سبنسر أكرمان، ايرين بانكو، أساوين سوبساينغ
صحيفة "ديلي بيست" الأميركية

منذ عام مضى بالكاد تفوقت الولايات المتحدة على "قاسم سليماني" من خلال تولي "عادل عبدالمهدي" منصب رئيس وزراء العراق. لكن مع مقتل "سليماني" في غارة جوية أميركية، تعامل الولايات المتحدة الحكومة العراقية التي أنشأتها القوات الأميركية خلال مدة الاحتلال 2003 ـ 2011 على أنها أكثر من مجرد تابع للاستراتيجية الإيرانية.
بينما يتعهد الإيرانيون بأن الانتقام لـ"سليماني" سوف يشمل طرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط (هدف طهران منذ زمن طويل)، فإن الإدارة الأمريكية ترفض حتى التحدث مع العراقيين حول المغادرة، متجاهلة إصرار "عبدالمهدي".
وفي حين أن الولايات المتحدة لا تحترم عادة السيادة العراقية، فإن عداء إدارة "ترامب" تجاه بغداد يُظهر أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى تدخل إيراني لتقويض موقعها في بلد كان يعتبر ذات يوم حجرا رئيسيا لوجودها في المنطقة.
في يوم الجمعة، كرر "عبدالمهدي" أنه يريد مناقشة خروج الولايات المتحدة. لكن وزارة الخارجية الأميركية، في بيان حول "الشراكة المستمرة"، استبعدت أي نقاش من هذا القبيل، قائلة: "في هذا الوقت، سيكون أي وفد يتم إرساله إلى العراق مكرسا لمناقشة أفضل طريقة لإعادة الالتزام بشراكتنا الاستراتيجية وليس لمناقشة انسحاب القوات".
وجاء رد وزارة الخارجية الأميركية بالنسبة لبعض المراقبين باعتباره تصعيدا (ليس ضد إيران بل ضد العراق)، رغم أن من شأنه أن يصب في مصلحة إيران.
وقال "دوجلاس لوت"، وهو جنرال متقاعد بالجيش كان منسقا للبيت الأبيض لشؤون العراق وأفغانستان: "من المرجح أن ينظر المسؤولون العراقيون إلى هذا على أنه رفض لمناقشة الانسحاب، وهو ما سيعزز بدوره مطالبهم بالانسحاب".
وأضاف: "إنهاء الوجود الأميركي والشراكة في العراق هو الهدف الاستراتيجي الأكثر أهمية لإيران. وسوف تأخذ إيران النظرة الاستراتيجية الطويلة، ولن تعوقها التكتيكات، حتى مثل مقتل سليماني".
وقال "دان كالدويل" من المحاربين القدامى: "نشعر بخيبة الأمل لأن وزارة الخارجية لا تبدو مهتمة بالعمل مع الحكومة العراقية بشأن خطة لسحب القوات الأميركية من العراق بأمان".
وأضاف "ويليام روجر" من معهد "تشارلز كوخ": "تتعامل وزارة الخارجية مع تفضيلات الدولة ذات السيادة والشريك الاستراتيجي الحالي كما لو كان جهة غير ذات صلة".
وهذا ينتهك أهداف الحرب الأصلية المتمثلة في عملية "تحرير العراق" المتمثلة في إنشاء عراق حر وديمقراطي. بدلا من ذلك، تعامل الإدارة الأميركية العراق على أنه مجرد وسيلة لحملتها القصوى غير الحكيمة ضد إيران، وتعد بمزيد من الأعمال العدائية عندما يتعين علينا إيجاد حل دبلوماسي لخلافاتنا والانسحاب النهائي للقوات الأميركية من العراق وسوريا.
منذ أن صوت البرلمان العراقي على طرد الولايات المتحدة، أصرت الإدارة ضمنيا على أن التصويت لم يكن مشروعا. وهدد الرئيس "دونالد ترامب" بفرض عقوبات على دولة حليفة، وقال بيان الناطقة باسم الخارجية "مورجان أورتاغوس" بشكل واضح إن الولايات المتحدة تسعى إلى "محادثات بين الولايات المتحدة والحكومات العراقية ليس فقط فيما يتعلق بالأمن، ولكن أيضا حول شراكتنا المالية والاقتصادية والدبلوماسية".
في وقت سابق من هذا الأسبوع، بعد خطاب مربك لأحد الجنرالات بدا أنه يقبل بعدم الوجود العسكري الأميركي، أصر وزير الدفاع "مارك إسبير" بشكل قاطع على أن الولايات المتحدة لن تغادر، حيث إن التصويت البرلماني لطرد الولايات المتحدة "يُظهر دعم معظم العراقيين لوجودنا في البلاد"، وفقا لـ"إسبر".
وأوضح "إسبر" أن معظم البرلمانيين السنة والأكراد لم يصوتوا. "الشيعة هم الذين أدلوا بأصواتهم، وصوت الكثير منهم تحت وطأة تهديد حياتهم من قبل الميليشيات الشيعية".
لكن "إيلان جولدنبرج" الذي تعامل مع قضايا الشرق الأوسط لصالح البنتاجون ووزارة الخارجية في إدارة "أوباما"، قال إن "إسبر" قوض وجهة نظره من خلال رفض إجراء رسمي من حكومة ذات سيادة.
وقال "جولدنبرج": "إن أكبر كابوس في العراق هو أن ينتهي به الأمر باعتباره رقعة الشطرنج بين إيران والولايات المتحدة. ومع قتل سليماني، حققنا إلى حد كبير أسوأ مخاوفهم".
في الأيام التي تلت الضربة الأميركية، اشتكى "ترامب" للمقربين منه من أن العديد من المستشارين يواصلون إخباره بأنه سيبدو "ضعيفا" ويخاطر برد فعل عنيف من بعض المشرعين في الحزب الجمهوري إذا انسحب فعليا من العراق، وذلك وفقا لثلاثة مصادر على دراية بالمحادثات. لقد أخبر العديد من الأشخاص أنه لا يزال يريد الخروج من العراق وبلدان أخرى، ومع ذلك فإنه لا يزال يلتفت في الوقت الحالي إلى نصيحة مسؤوليه الصقور.
خلال الأسبوع الماضي، أجرى كبار المسؤولين في الإدارة محادثات مع نظرائهم العراقيين حول التصويت في البرلمان، وفقا لمسؤولين عراقيين وأميركيين. وتشاور المسؤولون العراقيون في بغداد فيما بينهم حول كيفية التعامل مع ما تخطط الولايات المتحدة لفعله بقواتها. هل يجب أن يواصل البرلمان المطالبة بطردهم؟
واجتمع المسؤولون في مكتب رئيس الوزراء وفي البرلمان لمناقشة الخيارات المتاحة للشراكة المستمرة بين الولايات المتحدة والعراق بشأن التدريب والعمليات العسكرية الأخرى المناهضة لتنظيم "الدولة الإسلامية" مع خريطة طريق للانسحاب الأميركي الكامل. وانتظر المسؤولون العراقيون واشنطن للعودة إليهم بخطة للبقاء، أو المغادرة، أو شيء ما بينهما.
مع مرور الأسبوع، حاول كبار المسؤولين الأميركيين الإجابة على أسئلة الكونجرس حول الضربة، وانتظرت بغداد. ثم، يوم الجمعة، سئلت الإدارة رسميا ما هي خطتها للعراق.
لسنوات، أعرب المسؤولون الأميركيون عن أسفهم لقدرة إيران في التفوق على الولايات المتحدة في العراق، وهو ما دفع المسؤولين الأميركيين خلال حرب 2003 ـ 2011 وبعد ذلك إلى رفض القرارات السياسية العراقية غير الملائمة.
كثيرون من اليمين الذين عارضوا مغادرة العراق في عام 2011، وخاصة السيناتور الراحل "جون ماكين" والسناتور "ليندسي جراهام"، تجاهلوا الافتقار إلى الدعم البرلماني لاتفاق ما بعد عام 2011 وتعاملوا مع الانسحاب باعتباره رغبة أحادية الجانب لإدارة "أوباما".
والجمعة في بغداد، واصل العراقيون احتجاجاتهم المستمرة منذ شهور ضد الهيمنة الإيرانية والأميركية.
تتمثل إحدى السمات الثابتة لعصر ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في عدم قيام أعداء أميركا بالرد عليها بطرق مباشرة مع القوة الأميركية، بل يعملون على إقحام الولايات المتحدة في صراعات طويلة، سياسية وعسكرية، تظهر ضعف الولايات المتحدة.
ومن نقاط الضعف أن تعلن الولايات المتحدة النصر في بداية التصعيد، كما فعل "ترامب" بعد مقتل "سليماني"، وقبل أن تظهر النتائج الكاملة. يجب أن تتعلم الولايات المتحدة أن إطلاق ضربات صاروخية يمكن أن يقوض النتائج السياسية التي تقول إنها تسعى إليها، ويمكّن الخصوم الذين شنت ضدهم تلك الهجمات.
كل هذا يقود البعض إلى استنتاج أنه بينما تركز الولايات المتحدة على ردود الفعل العسكرية الإيرانية على "سليماني"، يمكن لإيران أن تقدم مصالحها بطريقة أكثر استدامة.
وقال "جولدنبرج"، الذي يعمل الآن في مركز الأمن الأميركي الجديد: "هذه لحظة حساسة حيث يمكن لبعض الدبلوماسية الماهرة أن تمنعنا من الخروج من العراق. لكن الإدارة قررت اتباع دبلوماسية المطرقة الثقيلة، وهذا على وجه التحديد ما لا ينجح".

"الخليج الجديد"
12 يناير/ كانون الثاني 2020