تدخل عملة البلد النقدية ضمن رموزه السيادية، مثلها مثل العلم الوطني، ولا شك في أن إهانتها أو الاعتداء عليها بأية طريقة كانت تعد إهانة واعتداء على البلد، والحفاظ عليها حفاظاً عليه ودفاعاً عنه، ويعبر عن مدى حب المواطن لوطنه.
وتعاني عملتنا الوطنية من التلف نتيجة التشويه الذي يعمل على إخفاء جمال أرض السعيدة، والجميع يعرف هذا، فالمواطنون لا يدركون بشاعة ما يلحق بعملتهم المحلية من جراح نتيجة سوء استخدامهم، تشاركهم إثم ذلك جهات الدولة الرسمية التي لا تبدي اهتماماً بحال هذه العملة المسكينة التي تود لو أنها تنطق لتعاتب من يقاومون حرب تحالف العدوان الأمريكي السعودي على وطنهم، وفي الوقت نفسه يعتنون بأوراق عملة المشاركين فيه ويدللونها، بالمقابل يشنون على الرمز النقدي لأرضهم التي يذودون عنها عدواناً همجياً جعل الجراح هي من ترسم صورتها، وصفة الخيانة مستحقة لكل من لا يحافظ عليها. فهو يهتم بالدولار والريال السعودي شريكي الحرب التي تشن على البلد، ولا يهتم لأمر من يقاوم معه تلك الحرب، وهو الريال اليمني.
سلبية انتشار تداول
العملة التالفة
سلبيات ومشاكل كثيرة تسببت بها الأوراق النقدية سواء للمواطن أو للدولة, فهناك مشاكل تحدث بين المواطنين بسبب ذلك، وصلت بعضها إلى القتل. سليم البراشي (سائق باص) يتحدث عن أنه شهد مشاجرات كثيرة حدثت بين سائقي الباصات والركاب بسبب النقود التالفة، آخرها قيام شخص بطعن سائق الباص بعد أن رفض الأخير قبول 100 ريال دفعها له الأول مقابل المشوار, لكنها كانت في حالة رديئة، ما دفعهم للتشاجر ومن ثم الاشتباك بالأيدي وبالجنابي.
 ويتابع البراشي كلامه: نحاول قدر الإمكان قبول النقود من المواطنين كيفما كانت حالتها، لإدراكنا الأزمة الاقتصادية وأزمة السيولة التي تسبب بها حصار العدوان, ودفعت البنك المركزي في الأشهر الأولى من الحرب إلى صرف مرتبات الموظفين من المبالغ التي كانت مخزنة لإتلافها, وهذا حسب ما سمعناه حينها من الشارع اليمني, ولكن الغريب أنه حتى العملات المعدنية لا تسلم من التشويه، فالثقوب والكدمات تملأها.. ولا يظن سليم أن بمقدور الحكومة معالجة ظاهرة تلف العملة إلا بعد سنين طويلة يتم فيها خلق الوعي في عقول الشعب بضرورة الحفاظ على العملة الوطنية.
أما بالنسبة للدولة، فإن حجم التالف يؤثر كثيراً على اقتصاد البلد, فبحسب آخر إحصائية للبنك المركزي اليمني، فإن حجم المبالغ التالفة خلال عام 2013 بلغ 18 ملياراً و17 مليوناً و432 ألف ريال. حينها كانت تتجاوز العملة المتلفة شهرياً 100 مليون ريال، وهذا يكبد الاقتصاد خسائر فادحة يدفعها كتكاليف استبدال وإتلاف تلك العملات الورقية.
إن هذه الآثار السلبية سببها الإهمال الذي يتعامل به أفراد المجتمع مع عملتهم المحلية, وعدم وضع ضوابط ومحددات تقنن تداولها، وكذلك عقوبات رادعة لكل من يخالف تلك القوانين.

الجميع يتحمل المسؤولية
تتحمل الدولة والمواطن مسؤولية تلف العملة المحلية، كون الطرفين لا يهتمان لأمرها, فالمواطنون لا يحرصون على بقاء العملة في حالة نظيفة، كما يفعلون مع بقية العملات الأجنبية, حتى إن 9 من أصل 10 قابلتهم صحيفة (لا) لا يحملون محافظ للنقود, وجميعهم لا يحافظون على عملتهم المحلية مثل غيرها.
فمظاهر إتلاف أبناء الشعب المتعمد لعملتهم كثيرة, منها تمزيق العملة لإخراج خيوط لامعة منها وضعت فيها كأحد الأشياء التي تصعب أمر تزويرها على كل من يحاول ذلك, وكذلك تحويلها إلى أوراق ذكريات يسجل عليها البعض كل ما يطرأ في بالهم الذي لا يذكرهم ببشاعة ما يرتكبونه بحق عملتهم نتيجة الكتابة عليها، والتي وضعت الكثير من الدول عقوبة صارمة لكل من يرتكب مثل هذه الحماقات على العملة الوطنية.

آراء المواطنين
انقسمت آراء المواطنين الذين تحدثوا للصحيفة إلى قسمين؛ الأول يعترف بأن عدم اهتمامه بالعملة خطأ كبير, والآخر يحمل الدولة سبب تلفها، وأن لا علاقة له بهذا الأمر.
علي الكدحة (ثلاثيني العمر) صاحب محل تنجيد سيارات بالعاصمة صنعاء, يرى أن سبب تلف العملة هو سوء استخدام المواطنين لها، وعدم وعيهم بأهمية المحافظة عليها, وتشاركهم الدولة في هذا بعدم اتخاذها إجراءات قانونية تجرِّم تشويه العملة.
ويضيف علي أنه عندما كان مغترباً في السعودية (حليفة أمريكا في العدوان على اليمن) كان يحمل محفظة نقود يضع ماله فيها للحفاظ عليه من التشوه، بينما لا يحملها الآن, فالمحلات وعمليات البيع والشراء هناك لا تقوم إلا بعملة نظيفة, وساعد في إنجاح هذا تعامل الحكومة مع موظفيها عن طريق بطاقات الائتمان، وكذلك إلحاقها عقوبات قاسية بكل من يهين النقود سواء بالكتابة عليها أو بتشويهها بأية طريقة.
ويرى البعض أن المواد التي صنعت منها عملتنا المحلية ليست ذات جودة عالية، ما يسهل عملية تلفها, أحمد راجح (محاسب في شركة النفط اليمنية) يظن أن ذلك سبب في تلف الورق النقدي خاصتنا، بالإضافة إلى عدم اهتمام المواطن بها، واستخدامها بطريقة غريبة لا تنم عن اهتمامه بها. ومما ذكره أيضاً أن تقصير الدولة في هذا الجانب وعدم اتباعها سياسة النقد النظيف، هو سبب رئيس في استمرار صورة العملة التالفة والمشوهة, فلو منعت جهات الدولة المالية التعامل مع النقود البالية, وهذا المنع يتم عن طريق البنك المركزي اليمني، برفضه استلام أي مبالغ من تلك, ما سيلزم من يتعاملون معه من تجار وبنوك أخرى ألا يقبلوا من المواطنين سوى النقود النظيفة، وبالتالي سيدفع بهم إلى إبداء الاهتمام بها واستبدال التالف منها بأخرى نظيفة من المركزي اليمني.
ومن صور إهمال الدولة عدم وجود نص قانوني يعاقب كل من يرسم أو يكتب على العملة, ليس هذا فحسب، بل لا يوجد نص يمنع تداول التالف منها. ويرى الأستاذ علي الكبسي (موظف حكومي) أن ذلك الإهمال اجتمع مع غياب الوازع الوطني عند أغلب المواطنين، وعدم مبالاتهم بالعملة الوطنية، وعدم إدراكهم خطورة العبث بها على اقتصاد بلدهم الذي سينعكس بالتأكيد سلباً على قيمتها في المدى المتوسط أو البعيد.
ويتابع الكبسي حديثه للصحيفة: من بين أسباب تلف عملتنا المحلية هو عدم ملاءمة جودة ورقها للاستخدام والتداول طويل الأمد, وكذلك فارق القيمة الكبير بينها وبين بقية العملات الأجنبية يجعل المواطن يتساهل في تعامله معها في ظل غياب الحماية القانونية لها.
يتضح أيضاً أن الكتابة والرسم ليسا فقط ما يشوه العملة، فهناك ظاهرة أخرى تجعل الجديد منها متوسط النظافة، ومتوسط النظافة تالفاً، وهي عدم استخدام معظم أبناء الشعب لمحفافظ خاصة بالنقود, حيث إن معظم الذكور لا يستخدمونها، بينما نسبة كبيرة من الإناث يضعن نقودهن في محافظ النقود, فـ8 طالبات في جامعة صنعاء من أصل 12 يقمن بوضع ما لديهن من مال في محفظة، ولكن ليس لحماية العملة من التلف، بل لأنهن لا يستطعن وضعها في جيوبهن وإخراجها عند الحاجة إليها أمام الناس، لأن طبيعة المجتمع المحافظة فرضت عليهن ذلك. وهذا يفيد بأن الوعي بمدى أهمية الحفاظ على العملة غائب عند 90% من المواطنين, والمسؤول الأول والأخير هو الدولة التي بدأت تتحرك لمعالجة هذه المشكلة قبل 6 سنوات تقريباً، ولكنها قبل وبعد 2010 كانت غائبة تماماً، وكأن الأمر لا يعنيها.

الدولة تتحمل الجزء
 الأكبر من المسؤولية
إن الدور الذي تلعبه الجهات الحكومية في إدارة شؤون البلد ومواطنيه، يجعلها المتحكم الرئيسي في خلق الإيجابية، وجعلها المسيطرة على شخصية مواطنيها أو العكس تماماً, ففي 2010 بدأت الدولة بفرض سياسة النقد النظيف, حيث يقول محسن شرهان (صاحب محل صرافة)، إن البنك المركزي بدأ يشدد في ذلك العام على بقية البنوك للتعامل بالنقود النظيفة، ولم يكن يقبل البالية أو التالفة أو المكتوب عليها، وإن كانت جديدة, وهو ما دفع تلك البنوك إلى فرض التعامل بالنقد النظيف على كل الجهات الإيرادية، ومنها محلات الصرافة, ما جعلها تتعامل مع المواطنين بنفس تلك الطريقة. مشيراً إلى أن الهدف من ذلك كان سحب كل العملة التي تخالف معايير النقد النظيف من السوق، واستبدالها بأخرى جديدة, فالبنك المركزي كان يأخذ أي مبالغ تالفة من المواطنين، ويدفع لهم جديدة عوضاً عنها، ولكن بسعر أقل من المبلغ المستبدل، كي يشعرهم بضرورة الحفاظ على عملتهم.

تدليل الدولار وإهمال الريال
لم تبادر جهات الدولة المالية بهذه الخطوة قبل ذلك العام، كما لم تبادر من تلتها عقب 2011 وفرت إلى الرياض بهذا أيضاً, كما أن المسؤولين الحاليين لجهات الدولة المالية لا يولون هذه القضية أي اهتمام, فعمال في محلات صرافة مختلفة قالوا إن البنوك التي يتعاملون معها لا تقبل منهم العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار، إلا إذا كانت جديدة تماماً، وخالية من أدنى تشويه، كون المركزي اليمني يتعامل معها بهذه الطريقة, بينما تقبل الريال اليمني بأي شكل كان, وهذا يجعلهم حريصين على عدم قبول أي من تلك العملات من المواطنين إذا لم تكن جديدة، الأمر الذي يلزم المواطنين بالحفاظ على الدولار وتدليله مع غيره من العملات شائعة الاستخدام في البلاد، ويتعاملون بقسوة مع عملتهم.
ومن أبرز مسؤولي الدولة في جهاتها المالية هم أولئك الذين في البنك المركزي اليمني, وقد حاولنا الوصول إليهم للفت أنظارهم إلى ما تعانيه العملة المحلية من إهمال وتشويه، وسماع رأيهم حول سبب اهتمامهم بالدولار وإهمالهم للريال اليمني, إلا أن موظفي الاستقبال في البنك منعونا من دخول البنك ولقاء القائمين عليه, كون نائب محافظ البنك أصدر أوامر بمنع الصحفيين من الدخول إلى بنك الشعب الذي يعدون جزءاً منه، تحت أي ظرف وبأي مبرر كان, حسب حديث أحد موظفي الاستقبال لنا.