عفاف محمد / لا ميديا -

الشعر هو فن أصيل مرتبط بالتاريخ، ويعد أبرز الفنون الموروثة، وقد لقي الشعر اليوم الكثير من الرعاية والاهتمام، مما بعث فيه القوة والحيوية، حيث اتخذ وسيلة للتعبير عن الأحداث، وفي وقت مضى كان وسيلة للتفكه والمتعة والتسلية، وكوننا نعيش فترة مشحونة بأحداث ساخنة، أنتج الشعراء والشاعرات فناً شعرياً مزيجاً من الحماس الوطني. 


الشاعر المبدع لا تكتمل جودة شعره بالملكة وفطرية شاعريته، بل باتساع معرفته في علم البحور الشعرية التي تجعله يصوغ شعره صوغاً دقيقاً متوازناً، يتذوقه المحبون والعارفون بأسرار الشعر ومواضع الجمال فيه.
شاعرتنا اليوم هي شخصية مؤثرة على المشهد الشعري باعتبارها جزءاً من المشهد الثقافي اليمني، شاعرة حصيفة متمكنة، ألفاظها مأنوسة خالصة من مخالفة القياس الصرفي، تجيد سبك القصيدة في لوحة بديعة تسر الخاطر، طلت علينا من روضة الشعر الفصيح بالغض النظير، شاعرة فصيحة أتقنت العزف على وتر الإحساس.
نعلو وإياكم مع الشاعرة أحلام عبدالكافي، في نبذة عن حياتها الشعرية:
تفردت معاني ومشاعر كتابتها الشعرية في ظل العدوان السعودي الأمريكي الغاشم، وكانت انطلاقتها الأولى في مجال الشعر تركزت على وصف المرأة اليمنية حفيدة الزهراء وزينب عليهما السلام، عبرت شاعرتنا عن المرأة اليمنية، كونها من تسلحت بعزم وبأس إيماني يماني، عالي الثقة بالله القدير، وقالت الشاعرة عن المرأة اليمنية: إنها برزت في هذا الوجود شامخة كالطود، جذورها ممتدة على طول الأرض، ورفعتها تسمو عاليا إلى عنان السماء.
تدرك شاعرتنا أنه عندما يكون الحديث عن المرأة اليمنية، فبلا شك سيكون عن عظمة قل نظيرها في التاريخ، عن أسطورة البذل والعطاء التي أرعبت عدواناً جباناً، وسحقت تحت قدميها جبروت طغاة عاثوا في الأرض الفساد.
وتستطرد شاعرتنا عن المرأة اليمنية قائلة: تعجز الكلمات عن إدراك كنه عظمتها حين جادت وتجود بأغلى ما تمتلك، فكان أهلها وذووها هم من قدمتهم حبا وكرامة في سبيل الله، محتسبة الأجر منه جل وعلا، فكانت بعظيم بذلها قد ربت على نساء العالمين، فحقا عليهن أن كانت قدوة لهن يفتخرن بها، ويفتخر بها كل من أراد العزة، وابتغى الرفعة، في الدنيا والآخرة.
وقد أهدت شاعرتنا لجلالة صبر المرأة اليمنية هذه الأبيات:
تلك العزائم تعتلي قمم الجبال
ذاك الإبا والمجد فاق الاكتمال
هن النساء الشامخات بلا مرا
هن الوفا والعز أخت للرجال
تلك العزائم بالكرامة توجت 
بالعزم في محرابها حسم النزال 
وبالإباء تسابقت وتوافدت 
من أجل دين الله حباً وامتثال
ودماً تقدمه رخيصاً إنها 
بنت الأماجد سطَّرت أزكى مثال
وتجود بالابن العزيز مجاهداً 
أكرم وأنعم بالكرام ذوي النوال

ويتضح من هذه الكلمات الغزيرة المعاني الفياضة بأجزل العبارات، أن تراكيبها اللغوية سهلة ومدهشة، حيث توغل قصائدها في أعماق الروح لدقة اختيار مفرداتها وطريقة كتابتها متألفة من نسيج متفرد.
وفي رائعة أخرى، أتحفتنا أحلام بقصيدة يقول مطلعها:
نشيد المجد في إصرارها يشدو
ونورُ الحقِّ في أقوالها عهدُ
فلا يرقى إلى عليائها مدحٌ
لها التعظيم والإجلال والودُّ
يحار الوصف في سردٍ لإعجازٍ
عظيم البذل في مَن صبرُها رِفدُ
فكلُّ النصرِ مرهونٌ بإيمانٍ 
يباهي بالوفا منها ويعتدُّ 
لنا في صبرها أسطورةٌ تحكى 
فكم بيمينها يتسطَّر المجدُ
وكم صدت بإقدامٍ قوى الغازي 
بها حلفُ الردى يفنى ويرتدُّ

ونلحظ في الأبيات السابقة توظيفاً جميلاً للمفردات أنتج قصيدة متكاملة معنى ووزناً ولغة وصوراً شعرية حركية مزدانة بالذهب.
ثم انطلقت كلمات شاعرتنا تحلق في فضاء التسبيح لله حمدا والمباركة شكرا لأبطال جادوا فكانوا خير من أعطى، وكان الله خير موفق لهم، وأنتجت قريحتها المهذبة قصيدة بديعة نختار منها هذه الأبيات:
إلى الأم التي تهدي 
شهيدا يصنع الفخرا
إلى من عزمهم أضحى
سلاحا ينحت الصخرا
إلى الأحرار في أرضٍ
تطوف الروح بالبشرى
يمانيون قد خطّوا
لتاريخٍ له ذكرى
بكل الفخر قد ثاروا
فنصري لم يعد سرّا 
هنا أسطورةٌ تحكى
وآياتٌ هي الكبرى 
فلا والله لن ننسى
لنا من وحيها ذكرى
لنا في صبرنا نصرٌ
فما جرحٌ لنا يُبرا
عزمت النصّر في دربي
لبست اللامة الغرّا
ويتبين من أبيات الشاعرة أحلام أنها شاعرة سليمة الذوق كثيرة الاطلاع على كلام العرب، وصاحبة خبرة وافرة بكتب الأدب، فلفظها رشيق عذب، وفخم سهل، ومعناه ظاهر مكشوف، وقريب معروف.
لم يتوقف سيل إبداع شاعرتنا في مجال الشعر وحسب، فلها أنشطة متعددة، منها الإذاعية، ومنها التثقيفية والتوعوية، ومنها الجهاد الميداني في مؤسسة الإمام الهادي، وفي غيرها من المؤسسات التنموية والخيرية، وفي مجال كتابة المقال السياسي، ولم يغب حسها الشعري عن الواجهة، رغم ازدحام أعمالها، فالهاجس يزورها متوشحاً وشاح الشموخ والأنفة، ومتلحفاً بردة ضبابية فتلبيه، ويفوح عبق أعمالها الشعرية بلون متميز يعكس شخصية وأسلوب أحلام عبدالكافي، الشاعرة والأديبة، فهي تلك التي تترجم المشهد بروح خفيفة، ونبرة شعرية خاصة، وألفاظ جذابة، ووعي رشيد، وقريحة صافية.
وجادت علينا شاعرتنا برائعة متفردة واكبت عملية "نصر من الله" عنونتها بـ"أنشودة النصر اليماني"، تقول في مطلعها:
يا أرضَ نجرانَ الإباء تحية ٌ
منّا سلامٌ بالدماء معمّدُ
من شعب أنصار الصمود بشائرٌ
زُفت كغيثٍ فيضُها يترددُ
جئناك يا أرضاً عزمنا وصلَها 
من أرض حميرَ مجدنا يتجددُ 
في كل وادٍ قد تحقق نصرنا 
عزم الكرام أصالةٌ هي تشهدُ
تلك البطولات التي قد سطرت
أسرت غزاةً كالقطيع تَشردوا
في كفّنا غُصن السلام مودةٌ
في بأسنا سيفٌ يذود يهددُ
كلُّ الفلول تراجعت واستسلمت 
حتى تهاوى عرشُ من قد أفسدوا
هذي جموع الفتح ثار رجالها
كي تطرد الغازي بنارٍ توقَدُ

ومن القصائد المنشدة للشاعرة أحلام "شقائق النصر"، "الزهراء في قلوب المؤمنات"، و"هن النساء الشامخات"، وقصيدة في مدح الشهيد القائد بعنوان "ذاك الحسين نجم زمانه"، وأخرى عن التكافل الاجتماعي، وقصيدة في ذكرى المولد النبوي، وقصيدة في كرامة الشهادة، وقصيدة "عبد منيب"، وغيرها. وقد باتت رمزا للمرأة اليمنية كأنشودة "أم الشهيد عظيمة"، ولاقت ذيوعاً واسعاً في وسائل الإعلام. وكان ما تعرض ويتعرض له الوطن الحبيب من عدوان كوني خلف الكثير من المآسي والتداعيات الخطيرة بحق شعب الإيمان والحكمة على كافة المستويات، هو ما هز وجدان الشاعرة وأيقظ أحاسيسها الكامنة، وأوقد مشاعرها الجياشة، للتعبير والتحليق في ملكوت السجع والأدب والنثر والوصف والإبداع الأدبي، كالكثير من الشعراء والشاعرات، حيث هول ما تعرض له الشعب اليمني جعل الشاعرة أحلام تستشعر المسؤولية في واجب الدفاع المقدس عن الوطن. وكون الإعلام يعد مجالها، أبدعت وعن جدارة، وعبرت بصدق عما تشعر به تجاه مظلومية شعبها اليمني، وبالمقابل استنهضت مشاعرها كل عوامل الفخر حيال كل ذلك الصمود اليماني، وقد أفردت مساحة كبيرة في أعمالها للمرأة اليمنية، وكذلك تدفقت مشاعرها الجياشة لوصف عظيم تضحيات شهدائنا العظماء البواسل وصبر أهلهم وذويهم الإيماني الذي فاق الخيال. 
تحدثت أعمال شاعرتنا عن كل شاردة وواردة تبعث على الفخر والمجد والكرامة، وترجمت الإعجاز الذي تجلى في بلادنا، والذي صنع وابتكر واخترع في ظل عدوان وحصار خانق طائرات مسيرة وصواريخ باليستية... فحق له أن يكون بعظمته أسطورة تحكى وآياتٌ هي الكبرى.
ومن هنا نكون قد سلطنا الضوء على جوانب يسيرة من شخصية أحلام عبدالكافي؛ الشاعرة، الكاتبة، المذيعة، والناشطة.. التي اتسع أمامها ميدان الجهاد الإعلامي، فتمكنت عن جدارة من ترك بصمة بارزة في كل مجال بما يتلاءم وروح وإيقاع العصر، وباتت كالطير المتنقل ما بين السفح والجبل والسهل والوادي، وبين أغصان الشجر، محددة هويتها الممزوجة بالأرض، الممزوجة بالأمكنة التي تسوح فيها.