يول غوزانسكي وسغوارد نيبور : فورين افيرز الأمريكية
في أواخر أبريل عين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، أحد أبنائه خالد بن سلمان، سفيراً لدى الولايات المتحدة، ويأتي هذا التعيين كجزء من تغيير وزاري في الحكومة السعودية، ويعد صعود خالد إشارة على قوة أخيه الأكبر ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان.
ويعتقد البعض أن تعيين خالد بن سلمان يعتبر محاولة من الملك سلمان لتقوية العلاقات بين الأسرة السعودية الحاكمة ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الذي عين زوج ابنته جاريد كوشنير أيضاً وفوضه بالعديد من مسؤوليات ومهام السياسة الخارجية. وبعد أعوام من العلاقات المتوترة بين السعوديين والرئيس أوباما، يبدو السعوديون متفائلين حول الرئيس الجديد، لأن ترامب لديه سجل حافل بالعداء نحو عدو المملكة الرئيس: إيران، وبالتحديد في ما يتعلق بالاتفاقية التي أبرمتها إدارة الرئيس أوباما، أو ما يسمى الخطة الشاملة المشتركة، الأمر الذي وافقت عليه السعودية على مضض.
يبدو التفاؤل السعودي واضحاً في تغطية الإعلام الحكومي لمجريات الأحداث، فعلى سبيل المثال أشاد باللقاء الذي جمع بين ترامب ونائب ولي العهد السعودي، ووصفه بأنه نقطة تحول تاريخية بالنسبة للائتلاف والتحالف بين السعودية والولايات المتحدة، وأعلنت وكالة الأخبار السعودية الرسمية بعد أول مكالمة هاتفية بين ترامب والملك سلمان، أن قادة البلدين متفقون كثيراً حول العديد من القضايا. وفي محادثة هاتفية أخرى في شهر أبريل، أشاد الملك سلمان بما وصفه بقرار ترامب الشجاع بشن هجمات صاروخية على نظام الأسد في سوريا.  
من المحتمل أنه تم الدفع مقابل هذا الخطاب والطنطنة الإعلامية التي رافقها تعيين خالد بن سلمان، وكذلك إعلان الرئيس ترامب عن أن زيارته الأولى خارج الولايات المتحدة ستكون إلى السعودية ثم إلى إسرائيل والفاتيكان، الأمر الذي يعد جهداً رمزياً الهدف منه تقوية الروابط بين الأديان السماوية التوحيدية الثلاثة.
وعلى الرغم من التفاؤل السعودي، إلا أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط تظل غير واضحة، وعلى غير هدى، أهداف واشنطن الأساسية في المنطقة غير واضحة، وتظل صياغة نهج خاص بالأمن القومي الأمريكي غير متناسقة. وبالرغم من أن ترامب يريد أن يجعل نفسه مختلفاً عن الرؤساء السابقين، إلا أنه لن يميل بسياسة الولايات المتحدة بحيث تؤيد الرياض سواءً بالدفع نحو تنحي الأسد في سوريا أو مواجهة إيران بأي شيء، فيما عدا التأكيد على التزامها بالاتفاقية النووية. . وهنالك مسائل وقضايا أخرى تزيد الاحتكاك بين واشنطن والرياض، وأهمها الانفراجة بين الولايات المتحدة وروسيا، الأمر الذي وعد ترامب بالعمل عليه وتحقيقه خلال حملته الانتخابية، وهو ما من شأنه تقوية سوريا وإيران بنفس الوقت، وبحث ترامب عن إعادة بدء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيوجب على الرياض إحضار سلطة رام الله إلى طاولة المفاوضات. يمكن القول باختصار إن آمال المملكة بإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وتجبير الكسر، ربما كان أمراً مستعجلاً ومندفعاً.

الوصول إلى نتائج
لقد كان الاتفاق بين طهران وواشنطن مصدر توتر العلاقات بين واشنطن والرياض خلال الأعوام القليلة الماضية، الأمر الذي أدانه ترامب طوال حملته الانتخابية، ووعد بإلغائها حال وصوله البيت الأبيض، ولكن على الأقل واشنطن إلى الآن لا تريد حتى إعادة التفاوض حولها، ناهيك عن إلغائها. ولعل سبب هذا ولو بشكل جزئي أن محاربة داعش تقع على أولويات ترامب في المنطقة، وجهود الولايات المتحدة بهذا تعتمد على المليشيات الشيعية في العراق الذين يرتبط معظمهم بإيران. ولهذا تظل خيارات واشنطن محدودة بما يتعلق بمدى ضغطها على إيران بدون تعريض حملتها ضد تنظيم داعش للخطر.
وبدلاً من التخلي عن الاتفاقية يبدو أن ترامب الآن يبحث عن فرض تطبيقها ومعارضة أنشطة إيران في المنطقة بدلاً من إلغاء الاتفاق، وتعهد مؤخراً بأن يبدي حزماً وصرامة أكثر لتطبيقها. وفي الأثناء ذاتها زادت واشنطن العقوبات على إيران، وكذلك من دعمها اللوجستي والاستخباراتي للسعودية في حربها على اليمن. ولهذا لن تكون إيران نقطة خلاف بين واشنطن والرياض، بالرغم من معارضتهم لها، لكنهم لا يتظاهرون بأن هذا الاتفاق يتماشى مع مصالحهم.
قد تكون الرياض أيضاً مكاناً متميزاً تراه إدارة ترامب بما يتعلق بحقوق الإنسان، على العكس من أوباما الذي انتقد تاريخ المملكة الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، ودعمها للحركات الإسلامية ضد الأنظمة الاستبدادية الموالية لواشنطن خلال ثورات الربيع العربي. قد تكون لدى إدارة ترامب ومستشاريه مجموعة من الأولويات المتمثلة بضم الرياض الى تحالفها لمحاربة تنظيم داعش واحتواء إيران من الهيمنة الإقليمية، ويفضلون كذلك الاستقرار السياسي طويل المدى في المملكة بدلاً من الضغط عليها لإعادة الإصلاح. توجه كهذا سيتم استحسانه وتقبله في الرياض.
الرئيس ترامب ومن قبله أوباما دعا السعودية الى تحمل حصتها العادلة من محاربة الإرهاب، وقال في أبريل: (إن المملكة لا تتعامل معنا كما يجب، لأننا نخسر أموالاً طائلة لحمايتها والدفاع عنها). وبالرغم من إعلان السعوديين دعمهم لمحاربة الإرهاب، لكن هذه الالتزامات فشلت عموماً، ولم تتعدَّ حدود الكلام. على سبيل المثال أعلنت المملكة في 2016 أنها سترسل كتائب إلى سوريا لمحاربة تنظيم داعش، لكنها فشلت في فعل ذلك، ربما لأن ذلك سيؤثر على قدراتها في الحرب والمواجهة في اليمن، والتي تعد الخطر الأعظم بالنسبة للسعوديين.
ومن أجل تخفيف حدة التوتر الناتج عن نداءات ترامب للسعودية لتحمل مسؤوليتها، فهي تفاوض الرياض حالياً على شراء أسلحة بمليارات الدولارات من واشنطن، بما فيها نظام الدفاع الصاروخي عالي المدى (ثاد)، بالإضافة إلى أسلحة متطورة أخرى.  
لكن بالنسبة للرياض، فإن الاختبار الحقيقي لنوايا ترامب سيكون سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن. وبالرغم من دعم واشنطن، بالإضافة إلى الأموال المقدرة بـ200 مليار دولار، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أية نتائج إيجابية، بدلاً من ذلك خلفت الحرب التي تقودها المملكة أزمه إنسانية وسخطاً عالمياً على السعودية، وتعرض أراضي المملكة لصواريخ أرض أرض التي يطلقها الحوثيون.
وإلى الآن لم يعلن ترامب عن أي مؤشرات تشير إلى تغير سياسة واشنطن تجاه اليمن. حيث يستمر البيت الأبيض بدعم محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة، وتستمر بشن غارات بطائرات بدون طيار على الإرهابيين في اليمن، وأعطى وزارة الدفاع مزيداً من الحرية لتنفيذ هجمات ضد تنظيم القاعدة في اليمن، وزاد من حجم المساعدات إلى قوات التحالف الذي تقوده السعودية. الإدارة الأمريكية الحالية تصب اهتمامها على التأكيد على حرية الحركة في مضيق باب المندب من خلال تواجد نظام ملاحي آلي بحري في الخليج العربي وعلى سواحل شرق أفريقيا. الولايات المتحدة كذلك تريد الرياض الى جانبها في محاربتها للقاعدة في اليمن، وتبدي استعدادها لإزالة القيود حول بعض مبيعات الأسلحة للسعودية.
ومع ذلك، فإن إدارة ترامب حرصت على عدم الانجرار والدخول في مواجهات مباشرة مع الحوثيين في اليمن، وتفضل خروج السعودية وإنهاء الصراع من خلال عملية دبلوماسية تحفظ للسعودية ماء الوجه. . وبما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعملية السلام، فقد أكد ترامب نيته استئناف المفاوضات المتوقفة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس محمود عباس، في البيت الأبيض، لكن الضغط على الفلسطينيين بدون مطالبة الإسرائيليين بتقديم تنازلات سيؤثر على علاقة واشنطن بالسعوديين. ولكن ما يجمع السعودية وإسرائيل هو معارضتهم وعداؤهم لإيران بالرغم من اعترافهم بأن ما يجمعهم هو محض مصالح سياسية، وليس قيم مشتركة. أما الآن فإن البلدين يتعاونان بشكل سري في مجال وقضايا الأمن والاستخبارات.

هل ستظل الأمور نفسها؟
إن خطاب الحملة الانتخابية لترامب حول إيران، والعمليات العسكرية التي نفذها في اليمن وسوريا، توحي بتوجه ونهج جديدين للولايات المتحدة نحو السعودية، والتي حسنت بدورها طبيعة العلاقة بين الحليفين، وأكثر ما يشجع السعوديين هو رغبة واشنطن بالموافقة على بيعها الأسلحة التي كانت ممنوعة في عهد الرئيس أوباما.
دفة الميزان ترجح ببطء شديد جداً نحو تحسن العلاقات الأمريكية السعودية، لكن بعض القضايا السابقة التي تم ذكرها آنفاً قد تؤدي إلى خلافات بينهما، الأمر الذي قد ينتج عنه علاقة متوترة مشابهة لتلك التي شهدها البلدان في ظل إدارة أوباما، على غير ما أمل به السعوديون مسبقاً. وأي تغير في الأجواء حتى وإن كان طفيفاً قد تتم ترجمته الى إطار ومنحى استراتيجي واسع النطاق. وفي نهاية المطاف فمن غير الواضح ما إذا كان نهج البيت الأبيض سيتغير بشكل يتوافق كلياً مع أهداف السياسة السعودية والتوقعات في الجانب السعودي حول إمكانات إعادة تموضع وتغيير في سياسة الولايات المتحدة ستتحول إلى ضرب من المبالغة.