شعب عصي على الانكسار
- نصري أحمد الخميس , 18 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 6:23:57 PM
- 0 تعليقات
نصري أحمد / لا ميديا -
والشمس عند الغروب، كانت صنعاء تستعد لأن تطوي يوماً آخر من الحصار والوجع. اخترقت السماء زفرة موتٍ محمولة على أجنحة الحقد الصهيوني. لم يكن في الأمر تحذير، ولا حتى هدير طائرات يُنذر بالفاجعة. فجأة، دوّى الانفجار، وسقط الجحيم على رؤوس الأبرياء.
في حيّ التحرير بالعاصمة صنعاء، تهاوت الأسقف والنوافذ، وتطايرت الأرواح قبل أن تستوعب أنها كانت على موعدٍ مع الغدر. كانت الأمهات على استعداد لتجهيز موائد العشاء، والأطفال يلعبون في الأزقة. سُرقت اللحظة من بين أيديهم. تحول الحي إلى ساحة ركام.
فرزة الباصات، التي طالما كانت شاهدة على تفاصيل البسطاء، امتلأت بدخان كثيف ورائحة الموت. باصات مهترئة كانت تستعد لرحلات قصيرة تحوّلت إلى توابيت حديدية. سائقون وركابٌ تفحّمت أجسادهم، وبقيت حقائبهم مبعثرة كشاهدٍ على رحلة لم تكتمل.
في الاتجاه الآخر من المجزرة، كانت أسرة «الضمدي» تحلم بنهارٍ جديد. بيت صغير يؤوي حكايات عائلة يمنية تنبض بالحياة، انهار على رؤوس ساكنيه. ما زالت أنقاضه صامتة، تخفي تحتها أجساداً هامدة، دفئها الغبار وثقل الخرسانة. الأب، الأم، والأطفال، وأكثر من أسرة، لم يُرفع عنهم الركام بعد، ولم يعلُ صوتٌ سوى بكاء الحجر.
لكن الجريمة لم تتوقف عند استهداف المنازل، بل امتدت لتكمم صوت الحقيقة، إذ شن العدوان الصهيوني عدة غارات على مؤسسة صحفية، فيها أقلام حرة وشريفة، وليست أسلحة كما يزعمون، صحفيون فقط يكتبون بدمائهم شهادات وجع لغارات عدوانية سابقة.
استُشهد عدد من جنود الكلمة، يعملون في صحيفتي «26 سبتمبر» و»اليمن»، يحملون أقلاماً ودفاتر، لا ذخائر وبنادق. سُفكت دماؤهم فقط لأنهم قرروا أن يكتبوا، أن يشهدوا، أن يُظهروا للعالم أن صنعاء تُذبح على الهواء مباشرة.
أيُّ عقلٍ هذا الذي يستبيح أعياناً مدنية؟! أيُّ قلوبٍ تلك التي ترى الأطفال تحت الأنقاض وتبتسم؟!
لكن الشعب اليمني، وكعادته، لا ينحني. ففي كل منزل يهدم، تنبت عزيمة. وفي كل شهيدٍ يُزف، تولد صرخة مقاومة.
العدو الصهيوني، ومن خلف ستار الصمت الدولي والتخاذل العربي والإسلامي، حاول من خلال هذه الجريمة أن يرسل رسالة مفادها: «اصمتوا عن غزة، أو ذوقوا ما ذاقوه»؛ لكن الشعب الذي اعتاد الجراح، لم ولن ينكسر.
فالقلوب وإن نزفت، ما زالت تنبض للقدس، وتدعو لغزة، وتدفع ثمن الكرامة عن طيب خاطر.
المصدر نصري أحمد
زيارة جميع مقالات: نصري أحمد