صمود شعب
 

عبدالناصر سلام

 .. في نهاية مقالته يختم أحد الكتاب العرب بقوله: صحيح إن أقوى الدول العربية عسكرياً ومالياً تخوض حرباً غير متكافئة مع أضعفها نظرياً، إلا أنها أقواها عملياً (يقصد اليمن). السعودية باتت تدرك استحالة حسم الحرب عسكرياً في بلد فقير ظنت أنه سيرفع الراية البيضاء في غضون أيام أمام جبروتها وسطوتها اللامتناهية، لتجد نفسها مضطرة للتفاوض على أساس الندية مع خصمها العنيد (أنصار الله)، والاعتراف بها كحركة وطنية تدافع عن اليمن ضد عدوانها البربري.
صحيح أننا لا نمتلك الترسانة العسكرية الحديثة والمتطورة كالسعودية، ومعظم الترسانة العسكرية إما قديمة أو متهالكة، ولكن النصر دائماً حليف أكثر الشعوب إيماناً بقضاياها ومظلوميتها في طريقها نحو التحرر من كافة أشكال الهيمنة الامبريالية وأذرعها في العالم.
كسرت السعودية أحد شروطها حين اتجهت للتفاوض السري، والآن العلني مع (أنصار الله)، وكانت إحدى نتائج هذا التفاوض أن اعترفت الأولى بـ(أنصار الله) كطرف يمني ورقم صعب في المعادلة الداخلية اليمنية، من الصعب بمكان تجاهله وتجاوزه والقضاء عليه، وأعطته بقصد أو بدون قصد شرعية الدفاع عن اليمن، بعد أن كانت تصفهم بالمليشيات والانقلابيين.
والمعروف أن الدول لا تتفاوض إلا مع دول وحكومات مثيلاتها. حين عرض البريطانيون دعم اليمن بقيادة الإمام يحيى بالعتاد العسكري في ثورته ضد الأتراك، رفض الإمام والشعب هذا العرض، وقال الإمام حينها (إن الأتراك أقرب إلينا من البريطانيين)، وهكذا يقول المفكر والشاعر البردوني إن اليمن كان الحالة الاستثنائية الوحيدة من بين جميع الأقطار العربية الذي رفض العرض البريطاني ضد الاحتلال العثماني، وقاتل الأتراك ببنادق البارود القديمة والسيوف والرماح، وانتصر.
في تقرير للاستخبارات الأمريكية (CIA) أمام لجنة في الكونغرس الأمريكي، نفت أن إيران هي من تسير جماعة أنصار الله، وأن قرار الجماعة بيدها هي وحدها، ولا تأثير لإيران في رسم سياساتها وتوجهاتها الداخلية أو الخارجية، وهو ما ينفي صحة الادعاءات السعودية بأن إيران تسيطر على اليمن، وبالرغم من تصريحات القيادات الإيرانية في ما يخص اليمن، إلا أنها لا تخرج عن كونها متعلقة بما يصب في مصلحة ضغط مفاوضات النووي الإيراني.
في تقرير لصحيفة (رأي اليوم) الإلكترونية التابعة لعبدالباري عطوان، ذكر أن الدول الغربية أوقفت الدعم العسكري والاستخباراتي للرياض، كونها فشلت في حسم الحرب في اليمن، وانتشار داعش والقاعدة في الجنوب. وتمثل دعم الدول الغربية ـ حسب التقرير ـ في تزويد غرفة عمليات (عاصفة الحزم) بتحركات الجيش واللجان الشعبية عبر الأقمار الصناعية المصوبة نحو المنطقة، وكان الافتراض السائد أن الجيش واللجان سيندحرون في غضون شهرين على أقصى تقدير، ناهيكم عن أن المناطق التي انسحب منها الجيش واللجان تقوم القاعدة وداعش بملء فراغ انسحابهما، بعكس ما يروج له إعلام الخليج بسيطرة ما يسمى جزافاً الجيش الوطني والمقاومة.
يأتي هذا التقرير بعد تصريحات متسارعة من قبل مسؤولين غربيين وسعوديين ومؤشرات بدأت تطفو على السطح كلها تصب نحو إيقاف الحرب على اليمن في المستقبل القريب. الحرب ضد اليمن لم تكن قراراً سعودياً بقدر ما كانت قراراً أمريكياً بحتاً لعبت السعودية دور الوكيل الحصري لتنفيذه، خاصة بعد تجربتي أفغانستان والعراق اللتين اضطرتا الولايات المتحدة لعدم التدخل المباشر في الشؤون الداخلية في الوطن العربي.
أثبت الجيش قدراً كبيراً من المرونة في ما يتعلق بالعدوان، واتخذ لنفسه استراتيجية النفس الطويل في التعامل معه، ففي لحظات فقط، تحول الجيش بعتاده ومعسكراته من جيش نظامي الى جيش متمرس على تكتيكات حروب العصابات، أيضاً أثبت قدرته التي لعبت دوراً كبيراً وربما أذهلت دول الغزو، وهي التي تحدد سياق وسير المعارك، المتمثلة بالاتصالات بين وحداته العسكرية والتنسيق في ما بينها في وقت تخوض عشرات الجبهات داخلية وخارجية، وهو ما لم يكن متوقعاً من جيش ولجان يعتبرها الكثير من المحللين العسكريين ميليشيات بدائية متسلحة بعتاد عسكري يعود الى حقبة الحرب العالمية الثانية. والأهم من هذا كله أنه استطاع التخلص من عقدة القيادة المركزية التي غالباً ما تلعب دوراً كبيراً في التسبب بالهزائم العسكرية. 
ومع هذا الفشل السعودي في اليمن تزداد الضغوط الدولية من قبل المنظمات الدولية الحقوقية، على المملكة بسبب جرائمها التي تطال مدنيين أبرياء، كان آخرها في مستبأ حجة، ولم تكن هذه الضغوط لتأتي وتضغط وتفضح المملكة وجرائمها إلا بعد حصولها على ضوء أخضر من قبل الولايات المتحدة، وإلا فأين كانت منذ عام..؟!
الغرب يئس من الحسم في ظل الصمود الأسطوري للجيش واللجان، ومدى التنسيق العسكري والسياسي في ما بين تلك القيادات التي لم تكن لتأتي إلا في ظل تلاحم شعبي وحاضنة شعبية تدفعهم وتمدهم بطاقة لا متناهية تجعلهم قادرين على الصمود في وجهه ألف عاصفة لألف عام.

أترك تعليقاً

التعليقات