بعد اندلاع المواجهات في محافظة إب بين الجيش واللجان الشعبية من جهة ومليشيات الإصلاح كانت التوقعات أن تعز ستسقط  كتحصيل حاصل وحينها استخدم حمود سعيد المخلافي من شخصية سلطان السامعي تأشيرة مرور للخروج من مدينة اعتقد أن نفوذه فيها قد انحسر كلياً بناءً على نتائج المواجهات في إب.
كان تجمع الإصلاح قد أرفد المواجهات في إب بمجهود حربي بشري استباقاً لنتائجه عليه في تعز، ولعل الانتصارات المتلاحقة  للجيش واللجان في مقابل تباطؤ الوعد الخليجي بالنصرة قد جعل الإصلاح فريسة لليأس من تفجير مواجهات في جبهة تعز.
غادر حمود سعيد حينها برفقة سلطان المخلافي إلى مصر وحين عاد لاحقاً أبدى استعداده للتعاون مع اللجان الشعبية التي لم يكن لها في الأصل أي تواجد في تعز، والأرجح أن المخلافي كان يراوغ ويقضي فترة بيات بانتظار إنجاز التحالف وعده المعقود في الكواليس، بالتزامن مع انعقاد جلسة لبعض دول مجلس التعاون وهرب هادي إلى عدن.
شهدت الجبهة الغربية المتاخمة لسواحل المخا امتداداً إلى العدين شرقاً أحداثاً مرتبطة بسياق تأجيج، عدة أحداث أبرزها مجزرة جبل راس التي ارتكبها تنظيم القاعدة وراح ضحيتها 18 جندي من جنود الانتشار الأمني المرابطين هناك، ذبحوا أثناء نومهم، وسيطرة التنظيم على مركز العدين. وواكب ذلك شحن إعلامي من قبل قنوات العدوان (الجزيرة والعربية) يلح على أن تعز مدينة محاصرة، لا سيما عقب استعادة الجيش واللجان لمعسكر جبل راس ومديرية العدين.
وجد حمود المخلافي -كعنوان اجتماعي معد سلفاً- الظروف تنضج شيئاً فشيئاً باتجاه إمكانية تفجير مواجهات، وتمثلت الفرصة مواتية له ولتجمع الإصلاح في هروب هادي إلى عدن، وما أشيع عن استخدام الحوثيين لتعز كطريق مرور إلى الهارب، عندها قام الإصلاح بعدة خطوات: تطويق معسكر قوات الأمن الخاصة في تعز بمجاميع من المدنيين استدراجاً لمجزرة يرتكبتها قيادات الأمن بحق المتظاهرين، ولاحقاً انتشر اللواء 35 على طول المسافة بين المطار القديم والحصب والمرور مطوقاً البنك المركزي  إثر تعيين هادي للعميد عدنان الحمادي قائداً له، كما أقدم عناصر الإصلاح بمديرية التربة على قتل اثنين من كوادر أنصار الله خلال اقتحام مقرهم في مركز المديرية.
وتتويجاً لهذا التأجيج، أعلن شوقي أحمد هائل محافظ المحافظة أنه لا سلطة له كرئيس للجنة الأمنية على قوات الأمن الخاصة، مانحاً الضوء الأخضر الذي كان ينتظره الإصلاح لتفجير الوضع في المدينة.
التحقيقان في الملف يرصدان مجريات تحول تعز من حالمة إلى مدينة للأشباح.
العاصمة المقدسة لإله الحب والخصب "تاعوز"، وعاصمة أعظم دولة حكمت اليمن هي الدولة الرسولية تهوي في جحيم صراع موحش وعلى غير صباحاتها المعطرة برائحة الشقر الصبري تصبح تعز اليوم على رائحة الدم والبارود متردية من معابر الحلم إلى معابر الرصاص.
منذ أكثر من ثمانية أشهر ومدينة تعز تعيش في ظل الخراب والموت، المنازل أصبحت خاوية، والشوارع مقفرة إلاَّ من الكلاب المدمنة للحوم الإنسان وشعارات الطائفية والمذهبية التي تناقض، فكيف استحال واقع المدينة إلى خراب ومن أوقد عود الثقاب الأول في الحرب؟
يقول الجيش واللجان الشعبية إن جماعة الإخوان المسلمين بدعم من تحالف العدوان الصهيوني الأمريكي وأدواته الخليجية من أشعلوا فتيل الحرب، وتقول جماعة الإخوان إن الحرب اشعلت بسبب تعزيزات الجيش واللجان الشعبية التي نزلت إلى تعز في مارس الماضي بعد فرار الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي إلى عدن، ومن ثم مهاجمة مليشياته المشتركة من الانفصاليين والإرهابيين لمعسكر الأمن المركزي وذبح عدد من أفراده بعد اقتحام مقره واستبدال علم الوحدة بأعلام التشطير، أما الوقائع المؤرخة في السياق الزمني للثلاث السنوات الأخيرة، فتشير إلى حقيقة أن تحوّل تعز إلى ساحة تتمترس فيها قوى العمالة بمساندة العدو لم يكن وليد اللحظة الراهنة، فقد دأبت هذه الجماعات منذ أحداث ما سُمّي بــ"الربيع العربي" إلى اعتبار المدينة إقطاعاً خاصاً بها، محاولة سلخها عن هويتها اليمنية إلى هوية طائفية مصطنعة بدأ الترويج لها عن طريق قياداتهم الدينية وكوادر حزبهم، ففي أواخر 2014م دعا عضو مجلس النواب الشيخ "محمد الحزمي" إلى تشكيل جيش الفتح لمحاربة من سماهم "الرافضة"، وفي ذات الدعوة التي وجهها في مقال نشرته صحيفة (أخبار اليوم) اعتبر "الحزمي" تعز عاصمة سنية.
من هنا تتكشف حقيقة المؤامرة على تعز وأبعاد اختيار جماعة "الحجوري" المتشددة لها دون غيرها من المدن للخروج إليها من دماج، كذلك اختيارها ملاذا آمناً من قبل جماعة "قاسم الريمي" الإرهابية إبان اشتداد هجمات الجيش عليها في محافظة البيضاء مطلع العام الماضي.
ولكي تخلو المدينة لهذه الجماعات التكفيرية عملت جماعة الإخوان المسلمين على إصدار قوائم تبيح فيها دماء ناشطي تعز ومثقفيها بتهمة الكفر والمجوسية، ولم يقتصر الأمر على هذه القوائم التي تضمنت أسماء "كفار تعز"، بل تعدِّى الأمر إلى تصريح الشيخ الإخواني "عبدالله صعتر" بتكفير هؤلاء الناشطين في حفل خصص لهذا الغرض.
لنفس الغرض أيضاً، بدأت جماجم الناشطين تتساقط يوماً بعد آخر في جرائم اغتيال سُجلت ضد مجهول.. وعلى سبيل المثال لا الحصر اغتيل في تعز على خلفية مواقفهم السياسية  ونشاطهم الثوري الذي لم يرق لمطبخ المؤامرة وبينهم 
وليد شوقي السامعي   ((14 عام ))
بسام الجنيد 
عباس عامر 
 عامر العامري
 عبدالكريم غانم
 فكري البروي
 توفيق النجار
 عرفات الزغير
  جميل الوليدي
 عبدالله الغرباني
وليس آخرهم القيادي الإصلاحي صادق منصور الحيدري الذي اغتيل بعبوة لاصقة وضعت على سيارته بعدما كان عضواً ناشطاً في لجنة الوساطة لمنع حدوث أي مشاكل طائفية كالتي تروج لها جماعته.
إضافة إلى هذا قادت جماعة الإخوان المسلمين حملة تحريضية طويلة في محافظة تعز، ليست بداية بملصقات على الجُدران التي تحذر من الأكل والشرب مع الحوثيين "لأنهم يستخدمون السِحر"، ولا عبارات "جئناكم بالذبح" و"الموت للروافض"، و"تعز سُنية"، فمنذ فترة طويلة وهذه الجماعة تتخذ خطاباً تحريضاً طائفياً تصاعد حتى وصل إلى المدارس والجامعات، يقول دكتور جامعي لطلابه بحسب أحد الطلاب: "تأنقوا في ملابسكم ولا تكونوا مثل الحوثيين". وأشاعت أساتذة الابتدائية المنتمية إلى جماعة الإخوان  بأن "الحوثيين قادمون ليغيروا الكُتب المدرسية، والعقيدة الإسلامية"، كل هَذهِ التحريضات كان القصد منها تهيئة وعي الشارع في تعز لتقبل فكرة قتل الآخر المُختلف والرقص على أشلائه إن لم يكن وسلخه وذبحه.
في إطار هذا المشروع التدميري، كانت جماعة الإخوان المسلمين تتحرش  بجماهير الثورة وجماهير أنصار الله ويُنكرون انتماءاتها إلى تعز، زاعمين في كل مرة أن أفرادها من خارج تعز أو أنهم تحوثوا ودُفع لهم ليحضروا، بينما كانت هذه الجماعات تحشد مظاهراتها لإسقاط ما تطلق عليه الانقلاب وتطالب هادي بالعدول عن استقالته واجتثاث مكون "أنصار الله" ومعه حزب  "المؤتمر الشعبي العام" من المشهد السياسي والإجتماعي .

مابعد طوفان داعش
على مرأى ومسمع من أهالي تعز يتجول (ع-ف)، (ن-ك)، (و-ح) بالطرقات لحصد رؤوس أكثر!. في ذلك القسم من باب موسى يذبح ويسحل ويحرق أيضاً كل من أرادوا له ذلك، متقربين بدمه إلى الله رافعين أصواتهم بالتكبير.
تدفن الحكايات مع أصحابها أمام جامع المظفر.. ولا يجرؤ أحدٌ على  السؤال لماذا؟ فــ"الرافضية" تهمة أُعدِّت سلفاً لمن لم يوافق على أعمالهم.
هذه حالة واحدة في تلك المدينة التي كانت ذات يوم حالمة تنعم بالسلام والتعايش.
الجماعات الإرهابية والتكفيرية تعشعش في كل أزقتها وعلى جدران شوارعها تتعمد أحكام الطائفية والمناطقية في مشهد تراجيدي يصيب أفق المدينة بسواد الفكر التكفيري ولتصبح وجوه من تبقى من أبناء المدينة ممن لم  يجدوا عاصماً من أمر البقاء فيها شاحبة وأقدامهم متلعثمة في محيط لا يحتوي غير الخراب وأدوات أربابه.
أكثر من مائتين وعشرين يوماً والمدينة هكذا, تحولت مدارسها من منابر تفتتح صباحاتها بأناشيد الحرية والوطن، إلى ثكنات عسكرية وسجون يُقاد إليها من تَشُك جماعات الإرهاب بولائه لدينها.
مكتب الصحة ومن أمامه مستشفى الثورة تحولا أيضاً من مرافق خدمية إلى حاميات عسكرية ينتصب مدفع الهاون في محيطها وتنقل سيارات الإسعاف التابعة لها مليشيات الموت من مكان إلى آخر.
في ذات المشهد يدفن علم الجمهورية في حي الجمهوري لترتفع بدلاً عنه صورة أبو بكر البغدادي، وينزع من سارية مؤسسة السعيد الثقافية ليرفرف علم (داعش) بدلاً عنه. المبنى الذي احتضن مختلف الكُتَّاب والمثقفين والمعارض والفعاليات، والمخطوطات إضافةً لآلاف الكتب المتنوعة...، وتزينت صالاته وباحته بمختلف الوجوه والألوان؛ تحول إلى (دارٍ للحسبة)، وصار الأسود سيداً للمكان، واللحى مشهده الأوحد.
سيارة وجرافة النظافة أيضاً صودرتا من قبل الجماعة في الحي القديم من المدينة.
(حماة العقيدة, كتائب الموت, أحفاد يزيد، كتائب أبو العباس, مليشيات حمود المخلافي, مليشيات صادق سرحان) أسماء الجماعات الإرهابية في تعز والتي تتوزع ثكناتها بين حي الإخوة والشعب وبين وادي القاضي ومابين المدينة القديمة وحي الروضة..
مشرعة وحدنان، والمدينة القديم، وحي الإخوة والشعب، والضبوعة العليا والسفلى، وحارة الكوثر والمسبح والروضة وسوق الصميل والجمهوري.
كلها تعاقر المدينة، وأحالت الفجر و(القلص الحليب)، والمشاقر، و(العربي) إلى حضرة الأمير ومجامع النخاسة.
المدينةُ، أشبه بظلالٍ حاقن، يحملق كالبرق بين أزقتها وطوابير الجدران المتداخلة الأحشاء، وبين الأنفاس المتهافتة على ثقبٍ ينفذُ منه الضوء.
يرأس هذه الجماعات تكفيريون تخرج معظمهم من معسكرات الإرهاب الأفغانية والشيشانية برعاية تنظيم الإخوان المسلمين.
أما أتباع هذه الجماعات فبالإضافة إلى المدانين بقضايا جنائية ومن أطلقتهم جماعة الإرهابي يوسف السراجي أواخر رمضان الماضي من السجن المركزي شباب مغرر بهم لعبت هذه الجماعات ومن يقف ورائها على إشباع احتياجاتهم النفسية والعاطفية، مستغلين حاجته.
 تعلن هذه الجماعات القتل حكماً لمن يخالفها الرأي والسجن مثاباً لمن لم يظهر لها صدق الولاء ولارحمة عندها لطفل أو شيخ، فهذا يحيى الشاوش شيخ في الثامنة والثمانين من عمره يسقط شهيداً برصاص بنادقهم المسعورة، لا لشيء سواءً أنه ترحم على ما قبل فوضى الربيع العبري، وهمس باستيائه عن ما صارت إليه حالة المدينة دون أن يشير إليهم حتى بأصابع الإتهام.
وكما لم تحترم هذه الجماعات شيبة يحيى الشاوش، لم تحترم ولاء أنور الوزير ولا طول تغنيه بها فقتلته أمام بيته دونما سبب يذكر.
وكما تمارس جماعات الإرهاب هذه الجرائم تمارس جرائم أكثر بشاعة ليس أكبرها الذبح والسحل والسلخ، فمنذ بدأت هذه الجماعات سيناريوهات جرائمها، تتخذ من الأحياء السكنية متارساً تستهدف من ورائها سكانها باستهداف معسكرات الجيش واللجان الشعبية متاجرةً بدماء الضحايا وأنين الثكالى, وحين لاتجد هذه الجماعات من تسفح دموع إخوة يوسف عليه، تلجأ إلى فبركات الفوتوشوب وتنقل صوراً لضحايا قتلتهم شقيقات هذه الجماعة في أفغانستان وسورية والعراق، وليست صورة الطفل الأفغاني الذي قتلته طالبان في ولاية"قندوز" وعرضته هذه الجماعة كضحية لما أسمته مجازر الحوثي في "تعز" إلاَّ نموذجاً على حجم الزيف الذي تعتمد عليه هذه الجماعة لشيطنة الجيش واللجان الشعبية أمام المجتمع الدولي والمحلي، ليتم بعدها تبرير جرائم العدوان السعودي وحصد طائراته لآلاف الأرواح.
المناطقية والطائفية هي العنوان الأبرز لتوصيف المدينة منذ أن حل فيها هؤلاء والمجهول هو المستقبل الذي يجثم بأشباحه على صدرها الذي كان رحباً.

لماذا الحالمة ؟
النظر في الطبيعة الجيوسياسية والاجتماعية لتعز يبين أن مجتمع تعز ذا بنية انتقالية، لا هو بالذي وصل إلى طور المدنية فيحتكم على مدنيته، ولا هو بالمنتمي إلى القبيلة فتحكمه الأعراف والتقاليد ومجتمع مثل هذا يصعب السيطرة على أفراده في ظل غياب الدولة ويسهل التأثير عليهم والمزايدة بخطابات تستفز العاطفة، وهذا ما دأبت عليه جماعة "الإصلاح" حيث اتخذت المناطقية مدخلاً للتأثير على المتهورين من أبناء المدينة بتضليلهم بأن جماعة "أنصار الله" هي الخطر القادم من الشمال وأن تعز يجب أن تكون للتعزيين ولا يحق لأي زيدي أن يدخل إليها.  
كذلك كثافة تعز السكانية التي تفرض توزعها في كل أنحاء الجمهورية ونشوب مواجهة في تعز بطابع مناطقي معناه أن تمتد المناطقية إلى كل أرجاء اليمن.
خروج أبناء تعز الذين عرفوا بالثقافة مع جماعات الإرهاب في وجه الجيش واللجان الشعبية يهدف إلى إيصال رسالة لأبناء المحافظات الأخرى التي كانت عصية على مشروع الإخوان التمزيقي بأن الثقافة تواجه الحوثي وأن تصالحهم مع الجيش ودولة الأمر الواقع تخلفاً أو ضعفاً.
 لقد أودت هذه الجماعة بمجد تعز العريق، وحولت المدينة إلى ساحة للصراع يقتل فيها الأخ أخاه، أو يشكر قاتله، وبدل أن كان ابن تعز يطالب بتمدن عمران أضحى يحلم بنزر يسير من أمنها.