خاص / مرافئ لا

من المذيعين المخضرمين في إذاعة صنعاء. صاحب الصوت الذي يأتي كأنما قادم من أعماق الأرض اليمنية، حاملا معه عبق تاريخ تتنسمه النقوش وتفوح به الأساطير. 
ولد عبدالملك علي العيزري عام 1949، في منطقة ضوران بمحافظة ذمار. تلقى تعليمه الأولي في كتاتيب منطقته، ليخوض مشواره في التثقيف الذاتي معتمداً على نفسه. التحق بالعمل في إذاعة صنعاء مبكراً، ثم في 1971 تم اعتماده رسمياً هناك، حيث عمل في إدارة المذيعين كمذيع ربط وقارئ نشرات رئيسة ومقدم برامج.
صوته الجهوري والمتأني في الوقت نفسه، وامتلاكه ناصية اللغة، بالإضافة إلى تواضعه الجم وأخلاقه الرفيعة، كل ذلك جعل الكثير من المذيعين يتتلمذون على يديه، فعمل في الإذاعة مدرباً.
كان أول برنامج أعده وقدمه العيزري هو برنامج «أوراق ملونة» عام 1971. كما أعد وقدم العديد من البرامج الإذاعية المتميزة، كـ»مجلة الميكرفون» و«كشكول الأسبوع» و»لو كنت» و»مع الأدباء العرب»، و»من الأدب العالمي» و»شيء عن كل شيء» و»أولياء الله»، وغيرها. 
أما برنامجه الإذاعي الأشهر على الإطلاق فهو «مجلة الفكر والأدب» الذي كان يكتبه الأستاذ عبدالله البردوني منذ 1971 وحتى 1997. كان البردوني حينها مديراً عاماً للبرامج في إذاعة صنعاء، ويبدو أنه وجد في صوت العيزري فضاء يتسع لما يريد بثه، فشكلا معاً ثنائياً متفرداً امتد ما يقرب من 800 حلقة ولمدة 26 سنة. هذا البرنامج الذي احتفظت به إذاعة صنعاء خالصاً لها، بالرغم من محاولات جهات عدة الاستحواذ عليه، كان بحق عملاً استثنائياً أثرى الإذاعة، وصنع وعياً ثقافياً لدى المستمعين الذين كانوا كثيراً ما يحرصون عليه، ومن الحق على صحيفة «لا» عبر ملحقها الثقافي هنا، أن تنقل لإذاعة صنعاء طلب الكثيرين بإعادة بثه.
وكما كان صوت العيزري في تلك البرامج اليومية والأسبوعية يأخذ مستمعيه في رحلة مع الزمن لا يراد العودة منها، كان كذلك حاضراً في النقاشات واللقاءات السياسية ونشرات الأخبار الرئيسة. ومايزال يتذكر الكثيرون بيان النعي الذي تلاه عبدالملك العيزري بصوت يكاد يقطر ألماً وحزناً عند مقتل الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، مبتدراً إياه بالقول: 
أيها الشعب اليمني الكريم، لقد تعودت في طريق حفاظك على حريتك واستقلالك، وثورتك وجمهوريتك أن تجابه الأخطار والمحن بإيمان قوي وثبات لا يتزعزع. 
مآذن صنعاء هي أيضاً تتذكر ذلك الصوت وهو يقدم لخطبتي وصلاة الجمعة من رحاب الجامع الكبير، بخشوع صادق يملؤها روحانية. 
كان العيزري بحق نموذجاً للإذاعي المتميز الذي يقدر رسالته الإعلامية وهدفها. فالإعلام بالنسبة له «هو أن يكون الإنسان مع الوطن، مع التربة، مع البيئة التي خرج منها، وأن يعمل لصالحها قبل كل شيء».
رغم ظروفه المعيشية الصعبة ومرضه الذي أفقده بصره، ظل العيزري حتى آخر أيام حياته متماسكا لم تهن عزيمته، إلى أن غادر دنيانا يوم الثلاثاء 19 ديسمبر 2017، عن عمر ناهز الـ76.