(قميص عثمان) في سوق الحراج! (1)
 

نجيب القرن

بذريعة الخروج ضد قتلة الخليفة عثمان، والمطالَبة بدمه، أصبح قميصه الذي تلطخ بالدم يعرض في الأمصار على الناس، وظف القميص لإثارة العواطف وتجييشها، ومن ثم الدفع بالمتحمسين للقتال يومها.. كل ذلك تحت مبرر المطالبة بأخذ الثأر من قتلة الخليفة، مع أن الهدف الحقيقي الذي سعى إليه معاوية من خلال حمله وترويجه للقميص، هو الوصول لقتال الإمام علي عليه السلام، واستئثاره بكرسي الخلافة لنفسه، وتوريثه لبنيه.
مضى عثمان، وظل قميصه من بعده عنواناً يستثار به أهل العقول السطحية، ويدفع بهم نحو قتال الإمام علي، بزعم أن القتلة يتواجدون داخل صفه!
لاحظوا كيف أن صاحب الشر دائماً يحاول أن يجد له وسيلة خيِّرة ومقبولة يمرر من خلالها مخططاته. وبالفعل قد يصل لمبتغاه أحياناً كثيرة، لكن يبقى وصوله باطلاً، وسرعان ما تنكشف نواياه، فتلفظه الحقب والأجيال بعد ذلك.
مقصدنا ليس الإثارة المذهبية أو الإساءة والشتم لبعض الرموز السابقة كما سيُخيل للبعض، وليس المقصد بقاءنا داخل فلك الماضي.. للأسف مشكلة الكثير أنهم يجهلون أهمية أخذ العبر ودراسة البدايات، يجهلون أن تاريخنا الحاضر هو جزء مرتبط منهجه بتاريخنا الماضي، لا ينفصل، ولا يمكن حذف الأحداث. ما نسرده أيضاً ليس تقولاً وتزويراً، بل أحداث مسطرة داخل أمهات الكتب السنية خاصة، والمعتبرة عند دعاتهم.
ما نريد الوصول إليه هو أن قصة التباكي على قميص عثمان، والبحث عن قتلته، هو نفسه الأسلوب المتبع حالياً لدى جماعة الإخوان المسلمين وجماعات أخرى وهابية، ولا غرابة في تشبههم بأسلافهم السابقين ما دامت المدرسة المؤسسة قديماً حاضرة بمنهجها وتعاليمها إلى الآن، وتعد بمثابة مركز تثوير قائمة على المكر والخداع والتلون، مدعمة بالروايات المزورة. لاحظوا مثلاً كيف أن خصلتي المكر والخداع عند معاوية وابن العاص عُدتا من الدهاء والحكمة بنظر الكثير من الفقهاء والمحدثين! هذا التلبيس الذي يغرر على أعين الناس وصفه سابقاً الإمام علي عليه السلام بقوله: (كلمة حق يراد بها باطل).
في عصرنا الحاضر، أخذ أتباع هذه المدرسة المتلونة أشكالاً عدة ومتطورة، فسلكوا عدة طرق خيرية، ولكي يستميلوا العامة، فلا بد أن يحضر مظهر اللحية والقول المنمق الجهور: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم)، وكذا لا بد من طباعة المصحف وتوسعة حمامات المسجد وغسل وكسوة الكعبة والتباكي على السنة والصحابة، وأيضاً العمل على تشييد المساجد الضرارية والمراكز في كل أصقاع الأرض.
لا نشكك في النوايا الحسنة عند كثير من الأتباع البسطاء والسطحيين، لكن ركزوا جيداً على نتائج تلكم الأعمال على الواقع، وأين هو تأثيرها المفضي لنهضة وقوة الأمة! كل تلك الوسائل والطرق تظل فقط في إطار المظهر الشكلي المزيف والمدجن للأمة، والمشوه للجوهر الحقيقي للإسلام.. وفي خاتمة الأمر سترى غالبية هؤلاء الناهجين لهذه الرتوش يقعون مباشرة في مستنقع الأعداء، بل يسيرون إليه بأنفسهم! فهل هذه هي الغاية من مشروع الإسلام القوي المتفرد؟ هل تعاليم الإسلام تحررك من العدو والظلمة والطواغيت، أم تجعلك تابعاً لهم وضعيفاً طيلة عمرك ودهرك؟!

أترك تعليقاً

التعليقات