علي نعمان المقطري / #لا_ميديا -

إن الحرب الراهنة هي حرب أميركية بمعنى الكلمة، من حيث جوهرها ومن حيث قرارها واستراتيجيتها ومداها وآفاقها وأهدافها ونهاياتها المتصورة، وبالتالي فإنها مرهونة بالإرادة الأميركية الحالية والقادمة بعد الانتخابات الأميركية الجديدة. ومن ثم فإن العدو يواجه أزمة استراتيجية كبرى، هي أزمة وضوح وقرار وآفاق. وهو يواجه احتمالين غير محسومين بعد من حيث أرجحية أي منهما: الأول: احتمال خسارة ترامب للانتخابات القادمة وفوز الديمقراطي جون بايدن في نوفمبر العام القادم 2020. والاحتمال الآخر أن يتم إعادة انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة لمدة أربعة أعوام جديدة، وهذا احتمال وإن كان أقل ترجيحا، إلا أنه يظل احتمالا تتمسك به السعودية وتعمل لأجل تحقيقه.

تنظيم المرحلة الجديدة وإدارتها
إن السعودية الآن تقترب من حالة العمي الاستراتيجي، وهي تواجه الأزمة التي تعمي نظرها استراتيجيا، ولا بد لها من تجاوز حالة انغلاق الأفق أو انسداد الرؤية لما بعد عام من الآن، فكيف ستضع خطتها العدوانية في ظل انعدام الرؤية الواضحة؟!
إنها أمام ضرورة أن تضع خططاً افتراضية تغطي كل منها أحد الخيارين المحتملين، بحيث تصبح شريكا قسريا في الحملة الانتخابية وتركيز الجهد لصالح سيدها الأثير ترامب وضبط وتيرة عدوانها بما يلائم مصالحه وحملاته الانتخابية القادمة وإطلاق العديد من المناورات والأوهام السلامية والإيجابية، لأن ترامب هو رهانها الأكبر الآن، فهي واحدة من توابعه ومازالت تعمل في إطار وجود ترامب وقيادته الساعية إلى استمرار الحرب العدوانية لتحقيق أهدافهما، وإن اتخذت أشكالا تختلف عن شكلها السابق.
أما إذا وصلت إلى البيت الابيض قيادة جديدة، كاحتمال نجاح الديمقراطيين فإن السعودية ستواجه وضعا صعبا في مواصلة استمرار العدوان على الطريقة القديمة المفتوحة المباشرة. ولتوضيح ذلك فإن مراجعة تصريحات قادة مجلس النواب الأميركي المعارض لترامب وسياساته كفيلة بأن ترسم لنا صورة المستقبل بخطوطه العريضة العامة. تقول السيدة بيلوسي، زعيمة الأغلبية الديمقراطية ورئيسة مجلس النواب الأميركي الحالي، إن الولايات المتحدة الأميركية لا تلتزم بالدفاع عن السعودية، وهو ما أكده ترامب مؤخرا عقب الهجمات على منشآت أرامكو، بقوله إن أميركا لا تلتزم بالدفاع عن أي أحد. وكلا التصريحين يعبر عن موقف واحد مشترك هو الموقف الداخلي العميق للدولة الأميركية العميقة، أي الجيش والبيروقراطية والأمن والمخابرات والدفاع والكونجرس، وما خلفها من مصالح وأهداف في اللحظة الراهنة، وهو ما يجعل إدارة العدوان السعودي الأميركي مأزومة لا تستطيع إدارة استراتيجيات جديدة بنجاح، مما يجعلها في وضع الارتخاء الاستراتيجي الملتبس والدخول في مرحلة رمادية عدوانية لا تمتلك معها الإرادة والقوة الكافيتين لاتخاذ أية قرارات مصيرية حاسمة حول الحرب والسلام.

الفترة الرمادية للعدوان وقيادته
ما المقصود بالمرحلة الرمادية؟ المرحلة الرمادية هي تلك المرحلة الحولية من العام الانتخابي الأميركي الذي يجبر القيادة الأميركية على تخفيف التطرف تكتيكيا في الملفات الخارجية، والتظاهر الخادع بالبحث عن حلول سياسية تفاوضية، لخداع وتضليل الرأي العام الأميركي لكي يصوت مجددا للقيادات السابقة، ولكي لا يشعر دافعو الضرائب الأميركيون بأن أموالهم تذهب في مشروعات مغامرة، وأن السياسة الأميركية الخارجية مصابة بالعته والجنون، وأنها تطغى على الاهتمام بالسياسات الداخلية. وهذا يفرض على الرؤساء السابقين تهدئة مغامراتهم الخارجية وحروبهم غير المشروعة التي تكلف الخزانة العامة الكثير من الأموال التي هم بحاجة إليها للإنفاق الاجتماعي والرعاية الصحية والتعليم ومكافحة البطالة، وأن يغلقوا الملفات التي تثير الجدل والنزاع بين الأميركيين والناخبين ليوحدوا حولهم القواعد الشعبية لأحزاب السلطة، وأن يظهروا بصورة الشخصيات العقلانية النزيهة التي لا تكذب ولا تخدع ولا تخالف القوانين والمثل الدينية والأخلاقية، والتي تهتم بالسلام في العالم أجمع ولا تتدخل في شؤون الغير... وهي ما تسمى قواعد اللعبة السياسية الأميركية، أي أن تخرقها كما تشاء طالما لا أحد يكشفك في الخفاء، ولكن في الظاهر لا بد أن تلبس كل الأقنعة الخاصة بالتبتل والزهد والتقوى والمحبة الإنسانية والأخوة. ولكون الأميركيين كشعب نشأ تاريخيا من جماعات المجرمين الفارين من العدالة والمافيات والمجرمين والقتلة واللصوص فقد ترتب عليه أن يعيش في ازدواجية تناقضية صارخة بين المظاهر والجواهر. هو مجتمع لم يسمع عن الفضائل إلا في الكتب الميتة القادمة من أوروبا والشرق. ولأن القواعد الشعبية الواسعة البسيطة الثقافة والمهاجرين أصلا تتأثر بالمفاهيم المثالية إلى حد ما في تحديد خياراتها السياسية فإن الرؤساء والمرشحين جميعا ملزمون بمجاراة تلك الموجة والمزايدة حولها لكسب ود الرأي العام الأميركي البسيط الذي يشكل الكتلة الواسعة من الناخبين.
 
ملفات ساخنة
ولأن ملف العدوان الأميركي السعودي على اليمن ملف ساخن الآن، فإن المعارضة تستخدمه في تهييج الشعب ضد الرئيس الراهن ترامب وسياساته، وتتهمه بمخالفة القوانين الأميركية والمصالح الوطنية، وتطالب بعزله، بالنظر إلى ملفات ساخنة أخرى مثل ملف خاشقجي والتدخل الروسي والأوكراني في الانتخابات السابقة واتهامه بالتجسس لصالح دول أجنبية وفساد الممارسة.
باختصار فإن الرئيس الأميركي الحالي لا يتحمل أكثر مما يطيق من ملفات وتحقيقات وتلطيخ لصورته وإساءة لسمعته الملطخة بما فيه الكفاية، وهو يحارب الآن من أجل تبريد الملفات وليس المزيد من إشعالها. ونعرف الآن أنه هو من ضغط على السعودية في مرات عديدة لكي تدخل في المشاورات والمفاوضات التكتيكية مع صنعاء، لكي يخفف من الحملات التي تتناوله في الكونجرس والرأي العام في دولة مدنية ليبرالية تعددية تدعي الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والشعوب.

أزمة القيادة السعودية العدوانية
إن السعودية لا تستطيع أن تعتمد بثقة -وهي تواصل عدوانها على اليمن- على أن تقوم الولايات المتحدة بإرسال قواتها وجيوشها إلى المنطقة دفاعا عن احتلال السعودية للأراضي اليمنية الجديدة والقديمة، كما كانت تتوهم بداية العدوان وعقب صعود ترامب. ومثلها بقية الحلفاء الأطلسيين وأقربهم بريطانيا، التي تواجه استحقاقات عديدة داخلية، وخاصة خلال الفترة الرمادية الراهنة. ولا يجوز الخلط بين إرسال اختصاصيين وخبراء وقادة ومستشارين وبين إرسال القوات المحاربة الحقيقية.
إن الفترة الرمادية تلقي بظلال من الشك والغموض حول الكثير من القرارات والتوجهات المستقبلية للحرب العدوانية، وهي حال تصاحب الفترات الانتخابية الأميركية كل أربعة أعوام، وتستمر عاما كاملا، وهو عام الانتخابات، ولذلك هي مناورة من يريد الاستمرار في العدوان والحرب ولا يستطيع كسبهما، ومن لا يريد السلام ويخشى عواقبه في وقت واحد.

خيارات وطنية استراتيجية ملحة
إلى الآن ما زال العدوان السعودي الأميركي لم يتيقن من هزيمته والفشل المطلق لمشروعه الإمبريالي في المنطقة، نتيجة لتوفر كميات كبيرة من المرتزقة المؤجرين لخدمة المشاريع التداخلية الأجنبية، ولأنها مازالت لم تتيقن من حتمية سيطرة الجيش واللجان على المجال الجوي الحربي والبحري بتطويره آليات دفاع جوي متطورة جداً وحاسمة. ومن هنا فلا بد لقوات الجيش واللجان أن تذيق خصمها من الويلات والضربات والنكسات ما يجعله ذليلا لا أمل له في استمرار العدوان، وخاصة في مجال السيطرة الجوية، وفي مجال السيطرة البرية المباشرة على المراكز والمدن الرئيسية في الحد الشمالي، وتحريره صراحة، ومواصلة الضربات الاستراتيجية التي تستهدف المنشآت النفطية والبحرية والسفن المعادية التي تحمل نفط العدو، والسيطرة على باب المندب والمخا وجزيرة ميون وإغلاق البحر الأحمر عند الضرورة، أي باختصار فإن أمام قوات الجيش واللجان وقيادتها الاستراتيجية العليا الفرصة السانحة الآن أكثر من أي وقت مضى، ولمدة عام تقريبا، لكي تستخدم أقوى خياراتها وتطوير أمضى أسلحتها الصاروخية الجوية والبحرية والبرية معا، وأن تشن أقوى تعبئة حربية شعبية جماهيرية في أوساط الشعب اليمني الحر، بتنفيذ حملة ملايينية جماهيرية مرعبة للعدو تجعله يرتعد فزعا مما ينتظره، وشن هجمات استراتيجية على الجبهات المختلفة في الخارج والداخل، هجمات تشل حركة العدو وتعصف بمشاريعه وآماله وتخضعه للإرادة الوطنية وتجبره على الانسحاب بمذلة من الأراضي اليمنية المحتلة.