لا يملك ترامب مبررات منطقية واضحة تفسر اغتياله للقائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني، أو لجزء كبير من السياسة الخارجية التي يتبعها.
بعد أن خرج ملايين الإيرانيين للتعبير عن حدادهم على اغتيال الجنرال قاسم سليماني في غارة جوية شنتها الولايات المتحدة، كان من المدهش أيضا رؤية الطلبة الإيرانيين يخرجون إلى الشوارع بشجاعة للتنديد بإسقاط حكومة بلادهم لطائرة أوكرانية.
لقد نجح هؤلاء الطلبة في إدراك أن زرع الفتنة في جميع أنحاء المنطقة سيؤدي بكل تأكيد إلى جعل قادة الأمة يجنون عواقب مأساوية غير متعمدة. ويمثل غضبهم هذا بادرة طيبة على وجود إيرانيين مناهضين لديكتاتورية نظام الملا، ورغبتهم في أن تصل أصواتهم إلى العالم بأسره.
تعتبر هذه الاحتجاجات إشارة جديرة بالترحيب بأن إدارة ترامب ربما تكون قد وجهت ضربة قاسية للنظام الديني في إيران، وهو أمر يستحق الثناء حتى لو كان التدخل العسكري للإطاحة بالنظام الإيراني قرارا غير حكيم. ومع ذلك، لم تستطع رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إدراك ذلك، حيث صرحت في حوار لها في البرنامج التلفزيوني "هذا الأسبوع" في قناة "إيه بي سي"، الأحد، بأنها لا تعتقد أن سقوط النظام الإيراني سيكون أمرا جيدا. ومن الأفضل للديمقراطيين أن يملكوا القدرة على تمييز النتائج الجيدة من السياسات الخاطئة.
وفي حين أنه من الواضح أن الثيوقراطية الإيرانية تعتبر وحشية وقاسية، وأسهمت في زرع الموت والتوتر في منطقة الشرق الأوسط، حيث كان الجنرال سليماني المهندس الرئيسي لتلك الحملة، فإنه لا يوجد ما يستحق الاحتفال به بشأن الشكل الذي اتخذه الصراع الأمريكي الإيراني.
في الواقع، يعتبر الصراع الحالي نتيجة تخلي ترامب عن الاتفاق النووي الذي نجح في تحقيقه سلفه باراك أوباما، سنة 2015، إلى جانب بريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا وروسيا، ناهيك عن إعادة فرض عقوبات صارمة على إيران. ولم يكن القتل المستهدف للجنرال سليماني مشكوكا فيه من الناحية القانونية والأخلاقية فحسب، بل كان أيضا عملا قد يأتي بنتائج عكسية قبل فترة طويلة من شن هجوم انتقامي شرس من جانب إيران أو أحد وكلائها.
علاوة على ذلك، أسهمت عملية الاغتيال هذه في إبعاد واشنطن عن حلفائها الأوروبيين، الذين لم يتلقوا أي إشعار مسبق يشير إلى التخطيط لشن عمل محتمل، كما لم تبد أي من هذه الدول تأييدها لما حصل.
ربما لم يكن القرار اللاحق الذي اتخذته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، التي كانت تتهم إيران رسميا بانتهاك الاتفاق النووي لسنة 2015، بإعلان أنها لم تعد ملزمة بالقيود المفروضة عليها مما أدى إلى نشأة آلية نزاع، استعراضا للتضامن الذي أظهرته في البداية. ففي الوقت الذي كان فيه الأوروبيون يفكرون في هذا الإجراء، هددت إدارة ترامب سرا بفرض رسوم بنسبة 25% على السيارات المصدرة في حال لم يتخذوا الإجراء، وذلك حسبما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست".
كانت عملية الاغتيال تملك جميع السمات البارزة للنهج غير المترابط الذي تتبناه إدارة ترامب في التعامل مع الشؤون الخارجية. يعتبر الاغتيال غير قانوني حسب القانون الدولي، ومن الأعمال المحظورة في السياسة الخارجية الأمريكية. ويبدو أن فريق الأمن القومي التابع لترامب قد اعترف بذلك عندما أصدر في البداية ادعاءات متضاربة وغير مدعومة بالأدلة بأن الجنرال سليماني قُتل بسبب مخاوف من اندلاع إضراب كبير كان سيودي بأرواح العديد من الأمريكيين.
أنهى ترامب هذه التمثيلية الاثنين عندما نشر تغريدة قائلا بأنه "لا يهم حقا" ما كان ينوي الإيرانيون فعله. "شخص سيئ، قتل الكثير من الأمريكيين، والكثير من الناس، لذلك قتلناه". لقد كان هذا رد فعل الرئيس المعتاد للتعامل مع العالم الخارجي. في الواقع، أسعد هذا التفسير الصقور الذين كانوا على قدر من التحفظ في ما يتعلق باستعراض العضلات الأمريكية. وكما كتب عضو مجلس الشيوخ توم كوتون، وهو من الصقور الجمهوريين من ولاية أركنساس، في صحيفة "التايمز": "سوف يخشى النظام الديني في إيران الولايات المتحدة مرة أخرى بسبب هذا العمل الجريء، والذي يرغمه على إعادة مراجعة احتمالاته".
لا شك أن هذا بالضبط ما يفعله النظام الديني في إيران. لكن بعد أن أجبرتهم العقوبات الأمريكية على مواجهة الركود والسخط المتزايد من قبل الشعب، فقد يستنتجون أن المزيد من الصخب يعطي أفضل الاحتمالات. من جانبه، وصف المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، الجمعة، المتظاهرين بأنهم "عملاء الولايات المتحدة"، وقال إن الهجمات الصاروخية الإيرانية على القواعد الأمريكية كانت بمثابة "صفعة على صورة الولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى".
في الوقت الحالي، يمكن للرئيس وفريق الأمن القومي التفاخر بأن عملية القتل لم تتسبب في إثارة عملية التصعيد التي كانت متوقعة، حيث إنه في أعقاب الهجوم الانتقامي السطحي على قاعدة أمريكية أصيب على إثرها 11 فردا من القوات المسلحة، وافقت طهران على التراجع من خلال تبادل عاجل للبرقيات عبر الوسطاء الدبلوماسيين السويسريين.
من غير المرجح أن تتغاضى إيران لفترة طويلة عن مقتل بطل وطني دون الأخذ بالثأر. وفي صراع غير متكافئ، فإن استعراض العضلات العسكرية الأمريكية ليس عائقا بالطبع، ومن المرجح أن تضاعف إيران جهودها لطرد القوات الأمريكية من العراق من خلال مليشياتها الشيعية بالوكالة هناك.
ثم ماذا؟ هذا هو السؤال الذي يقرع ناقوس الخطر بين الحلفاء الأمريكيين كلما اتخذ ترامب خطوة غير مدروسة في الشؤون الخارجية. هل ستكون هناك خطة بديلة في حال قررت إيران الانتقام، بغض النظر عن التهديدات الجوفاء لمهاجمة المواقع الثقافية؟ هل تجري مناقشات مع الحلفاء حول كيفية جلب إيران إلى طاولة المفاوضات بشأن صفقة نووية جديدة؟ أم أن إدارة ترامب مستعدة بالفعل لخوض حرب مع إيران؟



السب فريق تحرير صحيفة
 "نيويورك تايمز" الأمريكية
ت 18 يناير 2020
"عربي21"