خلعت نعليها عند حافةِ البحر، وظلت تمشي حافية القدمين.. أسرع الموج صوبها بجرأة.. بلّل عباءتها القروية السوداء.. اندهشت من جرأة تلك الموجة وهي تعقد معها صداقة حميمة.. أخذتها غيبوبة صمتٍ حزين، داعبت حلماً يراودها بالغوص.. خافت.. ارتعدت.. رفعت كفّيها ضارعة: إلهي، البحر عميق، والقروية لا تُجيد السباحة.. إني أخاف العمق.
عند عمق الموج خلعت عن روحها كل تابوهات الزيف المفتعلة التي تطاردها بها القبيلة صباح مساء.. وهي تضبطها متلبسة بتهمة (البحر)، وتهمة الكتابة المهرّبة إلى حبيبها الافتراضي.. وهي تحمل بين سطورها ألماً ثقيلاً، وأناشيد زرقاء، تعزفها بإيقاع سيمفونية بيتهوفن، وأحياناً بسيمفونية (بحيرة البجع)، وأحايين كثيرة لملك الطرب اليمني أيوب:
هيمان حتى لو سكنتُ السحاب
         لأصبحت قيعان فيها سراب
عند حافة الموج كانت قصائدها تتراقص كغجريةٍ على إيقاع الفلامنكو، تُحمّصُ جسدها للشمس، وتكشف عن ساقي حروفها بحياءٍ شديد، وهي ترفع طرف (عباءتها) القروية السوداء من البلل.. أخذت أنثى الماء غيبوبة صمتٍ أخيرة.. ابتهلت روحها بصلاةٍ خاشعةٍ للرب: (احمِ هذا البحر يا الله.. احمِ بحر الأنثى القروية).