حين يتعلق الأمر بكرة القدم في عدن فذلك يعني ملعب «الشهيد الحبيشي»، لما لهذا الصرح الشامخ من علاقة حميمة بالساحرة المستديرة .
«الحبيشي» يعد من أقدم الملاعب الرياضية على مستوى الجزيرة العربية، إذ تم تأسيسه من قبل السلطات البريطانية الحاكمة لعدن عام1905م وكان الملعب يتمتع بمواصفات الملاعب الإنجليزية من حيث مساحة المستطيل الأخضر كملعب ستامفورد بريدج التابع لنادي تشيلسي الإنجليزي في لندن.
كان ملعب البلدية أو (ملعب الشهيد الحبيشي) كما يطلق عليه الآن, عبارة عن ساحة مفتوحة يحيط بها سور محدود الارتفاع من الحجارة, وكان حكراً على فرق الجيش الإنجليزي فقط, والنادي الوحيد الذي لعب على هذا الملعب في تلك الفترة ضد الإنجليز هو نادي الاتحاد المحمدي, والذي كان يعتبر من أقدم الأندية الرياضية العربية التي مارست كرة القدم. وبعدها أنشأت القوات البريطانية ملاعب رياضية في معسكراتها في «خور مكسر والتواهي» وانتقلوا للعب عليها, وخُصص الملعب للفرق المحلية.
وسمي الملعب بـ»الحبيشي» في يناير1968 تخليداً للشهيد محمد علي الحبيشي مهاجم نادي الأحرار, والذي استشهد عام1964م إبان مشاركته في الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني لجنوب الوطن.
مرَّ «الحبيشي» الملعب, بعدة مراحل, ففي عام 1975 تم إضافة مدرجات إسمنتية وبعض الملحقات الأخرى وصار يتسع لعشرة آلاف متفرج وتم افتتاحه رسمياً حينها بمباراة جمعت بين منتخبي اليمن الجنوبي (سابقاً) والمنتخب العراقي وفاز فيها الأول بهدفين لهدف. وفي عام 1988م تم تعشيبه بخبرات محلية، وفي العام الذي يليه تم افتتاح إنارة الملعب لأول مرة في تاريخ عدن.
كان ملعب الحبيشي»شاهداً» على زيارات تاريخية, حيث وطئت أرضيته إليزابيث ملكة بريطانيا في خمسينيات القرن الماضي, وزاره رئيس الأولمبية الآسيوية فهد الأحمد الصباح برفقة رئيس الفيفا السابق جو هافيلانج ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية سامارانش كضيوف شرف لنهائي كأس الجمهورية الذي جمع بين قطبي الكرة العدنية التلال والوحدة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
لقد شهد هذا الملعب مآثر مهمة حيث احتضنت أرضيته العديد من المنتخبات والأندية، أمثال نادي الموردة السوداني والإسماعيلي المصري، والرفاع البحريني، والاستقلال الإيراني، وقدموا على أرضيته أروع الفنون، كما شهد الملعب تألق نجوم الجنوب أمام الفرق الزائرة من الاتحاد السوفيتي السابق، ومن بلدان إفريقية وآسيوية كثيرة.
كما لا تغيب عن الذاكرة العدنية, احتضانه لمهرجانات الأعياد الوطنية, وإقامة الفنان فريد الأطرش والعديد من المطربين لحفلاتهم الغنائية على أرضيته.
تعاقبت السنون على «الحبيشي» وظل الملعب وجهاً مشرقاً لكرة القدم في عدن وفي اليمن، حيث تم زراعته بالعشب الطبيعي بعد أن أزيلت تربته الحمراء ، لكن اخضرار الملعب لم يدم طويلاَ ليلقى الملعب العتيق إهمالاً واضحاً انتهى إلى تردي أحواله ومن ثم ( خرابه ) تدريجياً.
لم يحالف الملعبَ الحظُّ رغم أهميته وشهرته وموقعه في قلب عدن ليتواصل حرمان الأندية الرياضية واللاعبين من أهم ملعب يمني على الإطلاق.
 إن (الحبيشي) ليس مجرد ملعب لكرة القدم، إنه جزء مهم من تاريخ الرياضة اليمنية العريقة.
فهل من المنطق أن يمحى كل ذلك بـ (ممحاة) الموت لقلعة رياضية تاريخية حفرت في ذاكرة جدرانها لوحة من ذهب تسلط الضوء على حكاية أقدام لاعبين كبار وصل مجدهم إلى القمة.. وصارت اليوم هذه القلعة مساحة حمراء أسفل الأرض للاعبي نادي الإرهاب العالمي الباسط على مدينة عدن وسط إصرار فاضح على امتداد الصراع بين أجيال وهويات متغايرة على بساط هذا الملعب التاريخي.