يتأبط مذياعه الصغير... يجلس على رصيف الشارع يتأمل المارة بملابسه المهترئة، وشعره الأشعث، وذقنه الكث... يوقف البعض منهم ليستجديه مالاً، فالبعض يرق لحاله فيدس أصابعه في جيبه ويناوله ما جادت به اللحظة... والبعض الآخر يمضي من أمامه لا يعيره اهتماماً أو يأبه له... وعندما يشعر أنه ملّ مذياعه أو مسجلته الصغيرة، يذهب ويلقي بهما في صهريج القرية، ظناً منه أن فعله هذا يرضي (الجني الأزرق)، فيأخذ ما جمع من مالٍ من المارة، ويستبدل ما فقده من بائع الإلكترونيات... وحين يفقد ما يتسلّى به كالمذياع أو المسجل، يتحول ذلك (المجنون) إلى إذاعة متكاملة يجوب شوارع القرية وحاراتها.. أحياناً يهذي بما يشبه كلام (الساسة)، ويتحول إلى محلل للقضايا السياسية، وهو يوجّه هذيانه إلى (ترامب والحكّام العرب)، وأحايين أخرى يدعو الله أن ينزل المطر ليشتري له مذياعاً جديداً، ويرميه بالصهريج ليرضي صديقه (الجني الأزرق)! وقد يستمر صراخه المرتفع حتى الربعة فجراً، فيأتي الصباح وذلك المجنون مفترش الأرض وملتحف السماء... لم يذكره أحد من أهله إلا حين يهذي بأسماء نساء (العائلة) في شدّة حالات اللاوعي التي تنتابه.. وخوفاً من ظهور أسمائهن في شوارع القرية، يأتون إليه ويسحبونه مكبلاً بالأغلال، ويعطونه مهدئات، ويهدأ لأيام، ثم يعود لمأواه اليومي (رصيف) الشارع.