من اليوم الأول للعدوان السعودي على بلدنا، وعلى مدى 20 شهراً، استخدم المعركة الاقتصادية كإحدى أهم  الجبهات المفتوحة على شعبنا اليمني، وأكثرها بشاعة ربما على مر التاريخ، لأنها تستهدف كل أبناء الشعب دون استثناء، ولست مبالغاً في القول إن أحد أهم الأسباب التي شجعت دول العدوان على التهور بالدخول في المعركة العسكرية المباشرة بعد أن فقدت الأمل في أدواتها المحلية، هي إدراكهم لفوارق الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية بين دولتنا وبين دول العدوان، إذ إنه لو تم في الأيام الأولي للعدوان القيام بإجراء المقارنة من حيث الإمكانيات المادية مع دول العدوان، كانت ستكون نوعاً من الإرجاف والتثبيط، ولكن بعد مرور 20 شهراً فإن المقارنة تعد أمراً منطقياً من أجل معرفة قيمة النصر وعظمة الصمود الأسطوري الخارق للعادة والمخالف لقواعد التوقعات المنطقية.
مقارنة غير واقعية
فعلى صعيد موازين القوى العسكرية بين دولتنا وبين دول العدوان، سنجد أن السعودية قفزت من المرتبة السابعة إلى المرتبة الثالثة في قائمة الدول ذات الإنفاق العسكري الأعلى في العالم خلال العام 2012، بعد أمريكا والصين، بحسب ما نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومعهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم (سيبري)، في أحدث تقاريرهما السنوية، حيث تجاوز الإنفاق العسكري للمملكة خلال الأعوام الـ3 الأخيرة مبلغ 240 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل موازنة الجمهورية اليمنية لمدة 30 عاماً مجتمعة، حيث تبلغ الموازنة العام للدولة اليمنية للعام 2015، بحسب نفس المصدر، مبلغاً لا يتجاوز 10 مليارات دولار، بينما موازنة السعودية السنوية لنفس العام تجاوزت 294 مليار دولار أمريكي، وبالرغم من الفوارق الفلكية في الإمكانيات التي ظهرت، إلا أن هذا المقارنة التي وردت تظل غير واقعية، ومضللة إلى حد كبير جداً، لأنها أغفلت إمكانيات بقية دول تحالف العدوان على اليمن.

خنق الاقتصاد اليمني
ومن الوهلة الأولى، واستناداً إلى تلك الفوارق، بمعزل عن الدعم الكبير من قبل كل قوى الهيمنة والاستكبار، كانت دول تحالف العدوان تعتقد أن مسألة الحسم السريع والخاطف في المعركة لصالحهم أمر حتمي وغير قابل لأي من فرضيات الإخفاق أو الفشل، ومع ذلك فقد عمد العدوان إلى ضرب أي احتمالات قد تؤدي إلى تأخير الحسم من وجهة نظرهم، وهي كثيرة ومتعددة، وما يهمنا هنا هو ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، إذ جاء قرار فرض حصار شامل بري وبحري وجوي، متزامناً مع قرار شن العدوان، ومخالفاً بشكل صريح حتى للقرار الدولي 2216 الذي جاء بعد 20 يوماً من تاريخ شن العدوان.
وبخلاف ما روج له العدوان، فإن الهدف الحقيقي من قرار الحصار الشامل هو شل الاقتصاد اليمني وخنقه وإصابته في مقتل، حيث تكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة جداً جراء ذلك، وبمعزل عما سيرد لاحقاً من خسائر، فإنه بسبب قرار الحصار الشامل فقط تراجعت تجارة اليمن الخارجية بنسبة 56%، و76% خلال عامي 2015، و2016 على التوالي، بحسب بيانات حكومية أولية، والذي تسبب في انخفاض كبير لمصادر النقد الأجنبي لتغذية القطاع المصرفي بالعملة الأجنبية، كما انخفضت الواردات السلعية والخدمية أكثر من 50% خلال العام 2015.

صمود أسطوري
بعد مرور 3 أشهر فقط اصطدم العدوان بصخرة الصمود الأسطوري سواءً في القدرة على امتصاص الضربات العسكرية أو الصمود الاقتصادي بالرغم من الحصار، لذا دشن العدوان وبشكل فاضح الاستهداف المباشر والممنهج للبنية التحتية للاقتصاد الوطني، استكمالاً للحصار الشامل المفروض على بلادنا، فقد تم تدمير ما يقارب 11 مطاراً بالاستهداف المباشر بغارات الطيران، أو من خلال الإيعاز لمرتزقة العدوان القيام بذلك، وتدمير حوالي 11 ميناء بحرياً تم قصفها بشكل مباشر بالطيران، كان أكثرها تضرراً ميناء الحديدة الذي تعرض لسلسلة غارات جوية دمرت 5 من أرصفته الـ8 تماماً، ودمرت رافعات نقل الحاويات، وكذلك ميناء المخا الذي تم تدميره بشكل شبه كامل من خلال الاستهداف المباشر من طائرات وبوارج العدوان التي تسيطر على مداخل السواحل اليمنية بشكل كامل، كما قام العدوان بتدمير منشأة رأس عيسى.
الاستهداف الممنهج للمنشآت الاقتصادية الحيوية الغرض منه إبقاء البلد ضمن دائرة التبعية الاقتصادية لدول العدوان، ومنع العالم من التعامل التجاري مع سلطة القوى المناهضة للعدوان، وفتح البلد كسوق استهلاكي لمنتجات دول تحالف العدوان التي غزت السوق اليمني بشكل حصري أثناء فترة العدوان، بالإضافة إلى تعزيز عمل الموانئ والمرافئ البحرية الخليجية أمام حركة الملاحة الدولية، خصوصاً السعودية والإمارات.

حرب اقتصادية مفتوحة
لم يكتفِ العدوان بذلك، بل وسع في بنك أهداف غاراته الجوية لتشمل كل القطاعات الاقتصادية الحيوية في إطار حرب اقتصادية مفتوحة على اليمن، وقد أورد (الائتلاف المدني اليمني لرصد جرائم العدوان الأَمريكي السعودي الصهيوني)، في تقرير له صدر مطلع العام الجاري، في ما يشبه الإحصائية الأولية، أورد أن العدوان استهدف 191 مصنعاً، أما ما تم استهدافه من البنية التحتية فهو 530 جسراً وطريقاً و163 خزاناً وشبكة مياه و140 محطة كهرباء ومولداً و167 شبكة اتصال و14 مطاراً و10 موانئ، وبالنسبة للقطاعات الإنتاجية (العامة والخاصة)، فقد ذكرت الإحصائية الواردة في التقرير أن ما تم استهدافه من قبل العدوان 1113 منشأة حكومية ومرفقاً عاماً و421 ناقلة مواد غذائية و547 مخزناً للغذاء، إضافة إلى 358 سوقاً تجارياً وشعبياً و271 محطة وقود و176 ناقلة وقود و124 مزرعة دواجن، و59 موقعاً أثرياً و121 منشأة سياحية و41 ملعباً ومنشأة رياضية و8 صوامع غلال، فيما قدر تقرير للاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية، الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي تكبدها القطاع الصناعي اليمني جراء العدوان والحصار، بـ15 مليار دولار، مشيراً إلى توقف 75% من نشاط القطاع الصناعي جراء العدوان والحصار، وفقدان نحو 80% من عمال المصانع أعمالهم، إضافة إلى انخفاض نسبة تغطية الإنتاج الصناعي إلى أقل من 30% مقارنة بما كان عليه خلال السنوات الماضية.
فيما أكدت وزارة الصناعة والتجارة، في تقرير لها، أن العدوان تسبب في توقيف أكثر من 40 ألف منشأة صغيرة ومتوسطة، كما قدر خبراء اقتصاديون أن خسائر القطاع الاقتصادي اليمني المباشرة جراء العدوان تجاوزت الـ500 مليار دولار خلال عام ونصف من العدوان فقط.
كما أكدت وزارة المالية اليمنية، في أحدث تقرير، أن استمرار العدوان الغاشم والحصار الاقتصادي الشامل منذ مارس العام الماضي، أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2015م بنحو 34,8%، وتوقعت استمرار التراجع خلال العام الجاري بما لا يقل عن 6%.
وأوضح التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال عامين من العدوان، انخفض عما كان عليه عام 2014م بما نسبته 42%، إضافة إلى أن معدل التضخم لأسعار المستهلك خلال العام الماضي بلغ نحو 24% وما لا يقل عن 10% عام 2016م، أي بمعدل تضخم للعامين يصل إلى 34%، ما أدى إلى انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي المتاح الحقيقي خلال العامين بنسبة كلية تصل إلى 60%.
وأشار التقرير إلى أن كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع نسبة السكان تحت خط الفقر من نحو 62% عام 2014م إلى ما يقارب 85% عام 2016م، وارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 52% من إجمالي قوة العمل (حيث إن أكثر من 4 ملايين موظف فقدوا أعمالهم)، بسبب تدمير العديد من الوحدات الإنتاجية الأساسية والكبيرة وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية في قطاع البناء والتشييد والمناجم والصناعة والزراعة وغيرها، بالإضافة إلى تخفيض العديد من الوحدات الاقتصادية إنتاجها وخروج جزء كبير من السكان والوحدات الإنتاجية من التكليف الضريبي، ما أدى إلى انخفاض مجمل الوعاء الإيرادي بنسبة لا تقل عن 40% مقارنة بعام 2014م. 
إن ما ارتكبه العدوان من جرائم في حق الشعب اليمني أبشع مما تم استعراضه، إذ إن الحديث عن الحصر الشامل للأضرار غير مجدٍ في ظل استمرار العدوان، غير أن ما يجب القيام به فعلاً خصوصاً بعد تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني من قبل المجلس السياسي الأعلى، هو أن تكون أولويات الحكومة منصبة في مجابهة العدوان ووضع الحلول اللازمة للمشكلة الاقتصادية.

تحويل التحديات إلى فرص
قتامة المشهد الاقتصادي تفرض على الجميع، وفي مقدمتهم الحكومة والمجلس السياسي الأعلى وكافة أبناء الوطن المخلصين، أن يكونوا يداً واحدة من أجل تعزيز الصمود الشعبي، وأن يتم تحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية لبناء اقتصاد وطني قوي من خلال الاستفادة من الكوادر المؤهلة لوضع برامج وخطط تنموية شاملة عاجلة تقوم على أسس علمية، على أن تكون مدركة جداً لخطط وأهداف العدو، إذ إنه وبعد أن عجز العدو عن تحقيق أي نصر أو حسم عسكري أمام ضربات أبطال الجيش واللجان الشعبية على مستوى الجبهات الداخلية، وكذلك الانتصارات التي تحققت في عمق أراضي العدو على الحدود الشمالية، وأيضاً في ظل فشل المفاوضات السياسية، لم يتبقَّ للعدوان وأدواته المحلية سوى الجبهة الاقتصادية، وهي أكثر ما يراهن عليه العدو كآخر ورقة للعدوان، وتم تدشين هذه المرحلة بقرار نقل البنك المركزي اليمني الذي كان يعني للمراقبين إعلان حرب اقتصادية شاملة هدفها تدمير الاقتصاد الوطني برمته، والاتجاه بالبلد نحو الصوملة.

* عضو مجلس إدارة جمعية المحاسبين القانونيين