لا أحتكر الألحان لوحدي فقط، اللحن هو جماعي، حتى لا أتورط إذا خرج لحن عادي، فهذا اللحن بداية استحضرنا الكلمات واستشعرناها وفهمناها.. وإننا لا نعمل أي عمل إلا ونحن مستشعرون الكلمات كلها، طبعاً إخراجنا للصوت هو فكرة مونتاج، وأحياناً العمل لا يلقى صدى إلا إذا أُخرج صوت وصور،ة وستتذكر في يوم من الأيام أنه سيكون لهذا العمل صدى عندما يمنتج، وسيتحدث الجميع بأن نشيد الأنصار كلماته رائعة وراقية جداً، لأنه سيكون هناك رسالة صوتية ورسالة مرئية، وسيكون العمل مكتملاً، وستصل الرسالة بشكل راقٍ، ونحن عندنا فكرة لإخراج هذا العمل، لكن بسبب الانشغال والمولد النبوي لم يتح لنا أن نمنتج هذا العمل، وأنا قد أسمعت هذا العمل بعض الشعراء مثل عبدالوهاب المحبشي الذي أعجب به، وإن شاء الله يتم إخراجه بصورة راقية.

  لماذا لا نسمع الزامل بأصوات نسائية؟
لأن صوت النساء عاطفي، وسيكون الزامل ضعيفاً، والمرحلة تتطلب أصواتاً حماسية.

  لكن فيروز غنت لحزب الله وللجيش السوري وللمقاومة؟
فيروز وجوليا بطرس أصوات استثنائية، لكن عندنا لا توجد أصوات نسائية قوية، فمثلاً في هذه المرحلة اللجان الثورية سجلت لإحدى الفنانات التي حضرت للتوجيه عملاً ضد العدوان، لكن عندما تسمع هذا العمل تشعر بأنه ركيك جداً.

 عمل تعتز به كثيراً..
(ثراك ثريا) و(يا سبط النور).

 ما الذي يزعجك؟
يزعجني الظلم والفساد في البلاد وفي العالم.

 هل تشارك في الجبهات؟
أشارك بصوتي أو بصوت الفرقة مع إخواني المجاهدين.

 بماذا يحلم المنشد عبدالسلام القحوم؟
أحلم بأن تصل الرسالة المحمدية والثقافة القرآنية إلى جميع الناس، وأن ينطلقوا في ضوئها لكي يحظوا بالنصر الإلهي، وأن يعرفوا قدر المسيرة القرآنية وقدر النعم الإلهية التي إذا عرف بها الناس فإنها تقرب الفرج للأمة.

السيرة الذاتية
- عبدالسلام محمد ناجي القحوم  
- مواليد صنعاء.. أكتوبر 1988م 
- المؤهل الدراسي: جامعي 
- منشد وملحن وموزع ومخرج 
- مسؤول فرقة (أنصار الله) الإنشادية