لازالت الصورة تلوح في الأفق على نجوم كانوا أشبه بفرسان محاربين يسددون رماحهم النبيلة ويلوحون بأكفافهم الفتية ويصرخون بصيحة غضب في وجه مغتصب أجنبي لتراب وطنهم المقدس.
نجوم متلألئة خالدة على السماء, مسجلة مشهداً مضيئاً على صفحات التاريخ. أسطر من ذهب تتحدث عن الكفاح في زمن الاستعمار والثورة والحصار والاستقلال.
أزهار متناثرة على أرض الوطن ودماء غالية على ساحة ثورة اليمنية سبتمبر/ أكتوبر/ نوفمبر الخالدة.
من هذه الساحة المشرقة لعبت الحركة الوطنية الشبابية والرياضية دوراً مهماً ورئيسياً في النضال المسلح ضد الاحتلال البريطاني الغاشم “لعدن” الذي امتد طغيانه على “جنوب الوطن” كافة لأكثر من 129 عاماً.
ففي شمال الوطن, كان “الحكم الإمامي”  يتعمد إهمال هذا الجانب الهام من العملية التربوية معتبراً ممارسة “النشاط الرياضي” ضرباً من الكفر والإلحاد.
فيما كان لـ“الاستعمار الغاشم” في الجنوب نظرة أخرى .. من خلال الهامش”الرياضي” بهدف إلهاء الشباب عن التفكير في معركة المصير وتحقيق حلم التحرر.
ومابين استعمار ظالم ـ بدأ في الـ 19 من يناير 1838م .. وخرج بقوة السلاح في الـ 30 من نوفمبر 1967م وبين “رجعية الإمام”, كان للطلائع الوطنية قولٌ آخر فقد تحولت المدارس والأندية الرياضية وتجمعات الشباب إلى ثكنات عسكرية ثورية وكان أعضاؤها وقادتها العنوان الأبرز لتحرير الأرض اليمنية!!
الطلقة الأولى في ملعب الثكنات
العام 1900كانت البداية الأولى للعبة كرة القدم في عدن، حيث شكل الجنود البريطانيون فريق كرة من أبناء الصومال العاملين في مطابخ وصالات الطعام للقوات البريطانية وكانوا يصنفون باللغة الإنجليزية بـ(البارك بوي) أي (فتيان الثكنات) والذي أصبح فريقاً رسمياً فيما بعد تحت نفس الاسم. بعدها شاهد أبناء عدن هذه اللعبة وأعجبتهم حتى أتقنوها ولعبوها على أعلى المستويات. كان اللاعبون في عدن يركضون خلف الكرة حفاة الأقدام حتى نهاية الخمسينيات.. 
مع بداية العشرينات ارتفع عدد الممارسين للعبة كرة القدم بحكم الزيادة السكانية من جهة, وانتشار اللعبة بصورة أوسع من جهة أخرى, مما جعل المناطق الأخرى في عدن كالتواهي والشيخ عثمان تشهد حركة كروية نشطة, فامتلأت الأماكن الخالية والسواحل بالشباب الذين عشقوا اللعبة وأقبلوا على ممارستها, ومن هُنا بدأت تبرز الفكرة في تأسيس أندية جديدة, وخصوصاً وأن (الاتحاد المحمدي) من أوائل الأندية الرياضية العدنية التي تأسست في عدن, في العام 1905م, وكان النادي الوحيد الذي ظل ينازل العديد من الفرق الأجنبية التابعة للجيش البريطاني وفرق الأساطيل الأجنبية المارة بميناء عدن, ليكسب الاتحاد المحمدي شهرة واسعة بحكم الانتصارات التي حققها على تلك الفرق. 
ومن هُنا ارتأت الشخصيات المشجعة لكرة القدم ضرورة الارتفاع بمنافسات الشباب من مستوى فرق الأحياء إلى مستوى الأندية, وكان ذلك سبباً في تأسيس (نادي الحسيني الرياضي) في العام 1924م, الذي استطاع أن ينافس الاتحاد المحمدي في تنظيم المباريات ضد الفرق الأجنبية. وفي الفترة نفسها ظهر نادٍ آخر في منطقة التواهي تحت اسم (نادي الاتحاد الصومالي) والذي عرف أيضاً بـ (البامبوت), وفي فترة الثلاثينات ظهر عدد آخر من الأندية, فمثلاً في التواهي ظهر (نادي الاتحاد الإسلامي) والذي عرف شعبياً بـ (الموالدة) وفي العام 1947م بات يُعرف (بنادي شباب التواهي). وفي كريتر ظهرت العديد من الأندية أمثال: (نجوم الليل) والذي تأسس في العام 1935م. وفي الشيخ عثمان كانت هناك العديد من فرق الحارات التي اختفت وحل محلها (نادي الشيخ عثمان الرياضي). 
على إثر انتشار الأندية والفرق الكروية وولادة العديد من النجوم العمالقة على المساحة الخضراء اليمنية, قام الإنجليزعام 1945م, بتأسيس (الجمعية الرياضية العدنية) برئاسة (توم هيكن) والذي كان حاكماً لعدن في تلك الفترة. وتم ضم عدد من أبناء عدن كقياديين في الجمعية وهم: (إبراهيم روبله رئيساً, عبده علي أحمد سكرتيراً عاماً, عبد القادر جرجره أميناً مالياً, وخمسة أعضاء منتخبين يمثلون الأندية المحلية), وكان أبرز مهام هذه الجمعية المرتبطة مباشرةً بسلطات الاستعمار البريطاني, تنظيم مسابقات اللعبة وتشكيل فرق للقيام بالتفتيش على حسابات الأندية والأنظمة الإدارية ومراقبة أنشطتها بشكل دوري. 
كانت فترة الثلاثينات من أفضل الفترات متعة وإثارة في عمر الرياضة العدنية. وفي بداية الأربعينات وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, عاد النشاط الكروي يأخذ موقعه من جديد بعد توقفه لعدة أشهر نتيجة للحرب, ولم يبقَ من الأندية التي تأسست في الثلاثينات سوى الاتحاد المحمدي, الاتحاد الإسلامي, نادي الحسيني, العيدروسي، ونادي الشيخ عثمان. وفي نفس الفترة أيضاً, تأسست مجموعة من الأندية الرياضية المشهورة آنذاك, حيث تأسس في الشيخ عثمان (نادي الشبيبة المتحدة) وفي 22 فبراير 1946م, وفي كريتر ظهر كل من (نادي الأهلي) و (نادي القطيعي) و(نادي شباب المحميات). كما عمل الإنجليز على تأسيس عدة نوادٍ أجنبية منها: نادي طارشان ونادي الصومال ونادي النجم الأزرق.

ملحمة درع الاستقلال
خلد الرياضيون دورهم الناصع منذ معارك بداية الستينات وحتى يوم الاستقلال, فخلال عامي 64م و65م وهما العامان اللذان تصاعدت فيهما الثورة المسلحة لإذابة جليد الاستعمار البريطاني, اندفع الشباب والرياضيون بحماس كبير، إلى أرض المعركة المسلحة، بغية اختصار الطريق إلى تحرير البلاد، حتى يحقق أهدافه الوطنية وطموحاته الرياضية, فكان الشباب في هذه الفترة قد استحثتهم روح “الشهيد الحبيشي” وفدائية وتضحيات “الشهيد حامد عبدالله الشيخ” بأن يضاعفوا من كفاحهم ليأخذ بالثأر لكرامتهم الوطنية .. التي أهدرت، ولحقوقهم الرياضية التي سُلبت.
فجاءت الصورة النضالية - التي ظهر بها الرياضيون وكل الشباب من خلال معارك التحرير الفاصلة في الفترة 66م ـ 67م - تجسيداً عملياً لمساندة الحركة الرياضية والشبابية للثورة المسلحة.
كان الإنجليز يتوجسون خيفة من أمر مشاركة الأندية الرياضية في الكفاح المسلح, وركزوا في هذه الفترة على أندية : الهلال/ الشبيبة المتحدة “الواي”/ الشباب الرياضي/ الشباب المحمدي/ الأحرار/ الفيحاء/ الشعب/ العيدروسي/ الانتصار/ الجزيرة/ شباب التواهي/الشعب/ شباب البريقة، إلخ .. التي كانت تقوم بنشاط متعدد شمل كل الجوانب التي تخدم الثورة المسلحة .. فمن مساندتها في إنجاح الإضرابات إلى طباعة وتوزيع المنشورات إلى تقديم معونات مادية لصالح أسر المعتقلين والشهداء, جسدت هذه الأندية الروح النضالية التي كان يحملها شبابها الذي وجد في قياداتها عناصر وطنية أسهمت في دفعهم إلى ميدان الكفاح المسلح ..لقد كانت هذه الأندية الرياضية تمثل طليعة النضال المسلح نظراً لثقلها الرياضي الوطني!!
جن جنون المستعمر فبعث بجواسيسه إليها, وكان استشهاد الحبيشي وحامد الشيخ بمثابة الخيط الذي دل الإنجليز إلى وجود عناصر رياضية داخل صفوف الحركة المسلحة وكان “نادي الأحرار الرياضي” بكريتر “عدن” أول نادٍ يتعرض لمثل هذه الإجراءات البوليسية الإرهابية وذلك بحكم انتماء “الشهيد الحبيشي” إلى هذا النادي.
لتأتي بعدها أحداث فبراير 67م, ويسجل فيها الرياضيون وأنديتهم أروع المواقف الوطنية بعد أن شهدت البلاد إضرابات ومسيرات شعبية ومعارك دموية، وذلك بمناسبة ذكرى تأسيس اتحاد الجنوب العربي الاستعماري، تلك الأحداث التي سقط خلالها عدد كبير من الشهداء.
قامت السلطات الاستعمارية عقب تلك الأحداث بحملة اعتقالات واسعة شملت عدداً من الرياضيين، فقوبلت هذه الحملة باستياء من قبل الأندية الرياضية مما حدا بقيادة نادي “الشباب المحمدي الرياضي” إلى إصدار بيان حولها، وقرر هذا النادي ابتداءً من 15 فبراير67, التوقف عن ممارسة نشاطه الرياضي لمدة شهر احتجاجاً على اعتقال السلطات البريطانية لعدد من الرياضيين وحداداً على أرواح الشهداء الذين سقطوا في أيام 10/11/ 12/ 13 من شهر فبراير 67م.
 هذا النداء أوقف كل أندية عدن تضامناً مع نداء نادي الشباب المحمدي ليجسد عملياً وحدة الرياضيين تجاه قضاياهم الوطنية والمصيرية التي هي أهم بكثير من القضايا الرياضية البحتة.. ليأتي دور نار البندقية بديلاً عن هدير الجماهير بالملعب.
لقد كانت صورة المعارك المسلحة الأخيرة تنذر بحقيقة نهاية الوجود الاستعماري.. وكان الرياضيون في إطار هذه الصورة التي كانوا يرون من خلالها صورة أحلامهم وأمانيهم الرياضية.
وجاءت أحداث 20 يونيو 1967م التي أنهت الوجود البريطاني وركائزه.
 في هذا التاريخ شهد الرياضيون مع جماهير الشعب المناضلة وقوف الجيش والشرطة.. إلى جانب الثوار الذين سيطروا على “مدينة كريتر” لمدة 14 يوماً فكانت أحداث هذا التاريخ نصراً سياسياً وعسكريــــــاً “14 أكتوبر 1963م” بعد أن حطموا ماكان يسمى “اتحاد الجنوب العربي” وتهاوت أصنامه من السلاطين والأمراء والمستوزرين تحت أقدام الشعب.
لقد كانت معارك الأشهر التي تلت أحداث 20 يونيو 67م, الركلة الفاصلة للفريق الرياضي اليمني ضمن مباريات الكفاح المسلح ضد الإنجليز لنيل “درع الاستقلال”.
ومنذ 19 يناير 1839م وحتى 30 نوفمبر 1967م-تاريخ المباراة النهائية- التي خرج الإنجليز منها “مهزومين” بعدد كبير من الأهداف القاتلة التي اشترك الشعب مع الثوار والرياضيين في تسجيلها في مرمى المحتل الأجنبي.
وبهذا النصر التاريخي العظيم تسلم الشعب درع الاستقلال الذي جاء تتويجاً لصموده وتضحياته منذ عشرات السنين, وشعر الرياضيون والشباب بمختلف فئاتهم في ذلك اليوم بأن كرامتهم قد استردت، وأن قيودهم قد تحطمت ليصنعوا حياة جديدة تشع بنور العلم والمعرفة وتبدد سحب الظلام والتخلف عبر الاستقلال الوطني الذي زرع بذور الأمل والتفاؤل المشرق في نفوسهم بعد تحقيقهم لأهدافهم الوطنية لليوم الذي سيعيشون فيه تحت راية العزة والكرامة، وعدم الخضوع لمحتل خارجي أو الاستعانة بأعداء اليمن واستجلابهم إلى أرض الوطن, والدفاع عن الوحدة اليمنية «الحلم الأكبر» الخالد في قلوب كل الفرسان اليمنيين الأحرار.