أكثر من 20 دولة، على رأسها كبريات الدول النووية أمريكا وإسرائيل، يرافقها حوالي نصف مليون غارة بين فسفورية وعنقودية، بجانبها عشرات الآلاف من المرتزقة من مختلف جنسيات دول القارات الـ7، مع صمت وتخاذل العالم أجمع، والرقام لا تحصى.. كل هذه الحشود حطمتها بندقية مغاوير الجيش واللجان دفعة واحدة، وداست فوق أشلائها جميعاً خلال أكثر من عامين منذ بداية العدوان السعودي على اليمن.. وأمام هذه الانتصارات العظيمة التي هزت الخليج والمحيط، وأفشلت رهانات الأعداء العسكرية والاقتصادية بتحقيق أي نصر ممكن على الارض، يبدو أن العدو المغسول بالعار والهزيمة يبحث عن أية حيلة لفتح ثغرة في حائط الجيش واللجان الصلب بعد أن عجزت آلة حربه عن تحقيقه.. إن المهاترات الاعلامية المتبادلة بين بعض الشخصيات المحسوبة على المؤتمر وأنصار الله، وبالرغم من أن هذه الاصوات تنتمي للقوى الوطنية المناهضة للعدوان، إلا أن ضجيجها المبالغ فيه يثير الجدل حول ما إذا كانت طابوراً خامساً أم سادساً، خصوصاً وأن العدوان نفسه بدأ يتغنى بها. وبين الجدل والحقائق، تستعرض صحيفة (لا) جملة من الشواهد والتناقضات التي يطرحها إعلاميون وحقوقيون ومتابعون للمشهد القائم، ومن خلالها سيجد القارئ والمتابع اليمني مغزى تلك المهاترات ومن المستفيد منها؟
حملة منظمة تستهدف أنصار الله
علي جاحز، كاتب وصحفي، اعتبر تلك المهاترات القائمة حملة منظمة يراد منها استهداف أنصار الله، قائلاً: في الواقع أعتقد أن ما حصل ليس مجرد مهاترات بين محسوبين على المؤتمر وبين محسوبين على أنصار الله، بل تعدى ذلك إلى كونها حملة منظمة تستهدف أنصار الله من قبل مطابخ تتبع المؤتمر للأسف. وأضاف أن الكتابات التي ينشرها محسوبون على المؤتمر باتت محل اهتمام إعلام العدوان، بخلاف كتابات المحسوبين على أنصار الله، فإنها تظهر كلها كردود فعل تهاجم تلك الكتابات، وتتهم كتابها بأنهم يخدمون العدوان.
جاحز وصف في حديثه لصحيفة (لا) الحملات التي تشنها تلك الاصوات المحسوبة على المؤتمر، بالخطيرة، مشيراً إلى أن تلك الحملة التي يشنها المطبخ المؤتمري كانت قد وصلت إلى الإعلام الرسمي للمؤتمر، وبدأت تستهدف الجبهات والتعبئة العامة بالتشكيك والتشويه لمن يقودها.

استهداف الجبهات القتالية
وإذا ما نظرنا لهذه النقطة بالذات التي أشار إليها علي جاحز، والتي تتوافق مع آراء الكثير، فإننا أمام العديد من الشواهد التي تؤكد ذلك، حيث يشيرون إلى أن الاعلامي المحسوب على المؤتمر نبيل الصوفي، لم يكتفِ بتوجيه تهم باطلة وتلفيق خزعبلات لا أساس لها من الصحة ضد أنصار الله، بل ذهب إلى حد التقليل من شأن اللجان الشعبية ودورها في جبهات الشرف، مستشهدين على ذلك بالاستطلاع الذي نشره الصوفي عن جبهات الساحل الغربي، قبل شهرين، حيث بدا واضحاً من خلال كتاباته تعمده تغييب دور اللجان، وهو ما يرونه محاولة واضحة لزعزعة الجبهة القتالية من خلال تقديم مكون على آخر، وهو ما يخدم بشكل مباشر العدو، لذا يؤكد الكثير من المحللين أن هذه الاصوات لها علاقة مباشرة مع العدو، وتعمل ضمن مخطط لشق الصف الوطني.
 
اختلافات بصيغة فجة
الصحفي أحمد غيلان كان له رأي آخر، حيث اعتبر أنه من الطبيعي أن يكون هناك اختلافات في الرؤى بين القوى السياسية، إلا أنه أشار إلى أن ما ليس طبيعياً ولا مقبولاً هو أن نجد من يتبنى هذه الاختلافات بصيغة فجة، ويعممها على كل شيء، ولا يحصر المشكلة أو النقد في ذات السلوك الخطأ الذي يراه، ويمنح نفسه حق تقييم وتصنيف وشيطنة وتخوين طرف بكل ما فيه، مضيفاً أن أية محاولة لاضعاف أي طرف من طرفي التحالف الوطني، هي استهداف للجبهة الداخلية بشكل عام، وتخدم العدوان.

الهجوم من منابر رسمية
قد يكون منطقياً الرأي الذي يقول بأن الحملات الشرسة المتبادلة بين بعض المحسوبين على الطرفين تعبر عن نفسها فقط عندما تنحصر حملات التشويه في منابر شخصية كمواقع التواصل الاجتماعي، كما هو واضح في منشورات بعض النشطاء، التي تتبادل التهم، مثل حنان حسين وعادل الهرش وكامل الخوداني وأسامة ساري وغيرهم من المحسوبين على الطرفين، إلا أن ما لا يقبله المنطق عندما تشن حملات الهجوم من على منابر إعلامية رسمية، فإن ذلك يثير الجدل بالفعل، فعلى غرار التشويه الذي يشنه نبيل الصوفي عبر قناة (اليمن اليوم) الفضائية، يهاجم عادل الشجاع، القيادي المؤتمري المعروف، والمقيم حالياً في الاردن، وآخرون، أنصار الله، وذلك عبر سلسلة من المقالات نشرتها صحيفة (اليمن اليوم)، والتي يدعو فيها الشجاع حزب المؤتمر للخروج من التحالف الوطني، فإن هذا أيضاً يعد مناقضاً للحقيقة والمنطق، في وقت تقول القيادة المؤتمرية إنها متمسكة بالتحالف الوطني مع أنصار الله، بينما تسمح لانصارها بالتذمر عبر منابرها، وهو ما يضع علامات الاستفهام حيال ذلك.

استنكار
وبالرغم من تأكيدات قيادة المؤتمر وقوفها مع وحدة الصف الوطني، أكثر من مرة، إلا أن صمت القيادة باتخاذ موقف صريح من بعض أصوات النشاز المحسوبة عليها، أثار حفيظة الكثير من المتابعين في المشهد، حيث استنكر الكاتب علي الكبسي الحملات التي يتعرض لها أنصار الله، موجهاً اللوم إلى صمت حزب المؤتمر حيال تلك الحملات التي يشنها محسوبون عليه ضد الحليف الوطني، ويشير على وجه الخصوص إلى أن: تلك الأصوات المحسوبة على المؤتمر، والتي عمدت إلى مهاجمة حملة التعبئة التي ترفد الجبهات بالرجال والعتاد، إنما تهدف بالأساس إضعاف الجبهة الداخلية.
يرى بعض المراقبين أن صمت القيادة المؤتمرية إزاء ما يمارسه بعض المحسوبين على المؤتمر لا يعبر عن رضا قيادة الحزب عما يحدث، بل إن الأبعاد والمؤشرات تشير إلى أن هناك صفاً داخل الحزب نفسه يحاول شق الصف، وهم ممن انضموا للحزب خلال العقدين الأخيرين من مختلف الاحزاب والمكونات الأخرى.

قطع الشك باليقين
بطبيعة الحال، فإن القوى الوطنية تعي جيداً خطورة اللحظة الزمنية وألاعيب العدو الذي يحاول أن يجد أية فرصة لاستثمار تلك المهاترات، فمنعاً لذلك وجه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، قبل أشهر، أنصار الله بإرسال مشرفي اللجان الشعبية في صنعاء إلى مختلف جبهات القتال، وهي خطوة كبيرة كما يصفها الكثير من المراقبين، والتي تدل على حرص القوى الوطنية على وحدة الصف في مواجهة العدو الذي يتهدد الوطن أرضاً وشعباً، وما يقطع الشك باليقين إزاء موقف أنصار الله وحرصهم على وحدة الصف، يؤكد الكثيرون أن موقف قيادة أنصار الله من الحملات التي يتعرضون لها يظل واضحاً في خدمة المصلحة الوطنية، مشيرين إلى أنهم يمتنعون بخلاف البعض عن الرد على تلك المهاترات من على المنابر الاعلامية الرسمية الناطقة باسم أنصار الله، وإن وجدت بعض الردود من المحسوبين عليهم، فإنها فردية وشخصية.

منع المهاترات
إلى ذلك، يرى الكثير من المتابعين أن الاتفاق الأخير الذي عقد الثلاثاء الماضي، في القصر الجمهوري بصنعاء، بين إعلاميي المؤتمر وأنصار الله، بحضور رئيس المجلس السياسي الاعلى صالح الصماد، ورئيس حكومة الانقاذ عبدالعزيز بن حبتور، لمنع المهاترات الاعلامية بين المكونين، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، يؤكد مدى العلاقة المتينة بين القوى الوطنية، ووعيها بخطورة اللحظة الراهنة، في حين لا تبرئ بطريقة أو بأخرى أن معظم تلك الاصوات النشاز تخدم العدو بشكل أو بآخر.

طابور سادس
فبينما تؤكد معظم الآراء التي اعتبرت أن تلك الاصوات تعد طابوراً سادساً يدعم العدوان لشق وحدة الصف، قد لا يكون هذا الوصف فجاً عندما يتبين أن هذه الاصوات هي نفسها التي ترفض إعلان حالة الطوارئ، بدلالة الحملات التحريضية المتبادلة التي تشنها تلك الاصوات دون أي مبررات ودون أية قضايا حقيقية، وتماديها على الجبهات القتالية والتقليل من شأنها، هذا الامر بالذات يعزز من حقيقة أنها طابور سادس تعمل ضمن مخطط يديره مهندسو الحرب العدوانية. وعلاوة على ذلك، يبدو الفشل الذريع للعدو وعجزه عن تحقيق أي نصر يذكر منذ أكثر من عامين، مؤشراً أيضاً يؤكد تلك الاراء التي تجزم بأن الأصوات النشاز التي تنقب في خزعبلات لا أساس لها، تعمل ضمن أجندة العدوان، حيث إن العدو المهزوم يسعى لشق وحدة الصف الوطني كرهان أخير يسعى من خلاله لتحقيق أي نصر ممكن.

شخصيات متذبذبة
ومن واقع ممارسات تلك الأصوات النشاز، وتصعيدها للغة الهجوم بين الحين والآخر، رغم التزام قيادتي الطرفين في التحالف الوطني، ورفضهما لهذه الممارسات، فإن ما تقوم به لا يمكن أن يكون توجهاً فردياً، وإنما هو عمل ممنهج ليس ببعيد عن إيعاز ودعم مباشر من قوى العدوان، يسعى لمحاولة تشتيت الانتباه وعرقلة التوجه الشعبي الثوري ضد العدوان، وهذا ليس ببعيد، فبخلاف ما تمارسه تلك الاصوات لخدمة العدو، فإن معظم الاسماء التي تتصدر الحملات الشعواء عُرفت بالتذبذب في مواقفها الوطنية أو حتى الحزبية، حسب ما يراه البعض.

مصلحة الوطن
وببساطة شديدة، الحقيقة لا تحتاج للكثير من الجهد للتوضيح، فمن يعمل بأية طريقة أو أسلوب عبر مسوغات فارغة أو رمي التهم بطريقة فجة دون أي أدلة بحجة الانتقاد، فإنما هو يخدم العدوان بشكل مباشر، فإذا كان أصحاب تلك المهاترات يبررون بأنهم حريصون على الوطن وأبنائه، فأين تكمن مصلحة الوطن في مسألة التقليل من شأن الجبهات العسكرية وأبطالها الذين يقدمون أرواحهم دفاعاً عن الارض والانسان؟!

فشل الفئران
وإذا ما تأكدت حقيقة ضلوع العدوان بشكل أو بآخر بالوقوف وراء تلك الابواق، فإن محاولات العدو لشق الصف الوطني تبدو فاشلة بحسابات الحقائق والواقع، في حين أن ظهور تلك الابواق بعد مرور أكثر من عامين، حالة صحية تؤكد هزيمة العدو وفشل رهاناته، في حين يبدو من السخافة أن تستطيع الفئران اختراق جدار الجيش واللجان الصلب الذي عجزت عن زعزعته أقوى أسلحة الدمار الشامل، وإن ما تفعله تلك الابواق من محاولات يائسة لانعاش جسد العدو المتهالك، ليس سوى كمن ينفخ الهواء في بالونات مثقوبة.

دفء الأرض
وبين هذا وذاك، فإن الشعب اليمني يدرك جيداً أعداءه، كما أن الدفاع عن الوطن ليس شعارات رنانة، وأولئك الذين يتلصصون من وراء جدر، ويخلقون الخلافات من العدم، فإنما يحاولون حجب الضوء عن واقع يعيشه الجميع، ومن يقدم الغالي والنفيس ويروي الارض بدمائه الزكية، هو من ستمنحه دفئها في المستقبل.
وبالرغم من أن الجدالات العقيمة لا تجدي نفعاً بقدر ما قد يستثمرها العدو المعتطش بالكذب والنفاق، فإنه يجب اتخاذ إجراءات حازمة بحق كل من يحاول أن يشق الصف الوطني كائناً من كان، كي لا نسمح للعدو حتى أن يعيش لحظات الوهم.