ميشيل سيجال @
تعطي الأزمة المستمرة في اليمن - التي لم تظهر إشارتها في الأفق بعد - لإيران الفرصة لجعل اليمن قاعدة للأسلحة المختلفة التي يجري تطويرها على صعيد الصراع العسكري والبحري؛ يحصل المتمردون الحوثيون الذين يسيطرون على الأجزاء الشمالية لليمن التي منها العاصمة صنعاء، على دعم مستمر بشكل أساسي من خلال مدربي أو مستشاري حزب الله الذين يدربونهم على استخدام الصواريخ والمقذوفات بالتوازي مع مؤن أو معونة الأسلحة الأخرى التي لا تنقطع مثل الطائرات بلا طيار والمواد المتفجرة ومعلومات ساحات القتال.
في نهاية فبراير أعلن المجلس السياسي الأعلى عن عرض يكشف قدرة وزارة الدفاع على صنع طائرات بلا طيار بشكل مستقل؛ يقول التقرير إن هذه الطائرات بإمكانها أن تؤدي مجموعة واسعة من مهام الدفاع والتجسس مجتمعة، وقد حوى العرض عدة نماذج لطائرات بلا طيار:
قاصف (Qasef-1): طائرة بلا طيار مهاجمة، المدى: 150 كم، زمن التحليق: ساعتان، المواصفات: مزودة بجهاز كشف ذكي يضرب الهدف بعدة قذائف متنوعة بحسب نوع الهدف.
هدهد (Hudhud-1): طائرة استطلاع، المدى: 30 كم، زمن التحليق: 90 دقيقة، تتميز بحجم صغير وبرادار مقطعي عرضي من الصعب كشفها أو رصدها أو اعتراضها، وبإشعاعات حرارية ثانوية تقلل احتمال التقاطها من قبل الصواريخ الحرارية.
راصد (Rased): مهمة الاستطلاع والإطلاق، المدى: 35 كم، زمن التحليق: ساعتان.
رقيب (Raqeeb): زمن التحليق: 98 دقيقة، مزودة بنظام ليزر لرصد ومراقبة دقيقين وتقنيات تصوير متعددة، منها تقنية التصوير الحراري.
في 10 فبراير 2017م قال عبدالملك الحوثي، زعيم المتمردين الحوثيين في اليمن، إنهم كانوا بصدد تصنيع الطائرات بلا طيار وأسلحة الجو الأخرى التي منها صواريخ أرض-جو، والتي بإمكانها اعتراض طائرات التحالف بقيادة السعودية، بالإضافة إلى الصواريخ التي تستطيع الوصول إلى السعودية وما بعد السعودية.
منذ بداية العام أطلق الحوثيون صواريخهم، بما فيها سكود، من أرض اليمن إلى عدة أهداف في السعودية، منها المطارات والبنية التحتية المدنية، وصواريخ وصلت إلى مواقع مختلفة لقوات التحالف في اليمن، وحزب الله يسهم في بعض عمليات إطلاق الصواريخ.. منذ بداية العام 2016م كان الحوثيون قد استخدموا طائرات بلا طيار لمهمة التجسس، وأيضاً لضرب قوات التحالف في اليمن بحسب التقارير؛ يقول عبد الملك المخلافي، وزير خارجية الحكومة الشرعية، إنه تم اعتراض طائرة درونز حوثية كان باستطاعتها إطلاق صواريخ من قبل الجيش اليمني؛ وهذه الحقيقة تشير إلى تنامي تورط إيران في الأزمة في اليمن.. بشكل ملحوظ ولافت تشبه كثيراً طائرة قاصف نماذج الطائرات تلك التي تصنعها إيران في أسراب أبابيل، وبقية النماذج أيضاً تمتلك خصائص شبيهة بالدرونز الإيرانية.

السفينة المحملة بالقنابل التي هاجمت بارجة سعودية
بالتزامن مع استخدام الدرونز أو الطائرات بلا طيار في المجال الجوي، ينشط الحوثيون تصاعدياً في منطقة باب المندب على المستوى العسكري البحري، بالإضافة إلى ذلك تزويد إيران لهم بالصواريخ التي يطلقونها نحو السفن المعادية؛ بدأ الحوثيون بالانتشار على ما يبدو بمساعدة ودعم الإيرانيين (تحكم وإدارة عن بعد)، تفيد مصادر في الولايات المتحدة أن البارجة السعودية (المدينة) كانت قد هوجمت بالقرب من ميناء الحديدة، من قبل قارب أوتوماتيكي موجه.
قائد القوات المركزية الأمريكية يقول: (في تقديرنا أن الضربة كان وراءها قارب آلي بخاصية التحكم عن بعد أو من هذا القبيل)، وبحسب تقرير المعهد البحري للولايات المتحدة: البارجة استهدفت من قبل البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
في بادئ الأمر ادعت العربية السعودية أن الضربة وجهت من قبل قوارب تفجير انتحارية، وادعى الحوثيون أنهم أطلقوا صواريخ بحرية (لحظة وقوع الضربة في كواليس الفيديو كانت هناك صرخات: الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام)؛ لكن اتضح في ما بعد أنها ضربة موجهة لبارجة، وكل بارجة تمثل تهديداً للحركة البحرية المدنية، وتفتح صفحة جديدة للتصادمات بين إيران والسعودية في هذه المنطقة الحساسة، وبإمكانها أن تصل إلى المنظمات الإرهابية الأخرى المدعومة من قبل إيران في العالم.
غالباً ما كانت إيران تطور قدراتها في صراعات بحرية مماثلة، والهدف من ذلك هو أن تواكب قدرات أمريكا البحرية الفائقة، بما فيها مهاجمة السفن بقوارب بخارية سريعة مأهولة وغير مأهولة (أوتوماتيكية أو آلية).
الهجوم على بارجة سعودية يقدم نموذجاً جيداً للقدرة الدفاعية البحرية لإيران، وهو يعكس الصراع المذهبي من خلال استخدام وسائل مختلفة ضد الأعداء الذين يملكون تفوقاً تكنولوجياً؛ وبهذه الطريقة يكون الحوثيون قد نجحوا في السيطرة القوية على المنطقة وتطويعها لهم ضد السعودية وقوات التحالف العربي لسنوات عديدة، وقد اتسع الصراع في النطاق البحري مؤخراً.. خلال فترة تولي الرئيس أوباما الحكم، اقتربت بارجة صغيرة في الخليج الفارسي تابعة للحرس الثوري الإيراني، من القوات البحرية للولايات المتحدة، متباهية بقوتها ومهددة إياهم؛ لذا كانت ردود فعل الولايات المتحدة أقل ما يمكن خوفاً من الاصطدام، وقد ترسل إيران طائرات بلا طيار أيضاً نحو السفن الأمريكية وتصور نشاطها. والهدف من كلا الأمرين التهيؤ والاستعداد لمواجهة محتملة مع هذه السفن في المستقبل، ولتعطيل نشاطها القائم في المنطقة، في المناورات البحرية التي تديرها إيران من وقت لآخر: وجهت مؤخراً ضربة (استهداف حاملة طائرات أمريكية من قبل الحرس الثوري في مضيق هرمز، 25 فبراير 2015م)، كشفت عن صواريخ بحرية جديدة باستطاعتها إغراق السفن الأمريكية الضخمة، بما فيها حاملات الطائرات.
الصراع القائم في اليمن والمشتعل في البر والبحر، يقدم لإيران فرصة لتختبر بعض قدراتها وعقيدتها العسكرية في الواقع بشكل عملي، وهو نشاط يضع أو يطرح مخاطرة أمام الحركة العسكرية الواسعة في منطقة باب المندب الذي يصل بين خليج عدن وقناة السويس، ثم إن تطوير قدرة ما مثل بارجة أمر معقد، وهذا يبين أن الحوثيين لم يقوموا بذلك بأنفسهم، ولكن بدعم الإيرانيين، أو أنهم كانوا قد حصلوا على قوارب مهيأة للاستخدام، وهنالك احتمال آخر يقول إن البوارج نشرت من قبل الحرس الثوري الإيراني أو عن طريق مدربي حزب الله الذين هم أيضاً يدعمون وحدة القوة الصاروخية الحوثية.

الصدام مع إسرائيل
تورط إيران الفعال في الصراع في اليمن من خلال تجريب الأسلحة المتنوعة التي تقدمها في الساحة، له ثماره وأثره بالنسبة للمنظمات الفلسطينية الإرهابية، ولجولات الحرب المستقبلية لحزب الله ضد إسرائيل؛ فقد نشرت حماس وحزب الله، في وقت سابق، أسلحة بحرية وجوية صناعة إيرانية أو بمساعدة خبراء إيرانيين في الكفاح ضد إسرائيل، وبوارج بحرية كالتي استخدمها الحوثيون في اليمن قد تطرح تهديداً من نوع آخر للاثنين معاً (البحرية الإسرائيلية ومعدات استخراج الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط)؛ وكلما طال أمد الصراع كسبت إيران وحزب الله الخبرة في استخدام هذه الأسلحة.
كان لدى إيران مسبقاً سجل في اختبار الأسلحة في مناطق مختلفة وتوزيعها في عدة ساحات قتال؛ مثل المواد المتفجرة التي استخدمت ضد الجيش الإسرائيلي في لبنان والولايات المتحدة وقوات الحشد في العراق، والأسلحة التي يستخدمها الحوثيون في اليمن.
@ موقع Jerusalem Center for Public Affaires
2 مارس 2017م