سيرة غزو ابتلعته رماله المتحركة
الساحل الغربي .. 20 ألف قدم فوق سطح البحر

على ساحل لا يقبل أية لحظة تهاون، يقضي المقاتل اليمني أياماً طويلة، متربصاً يرصد التحركات مع كل موجة أو هبة رياح قد تحمل عدواً إلى شاطئ اليمن في البحر الأحمر، ناذراً روحه لحماية البلاد من هبوب (العاصفة) في معركة سلاحها الأول اليقظة، يواجه فيها تحالف عدوان مزوداً بأحدث سفن الموت، وقد راكم على شواطئ الرمل انتصارات أخذت تتصالب يوماً بعد آخر بفعل حرارة الشمس وملوحة البحر، مما جعلها صعبة الانكسار أمام حملات العدو، وكلما حاول تحالف العدوان أن يخط سطراً على رمل الساحل، محته موجات نيران ثائرة من أبناء اليمن.
قريباً من العمق بعيداً عن الغزاة
يمتد شريط اليمن الساحلي في البحر الأحمر على مساحة تقدر بأكثر من 144 كم، ويكتسب أهمية عسكرية بالغة بالنسبة لليمن، نظراً لقربه من المياه الدولية بمسافة لا تزيد عن 3,2 ميل بحري، أي ما يعادل مسافة 6 كيلومترات، الأمر الذي يتطلب يقظة دائمة لحماية الساحل، حيث يمكن أن يستغل الطامعون أية لحظة غفلة لإجراء تقدم سريع باتجاه الساحل والقيام بعملية إنزال بحري لاحتلاله.
ويهدف تحالف العدوان من خلال محاولاته المتكررة الاستفادة من العامل الجغرافي المتمثل بقرب أرض اليمن من المياه الدولية في البحر الأحمر بين منطقتي باب المندب وميدي، من أجل تحقيق أي انتصار يمكنه القيام بعمليات إنزال بغرض استقطاع الساحل وعزل المرتفعات الشمالية وفرض التجزئة الاستعمارية على اليمن من خلال ما يسمى الأقاليم، والتحكم بحركة الملاحة الدولية بشكل عام في ممر البحر الأحمر وباب المندب الذي يعد أهم طرق تجارة النفط الدولية، إلى جانب أنه ممر لـ25% من إجمالي حركة التجارة عبر العالم.
بحر الدم
لذلك تزج قيادة تحالف العدوان بآلاف المرتزقة لمحرقة معركة سواحل اليمن الغربية على البحر الأحمر، بناءً على أوهام، فبمجرد إعلان اتفاق مسقط في منتصف نوفمبر الماضي، نفذ تحالف العدوان أوسع حملات الزحف في ميدي، معتقداً أن قوة الدفاع اليمنية منهكة وفي انتظار أية لحظة للاسترخاء يمكن استغلالها من أجل السيطرة على مساحة من السواحل اليمنية في البحر الأحمر، لكنها فوجئت بأن أجندة عمل المقاتل اليمني لا تتضمن أية لحظات استرخاء، في هذا المدى المخضب بالدم، حيث يخوض رجال الجيش واللجان أروع الملاحم البطولية في صد أية محاولة تقدم، انطلاقاً من مبدأ أن (من لا بر له لا بحر له).

حرسٌ شديدٌ وشهب
منذ الثلث الأخير لشهر نوفمبر الفائت، عاد تحالف العدوان ليعلن عن إجراء استعدادات كبيرة تهدف للسيطرة على باب المندب مجدداً، إلا أن تلك التحضيرات لم تتجرأ على ترجمة نفسها بشكل عملي على أرض الواقع، حيث شهدت محاولات العدوان المتكررة الكثير من الانتكاسات اختلطت فيها دماء الغزاة مع مياه البحر، وصارت جثامينهم طعاماً للأسماك، وقد عرفت قيادة تحالف العدوان مرارة الهزيمة عندما تم القضاء على ما سموه عملية (الأسياف الذهبية) في ديسمبر العام الماضي، بواسطة (توشكا) باليستي ضرب مركز قيادة أسياف العدوان في باب المندب، الأمر الذي جعل تحالف العدوان متردداً في إجراء أية عملية إنزال على الساحل الغربي لليمن، حيث يبدو أن قيادة تحالف العدوان فضلت العودة بالسلامة بعد أن لامست سواحل اليمن الغربية وقد (ملئت حرساً شديداً وشهباً).
شركات المرتزقة تنسحب
استمرت قوات الجيش واللجان بعد إحباط عملية (الأسياف الذهبية)، بملاحقة فلول جيوش الغزاة والمرتزقة لتطهير مناطق الساحل، الأمر الذي اضطرت معه شركة (بلاك ووتر) الأمريكية للانسحاب من اليمن في فبراير الماضي، بعد أن تكبدت خسائر فادحة خلال معارك تطهير منطقتي ذوباب والعمري من المرتزقة من قبل الجيش واللجان، رغم العقود الضخمة التي أبرمت بين الشركة وكل من السعودية والإمارات، والتي قال عنها مدير بلاك ووتر إنه لم يسبق للشركة أن تقاضت مبالغ ضخمة مثل تلك التي جنتها الشركة مقابل تقديم خدماتها في اليمن.. وبمجرد انسحاب (بلاك ووتر) تم التعاقد مع شركة (داين جروب) الأمريكية بعد 10 أيام من فرار سابقتها، إلا أن شركة المرتزقة (داين جروب) لم تصمد أكثر من شهرين، قبل أن تلحق بنظيرتها، وتعلن الانسحاب من اليمن بعد أن تعرضت لخسائر كبيرة على أيدي مقاتلي الجيش واللجان في باب المندب. 

يكسرون النظريات العسكرية
من وجهة نظر الأكاديميات العسكرية الحديثة، لا يمكن لقوة بسيطة مجهزة بأسلحة فردية وقذائف (آر بي جي) أن تواجه زحوفات تتفوق عليها أضعافاً مضاعفة، معززة بالآليات المدرعة الحديثة على الأرض، ومسنودة جوياً بكل نيران حقد الأباتشي و(إف 16)، بعد أن مشطت طائرات الاستطلاع الأرض محددة معالم كل شبر في ميدان المعركة، في حين تتولى زوارق العدوان الحربية مهمة إحراق الأرض من البحر، إلا أن المرابطين على رمال السواحل لا يندحرون ولا يسمحون للعدو بكل سلاحه البري والبحري والجوي، أن يتقدم شبراً واحداً. 

إدارة المعركة بين الشريان والوريد
منذ اللحظات الأولى لانطلاق العدوان على اليمن في 26 مارس 2015، حاولت دول تحالف العدوان استثمار مسألة سلامة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، مدعية أن الجيش واللجان الشعبية يشكلون خطراً على حركة الملاحة الدولية، وذلك بهدف حشد أكبر دعم دولي ممكن لاحتلال باب المندب والمناطق الساحلية اليمنية في البحر الأحمر، وعمدت إلى فتح جبهة للعدوان على اليمن من السواحل الغربية، بناءً على فرضية أن القوات اليمنية المرابطة على ساحل البحر الأحمر ستفقد السيطرة، وستندفع إلى التورط بضرب سفن مدنية، الأمر الذي يمكن أن تتخذ منه دول تحالف العدوان ذريعة لكسب المزيد من الدعم والتحشيد لتعزيز عدوانها على اليمن.. وفي المقابل أظهرت اليمن حنكة فائقة بإدارة المعركة ومواجهة العدوان على ساحل البحر الأحمر، فقد أحبطت القوة اليمنية توقعات العدوان، واستمرت بدورها الدفاعي بكل كفاءة وانضباط، فخلال قرابة عامين لم تتعرض أية سفينة مدنية لنيران مصدرها السواحل اليمنية، مما جعل ادعاءات تحالف العدوان تظهر واهية، والتي كان آخرها ادعاءات تحالف العدوان السعودي الأمريكي بأن السفينة الحربية الإماراتية (سويفت) التي دمرت قبالة سواحل المخا، في الأول من أكتوبر الماضي، كانت سفينة مدنية، إلا أن الجميع كانوا يدركون أن أكاذيب دول العدوان مجرد دعاوى كيدية لتغطية هزائم بحرية العدوان في الساحل الغربي لليمن، فلم يلحق الإدانة التي حصل عليها تحالف العدوان من باب الرشاوى تشكيل أية لجنة تحقيق للتأكد ما إذا كانت (سويفت) حربية أم مدنية. 
مندب الحظ السيئ
يبدو أن هناك قدراً منحوساً يرافق كل من يعبر باب المندب وهو يحمل نوايا سيئة تجاه الأرض اليمنية، والذي عليه أن يندب حظه من هول ما سيلاقي من ويلات، فالأرض تتحالف مع الإنسان، وتبتلع الغزاة كما حدث مع كتيبة مكونة من 300 مرتزق اختفوا في صحراء ميدي مع مركباتهم خلال معارك زحوفات المرتزقة في نوفمبر الماضي، ولم يعثر لهم على أثر، ويبدو أن مياه البحر ستزداد حمرة من كثرة الاختلاط بدماء الغزاة والمرتزقة.