تشارك واشنطن في حرب اليمن وتسلم مرة أخرى أسلحة ثقيلة للبحرين والصين وتبني قواعد عسكرية في جيبوتي وتنقل طائرات قتالية بدون طيار إلى المملكة العربية السعودية.
فلوريان روتسر| مجلة “تيليبوليس” الألمانية:
تريد واشنطن أن تعزز العلاقات مع دول الخليج مرة أخرى. وقد اتضح تصرف حكومة ترامب الحذر في هذا السياق من خلال استثناء المملكة العربية السعودية من مرسوم حظر دخول الدول الإسلامية إلى الولايات المتحدة. وكان ترامب قد سارع بعد توليه الحكم نهاية يناير إلى التواصل هاتفيا مع الملك السعودي سلمان وتأكيده له رسميا أن رأي كلاهما حول العلاقات الإستراتيجية العميقة “متطابق” ويدور الأمر كله حول “استقرار” المنطقة ومحاربة المعارضين الذين يتدخلون في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وفي هذا لم تكن تُقصد المملكة العربية السعودية، التي تشن حربا على اليمن وتدعم الجماعات الإسلامية في سورية، بل إيران هي المقصودة، التي يرى فيها ترامب، الذي يقف وراء سياسة الحكومة الإسرائيلية، العدو الأخطر وقد أعلن في الحملة الانتخابية أنه يريد إنهاء الاتفاقية النووية أو تغييرها.

وكان الملفت للانتباه أن حكومة ترامب تعلن الآن عن تعزيز مشاركتها في التحالف السعودي، الذي يشن حربا دموية منذ عامين على الحوثيين وأجزاء من الجيش اليمني والمسئول عن قتل آلاف المدنيين. (تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تقف بقوة في صف السعوديين في الحرب على اليمن). صحيح أن أوباما نقل الصواريخ الموجهة بدقة، التي تم بها قصف الأهداف المدنية والمستشفيات والمدارس ولكنه بقي على حذر بالرغم من ذلك حتى ولو كانت السفن الحربية الأميركية تشارك في الحصار المفروض على السواحل، الأمر الذي تسبب في تصعيد الأزمة الإنسانية في اليمن. الآن قررت واشنطن دعم الهجمات السعودية لوجيستيا وبقوة وتفكر في المشاركة الفاعلة في العمليات، مثل هجوم الإمارات العربية المتحدة الذي يُخطط له منذ وقت طويل على ميناء مدينة الحديدة.

كما رفع وزير الخارجية تيلرسون الحظر عن البحرين، المملكة ذات الحكم السني، في حين أن جزء كبير من المواطنين شيعة وتم نقل أسلحة ثقيلة إليها. لقد فُرض الحظر على البحرين بعد أن احتج السكان الشيعة في العام 2011 وتم قمعهم بوحشية وأرسلت المملكة العربية السعودية قوات عسكرية لقمع المظاهرات ولم يكن واضحا أن هناك تأثير إيراني على حركة الاحتجاجات.

الآن تم نقل طائرات مقاتلة من طراز F-16 وغيرها من الأسلحة الثقيلة إلى مملكة البحرين، الأمر الذي يعود بالأرباح لصناعة السلاح الأميركي كما أن ذلك يأتي من أجل تحالف عسكري أفضل، فمؤخرا تعتبر البحرين قاعدة للأسطول الخامس. وتخلت وزارة الخارجية من أجل خوض دورة تملق مرة أخرى عن القيم الشهيرة، أي التخلي عن احترام حقوق الإنسان على حساب  المصالح الإستراتيجية والاقتصادية. وفي حد ذاتها، مسألة بيع 19 مقاتلة من مقاتلات F-16 التي من الممكن أن تستخدم الصواريخ الموجهة بدقة ضد اليمن، عادت بأرباح قيمتها 2,8 مليار دولار أميركي. وهذا ما سيجعل أمريكا دولة عظيمة مرة أخرى.

سواء القوة العظمى، أميركا، أو ترامب، كلاهما يحاول الآن على ما يبدو الاحتفال بالنجاحات في الشرق الأوسط من خلال تعزيز التدخل العسكري. فقد ارتفع عدد الطلعات الجوية للطائرات بدون طيار في اليمن منذ تولي ترامب المنصب. وتمت مضاعفة عدد القوات في كل من العراق وسورية ولم يعد هناك التزام بقواعد الهجمات، ما أدى إلى مضاعفة الغارات الجوية وتسببها في حدوث “أضرار جانبية”. والخطير أيضا هو محاولة تنظيم داعش تدمير سد الفرات بالقرب من مدينة الرقة الذي يبلغ ارتفاعه 4 كيلو مترا وعرضة 60 مترا. فالمعارك وعمليات القصف من الممكن أن تلحق الضرر بالسد وسيتسبب ذلك في كارثة فيضان قد تحل على كثير من الناس هناك.

وعلى الرغم من أن دول الخليج تدعم جنبا إلى جنب مع تركيا الجماعات الإسلامية في سورية والتي لا تحارب الأسد فقط بل تقاتل أيضا الأكراد السوريين، تبدو إيران العدو الأكبر في المنطقة بالنسبة للحكومة الأميركية الجديدة. وحتى وإن لم تعد المنطقة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لأن استخراجها للنفط وبناءها لخطوط الأنابيب وإنتاجها للفحم جعلها مستقلة إلى حد بعيد إلا أنها ترغب في الحيلولة دون أن تتوطد العلاقات هناك مع روسيا والصين قبل غيرها من الدول أيضا.

بالإضافة إلى أن إيران تعتبر الصين واحدة من الدول الرئيسية المعارضة لحكومة ترامب. وهنا لا يدور الأمر فقط حول الصراع بشأن بحر الصين الجنوبي وعدم التوازن التجاري، بل أيضا حول الشؤون العسكرية. فالصين بالذات ستبني أول قاعدة عسكرية لها في الخارج، في جيبوتي، على وجه التحديد، على مقربة مباشرة من القاعدة الأميركية الرئيسية في معسكر ليمونير، المكان الذي تنطلق منه المقاتلات بدون طيار الأميركية لشن الغارات على اليمن أو يتم إرسالها إلى الصومال أو تنطلق منها أيضا عمليات القوات الخاصة كما حدث مؤخرا في اليمن، التي لم يقتل فيها جندي أميركي فقط بل العديد من المدنيين.

ويظل معسكر ليمونير حتى الآن هو القاعدة الأميركية الدائمة في أفريقيا.

الصين هي أحد المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة الأميركية في إفريقيا. أضف إلى ذلك أن الصين عقدت اتفاقية بيع أسلحة قبل فترة قصيرة مع المملكة العربية السعودية بمبلغ 65 مليار دولار أميركي. وتضم تلك الصفقة تصنيع الصين للسعودية طائرات قتالية بدون طيار.

في حين لم تتمكن الولايات المتحدة في فترة حكم أوباما من بيع المملكة العربية السعودية مقاتلات أميركية بدون طيار، ومؤخرا رفضت تحقيق هذه الرغبة بسبب حربها في اليمن.


أبدت الصين مرونة هنا وباعت للمملكة العربية السعودية علنا مقاتلات بدون طيار من طراز وينج لونج2 Wing-Loong II في الأشهر الماضية، الأمر الذي نقلته وسائل الإعلام الصينية بصعوبة. فهذه المقاتلات مماثلة للمقاتلات الأميركية بدون طيار من طراز إم كيو-9 ريبر بالإضافة إلى أنها أقل سعرا منها بكثير. فتكلفتها مليون دولار أميركي، في حين أن تكلفة مقاتلات ريبر الأميركية 30 مليون دولار أميركي. كما تم نقل المقاتلات الصينية المسلحة CH-Rainbow إلى السعودية. وكانت انطلاقة تصدير المقاتلات بدون طيار الصينية قد بدأت في العراق على وجه التحديد حيث نقلت إلى هناك في العام 2015 مقاتلات بدون طيار من طراز CH-4B الأمر الذي لم تكن واشنطن على استعداد للقيام به.

وعموما، تبدو الصين على استعداد لأن تنقل مقاتلاتها إلى كل من هو قادر على أن يدفع لها الثمن. يقال بأنها صدرت مقاتلات بدون طيار أيضا إلى نيجيريا وباكستان والإمارات العربية المتحدة ومصر. وكون المملكة العربية السعودية لا تشتري المقاتلات بدون طيار فقط من الصين، بل وتتعاون معها من أجل تصنيع مثل هذه الطائرات، فهذا أمر يعني أن السعودية تنوي، اقتصاديا، التقليل من اعتمادها على النفط.

ترجمة: نشوى الرازحي: المراسل نت