خالد باراس نائب رئيس لجنة الأقاليم لـ(لا): 
التسوية تعني أن ندفع ثمن الصواريخ التي قُصِفنا بها


أينما أمعنت النظر وجدت مواقف مشرفة لقيادات وطنية جنوبية واشتراكية، تغترف حديثها من مخزونها النضالي وتجربتها الثرية طيلة عقود.. في هذا الحوار الذي أجرته صحيفة (لا) مع الرجل العسكري والسياسي من أبناء محافظة حضرموت خالد باراس عضو مؤتمر الحوار الوطني، سلطنا الضوء على الوضع القائم في جنوب الوطن، وما يحدث فيه من ممارسات واحتراب، وموقع الجنوب من التسوية السياسية التي ستتمخض عن مشاورات الكويت، وإمكانية صمودها ونجاحها.. وعلى اعتبار أنه من القيادات التاريخية في الحركة الوطنية منذ حركة القوميين العرب حتى الحزب الاشتراكي ومروراً بالجبهة القومية، بحثنا معه الموقف الراهن للحزب الاشتراكي والوضع الذي يعيشه، مقدماً صورة حقيقية للصوت الاشتراكي الوطني المغدور داخل الحزب.. إليكم نص الحوار.
 لواء خالد باراس، كيف ترى الوضع القائم في حضرموت والجنوب عموماً؟!
طبعاً، الوضع الحالي في الجنوب عموماً وعدن بالذات، لا يرضي أحداً، من حيث الانفلات الأمني، وعدم وجود سلطة واحدة مسيطرة، والجماعات الإرهابية والعصابات تتزايد كل يوم، وحالة من الاحتراب المخيف والممارسات الإجرامية من اغتيالات وتفجيرات واقتتال... إلخ، وفي ظل تنافس محموم على المواقع والمراكز والمناصب بين كل القوى الموجودة هناك، وبإرادات ومصالح ومشاريع متناقضة. هناك حالة إنسانية مزرية تعانيها، لا كهرباء ولا خدمات، وأزمة مياه وغذاء وأدوية، ولا أي من مقومات الحياة الحقيقية، حالة مزرية من المعاناة.. هذا الاحتلال يعذب الناس بصورة متعمدة. الجنوب عصفت به (عاصفة) الهدم، وأصبح الآن من الصعب أن تجمعه، لا تقبل بين المناطق، ولا الشخصيات الجنوبية القيادية صار منها من يستطيع أن يجمع الجنوب على كلمة واحدة، ومستقبلاً لا بد من مشروع جامع يستطيع تجاوز هذه المعضلات وحلها.
في حضرموت، الأوضاع مختلفة كثيراً عما تعيشه عدن، ففيها انسجام، وتوجد سلطة واحدة قائمة، وهناك اتفاق بين الناس وتقبل وجنوح للاستقرار والأمن...

 لكن؛ لماذا هذا التباين في الأوضاع بين حضرموت وعدن، برغم أن سلطة الاحتلال واحدة والتي تدير جميع الأطراف؟! إضافة لكون الأمريكان والإماراتيين أعلنوا ما سموه تحرير حضرموت من القاعدة، على العكس من باقي المناطق! أليس ذلك مقدمة لسلخ حضرموت عن الجسد الوطني؟!
سلطة الاحتلال تعمل بأدوات محلية، وتجعل نفسها في الظل، في عدن ولحج وغيرها، ذهبوا لتوقيع اتفاقات مع القاعدة وداعش للانسحاب وتسليم المواقع، وهذه إجراءات شكلية، فهذه القوى لها أجنداتها وعقائدها، ولن تسلم بهذه الطريقة، وفي حضرموت هناك وضع خاص وخصوصية في كل الأزمات التي مرت بها اليمن، هناك انسجام وطريقة للتعامل متسامحة وتقبل من سيقدم لها الأفضل في أوضاعها، وبقدوم المحافظ الجديد بن بريق، وهو رجل عسكري وسياسي وعارف بحضرموت، استطاع ترتيب السلطة المحلية بتقبل الناس هناك.
مسألة الاحتلال والوجود الأجنبي، يتحمل مسؤولية التصدي له كافة أبناء البلد، وليس قبيلة بعينها أو منطقة بعينها، هذه أرض يمنية، ونحن وطن يمني واحد، وكامل البلاد تتحمل هذه المسؤولية، كامل الشعب بكل فئاته واتجاهاته. صحيح أن الدولة بهتت وتضاءل وجودها في كثير من المناطق، لكن ستأتي اللحظة التي تفرض فيها الدولة اليمنية سلطتها الكاملة على كل شبر في البلد. وهذا الاحتلال للبلاد لن يطول.

 ما السيناريو المقبل لجنوب الوطن بتوقعك؟!
أتوقع أن ما يجري في الكويت يمكن أن يصل إلى نتائج، تسوية سياسية يشارك فيها الجميع، وتحدد محطات رئيسية لكل خطوة، ومنها خروج القوات الأجنبية من الأراضي اليمنية، هذا شرط من شروط أية تسوية قادمة.

 في ظل الحديث عن تسوية قادمة ستتمخض عن مشاورات الكويت، برأيك، أين سيكون موقع الجنوب منها؟! ألا تعتقد أن الجنوب صار الآن هو الورقة الأضعف؟! وهناك طرح من قبل العدوان أن تؤجل مسألة الجنوب، وتتأخر عملية الخروج العسكري الأجنبي منه، ولا تتدخل فيه القوات اليمنية من جيش ولجان شعبية؟!
التسوية المتمخضة عن مشاورات الكويت، وأية تسوية، ليس من المقبول أن تتناول القضايا بشكل جزئي، ولا التعامل مع المناطق بشكل جزئي.
في حال قبل وفدنا الوطني بهذا الأمر، فعليه طلب اللجوء لدى أمير الكويت، ولا يعود للوطن إذا قبل التنازل، وأن يبقى الاحتلال في الجنوب وفي أية محافظة أخرى، ولو لما بعد فترة محدودة.. لن نقبل بقاء الاحتلال مطلقاً، لن يقبل شعبنا اليمني أن تقول له يبقى الاحتلال.
لكن؛ أنا أتوقع تسوية يتم الخروج فيها بآليات توافقية، وتشكيل حكومة، وتحديد مرحلة لإجراء انتخابات رئاسية ولمجلس النواب وغيرها من السلطات على المستويين المركزي والمحلي.

 في السياسة نعلم جميعاً، أن المفاوض لا بد من امتلاكه أوراق قوة لفرض خياراته.. برأيك، ما الأوراق التي يملكها المفاوض اليمني؟!
العالم بأكمله يعلم ويدرك تماماً، أن لا حل بأيدي العدوان العسكري في اليمن، مضى عام ونصف من الحرب ولم ينتصروا، ولا نتيجة بالقوة، والسعودية والإمارات ستصلان قريباً لهذه القناعة.
القوة التي هزمت العدوان خلال أكثر من عام، قادرة أن تفرض خياراتها الآن، وتجبر الآخر على الاعتراف بك وبقوتك، وبأنه لا يمكن هزيمتك.

 في حال عاد هادي إلى السلطة لفترة محدودة كما يُطرح، ما الذي يترتب على هذه العودة بعد أكثر من عام على الصمود في وجه العدوان؟!
العدوان يريد شكلياً أن يقول إنه أعاد (الشرعية) إلى البلد، وبالتالي حربهم على اليمن كانت بعذر، ويتنصلون من كامل المسؤولية، بل على العكس، علينا أن نتحمل قيمة الصواريخ التي قصفنا بها وقتلنا بها ودمرت بلادنا. علاوة على ما سيصيب الناس من حالة إحباط، الناس واجهت وصمدت ليس ليعود هؤلاء.
لكن,ربما تكون هناك اتفاقات في الكواليس، لتمكين العدوان من ماء الوجه، بأن يبقى هادي ربما في الرياض، ويقوم باتخاذ بعض القرارات ويختفي، وإنهاء مشكلة الشرعية. برأيي هذا مخرج، لكن لا يمكن القبول بعودته إلى السلطة في اليمن، ولو لفترة أشهر قليلة، فقبولنا بذلك يعني التسليم بأن العدوان نجح بإعادة ما يدعونه (الشرعية)، وبالتالي تحمل التبعات التي نجمت عنه.

 تسوية من هذا النوع، إلى متى ستصمد؟!
لن تصمد أية تسوية ولن تنجح، إلا بأن ترفع السعودية وكامل دول العدوان يدها عن اليمن، وإيقاف تدخلاتهم وتمويلاتهم للجماعات الإرهابية وللعصابات وللمرتزقة والعملاء وكلائها في الداخل، وكافة الأطراف الداخلية تحتكم للإطار الوطني والمصلحة الوطنية، ولا تتجاوز ذلك، ولا بد من موقف وطني من كافة القوى بخصوص العصابات والجماعات الإرهابية..  بدون تحقق ذلك، ستكون مجرد استراحة لجولة جديدة من الصراع.

 إذا لم تخرج مشاورات الكويت بنتيجة، ولم تتم أية تسوية، برأيك ما البديل؟ ما المسار التالي العسكري والسياسي؟!
معنى ذلك، أن تستمر الحرب، ويستمر الحصار والتدمير والخراب والتجويع...، وبرأي، أن استمرار ذلك قد يؤدي لحدوث انفجار شعبي، إذ سيصل الشعب لدرجة قناعة بأن المسألة صارت حياة أو موتاً، وهو ما سيدفع بكامل الشعب للمواجهة وفرض الحل بالقوة.
لن يقبل الناس أن يستمروا بحالة العيش في ظل الرعب والخوف من الطائرات والقصف، وانعدام الأمل لديهم بوجود حل، هذه الحياة لن يقبلها الناس، وبالتالي سيندفعون بقوة وإلى خيارات لن تكون مطلقاً بصالح العدوان.
أما عن الخطوات السياسية، فأهم نقطة هي اختيار سلطة، تشكيل حكومة ورئاسة... إلخ، وستجد اعترافاً بها، لأن هذا باطل وظلم، وقد قدمنا التنازلات، وأقمنا الحجة على الجميع، وهذه باتت ضرورة، والعالم لن يكون أمامه إلا الاعتراف بها.

 على الرغم من مسلسل التصفيات المتواصل ضد القيادات في الحراك الجنوبي، يظل الحراك مستمراً بتمترسه مع العدوان.. ما تفسيركم لذلك؟!
ليس كل الحراك، هناك حراك نظيف وشريف موجود في الساحة، لم يذهب للرياض، ولم يقف مع الجماعات الإرهابية، وهم سيعبرون عن أنفسهم بمكون جديد، أعتقد أن ذلك بات قريباً. هناك كثيرون بدأوا الآن بالصحوة وإدراك أنهم خدعوا واستخدموا لا أكثر..
العدوان لا يريد بقاء قيادات وطنية، وشريفة، يريد إفراغ الساحة للقاعدة وداعش ولأتباعهم من أبناء السلاطين وغيرهم من التابعين الضعفاء. وفصائل الحراك وقياداته ستصل لا محالة لهذه القناعة.
كما أن العدوان والاحتلال، يقوم الآن بتصفية الكوادر التي كان لها علاقة بالحزب الاشتراكي وبالدولة ما قبل الوحدة، دولة اليمن الديمقراطية، تصفية كل ما له علاقة بثورة أكتوبر والاستقلال، يريدون تصفية كل من كان لهم دور بالثورة والاستقلال، تصفية كل هذا الرعيل. هم يريدون الآن فقط الجماعات الوهابية وتابعيهم وعملاءهم من أبناء سلاطين ومشائخ وأمراء، أبناء أعداء الثورة والاستقلال، هذا هو المحيط الذي يريد العدوان والاحتلال الآن أن يقيمه في الجنوب، كما أنه لا يريد أحراراً وأقوياء، بل خانعين وضعفاء.

 نشهد اليوم في الجنوب حملة تهجير واسعة لأبناء المحافظات الشمالية.. ما تعليقكم على ذلك؟! ما الدوافع خلف هذه الخطوات؟!
هذا سيئ جداً، وهذه الممارسات لا تشرف أصحابها مطلقاً، وهي مدفوعة من الأجنبي الذي يتحرك على مساحات الحقد والضغائن والثأرات والعصوبيات، ويريد أن يحقق من خلفها إذكاء روح الكراهية والحقد المناطقي بين أبناء الوطن الواحد، بين أبناء الجنوب وأبناء الشمال.
هذا مشروع خطير جداً، ويراد منه عزل أبناء الجنوب من خلفيتهم التاريخية والثقافية والوطنية، عزل بروح الكراهية والحقد، بأعمال القتل والتهجير والتعذيب والإهانة، يريد خلق عزلة اجتماعية عميقة، ويحبذا لو تقابل هذه الممارسات بمثيل لها من قبل الشماليين، هو يريد ذلك بكل تأكيد، هكذا سينجح مشروعه، بعزل أبناء الجنوب عن إخوتهم الشماليين الذين سيحتاجون لهم لا محالة في يوم من الأيام، عندما يصلون لحقيقة العدوان والاحتلال، وتتكشف لهم الحقائق، وحجم الخطأ الذي ارتكبوه، هذا ضد الجنوبيين عملياً، لأنهم يقطعون الطريق على أنفسهم في المستقبل من أن ينجدهم إخوتهم عندما يحتاجون.

 متى سيعود جنوب الوطن للحضن الوطني؟!
حين تنتهي الأزمة التي يعيشها الوطن، وقيام سلطة وطنية، تبلور مشروعاً وطنياً ينتصر للناس وقضاياهم، سيجد الجنوبيون أنفسهم أمام جهة مسؤولة، والتوصل لطريقة في التفاهم على قاعدة حل في الوحدة يرغب الناس فيها، وتحقق لهم مصالحهم وأمنهم. حل يشعرون أنه حقق طموحاتهم وأنهى مظلومياتهم، وهذا الحل ليس للمحافظات الجنوبية وحدها، بل لكل محافظة يمنية، ومعالجة كافة المظلوميات، هذا إن شاء الله حين تقوم الدولة الوطنية العادلة.

 كقيادة تاريخية في حركة القوميين العرب والجبهة القومية وصولاً للحزب الاشتراكي.. كيف تقيِّم موقف الحزب الاشتراكي من العدوان والاحتلال؟!
مثله مثل غيره، فرز وطني حاد وتفجر داخلي، وصل لكل القوى، الاشتراكي والمؤتمر والناصري والبعث والحراك، كل القوى، وتقريباً حركة أنصار الله هي القوة الوحيدة التي لم يحدث معها ذلك.
أعتقد أن موقف القيادة بذهابها مع العدوان ووقوفها معه، جاء نتيجة حسابات خائطة من البداية، وشعروا أيضاً أمام تحالف الدول هذه على البلاد، أنه لا مخرج، وبالتالي أخذت هذا الموقف، من حالة خوف وانهزامية وخضوع. طبعاً، الحزب الاشتراكي في حياته تعرض لعدة هزات، سواء حين كان في السلطة أو ما بعدها، خصوصاً 94م، وهذه كان لها دور كبير بما يعانيه.
أرى هذه المواقف، شيئاً لو قيل لي فقط، سأقول بأنه غير مقبول، أن تذهب للرياض وتقف مع العدوان على شعبك ووطنك! كيف تكون يمنياً وترتكب ذلك! تقبل أن تدمر بلدك وأنت تؤيد، هذا غير مقبول مطلقاً، مهما وضعت له من مبررات وأسباب...، على الأقل إذا لم يكن لك موقف وطني مع شعبك، إذن فلتصمت واجلس في بيتك.
الجميع يعرف أن مسألة التحرر الوطني وتحقيق الاستقلال والسيادة والتخلص من الهيمنة والتبعية وتحقيق الوحدة اليمنية والدفاع عن الثورة، والثورة لم يحددها بأكتوبر فقط، بل بالثورة اليمنية عموماً. هذه شعارات الحزب وقضيته وما يناضل لأجله.
هذا الموقف معيب تماماً بحق الحزب وتاريخه، الحزب الذي نشأ من ثورة شعبية لأجل الاستقلال والتحرر، انتصرت وكونت دولة، وانبثق من هذه الحركة الشعبية الحزب الاشتراكي، ولم يأت بقرار من أية جهة، بل من خضم نضالات وثورة وكفاح.
والآن هناك مفارقة ساخرة، أن الحزب حين كان حاكماً، من أهم منجزاته كانت التعليم، المجاني والإلزامي، واليوم بتنا نسمع عن مسائل الاختلاط ومنع الاختلاط وأسبوع للإناث وآخر للذكور، وإنجازات كثيرة أخرى، واليوم العدوان والاحتلال ينقلب عليها ويدمرها، فكيف تقبل هذه القيادات أن تشترك في مشروع هو يواجهها ويستهدفها بالمقدمة!

 كلمة أخيرة..
سننتصر، لا محالة سينتصر شعبنا على كل مشاريع الغزو والاستعمار والتمزيق.