(صيحة إنذار) تطلقها المفوضية العليا لحقوق الإنسان وست منظمات دولية، هل ستجد آذاناً أُممية صاغية، أم ستحتويها أجواء الصيف الأمريكي اللطيف؟!
توافدت الحشود الشعبية الهائلة القادمة من جميع محافظات الجمهورية اليمنية، لإحياء الذكرى السنوية الأولى لانطلاق العدوان الأمريكي السعودي، وذلك عصر أمس السبت، في حي الروضة بالعاصمة اليمنية صنعاء، وسط حالة من القنوط والامتعاض الشعبي الواسع من مناشدات المجتمع الدولي ومجلس الأمن لوضع حد نهائي لتلك المشكلة المستفحلة التي أرّقت كاهل الأمريكان والسعوديين، كونها أسهمت في تعريتهم وأماطت اللثام عن وجوههم القبيحة، وكشفت سوأة أياديهم الدموية المتوحشة، واستنزفت مقدراتهم وأصولهم، وأضاعت جهودهم وأوقاتهم وشتتتها في مهب العواصف الثورية الشعبية التي سحقت الغُزاة عن بكرة أبيهم، في لحظات تاريخية مهيبة سيدونها التاريخ وتشدو بها الأجيال اللاحقة!
إنّها الحرب الكونية التي أماطت اللثام عن الكثير من أنظمة العالم الانتهازي الجشع، بما فيها مجلس الأمن الدولي نفسه، وكشفت زيف العديد من المنظمات الحقوقية والهيئات والمفوضيات الدولية التي دوّختنا باستمرار بالحديث حول حقوق الإنسان وقيم التعايش والتجانس و.. إلخ، في حين أنها شاركت فعلياً في قتل الإنسان اليمني وحرمته من أبسط حقوقه الآدمية بسكوتها المتعمد وعزوفها عن القيام بواجباتها الإنسانية التي يُفترض أن تكون من أولويات عملها في هذه المرحلة القاتلة من التاريخ الإنساني الأعوج!
التاريخ يسجّل المواقف ويهتم بها ويصونها، خصوصاً في تلك اللحظات الفارقة من التحولات التاريخية التي تعيشها الأمم والشعوب، بينما تبقى تلك المجازر البشعة التي ترتكبها طائرات التحالف الأمريكي السعودي، وصمة عار ستلاحق المجرمين إلى الأبد، وبغض النظر هل تحرّك الموقف الدولي لردع تلك الأيادي الخبيثة في الوقت الحالي؟ أم اكتفى باختزالها وتبرئة المجرم الحقيقي كما هي عادته منذ بداية العدوان؟!
مجزرة سوق الخميس بمديرية مستبأ بمحافظة حجة، ليست الأولى في سلسلة الجرائم الأمريكية السعودية، ولن تكون الأخيرة في هذا المضمار، ما لم يكن هناك تحرك أممي جاد لإيقاف العدوان! لكن ما يميزها هنا هو أنها أتت في ظل الحديث حول هدنة ومفاوضات سياسية لإيقاف العدوان، كما أنها حرّكت المياه الراكدة في وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وأجبرته على مغادرة قلقه، ليصفها (بأكبر الحوادث دموية منذ اندلاع الصراع)، حد وصف البيان الأممي الأخير، لكنها لم ترقَ - كما يبدو - إلى مستوى جرائم الحرب والإبادات الجماعية التي تستوجب تحرّكاً دولياً لإيقاف الطرف المعتدي ومساءلته، لسبب بسيط، هو أن الضحية يمني!
مجازر مروّعة يندى لها جبين الإنسانية ارتكبتها طائرات التحالف منذ اليوم الأول للعدوان، ومواقف جيّدة سجّلتها الأحداث (وإن على استحياء) لمنظمات وهيئات ومفوضيات دولية أدانت تلك الجرائم البشعة، وصنفتها ضمن جرائم الحرب، ودعت في أكثر من بيان مسؤول إلى إيقاف العدوان ومحاسبة المجرمين، لكنها لم تجد أي تجاوب عقلاني مع تقاريرها المنصفة وبياناتها التضامنية العديدة، بسبب الرغبة الأممية في استمرار العدوان، المنسجمة مع تطلعات زُمرة الفيتو ومصالح أنظمة الإقطاع وعصابات المافيا والإرهاب الدولي!
منظمة هيومن رايتس ووتش والمفوضية السامية لحقوق الإنسان وعشرات المنظمات والهيئات الأخرى، عبّرت في وقت سابق عن استيائها من الصمت الدولي تجاه ما يتعرض له اليمنيون من إبادات جماعية وحملات تطهير منظمة، ودعت إلى إيقاف العدوان وفتح الباب لإدخال المساعدات الإغاثية للمتضررين، واتهمت العدو السعودي مباشرة بعرقلة المساعي الإنسانية لجهودها من خلال فرضه حصاراً جائراً شمل جميع الجغرافيا اليمنية (براً وبحراً وجواً).
كما دعا بيان الاتحاد الأوروبي مؤخرا إلى وقف بيع الأسلحة للمملكة السعودية، واتهمها بارتكاب مجازر حرب بحق اليمنيين. وكان مجلس النواب البريطاني استجوب رئيس الوزراء (ديفيد كاميرون) على خلفية مشاركة بلادهم في الحرب على اليمن، واتهموه بالتواطؤ حيال ذلك، وطالبوا بإحالته إلى القضاء. كما خرجت العديد من المظاهرات الدولية المتضامنة مع الشعب اليمني، ووصفته بالمظلوم، وطالبت بإيقاف العدوان فوراً.
 لكن، وبالرغم من كل تلك المواقف الدولية المنددة والمتضامنة مع الشعب اليمني، فإن آلة الحرب الأمريكية السعودية مستمرة في ارتكاب المجازر، وبصورة أكثر وحشية وإجراماً، وهو الأمر الذي جعل ست منظمات دولية غير حكومية تتهم المجتمع الدولي بالتقصير تجاه ما تتعرض له اليمن، وتطالب بموقف واضح.
وكانت وكالة الأنباء الفرنسية نشرت، الخميس قبل الماضي، نداء استغاثة أطلقته ست منظمات غير حكومية في باريس، بعنوان: (صيحة إنذار) إلى المجتمع الدولي، حيث اتهمته بالتقصير إزاء الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد سقوط آلاف القتلى، وتدمير البنى التحتية، وانتشار سوء التغذية والألغام المضادة للأفراد.
وقالت منظمات (أطباء العالم)، و(هانديكاب إنترناشيونال)، و(بروميار أورجانس إنترناسيونال)، و(أكتيد)، و(العمل ضد الجوع)، و(كير)، في بيان مشترك، إن (اليمن يغوص في الفوضى وسط لامبالاة عامة).
وتابعت: (أدت الغارات الجوية والمعارك إلى تفاقم كبير للأزمة الإنسانية لدى سكان هذا البلد، الأكثر فقراً في شبه الجزيرة العربية).
وتحدث مدير قسم الطوارئ في (هانديكاب إنترناشيونال) جان بيار ديلومييه، عن إحصاء حوالي 36 ألف ضحية منذ بدء تحالف تقوده السعودية حملة عسكرية في 26 أذار/مارس 2015م، في اليمن، دعماً لشرعية غير واضحة المعالم والأبعاد، ودعا إلى إعادة النظر في المبررات الواهية التي تستخدمها قوات التحالف في تبرير قتل المدنيين.
وأضاف ديلومييه أن المعارك أسفرت عن (مقتل 6200 شخص، نصفهم مدنيون)، مندداً باستخدام أطراف النزاع (الألغام) و(الأسلحة الانشطارية)، والتي تسببت بإصابة ومعاناة الكثير من سكان المناطق الريفية الذين يتعذر عليهم العودة إلى منازلهم.
كما تحدث مدير العمليات الدولية في (أطباء العالم) جان فرنسوا كورتي، عن 15 مليون شخص لديهم (حاجات إنسانية كبيرة)، من بينهم 2,5 مليون نازح داخل اليمن، و250 ألف لاجئ يمني في جيبوتي والصومال.
وقال كورتي إن (الوضع يتدهور تدريجياً يوماً بعد يوم بالنسبة إلى المدنيين)، فيما دمرت 10 إلى 15% من المنشآت الطبية في الأشهر الأخيرة، وتطرق إلى (انتشار الكثير من الأمراض بسبب انعدام الاستقرار).
وأشار مدير عمليات (بروميار أورجانس إنترناسيونال) حسن السيد، إلى أن اليمن الذي لا يتمتع بـ(أهمية استراتيجية)، يتلقى (تمويلاً متفاوتاً) من المجتمع الدولي.
وأضاف: (ما يجري أقل بكثير من التحرك المطلوب بالنظر إلى حجم الحاجات).
كما دعت المنظمات الست إلى (وقف فوري لإطلاق النار) كفيل (بتسهيل نشر المساعدات)، و(يجيز تلبية الحاجات الإنسانية الهائلة).
وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان، الجمعة الماضية، أن التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، تسبب بمقتل عدد من المدنيين (أكبر بمرتين) مما تسببت به القوات الأخرى المشاركة في النزاع.
وصرح المفوض الأعلى زيد رعد الحسين، في بيان: (يبدو أن التحالف مسؤول عن مقتل عدد من المدنيين أكبر بمرتين مما تسببت به كل القوات الأخرى مجتمعة).
وتابع: (قصفوا أسواقاً ومستشفيات وعيادات ومدارس ومصانع وقاعات استقبال لحفلات الزفاف ومئات المساكن الخاصة في قرى ومدن بما فيها العاصمة صنعاء. ورغم اتخاذ العديد من التدابير الدولية، إلا أن هذه الحوادث الرهيبة تتواصل بوتيرة غير مقبولة).
وندد الحسين بـ(المجزرة) التي تسببت بها الضربات الجوية للتحالف على سوق الخميس في شمال اليمن، الثلاثاء قبل الماضي.
وتابع أن هذه الغارة أدت إلى مقتل 106 مدنيين، من بينهم 24 طفلاً، وقال: إن أفراداً من مكتبه توجهوا إلى مكان الغارة، الأربعاء.
وأشار المتحدث باسم المفوضية روبرت كولفيل، في لقاء مع صحافيين، إلى أن (طاقم فريق حقوق الإنسان لم يعثر على دليل بحصول مواجهات مسلحة أو وجود هدف عسكري مهم في القطاع وقت الهجوم، باستثناء وجود نقطة تفتيش على بعد 250 متراً من السوق).
الجدير بالذكر أن هذه البيانات تضاف إلى سلسلة بيانات سابقة لمنظمات وهيئات ومراكز حقوقية عالمية منذ بداية العدوان، وجميعها حمّلت المملكة العربية السعودية مسؤولية ارتكاب جرائم حرب وإبادات جماعية، لكنها ذهبت جميعها أدراج الرياح، فيما يواصل العدوان السعودي الأمريكي غاراته الجنونية على المنشآت والمرافق والأسواق التجارية اليمنية، ضارباً بجميع تلك المواقف والبيانات عرض الحائط، ومستمراً في ارتكاب جرائمه بكل صلف وبجاحة، وبصورة أكثر دموية من ذي قبل!
على أن ذلك يأتي في الوقت الذي دعا فيه المبعوث الأممي الى وقف إطلاق النار في الـ10 من أبريل القادم، بين جميع الأطراف المتصارعة، حد وصفه، لكنه لم يتطرق لما يقوم به سلاح الجو الأمريكي-السعودي من انتهاكات دائمة ومستمرة لحرمة السيادة اليمنية والدم اليمني، ربما لأن ذلك لا يعنيه كونه يتقاضى عمولاته وأتعابه من الخزانتين الأمريكية والسعودية، وربما لأسباب أُخرى نجهلها نحن، ويحتفظ بها لنفسه كي لا يعكّر أجواء الصيف الأمريكي اللطيف!