إدارة الحرب الوطنية الكبرى
متغيرات الوضع الاستراتيجي السياسي الراهن

 لمقاربة وتقدير الموقف العام الراهن الذي استقرت عليه الأوضاع الأخيرة ومتغيراتها التي أفرزتها أحداث عام من الحرب العدوانية وعام من المقاومة الوطنية، علينا أن نؤكد على مجموعة من الوقائع الكبرى التي تولد وتمسك الكثير من الحقائق الجزئية الأخرى، أبرزها من زاوية وضع العدوان:
الأول، التأكيد على أن ما يحدد خياراته الآن ويتحكم في قراراته ويفرضها ويمليها عليه الآن، هو ضرورة معالجة نتائج وتداعيات انكساراته المتوالية وانهياراته الحربية والسياسية والأخلاقية التي وصلت إلى مستويات خانقة مدمرة لم يعد يمكنه المضي كما السابق، وتجاهل النتائج بعد أن تحولت إلى جراح تنزف وجيوش تسحق وقوات تهلك وآليات تحرق بالآلاف ومدن وأراضٍ تحتل ويسيطر عليها الخصم المقهور، وبعد أن بلغت الخسائر إلى نصف تريليون دولار على الأقل، وبلُغة الأرقام الميدانية (خسارة العدو من الرجال قد بلغت أكثر من 15 ألف قتيل و35 ألف جريح، ومن السعوديين وجندهم بلغوا 5 آلاف قتيل و10 آلاف جريح)، وهي نسبة مهولة بالنسبة للقدرة القتالية الميدانية التي تساوي أكثر مما خسرته دول عربية كبيرة كمصر وسوريا في حربها مع العدو الإسرائيلي.. وبالقياس إلى حجم القدرة القتالية لقواتها التي هي متلاشية وضعيفة من الأساس، تكون تلك نكبة كارثية تتكبدها، إذ تصل نسبة الخسارة القتالية أكثر من 50% (من قواتها القتالية وليس العددية التي تبلغ نسبتها 20% من الحجم العام للقوات)، وهي نسبة لا تستطيع تحملها أية دولة حقيقية، ونحن أمام كيان لا شكل له ولم يعرف جيشه الصوري الحرب من قبل، علاوة على ما خسرته السعودية من عتاد على جميع جبهات الحرب بأكثر من ألف دبابة ومدرعة برادلي عالية التقنية، وأكثر من 20 ألف آلية ومدفع وطقم وعربة ومصفحة قتال، أما مقدار ما دمر في حدودها فقط فإن الأرقام تتعدى الخمسة آلاف معدة، إضافة إلى 10 زوارق حربية و10 بوارج بحرية قيمة كل واحدة مليارا دولار، و25 طيارة حديثة قيمة الواحدة تتعدى مليار دولار.
كما تم استهلاك نصف مليون صاروخ على اليمنيين بمليارات الدولارات.. لذلك فإن العدو بحاجة إلى الهدنة وتوقيف الحرب على حدوده، وتخليص ما ضاع من أراضٍ عليها مقابل التنازلات الضرورية القابلة للمساومات.
الثاني، تجاوزت السعودية الحدود الحرجة التي بعدها لا يمكنها أن تواصل أبداً خطواتها العدوانية دون أن تنهار وتتساقط وتتفكك وتنفجر من داخلها سياسياً واجتماعياً ووطنياً. وفي الربوعة يظهر العجز البين عن قدرة العدو على استعادتها طيلة أشهر، وظلت الزحوفات تتكسر تتالياً دون توقف.
الثالث، الخيارات الصعبة المهلكة للعدو:
إذا استمرت الحرب العدوانية على اليمن، يعني أنها سوف تخسر المزيد من المحافظات الحدودية الجديدة، وتتواصل عمليات تحريرها، وتسقط كافة الاتفاقات العارية التي رسمت الحدود معها ظلماً وعدواناً فلا قيمة لها، والحرب تسقط ما قبلها من تنازلات ومفاوضات، وتسمح بإلغاء أي إلحاقات للأرض جائرة وفقاً للقوانين الدولية القائمة، ومعنى هذا أن على السعودية إنهاء المعادلة التفاوضية القديمة القائمة على موازنة الجنوب بالجنوب، إذ ستسقط وسيتم التقدم عميقاً للأمام دون توقف، وتجاوز الأراضي اليمنية المحتلة، واحتلال أراضٍ جديدة مقابل الأرض المحتلة في الجنوب والشرق، وإذا كانت خطة العدو أن تدفع بالجيش اليمني للاستغراق في مطاردة وملاحقة ظباء الصحراء اليمانية المكشوفة القاحلة بحثاً عن هادي ومحسن والأحمر، وإيقاع الجيش في كمائنهم وحبائلهم، فتلك حيلة قديمة قد تم تجاوزها بمعادلات موضعية جديدة أشد حنكة ودهاء، فسوف يدخل المقاتل اليمني في عمق الأراضي الخصبة والغنية بالنفط، دون أن يستطيع اعتراضه أحد لا الأمريكيون ولا الفرنسيون ولا البريطانيون، والتي تمني السعودية النفس بهم أوهاماً وسراباً يصلح للدعاية لا للعمل الفعلي في الميدان.

 بيئة الصراع - برسم القوى الجديدة الصاعدة الآن - قوى المقاومة والممانعة والتحرر
الرابع، انقلاب الإطار الجيوسياسي الإقليمي للصراع:
 لقد تغيرت المنطقة استراتيجياً خلال عام من الصمود، بعد الصمود السوري الروسي اليمني اللبناني العراقي الإيراني الصيني، وهزائم داعش والقاعدة والمرتزقة من كل طراز أمام النهوض الشعبي الرهيب الذي سبقه صمود عربي مقاوم ومشترك، وتتنامى هناك ثورات في ظل التراجع الإمبريالي الذي كسرت قرونه صلابة الدفاع التحرري والحضور القومي والأممي المعادي للإمبريالية الكونية التي وصلت إلى نهاية زخمها في هذه المعركة ولن تحقق تقدماً بعد الآن، بعد خسارتها هنا في مركز الصراع الكوني المحتدم. وهذه المنطقة قد ظلت مركز الصراع الدولي بين قوى التحرر وقوى الهيمنة لعقود، وقد خسرت الآن، وانكسرت في أعظم حملاتها أمام صمود الأمة المقاومة التي استولدت من معاناتها ومقاومتها قوى جديدة مضاعفة راحت تكتسبها من عدالة قضيتها والتحامها بالأرض وبذاتها وبخبراتها الكفاحية الطويلة.
إنها تحقق الآن أول الانتصارات الكبرى في هذه المواجهة العظمى التي دامت لأكثر من قرن مع الامبريالية وكياناتها الشائخة اليوم مقابل قوى وليدة جددت روح أمتنا، وتتسع وتكبر بالملايين صفوفها مع كل صاروخ يحمل خراباً جديداً ويستولد مقاتلين جدداً لا يقهرون.
لقد هرمت الإمبريالية وتقهقرت وأصبحت عاجزة عن استيلاد قوى جديدة لفرض إرادتها وهيمنتها القديمة التي تتكسر سلاسلها بدءاً بحلقاتها الضعيفة في مركز الامبريالية الإقليمية المتقادمة، لتلحق بشاه إيران الذي كان قطب رحى النظام الامبريالي للمنطقة، وبانهياره انهارت أحلام الإمبريالية في استعادة المبادرة التاريخية وتغيير عجلة التاريخ وحرفها في العام 79م.
الخامس، محطات حاسمة لا مهرب منها إجبارية:
 إذن، بعد كل ما عاناه السعودي، لم يعد أمامه سوى الإذعان للسلم والمسؤولية عن العدوان والتدخل حين كان يتخيل أنه أقدر على إخضاعنا، وأن مخازن اليمنيين قريباً تجف ويستسلمون حسب تنظير الأمريكيين المتنكرين لها الآن، بعد أن تجرعوا فضيحة المعلومات الزائفة لـ20 عامًا من جواسيس يستلمون ويكتبون التقارير من البيوت لم يروا شيئاً ولم يعرفوا شيئاً عن التقنية اليمنية في مصارعة الأفيال والديناصورات.

 الاستراتيجيات الجديدة للعدوان في ضوء التهدئة والتفاوضات المباشرة 
تكتيكات العدوان الجديدة والأهداف المباشرة للعدو:
1-الهدف المباشر للعدو حالياً هو إيقاف تقدم الجيش في المناطق الداخلية للسعودية، وإجباره على التراجع عن المناطق التي يسيطر عليها من أشهر، والتي عجزت عن استردادها بالحرب والقوة، وهي الآن مستعدة أن تدفع الثمن السياسي لهذا التراجع، والتخلي عنها في ملفات أخرى حيوية تسيطر عليها لا شك أنها مطلوبة وملحة لليمنيين الآن في مجالات عديدة، منها وقف الحرب ووقف العدوان ورفع الحصار والانسحاب من الجنوب، والخروج من الواجهة الحربية المباشرة والاقتناع بدور المقاول من الباطن.
2-هدفها الآخر هو نقل المعارك من الحدود السعودية إلى الجبهة الداخلية بين اليمنيين وتبقى هي توجه وتدعم وتمول من خلف الستار من الباطن، ومواصلة الحرب من الباطن وبالوكالة بعد أن كلفتها الحرب المباشرة الكثير مما لا طاقة لها به.
3-الاتجاه إلى التفرغ لولي ولي الحرب والملك المشرف على الرحيل، والتركيز على الملف الداخلي، حيث الصراع على الخلافة في أشده بين جناحي الحكم السعودي، ولا يمكن الالتفات إلى الشأن السياسي الداخلي والحرب مفتوحة وهو يتكبد المزيد من النكبات العسكرية والسياسية، وتداعيات استمرار الحرب تضعفه من التنافس في المواجهة ويخسرها سلفاً، وهو يحتاج إلى هدنة مؤقتة حتى يجتاز عنق الزجاجة الراهن، كما يدرك العدو أن الجيش يحتاج الهدنة أيضاً ولو مؤقتاً، والقوى الدولية هي أيضاً بحاجة لهدنة مؤقتة تعيد فيها تنظيم الملف التدخلي قبل الانفلات من السيطرة، خاصة والأمريكيين يتجهون إلى فصل الانتخابات الرئاسية التي سيكون ملف الحرب السعودية الأمريكية الفاشلة ورقة رابحة بأيدي المعارضة الجمهورية.

 الآليات التكتيكية العملية
للإفلات من المأزق الذي تواجهه، والذي يتمثل في الخروج الصوري المباشر من الحرب الحدودية، ومواصلة الحرب عبر الوكلاء والمرتزقة المحليين، أي تبريد حدودها وإشعال حدود الجيران، وإعادة تلوين العدوان المباشر بلون الحرب الداخلية الشرعية المعترف بها دولياً، يتوجب تأسيس قواعد داخلية في قلب الجغرافية اليمنية تنطلق منها الحكومة الشرعية نحو العاصمة لمواصلة حرب الاسترداد بدعم من الامبريالية العالمية، ومواصلة شن حروب استنزافية طويلة تتكفل السعودية بتمويلها. 
الانتقال إلى الطور الجديد من إدارة العدوان والتدخل والاحتلال وإعادة تنظيم بنية الاحتلال في الجنوب لخلق أوضاع مستحيلة تكون حاضنة للاحتلال الأجنبي وقابلة لتقسيم الجنوب. وفي هذا السياق هناك العديد من المشروعات التدميرية التي ترعاها الآن، ومنها إغراق الجنوب بالعصابات من كل العالم، واستقدام عناصر القاعدة وداعش، وتفشي الفكر الوهابي الإجرامي، وتفريخ الصراعات البينية والثارات والنزعات الاستئصالية بين اليمنيين..

حوارات الكاتيوشا والمدافع 
 التكتيكات المضادة
إن المعركة حول العاصمة من وجهة نظر الجيش اليمني هي أهم المعارك، وفيها أكبر القوات المدافعة وأعلى المعنويات والإمكانات والقدرات الحربية اليمنية، فليس للعدو أية فرصة لاقتحام العاصمة التي تمتد مساحة مسرح المواجهات أكثر من 3000 كيلومتر مربع، أو 100كيلو طولاً في 30 كيلو عرضاً =3000 كيلومتر مربع على الأقل، تقطعها عشرات الكتل الجبلية التي يسيطر عليها الجيش اليمني، ونشر بها قوات كبيرة لإدراكه خطة العدو، فكم يحتاج العدو لإسقاط موقع واحد أو جبل واحد؟ وكم يحتاج لإسقاط 20 جبلاً وموقعاً مثلاً؟
معارك ميدي تعطي إجابات واضحة عن مدى بأس قواتنا، حين تحكمت بسير المعركة في أصعب جغرافية مكشوفة تحت القصف البحري والجوي والبري، وكبدت العدو آلاف القتلى والجرحى خلال محاولاته المتواصلة طوال الأشهر الماضية. وهذا يسمح بتقدير واقعي لقدرة الجيش اليمني في أصعب الظروف القتالية وأشقها وأكثرها انكشافاً أمام العدو الدولي المشترك، ومدى ما أصاب العدو من ضعف في الميدان وفي الروح.

أهمية معارك ميدي حرض
معركة حرض ميدي- الطويلة الدامية - كان لها آثار كبيرة على العدو وتوازناته، لأنها قد جرت بعد تحضير عدواني طويل، وشاركت فيها السعودية وأسيادها ومرتزقتها من البحر والجو البر، وتقدمت بقوات مدرعة حديثة وقوية وقوات بشرية بالآلاف تحت حماية الطيران والبوارج والأقمار الصناعية، وكان تقدير العديد من المتابعين في حالة أن يواجه الجيش اليمني مصاعب حتمية قد لا يستطيع التغلب عليها، لكن المفاجأة كانت قدراته التي بدد فيها الزحوف والجيوش بدداً، وأثبت هذا مجدداً للعدو بعد محاولات متوالية للتقدم دون جدوى.
إن الجيش اليمني يملك من الرجال المحترفين ما يفوق كل تصور، بل أضعاف ما يحشده العدو بـ10 مرات على الأقل، وهم يغطون أطواق العاصمة، وبان بأسهم في مسيراتهم وتظاهراتهم في الذكرى السنوية للعدوان والصمود، وفي مناسبات لاحقة، ولم يكن ذاك عبثاً.

 عشية الكويت.. الوضع الاستراتيجي الراهن الميداني حول العاصمة وتحدياته
إن الهجوم الكبير الذي يشنه العدوان على أطراف منطقة نهم مستهدفاً الوصول الى أطراف العاصمة قبل الشروع في المفاوضات الفعلية في الكويت، هجوم مستحيل في مضمونه واتجاهاته، لأنه يتم في ظل شروط مختلفة ميدانياً وموضوعياً عما كان عليه الهجوم السابق الذي تمكن العدو من الوصول الى أطراف نهم والفرضة قبل أن يدحر خارج المنطقة على بعد أكثر من 100 كيلو طولاً على الطريق بين مأرب ونهم العاصمة، في بداية فبراير الماضي، ومنذ وصول قائد القوات البرية السعودية الى مأرب بداية مارس الماضي، واجتماعاته المتوالية مع أركان مرتزقته، وتقديم الأموال، والتعزيزات تتوالى على المنطقة، والاستعدادات تجري لإطلاق الهجوم الذي جعلوه متزامناً مع إطلاق جولة المفاوضات في الكويت، لتحقيق أهداف سياسية وحربية معاً، وتحقيق مكاسب ولو دعائية.

المعارك على الأرض 
من التسللات الى المجابهات.. اختلاف الشروط 
 في هجمة نهم السابقة التي دحرت، كان العدو ينطلق من نقاط داخلية خلف خطوطنا سبق أن تسرب إليها تدريجياً على مدى وقت طويل، وتحصن بها لأشهر سابقة، ومنها انقض على مواقع الجيش، بعد أن لعبت الخيانة والمكيدة دوراً حاسماً في تمكينه من المبادرة والخديعة والسيطرة على بعض المواقع الهامة، بما فيها السيطرة على معسكر الفرضة تحت غطاء واسع من الطيران طوال الساعة. 
أما هذا الهجوم فهو يجبر العدو على أن يفتح المواجهة مجابهة لا تسللاً من الخطوط الأمامية لتماس الجبهات على مشارف الجدعان بعيداً على مسافة عشرات الكيلومترات من الفرضة، على سلسلة جبال الشبكة الاستراتيجية التي يسيطر عليها الجيش والأنصار منذ فبراير الماضي، ويتوقعون هذا الهجوم وينتظرونه.
وهذا فارق هام وحاسم يحدد من البداية مصير المعركة والهجمات الجديدة التي تحاول منذ أسابيع تحقيق بعض التقدم قبل المفاوضات، لكنها تصطدم بحقائق القوة الميدانية التي يفرضها الجيش اليمني والأنصار.
 ولكي يصل العدو الى الخطوط التي طرد منها فقط في فبراير الماضي، فإنه يحتاج أن يقاتل على كل شبر في هذه المساحة التي يسيطر عليها الجيش اليمني الذي هو أفضل قوة من قبل، ويحتاج الى آلاف جديدة لكي يخوض التحدي القاتل المميت الذي لا أمل فيه له، إذ تنتظرهم آلاف الرجال المتوثبة بمعنوياتها العالية، وعشرات الكمائن الصاروخية التي تحيل تحركات معداتهم ومدرعاتهم ودباباتهم الى رماد، وقد فقد العدو خلال الأسبوعين الماضيين المئات من القتلى والجرحى، ومعهم قياديون كبار من قادة الزحف المنكسر.
لقد استبق الجيش الهجوم قبل انطلاقه بالسيطرة على جميع النقاط الحاكمة للمعركة في المنطقة المستهدفة، محيلاً هجوم العدو لمحاولات يائسة ليس إلا، وهو حقاً من كتب مصيرها سلفاً.
والعدو الآن استراتيجياً في حالة دفاع وليس هجوم، بعد أن انهارت دفاعاته الاستراتيجية على الحدود، وخسر جميع المعارك السابقة والحالية في تعز والوازعية وميدي وحرض والربوعة وجيزان وعسير ونجران. 
ونحن نعرف الآن أن أهم معادلة في الحروب هي معادلة المعنويات والعديد، والجبال والرجال، والجيش الكبير يهزم دوماً الجيش الصغير، وفقاً لقانون نابوليون بونابرت.